شرح سنن أبي داود [146]


الحلقة مفرغة

شرح حديث استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع اليدين في الاستسقاء.

حدثنا محمد بن سلمة المرادي أخبرنا ابن وهب عن حيوة وعمرو بن مالك عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عمير مولى بني آبي اللحم رضي الله عنهما: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء قائماً يدعو يستسقي رافعاً يديه قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [ باب رفع اليدين في الاستسقاء ] يعني: عندما يدعو في الاستسقاء فإنه يرفع يديه، والترجمة معقودة لبيان أن رفع اليدين في الاستسقاء ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد المواضع التي ورد فيها رفع اليدين؛ لأن رفع اليدين ثبت في مواضع عديدة منها في الاستسقاء.

وقد أورد أبو داود رحمة الله عليه حديث عمير مولى بني آبي اللحم [ (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء قائماً يدعو يستسقي رافعاً يديه قبل وجهه)].

فهذا فيه الدليل على ما ترجم له المصنف من حصول رفع اليدين في الاستسقاء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الاستسقاء وأنه يرفعهما قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه.

وهذا فيه المبالغة في رفع اليدين، وقد جاء في بعض الروايات أنه كان يرفعهما حتى يرى بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم من شدة رفعه ليديه في الدعاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وهو واضح الدلالة على ما ترجم له المصنف، وهو ثبوت رفع اليدين في الدعاء في الاستسقاء، وقوله: [ عند أحجار الزيت ] هو مكان في الحرة فيه حجارة سوداء كأنها طليت بالزيت لشدة سوادها.

قوله: [ (قبل وجهه) ].

يعني أنهما قبل وجهه، ما جاوز بهما رأسه، ومعناه أنه لا يرفعهما فوق رأسه.

تراجم رجال إسناد حديث استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء...)

قوله: [ حدثنا محمد بن سلمة المرادي ].

هو محمد بن سلمة المرادي المصري ، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ أخبرنا ابن وهب ].

ابن وهب هو: عبد الله بن وهب المصري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حيوة ].

هو حيوة بن شريح المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وحيوة بن شريح اثنان: أحدهما مصري وهو في طبقة متقدمة يروي عنه ابن وهب ، وحيوة بن شريح الحمصي ، وهذا من شيوخ أبي داود في طبقة متأخرة.

[ وعمرو بن مالك ].

عمرو بن مالك لا بأس به، وهي بمعنى (صدوق) عند الحافظ ابن حجر ، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن ابن الهاد ].

ابن الهاد هو: يزيد بن عبد الله بن الهاد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن إبراهيم ].

هو محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمير مولى بني آبي اللحم ].

عمير مولى بني آبي اللحم ، صحابي، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

وقوله: آبي اللحم هو اسم لصحابي هو عبد الله بن عبد الملك، وقد اختلف في اسمه، ولقبه آبي اللحم وقيل: إنه سمي آبي اللحم لأنه كان لا يأكل اللحم، وقيل: إنه كان لا يأكل ما ذبح على النصب، فقيل له: آبي اللحم ، والذي يروي الحديث هنا عمير مولى آبي اللحم ، وكذلك -أيضاً- يرويه آبي اللحم، فهو من رواية هذا ومن رواية هذا.

شرح حديث (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن أبي خلف حدثنا محمد بن عبيد حدثنا مسعر عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي فقال: اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل. قال: فأطبقت عليهم السماء) ].

أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما قال: [ (أتت النبي صلى الله عليه وسلم بواكي) ] والمقصود بالبواكي النساء، يعني: باكيات من الضيق والشدة، فاستسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: [ (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل) ].

قوله: [ فأطبقت عليهم السماء].

يعني: نزل المطر كثيراً غزيراً، فأجاب الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام، فحصل نزول المطر بغزارة وبكثرة.

والحديث ليس فيه دليل على رفع اليدين في الدعاء؛ لكن جاء في بعض الروايات: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يواكي) قيل: والمواكاة هي كونه يعتمد على يديه في الدعاء، وفي رفعها والابتهال إلى الله عز وجل في الدعاء.

