خطب ومحاضرات
شرح سنن أبي داود [138]
الحلقة مفرغة
شرح حديث اتكائه صلى الله عليه وسلم في الخطبة على عصا أو قوس
حدثنا سعيد بن منصور حدثنا شهاب بن خراش حدثني شعيب بن رزيق الطائفي قال: جلست إلى رجل له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: الحكم بن حزم الكلفي رضي الله عنه، فأنشأ يحدثنا قال: (وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله! زرناك فادع الله لنا بخير، فأمر لنا بشيء من التمر والشأن إذ ذاك دون، فأقمنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام متوكئاً على عصا أو قوس فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات ثم قال: أيها الناس! إنكم لن تطيقوا -أو: لن تفعلوا- كل ما أمرتم به ،ولكن سددوا وأبشروا).
قال أبو علي : سمعت أبا داود قال: ثبتني في شىء منه بعض أصحابنا، وقد كان انقطع من القرطاس ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب الرجل يخطب على قوس] أي أن الخطيب يخطب معتمداً على قوس أو على عصا في حال خطبته، وذلك ليكون أسكن له، وأدعى إلى عدم حركته وحركة يده، وأيضاً ليتكئ عليها، وفي ذلك تخفيف عليه من طول قيامه، فالاعتماد على العصا أو القوس هو لهذه الحكم.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث الحكم بن حزم الكلفي رضي الله تعالى عنه قال: [(وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله! زرناك فادع الله لنا بخير، فأمر لنا بشيء من التمر)].
والمتاع والطعام قليل، وهو إشارة إلى قلة ذات اليد.
قوله: [(فأقمنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام متوكئاً على عصاً أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال: أيها الناس! إنكم لن تطيقوا -أو: لن تفعلوا- كل ما أمرتم به، ولكن سددوا وأبشروا) ].
الشاهد قوله: [(فقام متوكئاً على عصا أو قوس)].
والحديث دليل على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفاقة ومن قلة ذات اليد، وكذلك ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكرم واللطف بالمسلمين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكذلك أيضاً كون الخطبة تشتمل على حمد الله عز وجل، وأنها تشتمل على كلمات واضحة جلية مفيدة مباركة، وكذلك أيضاً كون الرسول صلى الله عليه وسلم بين في خطبته أنهم لن يطيقوا كل ما أمروا به، ولكن عليهم السداد، وأن يفعلوا ما يستطيعون، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، ولهذا جاء في حديث عمران بن حصين الذي سبق أن مر بنا فيما يتعلق بالصلاة قوله صلى الله عليه وسلم: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) فالأوامر يأتي الإنسان بها على قدر طاقته وعلى قدر استطاعته: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وأما النواهي فإنها تروك، والتروك مستطاعة مطلقاً، وكل إنسان يستطيع الترك، ولكنه يحتاج إلى مجاهدة النفس، وإلى محاسبتها، وإلى كفها عن الإقدام على ما يعود عليها بالضرر، ولهذا جاء في الحديث: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، فقيد الأمر بالاستطاعة، والاجتناب ما قيده بالاستطاعة؛ لأنه مستطاع مطلقاً، فالنواهي يستطيع الإنسان تركها إذا وفق لمجاهدة نفسه وإبعادها عن الوقوع في المعاصي والمحرمات، وأما الأوامر فهي التي يكون فيها مشقة، وقد تستطاع وقد لا تستطاع، ولكن على الإنسان أن يأتي بالأوامر على قدر طاقته وعلى قدر استطاعته.
تراجم رجال إسناد حديث اتكائه صلى الله عليه وسلم في الخطبة على عصا أو قوس
سعيد بن منصور ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شهاب بن خراش ].
شهاب بن خراش صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود .
[ حدثني شعيب بن رزيق الطائفي ].
شعيب بن رزيق -بالراء المقدمة تصغير رزق- لا بأس به، أخرج له أبو داود، و(لا بأس به) بمعنى (صدوق) إلا أنها عند يحيى بن معين بمعنى (ثقة) وهذا اصطلاح خاص بـيحيى بن معين رحمة الله عليه، فإنه إذا قال عن شخص: لا بأس به فهو يقصد أنه ثقة، ولهذا يقولها في حق أئمة كبار، ولا غرابة في ذلك، ولا مشاحة في الاصطلاح، وإذا فهم المقصود يزول الإشكال، وكلمة (لا بأس به) عند الحافظ ابن حجر هي بمعنى (صدوق).
