خطب ومحاضرات
شرح سنن أبي داود [126]
الحلقة مفرغة
شرح حديث حذف التسليم
حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثني محمد بن يوسف الفريابي حدثنا الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حذف السلام سنة) قال عيسى : نهاني ابن المبارك عن رفع هذا الحديث، قال أبو داود سمعت أبا عمير عيسى بن يونس الفاخوري الرملي قال: لما رجع الفريابي من مكة ترك رفع هذا الحديث وقال: نهاه أحمد بن حنبل عن رفعه ].
المقصود بحذف التسليم: ترك إطالته وترك مده، بحيث يأخذ وقتاً أكثر مما لو أتى به بغير مد، فلا يمد السلام فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يطوله، وإنما يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، هذا هو المقصود بحذف التسليم.
وفائدته: أن الإمام يخرج من الصلاة من غير أن يكون هناك تطويل في هذا الذي به الخروج؛ لأن المأموم قد يسابقه إذا طول في السلام فيسبقه، ولكنه إذا أتى به مخففاً بسكون وهدوء وعدم سرعة خاطفة ولا تطويل، بل بتوسط: (السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) فلا يحصل من المأموم أن يسهو ويسلم فيفرغ من السلام قبل الإمام أو يكون مع الإمام؛ لأن المسابقة للإمام لا تجوز والموافقة للإمام مكروهة، والسنة هو التخلف عن الإمام يسيراً، وتلك هي المتابعة؛ لأن للمصلي مع الإمام أربع حالات: مسابقة، وموافقة، ومتابعة، وتخلف.
والمشروع هو المتابعة، فالتطويل قد يؤدي إلى أن المأموم يسبق الإمام في الخروج من الصلاة.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (حذف السلام سنة) ] يعني: تخفيفه وعدم مده طويلاً بحيث يمكث وقتاً أكثر وهو يسلم.
وبعدما ذكر أبو داود رحمه الله هذا الحديث ذكر كلاماً عن بعض أهل العلم في تركهم هذا الحديث ونهيهم عن رفعه، والمقصود بالشيء المتروك هو رفعه صراحة بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الذي تركه من تركه ونهى عنه من نهى عنه، أما إذا قال الصحابي كما جاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: [ (حذف السلام سنة) ] فيكون موقوفاً على أبي هريرة ، لكنه مرفوع حكماً؛ لأن الصحابي إذا قال: هذا سنة، أو هذا من السنة، فهو مرفوع، ولكنه مرفوع حكماً ليس تصريحاً؛ لأن المرفوع قسمان: مرفوع صراحة، ومرفوع حكماً، فالمرفوع صراحة أن يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أو نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، فيضيف الكلام ويسنده إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام مباشرة من قوله أو فعله.
والمرفوع حكماً مثل قول الصحابي: من السنة كذا، أو هذا سنة، أو أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، وغيرها من الألفاظ التي لها حكم الرفع وإن كانت غير مسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن التعبير بالسنة له حكم الرفع، وكذلك الأحاديث التي تأتي عن الصحابة وفيها إخبار عن عقوبة محددة أو وعيد بجنة أو نار.. أو ما إلى ذلك؛ لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل نفسه ولا من قبل رأيه، ولا يأتي بذلك إلا بتوقيف؛ لأن هذه أمور غيبية، والغيب لا يعرف إلا عن طريق عالم الغيب والشهادة حيث يوحي إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بشيء من الغيب، فيخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه فيتلقونه عنه، وأحياناً لا يضيف الصحابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً، وإنما يأتي بكلام يدل على ذلك، مثل الأحاديث التي مرت بنا وفيها: (فإن هذه قعدة المغضوب عليهم) (إن هذا فعل الذين يعذبون) ، وما إلى ذلك؛ لأن هذه أمور لها حكم الرفع.
إذاً هذا هو معنى قول من نهى عن رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا النهي أو هذا الترك لا ينفي أن يكون مرفوعاً؛ لأنه مرفوع حكماً، كما مر عن ابن عباس أنه سئل عن الجلوس بين السجدتين على العقبين قال: (تلك السنة، فقيل له: إننا نراه جفاء في الرجل، قال: تلك سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم).
ولما سئل ابن عباس رضي الله عنه: (ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين -يعني قصر- وإذا صلى خلف إمام يتم أتم؟! قال: تلك السنة).