فهذا يطابق الترجمة على هذه الرواية، لأنه قال: [ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يواكي ] وفسرت المواكاة بأنها الاعتماد على اليدين في الرفع، يعني: أنه اعتمد عليهما يدعو وقد رفعهما ومدهما يسأل الله عز وجل الغيث.

قوله: [ (اللهم اسقنا غيثاً) ].

الغيث هو المطر، و(مغيثاً) قيل: معناه: معيناً يحصل لنا به العون والفائدة.

[ (مريئاً) ].

يعني: هنيئاً.

[ (مريعاً) ].

مريعاً قيل: معناه: ذا مراعة، أي: خصب، وفي رواية: (مربعاً) أي: ينبت الربيع.

قوله: [ (نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل) ].

قوله: (غير ضار) تأكيد لـ(نافعاً)، و(غير آجل) تأكيد لقوله: (عاجلاً).

وقد حصل ذلك عاجلاً، فقد أطبقت عليهما السماء كما جاء في الحديث، ونزل المطر بغزارة، وتحقق ما طلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم من نزول الغيث.

تراجم رجال إسناد حديث (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً نافعاً غير ضار...)

قوله: [ حدثنا ابن أبي خلف ].

ابن أبي خلف هو محمد بن أحمد بن أبي خلف ، وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود .

[ حدثنا محمد بن عبيد ].

محمد بن عبيد هو محمد بن عبيد الطنافسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهذا في طبقة شيوخ أبي داود ، وفي طبقة شيوخه اثنان: محمد بن عبيد بن حساب ومحمد بن عبيد المحاربي ، فإذا جاء في طبقة شيوخه فيكون المراد إما محمد بن عبيد بن حساب وإما محمد بن عبيد المحاربي ، وإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخه كما هنا فالمراد به الطنافسي ، وهو من الطبقة الحادية عشرة وكانت وفاته سنة مائتين وأربعة.

ومعلوم أن هذه الطبقة لا يمكن أن تكون الطبقة العاشرة، وإنما هذا يكون من التاسعة، وفي الغالب أنه يكون من التاسعة، وطبقة شيوخ شيوخ أبي داود إما من كبار العاشرة أو من الحادية عشرة، وإلا فإن طبقة الذين توفوا سنة مائتين وأربعة قبل ولادة أبي داود أو في السنة التي ولد فيها أبو داود والتي ولد فيها مسلم بن الحجاج ومات فيها الشافعي هي مائتين وأربعة. أي: أنه متقدم.

فذكر الطبقة الحادية عشرة هذه لاشك في أنه خطأ، فهو إما وهم من الحافظ أو من النساخ.

[ حدثنا مسعر ].

مسعر بن كدام ثقة، أخرج له أصحاب الكتاب الستة.

[ عن يزيد الفقير ].

هو يزيد بن صهيب الفقير ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، والفقير هذا لقب وليس -كما يتبادر للذهن- من الفقر، وإنما كان يشكو فقار ظهره، فقيل له: الفقير .

[ عن جابر بن عبد الله ].

هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

اختلاف النسخ في لفظ (بواك)

جاء في بعض النسخ (بوادٍ) وفي بعضها: (هوازل) من الهزل، فهذه الألفاظ ذكرها في عون المعبود، وفي نسخة أخرى (بواك)، وابن الأثير يصحح ما وقع في معالم السنن، وهو (يواكي) بالياء.

يقول ابن الأثير : والذي جاء في السنن على اختلاف نسخها ورواياتها وبواكٍ والصحيح ما ذكره الخطابي .

وهو الذي يطابق الترجمة.

وفي رواية البيهقي التي أتت: (هوازل)، ومعناه: أنهن نساء هوازل جمع هزيلة، وبواكي جمع باكية.

يقول الإمام الخطابي : ثبت الاستسقاء بما ذكره أبو داود بالأخطاء المتقدمة، وإنما وجهه وتأويله أنه كان بإزاء صلاة يريد أن يصليها، فدعا في أثناء خطبته بالسقيا، فاجتمعت له الصلاة والخطبة، فجازت عن استئناف الصلاة والخطبة، كما يطوف الرجل فيصادف الصلاة المفروضة عند فراغه من الطواف فيصليها فينوب عن ركعتي الطواف، وكما يقرأ السجدة في آخر الركعة فينوب الركوع عن السجود .