[ قال: جلست إلى رجل له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: الحكم بن حزم الكلفي ].
الحكم بن حزم الكلفي صحابي صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفد عليه، وحديثه أخرجه أبو داود .
حكم اعتماد الخطيب على عصا
والاعتماد على السيف أو القوس كل ذلك مثل الاعتماد على العصا يحصل به المقصود، والقول بأنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم فعله للحاجة ليس هناك شيء يدل عليه، وآلة القوس -كما هو معلوم- غير مستقيمة، بل هي مثل السيف فيها ميلان.
تابع شرح حديث (شهدنا الجمعة مع رسول الله فقام متوكئاً على عصا أو قوس ..)
يعني: افعلوا السداد الذي يمكنكم، وأبشروا بالأجر وبالثواب الجزيل، وبالعواقب الحميدة في الدنيا والآخرة.
قوله: [كلمات خفيفات طيبات مباركات] يدل على أن خطبته صلى الله عليه وسلم كانت مشتملة على كلمات خفيفة واضحة جلية جامعة، وهو صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، فيأتي بالكلام الجامع الذي لفظه قليل ومعناه كثير؛ ولهذا جاء في الحديث: (إن قصر خطبة الرجل مئنة من فقهه)؛ لأنه يختار الكلام الجامع، والكلام الواضح الذي يثبت في أذهان السامعين ويستقر، ويخرجون من الخطبة بفائدة.
تثبت أبي داود وأمانته
أبو علي هو اللؤلؤي راوي السنن عن أبي داود ، وأبو داود هو المصنف، قال: ثبتني بشيء من الحديث بعض أصحابنا.
ومعناه أن بعض أصحابه الذين كانوا أخذوا معه الحديث ثبته، بمعنى أنه تحقق منه شيئاً فات عليه وانقطع من القرطاس، فذكره به بعض أصحابه فتذكر وتنبه.
شرح حديث (كان إذا تشهد قال الحمد لله نستعينه ونستغفره..)
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً
) ].أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، ولا علاقة له بالترجمة، والترجمة التي عقدها المصنف يتعلق بها الحديث الأول فقط، ثم أتى بأحاديث عديدة لا علاقة لها بالترجمة؛ لأنها تتعلق بالخطبة، وبقصر الخطبة، وباشتمال الخطبة على أشياء من تذكير وقراءة قرآن، وما إلى ذلك.
فلا أدري هل أتى بهذه الترجمة ثم جاء بعدها بأحاديث لا علاقة لها بها أو أن هناك ترجمة سقطت بعد الترجمة، وهي تتعلق بما تشتمل عليه الخطبة؟!
وحديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال: [(الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره..)] إلى أن قال في آخره: [(من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً)]، وفيه الجمع في الضمير بين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في قوله: [(ومن يعصهما)] أي: من يعص الله ورسوله، وقد جاء ذلك في أحاديث منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) أي: مما سوى الله ورسوله، وكذلك الحديث الذي فيه: (إن الله ورسوله ينهيانكم عن الخمر) وسيأتي المصنف بحديث أن خطيباً خطب وقال: (ومن يعصهما فقد غوى) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (بئس الخطيب) ؛ لأنه جمع بين الله ورسوله في الضمير، وقد ذكر العلماء في الجواب عن هذا الاختلاف بين هذه الأحاديث أن الخطبة المقصود بها البسط والإيضاح، فكان الأمر يتطلب التفصيل ولا يتطلب التثنية، بخلاف الأمور التي فيها إرشاد وتعليم لأحكام شرعية فإنه يمكن أن يجمع فيها بين الضميرين، وقال بعض أهل العلم: إن التثنية خاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم، فله أن يجمع في التثنية بين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس لغيره أن يفعل ذلك.
قوله: [ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد) ].
يعني: إذا أتى بالذكر الذي يكون في أول الخطبة المشتمل على التشهد، وتسمى المقدمة والديباجة التي تأتي بين يدي الخطبة، وتسمى تشهداً بأجل شيء وأعظم شيء فيها، كما أن التشهد الذي هو: (التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك -أيها النبي- ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) قيل له: تشهد من أجل (أشهد أن لا إله إلا الله) فيطلق على الشيء الكثير اسم أهم شيء فيه وأعظم شيء فيه.