الكلام على المذاهب الأربعة
وهذه المذاهب الأربعة اشتهرت بسبب أن لأصحابها أتباعاً وتلاميذ عنوا بجمع أقوالهم والروايات التي نقلت عنهم والأسئلة التي سئلوها ولا يعني هذا أنه ليس هناك علماء مثلهم، بل هناك علماء مثلهم في زمانهم وقبل زمانهم.
ومن المعلوم أن أصحاب المذاهب الأربعة وهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمة الله على الجميع، أولهم أبو حنيفة ، وكانت ولادته سنة (80هـ)، وآخرهم الإمام أحمد وكانت وفاته سنة (241هـ)، وقد كان في زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم أناس مثلهم في الفقه، مثل الأوزاعي في الشام، فهو إمام فقيه محدث، والليث بن سعد في مصر، محدث فقيه، وسفيان الثوري في الكوفة، وسفيان بن عيينة بمكة، وإسحاق بن راهويه في مرو، وغيرهم كثير ممن اشتهروا بالفقه، ولهذا إذا قرأ الإنسان في الكتب المؤلفة في بيان العلماء -سواء كانوا من الصحابة أو من التابعين أو من بعدهم- يجد أنه يأتي في المسائل المختلفة: قال فلان الصحابي كذا، قال فلان التابعي كذا، وقال الإمام أحمد كذا، وقال الإمام الشافعي كذا.. وهكذا، فهناك أناس مثلهم في الفقه ومثلهم في العلم، ولكن لم يحصل لهم مثلما حصل للأئمة الأربعة من التلاميذ والأتباع الذين عنوا بالمذهب وتدوينه وتبويبه وتنظيمه وبيان مختلف الروايات، وبيان الراجح والمرجوح والمتقدم والمتأخر والقديم والجديد، وما إلى ذلك.
وهؤلاء الأئمة الأربعة هم من أئمة أهل السنة، بخلاف غيرهم من المذاهب الأخرى التي ليست من مذاهب أهل السنة، وإنما هي مذاهب أناس خالفوا السنة، ولكن هؤلاء الأربعة هم من أهل السنة، والذين يرجعون إلى كلامهم هم أهل السنة، وعلى هذا فإن الأمر ينبغي أن يفهم، وينبغي أن يعلم أننا عندما نذكر أن هذه مذاهب أهل السنة أنه ليس العلماء المحققون مقصورين على هؤلاء الأئمة الأربعة، بل هناك كثير من أمثالهم في زمانهم وقبل زمانهم، مثل الفقهاء السبعة في المدينة، الذين كانوا في عصر التابعين وقبل الأئمة الأربعة، وكانت وفياتهم غالباً قبل المائة، وأدركوا كبار الصحابة أو متوسطيهم، فلا يقال إن الحق محصور في الأئمة الأربعة وإن غير أقوال الأئمة الأربعة لا يلتفت إليها.
تراجم رجال إسناد حديث حذف التسليم
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل ].
تقدم ذكره.
[ عن محمد بن يوسف الفريابي ]
محمد بن يوسف الفريابي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأوزاعي ]
هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي ، كنيته توافق اسم أبيه، فهو أبو عمرو وهو ابن عمرو ، وأن معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه نوع من أنواع علوم الحديث المهمة، وفائدة معرفتها أن لا يظن به التصحيف فيما إذا قيل في الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو : عبد الرحمن أبي عمرو ، فإن من لا يعرف أن كنيته أبو عمرو يظن أن (أبي) مصحفة عن (ابن)؛ لأنه عبد الرحمن بن عمرو ، فسواء قيل عبد الرحمن بن عمرو أو قيل عبد الرحمن أبي عمرو ، فإن من يعرفه ومن يكون على علم به ينتفي عنه ظن التصحيف.
وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة، وهو فقيه الشام ومحدثها في زمانه، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قرة بن عبد الرحمن ]
هو صدوق له مناكير، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[ عن الزهري ]
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سلمة ]
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن الذين اختلف هل هم من الفقهاء السبعة أو لا: ثلاثة، فمن العلماء من يجعل السابع أبا سلمة بن عبد الرحمن هذا، ومنهم من يجعل السابع أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، ومنهم من يجعل السابع سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وعروة بن الزبير بن العوام .
[ عن أبي هريرة ]
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم، رضي الله عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين.
سبب كثرة مرويات أبي هريرة
وقد بين العلماء السبب في ذلك، ومما قيل في ذلك: إن أبا هريرة كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم في دخوله وخروجه وذهابه وإيابه؛ لأنه كان فقيراً، وكان يأكل من طعامه ويشرب من شرابه ويكون معه باستمرار، فحصل له من تلقي الحديث ما لم يحصل لغيره؛ بسبب هذه الملازمة في هذه الفترة القصيرة، فكان ذلك من أسباب كثرة روايته.