وما ذكره في شأن الجمعة ليس فيه إشكال؛ لأنه جاء حديث صحيح فيها، فقد جاء في الصحيحين أنَّ رجالً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا)، فدعا صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هذا هو المراد فلا إشكال.

وما ذكره في شأن ركعتي الطواف صحيح، فلو أن إنساناً طاف وصلى فريضة بعد الطواف فإنها تغني عن ركعتي الطواف، وكذا تحية المسجد إذا جاء الإنسان فصلى الفريضة فإنها تغني عن تحية المسجد، أي: أنه لا يجلس إلا وقد صلى.

وأما إذا قرأ آية السجدة ثم ركع فالذي يبدو أنه لا يغني عن السجود، أقول: مثل هذا يبدو أنه لا يغني عن السجود، ولكن السجود ليس بلازم؛ لأنه إن سجد فهذا هو الذي ينبغي، وإن لم يسجد فلا شيء عليه، لكن لا يقال: إن الركوع يغني عن السجود.

شرح حديث (كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي أخبرنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: [ (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه) ].

هذا النفي الذي جاء في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قيل: إنه منصب على الهيئة والكيفية، وهي كونه يبالغ في الرفع حتى يرى بياض الإبطين.

وليس المقصود منه أنه نفي الرفع مطلقاً، وبعض أهل العلم يقول: إنه يدل على النفي مطلقاً، ولكنه حكى عن الشيء الذي علمه وغيره قد علم غير ذلك فأظهره، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وهذا قد قيل في التوفيق بين ما جاء في نصوص كثيرة من رفع اليدين، وما جاء من النفي في حديث أنس ، حيث قيل: إن هذا مبني على ما علمه أنس بن مالك رضي الله عنه، وغيره علم غير ذلك، فهو حدث بالشيء الذي علمه، فيكون قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مواضع كثيرة وأنس رضي الله عنه إنما علم هذا الذي هو في الاستسقاء.

وقد جاء في بعض الروايات في حديث علقه البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري : (أنه رفع يديه حتى رأى بياض إبطيه) يعني: في الدعاء في مناسبة من المناسبات.

وقال الحافظ ابن حجر : لعل المقصود من ذلك أنه رفعهما أكثر فيما يتعلق بالاستسقاء، أو أن أنساً رضي الله عنه إنما ذكر الشيء الذي علمه، وهو مدى الرفع على هذه الهيئة والكيفية في الاستسقاء.

وعلى هذا فإن الحديث لا يدل على نفي رفع اليدين في المواضع الأخرى التي هي غير الاستسقاء، وإنما يدل على نفي المبالغة أو الهيئة والكيفية التي هي كون بطني اليدين من جهة الأرض، بخلاف رفع اليدين في الدعاء في المواضع الأخرى، فإن بطني اليدين من جهة السماء، وليستا إلى الأرض، فإن هذا إنما ورد في الاستسقاء، وهو إما أن يكون بالنسبة للمبالغة في الرفع، أو أن المقصود به الهيئة التي هي كون اليدين بطناهما إلى الأرض، أو أن أنساً رضي الله عنه إنما نفى على حسب علمه وغيره علم ما لم يعلمه من المواضع المتعددة.

والإمام البخاري رحمه الله عقد ترجمة في كتاب الدعوات من صحيحه (باب رفع اليدين في الدعاء) والحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث ذكر جملة من الأحاديث الصحيحة التي لم يذكرها البخاري في هذا الباب، والتي هي في الصحيحين وفي السنن وفي غيرهما، وهي جملة عديدة من الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في رفع اليدين.

وكذلك أيضاً النووي رحمه الله قال: إنه جمع أحاديث كثيرة تبلغ ثلاثين حديثاً فيها رفع اليدين وأوردها في كتابه المجموع في آخر صفة الصلاة، وذكر الحافظ ابن حجر أن المنذري جمع في ذلك جزءاً، يعني الأحاديث التي اشتملت على رفع اليدين.