تراجم رجال إسناد حديث (كان إذا تشهد قال الحمد لله نستعينه ونستغفره ..)
محمد بن بشار البصري هو الملقب بـبندار ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا أبو عاصم ].
أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عمران ].
هو عمران بن داور أبو العوام، وهو صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.
[ عن قتادة ].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد ربه ].
هو عبد ربه بن أبي يزيد، وهو مستور، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ عن أبي عياض ].
هو أبو عياض عمير بن الأسود ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن ابن مسعود ].
هو عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
حال حديث (كان إذا تشهد قال الحمد لله نستعينه ونستغفره..)
خطبة الحاجة
شرح حديث (ومن يعصهما فقد غوى ..)
أورد أبو داود هذا المرسل عن الزهري أنه سئل عن التشهد فذكر نحو الحديث المتقدم، أي: الحمد لله نحمده ونستعينه ... إلخ، إلا أنه قال في آخره: [(ومن يعصهما فقد غوى)] بدل قوله: (فلا يضر إلا نفسه) في الرواية السابقة، والزهري من صغار التابعين، فإضافته ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من قبيل المرسل.
قوله: [ (ونسأل الله ربنا أن يجعلنا) ] هذا دعاء يحتمل أن يكون من أبي داود أو من الزهري أو من أحد الرواة.
تراجم رجال إسناد حديث (ومن يعصهما فقد غوى ..)
هو محمد بن سلمة المرادي المصري ، ثقة أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ أخبرنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يونس ].
هو يونس بن يزيد الأيلي، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
هو ابن شهاب هو الزهري ، وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث خطبة رجل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم
أورد أبو داود حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أن خطيباً خطب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى] فقال: [(قم -أو: اذهب-؛ بئس خطيب القوم أنت)] وفي بعض الألفاظ: (بئس خطيب القوم) بدون كلمة (أنت) وهذا فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام أنكر عليه الجمع في التثنية بين الله ورسوله حيث قال: [ومن يعصهما] وقد أشرت آنفاً إلى أن بعض أهل العلم جمع بين ما جاء من التثنية وما جاء من ذم هذا الخطيب أن الخطبة تشتمل على التفاصيل والإيضاح والبيان، ولا يناسبها الاختصار وجمع الضمائر، بخلاف الأحاديث التي هي مشتملة على بيان الأحكام، فإن الاختصار فيها والجمع في الضمائر فيها لا بأس به ولا مانع منه.
تراجم رجال إسناد حديث خطبة رجل بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام
مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان بن سعيد ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني عبد العزيز بن رفيع ].
عبد العزيز بن رفيع ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن تميم الطائي ].
هو تميم بن طرفة الطائي، ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن عدي بن حاتم ].
هو عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث (ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله ..)
قال أبو داود : قال روح بن عبادة عن شعبة قال: بنت حارثة بن النعمان ، وقال ابن إسحاق : أم هشام بنت حارثة بن النعمان ].
أورد أبو داود رحمه الله حديث بنت الحارث بن النعمان أو بنت حارثة بن النعمان -وهي صحابية- أنها قالت: [ما حفظت (ق) إلا من في رسول صلى الله عليه وسلم] تعني سورة (ق) [كان يخطب بها كل جمعة] وليس المقصود أنه يقرؤها من أولها إلى آخرها في الخطبة، وإنما يقرأ آيات منها؛ لأن قراءتها كلها في الخطبة فيه تطويل للخطبة، ولكن يحمل على أنه كان يأتي بآيات منها في أولها وفي وسطها وفي آخرها، فلكونه يأتي بها ويكررها حفظتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذه السورة مشتملة على أمور عظيمة تتعلق بالبعث والخلق، وتتعلق بأمور عظام مثل عذاب من يستحق العذاب، وكذلك فيها صفة الجنة وأهل الجنة، ومشتملة على عدة أمور وفوائد عظيمة، فمن أجل ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بشيء منها في الخطبة.
وقد كانت خطب رسول صلى الله عليه وسلم ليس فيها تطويل، وإنما يأتي فيها بكلمات جوامع، وبأمور جامعة، كما هو هديه وشأنه صلى الله عليه وسلم أنه أوتي جوامع الكلم، واختصر له الكلام اختصاراً، بحيث يأتي بالكلام القليل المبنى الواسع المعنى.