ثم أيضاً ما جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث بأحاديث وكان بسط ثوبه ثم قبضه وقال: إنه لا يفوته شيء من ذلك، ومعناه أنه حفظ كل ذلك الذي سمعه.
ثم أيضاً: أبو هريرة رضي الله عنه كان ساكناً في المدينة ومقيماً فيها، والمدينة يأتيها الناس صادرين وواردين، ومن المعلوم أن الصحابي إذا كان موجوداً في البلد وقد ورد إلى البلد غير الصحابي فإنه يحرص على أن يلتقي بذلك الصحابي وأن يتلقى عنه الحديث؛ لأن رؤية الصحابي غنيمة، كما سبق أن مر في حديث الرجل الذي جاء إلى الرقة وقيل له: هل لك في رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: غنيمة، يعني: لقاؤه غنيمة؛ وذلك لأن الصحابي حصل له شرف الصحبة والرؤية للنبي صلى الله عليه وسلم، فالذي يرى الصحابة يرى العيون التي رأت النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لقاء الصحابي غنيمة كما قال ذلك الرجل التابعي.
ومعنى هذا أن أبا هريرة رضي الله عنه كان مقيماً في المدينة والناس يحضرون ويردون إلى المدينة ويأتون إلى أبي هريرة ويأخذون منه ويعطونه، ويسمع منهم ويسمعون منه، لا سيما إذا كانوا صحابة وجاءوا إلى المدينة فيحدثهم ويحدثونه، فهذا من أسباب كثرة حديث أبي هريرة رضي الله عنه، مع أن مدته التي صحب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت وجيزة.
والحديث يبين أن الرفع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة فيه ما فيه، وبعض العلماء نهى عنه؛ والشيخ الألباني ضعف هذا الحديث في ضعيف سنن أبي داود ، ولكنه ذكره في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وعزاه إلى الترمذي وإلى الحاكم، والترمذي والحاكم إنما رووه موقوفاً على أبي هريرة ، إذ ليس فيه: قال صلى الله عليه وسلم كذا، إذاً له حكم الرفع، ولكنه ليس من قبيل ما هو مرفوع صراحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي تكلم فيه من رجاله هو قرة بن عبد الرحمن ، وهو صدوق له مناكير، وقد أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن، ومسلم إنما أخرج له مقروناً.
[ قال عيسى : نهاني ابن المبارك عن رفع هذا الحديث ].
عيسى هو ابن يونس الفاخوري الذي ذكره أبو داود فيما بعد، وابن المبارك هو الذي روي من طريقه هذا الحديث الذي هو مرفوع حكماً وليس فيه (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) كذا عند الترمذي .
وقد نهى ابن المبارك عن رفع الحديث، أي: عن رفعه صراحة، بأن يقول: عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، لكن هذا لا ينفي أن يكون مرفوعاً حكماً كما عرفنا.
[ قال أبو داود : سمعت أبا عمير عيسى بن يونس الفاخوري الرملي ، قال: لما رجع الفريابي من مكة ترك رفع هذا الحديث وقال: نهاه أحمد بن حنبل عن رفعه ].
ومعناه: أنه كان يرفعه فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وكان هذا قبل أن يذهب إلى مكة، وبعد رجوعه من مكة ترك هذا، ولعله نبه على ذلك بمكة.
وعيسى بن يونس الفاخوري صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه النسائي وابن ماجة ، قال في التقريب: لم يصح أن أبا داود روى له.
قد يقال: الفريابي شيخ لـأحمد في هذا الحديث، فكيف نهاه أحمد عن رفعه؟
والجواب: أن صاحب عون المعبود قال: إن الضمير في [ نهاه ] يرجع إلى أبي داود ، وإن أحمد نهى أبا داود عن رفع هذا الحديث، وأحمد هو شيخ أبي داود .
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب حذف التسليم.
حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثني محمد بن يوسف الفريابي حدثنا الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حذف السلام سنة) قال عيسى : نهاني ابن المبارك عن رفع هذا الحديث، قال أبو داود سمعت أبا عمير عيسى بن يونس الفاخوري الرملي قال: لما رجع الفريابي من مكة ترك رفع هذا الحديث وقال: نهاه أحمد بن حنبل عن رفعه ].