ويكون الجمع بين الأحاديث أن المراد بنفي رفع اليدين هو الكيفية والهيئة، وذلك أنه رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه، وأنه لعله يقصد هذه الهيئة، لا أنه يقصد نفي أصل الدعاء، وإنما ينفي هذه الكيفية وهذه الهيئة، فهذه الكيفية -كما أورد البخاري - رفع فيها حتى رئي بياض الإبطين، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: إن هذا فيه حجة على من قال: إن الأيدي لا ترفع حتى يرى بياض الإبطين إلا في هذا الموضع؛ لأنه قد جاء في غير هذا الموضع.

تراجم رجال إسناد حديث (كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء...)

[ حدثنا نصر بن علي ].

هو نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا يزيد بن زريع ].

هو يزيد بن زريع البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا سعيد ].

هو سعيد بن أبي عروبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قتادة ].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس ].

هو أنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ورفع اليدين في الدعاء له له ثلاث حالات: حالة ورد فيها رفع اليدين، فالحالة التي ورد فيها رفع اليدين ترفع الأيدي فيها اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.

الحالة الثانية: المواضع التي لم يرد فيها رفع اليدين، مثل خطبة الجمعة، كما جاء في حديث عمارة بن رؤيبة في كلامه على الأمير الذي كان يرفع يديه في الدعاء، وقد سبق أن مر بنا الحديث، وحكى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يزيد على أن يشير بأصبعه السبابة في حال خطبته، وما كان يرفع يديه، فهذا موضع لا ترفع فيه الأيدي، وكذلك بعد الصلوات المفروضة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الذي يصلي بالناس إماماً الصلوات كلها ولم يؤثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه بعد الصلوات يدعو.

الحالة الثالثة: ما عدا ما ذكر، فهذا الأمر فيه واسع: إن رفع فله ذلك، وإن لم يرفع فله ذلك.

شرح حديث (مد النبي صلى الله عليه وسلم يديه وجعل بطنيهما مما يلي الأرض في الاستسقاء )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا عفان حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسقي هكذا -يعني: ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض- حتى رأيت بياض إبطيه) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستسقي ويرفع يديه، ويجعل بطنيهما مما يلي الأرض، حتى رأى بياض إبطيه،) وهذا فيه زيادة على ما تقدم، وهو كون الأيدي بطونها إلى الأرض، فقد كان يرفع يديه -كما سبق أن مر- حتى يقابل وجهه، فلا يجاوز بهما رأسه، ولكن تكون بطناهما إلى الأرض، وهذا خاص بالاستسقاء، فلم يأت على هذه الهيئة وهذه الصورة إلا في الاستسقاء.

وبعض أهل العلم قال: إذا كان الدعاء لرفع ضرر فتكون بطونها إلى الأرض، وإذا كان لغير ذلك فتكون بطونها إلى السماء، لكن هذا غير مستقيم؛ لأنه ما جاء هذا إلا في الاستسقاء فقط، وليس كل دعاء لرفع ضرر يكون بهذه الطريقة، وإنما يقتصر على ما ورد به الدليل، وغير ذلك -سواءٌ أكان لرفع ضرر أم لتحصيل منفعة- إنما يكون بالهيئة المعروفة التي هي بجعل بطونها إلى السماء وظهورها إلى الأرض.

تراجم رجال إسناد حديث (مد النبي صلى الله عليه وسلم يديه وجعل بطنيهما مما يلي الأرض في الاستسقاء )

قوله: [ حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني ].

الحسن بن محمد الزعفراني ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا عفان ].

عفان هو: ابن مسلم الصفار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

حماد هو: ابن سلمة بن دينار البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وعفان يروي عن الحمادين، وسليمان بن حرب يروي أيضاً عن الحمادين.

وقد ذكر الحافظ المزي بعد ترجمة حماد بن زيد وحماد بن سلمة في تهذيب الكمال فصلاً يبين فيه تمييز حماد إذا أهمل، فقال: إن بعض الرواة إنما روى عن حماد بن سلمة ، وبعضهم إنما روى عن حماد بن زيد ، وبعضهم روى عن هذا وهذا.

وذكر أن عفان إذا روى عن حماد مهملاً فهو ابن سلمة ، وإذا روى عن حماد بن زيد فإنه ينسبه، وعلى العكس من ذلك سليمان بن حرب ، فإنه إذا ذكر حماد بن سلمة ينسبه، وإذا ذكر حماد بن زيد يهمله، فيكون حماد المقصود هنا هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ أخبرنا ثابت ].