وابن القيم رحمه الله في أول كتابه الفوائد تكلم على هذه السورة وعلى معانيها ومقاصدها وما تشتمل عليه بكلام نفيس جداً، وبين ما اشتملت عليه هذه السورة العظيمة من الموضوعات ومن الأمور المهمة والأمور العظيمة.
قالت: [وكان تنور رسول الله وتنورنا واحداً] فيه إشارة إلى قربها منه صلى الله عليه وسلم، وأن أهل بيتها كانوا جيراناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث (ما حفظت (ق) إلا من في رسول الله ..)
مر ذكره.
[ حدثنا محمد بن جعفر ].
هو محمد بن جعفر البصري، وهو الملقب بـغندر، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن خبيب ].
هو خبيب بن عبد الرحمن، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن محمد بن معن ].
عبد الله محمد بن معن مقبول أخرج له مسلم وأبو داود .
[ عن بنت الحارث بن النعمان ].
بنت الحارث بن النعمان صحابية أخرج حديثها مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة ، ويقال فيها: بنت حارثة بن النعمان ، وأم هشام بنت الحارث ، وهي واحدة جاء ذكرها على صيغ مختلفة، لكن ما ذكر اسمها، وهي أخت عمرة بنت عبد الرحمن ، قيل: إنها أختها من أمها أو أختها من الرضاع، وليست أختها من النسب؛ لأن هذه عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية ، وهذه بنت حارثة أو بنت الحارث بن النعمان .
مشروعية قراءة (ق) في خطبة الجمعة
فكان يقرأ شيئاً من الآيات بعضها في موضوع واحد مثل ما جاء في أول سورة (ق) فيما يتعلق بالبعث ويتعلق بالاستدلال على البعث بإنبات النبات وإحياء الأرض بعد موتها، وكذلك ما جاء في وسطها من قدرته على الخلق، وأن القادر على الخلق الأول قادر على الخلق الثاني، ويمكن أن يتكلم في موضوع ثم يأتي بهذه الآيات التي تتعلق بها، كل هذا محتمل، ولكنها حفظت الآيات لكون الرسول صلى الله عليه وسلم كان يكثر من قراءتها.
حكم ترتيل الخطيب للآيات التي يستشهد بها
خلاف الرواة في اسم الصحابية راوية الحديث
روح بن عبادة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، قال عن شعبة أنه قال: [ بنت حارثة بن النعمان ]، والأول قال: [بنت الحارث بن النعمان ].
قوله: [ وقال ابن إسحاق : أم هشام بنت حارثة بن النعمان ].
شرح حديث (كانت صلاته قصداً وخطبته قصداً)
أورد أبو داود حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه: [(أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت خطبته قصداً وكانت صلاته قصداً)] يعني: ليس فيها إطالة وتطويل، وإنما فيها إيجاز مع التمام، فخطبته كانت قصداً بمعنى أنها وجيزة ولكنها كاملة، وذلك أنه كان يأتي بالكلام الجامع المختصر الذي معناه واسع؛ لأنه أعطي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، وجوامع الكلم هي الكلمات القليلة المباني الواسعة المعاني.
قوله: [ (يقرأ آيات من القرآن ويذكر الناس) ].
يعني أن الخطبة كانت مشتملة على قراءة شيء من القرآن وعلى تذكير الناس.
تراجم رجال إسناد حديث (كانت صلاته قصداً وخطبته قصداً)
مر ذكره.
سعيد بن منصور حدثنا شهاب بن خراش حدثني شعيب بن رزيق الطائفي قال: جلست إلى رجل له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: الحكم بن حزم الكلفي رضي الله عنه، فأنشأ يحدثنا قال: (وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله! زرناك فادع الله لنا بخير، فأمر لنا بشيء من التمر والشأن إذ ذاك دون، فأقمنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام متوكئاً على عصا أو قوس فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات ثم قال: أيها الناس! إنكم لن تطيقوا -أو: لن تفعلوا- كل ما أمرتم به ،ولكن سددوا وأبشروا).