المقصود بحذف التسليم: ترك إطالته وترك مده، بحيث يأخذ وقتاً أكثر مما لو أتى به بغير مد، فلا يمد السلام فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يطوله، وإنما يقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، هذا هو المقصود بحذف التسليم.
وفائدته: أن الإمام يخرج من الصلاة من غير أن يكون هناك تطويل في هذا الذي به الخروج؛ لأن المأموم قد يسابقه إذا طول في السلام فيسبقه، ولكنه إذا أتى به مخففاً بسكون وهدوء وعدم سرعة خاطفة ولا تطويل، بل بتوسط: (السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله) فلا يحصل من المأموم أن يسهو ويسلم فيفرغ من السلام قبل الإمام أو يكون مع الإمام؛ لأن المسابقة للإمام لا تجوز والموافقة للإمام مكروهة، والسنة هو التخلف عن الإمام يسيراً، وتلك هي المتابعة؛ لأن للمصلي مع الإمام أربع حالات: مسابقة، وموافقة، ومتابعة، وتخلف.
والمشروع هو المتابعة، فالتطويل قد يؤدي إلى أن المأموم يسبق الإمام في الخروج من الصلاة.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ (حذف السلام سنة) ] يعني: تخفيفه وعدم مده طويلاً بحيث يمكث وقتاً أكثر وهو يسلم.
وبعدما ذكر أبو داود رحمه الله هذا الحديث ذكر كلاماً عن بعض أهل العلم في تركهم هذا الحديث ونهيهم عن رفعه، والمقصود بالشيء المتروك هو رفعه صراحة بأن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الذي تركه من تركه ونهى عنه من نهى عنه، أما إذا قال الصحابي كما جاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: [ (حذف السلام سنة) ] فيكون موقوفاً على أبي هريرة ، لكنه مرفوع حكماً؛ لأن الصحابي إذا قال: هذا سنة، أو هذا من السنة، فهو مرفوع، ولكنه مرفوع حكماً ليس تصريحاً؛ لأن المرفوع قسمان: مرفوع صراحة، ومرفوع حكماً، فالمرفوع صراحة أن يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أو نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، فيضيف الكلام ويسنده إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام مباشرة من قوله أو فعله.
والمرفوع حكماً مثل قول الصحابي: من السنة كذا، أو هذا سنة، أو أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، وغيرها من الألفاظ التي لها حكم الرفع وإن كانت غير مسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن التعبير بالسنة له حكم الرفع، وكذلك الأحاديث التي تأتي عن الصحابة وفيها إخبار عن عقوبة محددة أو وعيد بجنة أو نار.. أو ما إلى ذلك؛ لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل نفسه ولا من قبل رأيه، ولا يأتي بذلك إلا بتوقيف؛ لأن هذه أمور غيبية، والغيب لا يعرف إلا عن طريق عالم الغيب والشهادة حيث يوحي إلى رسوله صلى الله عليه وسلم بشيء من الغيب، فيخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه فيتلقونه عنه، وأحياناً لا يضيف الصحابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً، وإنما يأتي بكلام يدل على ذلك، مثل الأحاديث التي مرت بنا وفيها: (فإن هذه قعدة المغضوب عليهم) (إن هذا فعل الذين يعذبون) ، وما إلى ذلك؛ لأن هذه أمور لها حكم الرفع.
إذاً هذا هو معنى قول من نهى عن رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكن هذا النهي أو هذا الترك لا ينفي أن يكون مرفوعاً؛ لأنه مرفوع حكماً، كما مر عن ابن عباس أنه سئل عن الجلوس بين السجدتين على العقبين قال: (تلك السنة، فقيل له: إننا نراه جفاء في الرجل، قال: تلك سنة نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم).
ولما سئل ابن عباس رضي الله عنه: (ما بال المسافر إذا صلى وحده صلى ركعتين -يعني قصر- وإذا صلى خلف إمام يتم أتم؟! قال: تلك السنة).
روى المصنف هذا الحديث عن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، وهو الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وهذه المذاهب الأربعة اشتهرت بسبب أن لأصحابها أتباعاً وتلاميذ عنوا بجمع أقوالهم والروايات التي نقلت عنهم والأسئلة التي سئلوها ولا يعني هذا أنه ليس هناك علماء مثلهم، بل هناك علماء مثلهم في زمانهم وقبل زمانهم.