هو ثابت بن أسلم البناني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس ].

هو أنس بن مالك رضي الله عنه وقد مر ذكره.

شرح حديث (أخبرني من رأى النبي يدعو عند أحجار الزيت باسطاً كفيه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم قال: (أخبرني من رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند أحجار الزيت باسطاً كفيه) ].

أورد أبو داود حديث محمد بن إبراهيم التيمي عمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند أحجار الزيت، وقد سبق أن مر أنه عمير مولى آبي اللحم كما ذكر ذلك الحافظ في التقريب.

تراجم رجال إسناد حديث (أخبرني من رأى النبي يدعو عند أحجار الزيت باسطاً كفيه)

قوله [ حدثنا مسلم بن إبراهيم ].

هو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا شعبة ].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد ربه بن سعيد ].

هو عبد ربه بن سعيد الأنصاري ، وهو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن إبراهيم ].

هو محمد بن إبراهيم التيمي ، مر ذكره.

شرح حديث (شكا الناس إلى رسول الله قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا خالد بن نزار قال: حدثني القاسم بن مبرور عن يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر صلى الله عليه وسلم وحمد الله عز وجل ثم قال: إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] الرحمن الرحيم مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين، ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره وقلب -أو حول- رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه فقال: أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله).

قال أبو داود : وهذا حديث غريب إسناده جيد، أهل المدينة يقرءون مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] وإن هذا الحديث حجة لهم ].

أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها أنه شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، أي: تأخر المطر، وحصول القحط والجدب، فالرسول صلى الله عليه وسلم حدد لهم يوماً يخرجون فيه، ثم خرج حين بدا حاجب الشمس، أي أن خروجه كان عند ذلك الوقت، ولكن ليست صلاته في ذلك الوقت، وإنما كانت بعد ذلك، فلعل هذا ذكر بدء الخروج، وأنه عندما وصل كان وقت الصلاة قد حان.

ثم أمر بمنبر فأخرج، وهذا يدلنا على أن صلاة الاستسقاء يخطب فيها على منبر وعلى مكان مرتفع.

ثم كبر وحمد الله عز وجل وقال: [ (إنكم شكوتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله عز وجل أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم) يشير إلى قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] فقوله: (ادعوني) أمر وقوله: (أستجب لكم) وعد من الله عز وجل ]. ثم قال: (

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب رفع اليدين في الاستسقاء.

حدثنا محمد بن سلمة المرادي أخبرنا ابن وهب عن حيوة وعمرو بن مالك عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عمير مولى بني آبي اللحم رضي الله عنهما: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء قائماً يدعو يستسقي رافعاً يديه قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [ باب رفع اليدين في الاستسقاء ] يعني: عندما يدعو في الاستسقاء فإنه يرفع يديه، والترجمة معقودة لبيان أن رفع اليدين في الاستسقاء ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد المواضع التي ورد فيها رفع اليدين؛ لأن رفع اليدين ثبت في مواضع عديدة منها في الاستسقاء.

وقد أورد أبو داود رحمة الله عليه حديث عمير مولى بني آبي اللحم [ (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء قائماً يدعو يستسقي رافعاً يديه قبل وجهه)].

فهذا فيه الدليل على ما ترجم له المصنف من حصول رفع اليدين في الاستسقاء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الاستسقاء وأنه يرفعهما قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه.

وهذا فيه المبالغة في رفع اليدين، وقد جاء في بعض الروايات أنه كان يرفعهما حتى يرى بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم من شدة رفعه ليديه في الدعاء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وهو واضح الدلالة على ما ترجم له المصنف، وهو ثبوت رفع اليدين في الدعاء في الاستسقاء، وقوله: [ عند أحجار الزيت ] هو مكان في الحرة فيه حجارة سوداء كأنها طليت بالزيت لشدة سوادها.

قوله: [ (قبل وجهه) ].

يعني أنهما قبل وجهه، ما جاوز بهما رأسه، ومعناه أنه لا يرفعهما فوق رأسه.