قال أبو علي : سمعت أبا داود قال: ثبتني في شىء منه بعض أصحابنا، وقد كان انقطع من القرطاس ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب الرجل يخطب على قوس] أي أن الخطيب يخطب معتمداً على قوس أو على عصا في حال خطبته، وذلك ليكون أسكن له، وأدعى إلى عدم حركته وحركة يده، وأيضاً ليتكئ عليها، وفي ذلك تخفيف عليه من طول قيامه، فالاعتماد على العصا أو القوس هو لهذه الحكم.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث الحكم بن حزم الكلفي رضي الله تعالى عنه قال: [(وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة، فدخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله! زرناك فادع الله لنا بخير، فأمر لنا بشيء من التمر)].
والمتاع والطعام قليل، وهو إشارة إلى قلة ذات اليد.
قوله: [(فأقمنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام متوكئاً على عصاً أو قوس، فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال: أيها الناس! إنكم لن تطيقوا -أو: لن تفعلوا- كل ما أمرتم به، ولكن سددوا وأبشروا) ].
الشاهد قوله: [(فقام متوكئاً على عصا أو قوس)].
والحديث دليل على ما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفاقة ومن قلة ذات اليد، وكذلك ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكرم واللطف بالمسلمين صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وكذلك أيضاً كون الخطبة تشتمل على حمد الله عز وجل، وأنها تشتمل على كلمات واضحة جلية مفيدة مباركة، وكذلك أيضاً كون الرسول صلى الله عليه وسلم بين في خطبته أنهم لن يطيقوا كل ما أمروا به، ولكن عليهم السداد، وأن يفعلوا ما يستطيعون، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، ولهذا جاء في حديث عمران بن حصين الذي سبق أن مر بنا فيما يتعلق بالصلاة قوله صلى الله عليه وسلم: (صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب) فالأوامر يأتي الإنسان بها على قدر طاقته وعلى قدر استطاعته: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، وأما النواهي فإنها تروك، والتروك مستطاعة مطلقاً، وكل إنسان يستطيع الترك، ولكنه يحتاج إلى مجاهدة النفس، وإلى محاسبتها، وإلى كفها عن الإقدام على ما يعود عليها بالضرر، ولهذا جاء في الحديث: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)، فقيد الأمر بالاستطاعة، والاجتناب ما قيده بالاستطاعة؛ لأنه مستطاع مطلقاً، فالنواهي يستطيع الإنسان تركها إذا وفق لمجاهدة نفسه وإبعادها عن الوقوع في المعاصي والمحرمات، وأما الأوامر فهي التي يكون فيها مشقة، وقد تستطاع وقد لا تستطاع، ولكن على الإنسان أن يأتي بالأوامر على قدر طاقته وعلى قدر استطاعته.
قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ].
سعيد بن منصور ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا شهاب بن خراش ].
شهاب بن خراش صدوق يخطئ، أخرج له أبو داود .
[ حدثني شعيب بن رزيق الطائفي ].
شعيب بن رزيق -بالراء المقدمة تصغير رزق- لا بأس به، أخرج له أبو داود، و(لا بأس به) بمعنى (صدوق) إلا أنها عند يحيى بن معين بمعنى (ثقة) وهذا اصطلاح خاص بـيحيى بن معين رحمة الله عليه، فإنه إذا قال عن شخص: لا بأس به فهو يقصد أنه ثقة، ولهذا يقولها في حق أئمة كبار، ولا غرابة في ذلك، ولا مشاحة في الاصطلاح، وإذا فهم المقصود يزول الإشكال، وكلمة (لا بأس به) عند الحافظ ابن حجر هي بمعنى (صدوق).
[ قال: جلست إلى رجل له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: الحكم بن حزم الكلفي ].
الحكم بن حزم الكلفي صحابي صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفد عليه، وحديثه أخرجه أبو داود .
استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح سنن أبي داود [139] | 2890 استماع |
شرح سنن أبي داود [462] | 2842 استماع |
شرح سنن أبي داود [106] | 2835 استماع |
شرح سنن أبي داود [032] | 2731 استماع |
شرح سنن أبي داود [482] | 2702 استماع |
شرح سنن أبي داود [529] | 2693 استماع |
شرح سنن أبي داود [555] | 2686 استماع |
شرح سنن أبي داود [177] | 2679 استماع |
شرح سنن أبي داود [097] | 2654 استماع |
شرح سنن أبي داود [273] | 2650 استماع |