ومن المعلوم أن أصحاب المذاهب الأربعة وهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمة الله على الجميع، أولهم أبو حنيفة ، وكانت ولادته سنة (80هـ)، وآخرهم الإمام أحمد وكانت وفاته سنة (241هـ)، وقد كان في زمانهم وقبل زمانهم وبعد زمانهم أناس مثلهم في الفقه، مثل الأوزاعي في الشام، فهو إمام فقيه محدث، والليث بن سعد في مصر، محدث فقيه، وسفيان الثوري في الكوفة، وسفيان بن عيينة بمكة، وإسحاق بن راهويه في مرو، وغيرهم كثير ممن اشتهروا بالفقه، ولهذا إذا قرأ الإنسان في الكتب المؤلفة في بيان العلماء -سواء كانوا من الصحابة أو من التابعين أو من بعدهم- يجد أنه يأتي في المسائل المختلفة: قال فلان الصحابي كذا، قال فلان التابعي كذا، وقال الإمام أحمد كذا، وقال الإمام الشافعي كذا.. وهكذا، فهناك أناس مثلهم في الفقه ومثلهم في العلم، ولكن لم يحصل لهم مثلما حصل للأئمة الأربعة من التلاميذ والأتباع الذين عنوا بالمذهب وتدوينه وتبويبه وتنظيمه وبيان مختلف الروايات، وبيان الراجح والمرجوح والمتقدم والمتأخر والقديم والجديد، وما إلى ذلك.
وهؤلاء الأئمة الأربعة هم من أئمة أهل السنة، بخلاف غيرهم من المذاهب الأخرى التي ليست من مذاهب أهل السنة، وإنما هي مذاهب أناس خالفوا السنة، ولكن هؤلاء الأربعة هم من أهل السنة، والذين يرجعون إلى كلامهم هم أهل السنة، وعلى هذا فإن الأمر ينبغي أن يفهم، وينبغي أن يعلم أننا عندما نذكر أن هذه مذاهب أهل السنة أنه ليس العلماء المحققون مقصورين على هؤلاء الأئمة الأربعة، بل هناك كثير من أمثالهم في زمانهم وقبل زمانهم، مثل الفقهاء السبعة في المدينة، الذين كانوا في عصر التابعين وقبل الأئمة الأربعة، وكانت وفياتهم غالباً قبل المائة، وأدركوا كبار الصحابة أو متوسطيهم، فلا يقال إن الحق محصور في الأئمة الأربعة وإن غير أقوال الأئمة الأربعة لا يلتفت إليها.
قوله: [حدثنا أحمد بن حنبل ].
تقدم ذكره.
[ عن محمد بن يوسف الفريابي ]
محمد بن يوسف الفريابي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأوزاعي ]
هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي ، كنيته توافق اسم أبيه، فهو أبو عمرو وهو ابن عمرو ، وأن معرفة من وافقت كنيته اسم أبيه نوع من أنواع علوم الحديث المهمة، وفائدة معرفتها أن لا يظن به التصحيف فيما إذا قيل في الأوزاعي عبد الرحمن بن عمرو : عبد الرحمن أبي عمرو ، فإن من لا يعرف أن كنيته أبو عمرو يظن أن (أبي) مصحفة عن (ابن)؛ لأنه عبد الرحمن بن عمرو ، فسواء قيل عبد الرحمن بن عمرو أو قيل عبد الرحمن أبي عمرو ، فإن من يعرفه ومن يكون على علم به ينتفي عنه ظن التصحيف.
وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة، وهو فقيه الشام ومحدثها في زمانه، وقد أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قرة بن عبد الرحمن ]
هو صدوق له مناكير، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[ عن الزهري ]
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سلمة ]
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم؛ لأن الذين اختلف هل هم من الفقهاء السبعة أو لا: ثلاثة، فمن العلماء من يجعل السابع أبا سلمة بن عبد الرحمن هذا، ومنهم من يجعل السابع أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، ومنهم من يجعل السابع سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وعروة بن الزبير بن العوام .
[ عن أبي هريرة ]
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم، رضي الله عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين.
استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح سنن أبي داود [139] | 2890 استماع |
شرح سنن أبي داود [462] | 2842 استماع |
شرح سنن أبي داود [106] | 2835 استماع |
شرح سنن أبي داود [032] | 2731 استماع |
شرح سنن أبي داود [482] | 2702 استماع |
شرح سنن أبي داود [529] | 2693 استماع |
شرح سنن أبي داود [555] | 2686 استماع |
شرح سنن أبي داود [177] | 2679 استماع |
شرح سنن أبي داود [097] | 2654 استماع |
شرح سنن أبي داود [273] | 2649 استماع |