شرح سنن أبي داود [112]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (... أتموا لعبدي فريضته من تطوعه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه).

حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا إسماعيل حدثنا يونس عن الحسن عن أنس بن حكيم الضبي أنه قال: خاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة رضي الله عنه قال: فنسبني فانتسبت له، فقال: يا فتى ألا أحدثك حديثاً؟ قال: قلت: بلى رحمك الله، قال يونس : وأحسبه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا عز جل لملائكته -وهو أعلم-: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع، قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه) ].

المقصود من هذه الترجمة: أن الفرائض إذا حصل فيها شيء من النقص وكان هناك نوافل، فإن ذلك النقص يكمل من النوافل، وفي ذلك ترغيب في النوافل وحث عليها؛ لأنها مكملة ومتممة للفرائض، بحيث أن الذي يتساهل فيها يتساهل في الفرائض، والذي يحافظ عليها يحافظ على الفرائض.

وعلى هذا فالنوافل شأنها عظيم والاهتمام بها عظيم، وفائدتها كبيرة؛ لأنها تكون وقاية للفرائض، ولأنها تتم بها الفرائض إذا كان هناك نقص فيها عند المحاسبة.

هذه هي الترجمة التي أوردها الإمام أبو داود رحمه الله، وأتى بها على وفق ما جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أن النوافل تكمل الفرائض إذا حصل فيها نقص.

وقد جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ثم قال: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).

فالنوافل شأنها عظيم؛ إذ بها تضاعف الأجور، وهي كالسياج الذي يحافظ به على الفرائض.

أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة) وهذا يدلنا على عظم شأن الصلاة، وأن شأنها كبير، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي أول ما يحاسب عليه يوم القيامة، وآخر ما يفقد في هذه الحياة.

والإنسان إذا كان مفلحاً في صلاته، وقائماً بما يجب عليه فيها، فإنه يرجى أن يكون فيما وراء ذلك على التمام وعلى وجه حسن، وإذا كان بخلاف ذلك في الصلاة فما سواها يكون من باب أولى.

قوله: [ (قال: يقول ربنا عز وجل لملائكته -وهو أعلم-: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة) ].

يعني: أنه حصل في فرضه على التمام والكمال.

[ (وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم) ].

يعني: باقي الأعمال من بعد الصلاة، كذلك الصلاة إذا كان الإنسان عنده خلل أو تقصير، فإن النوافل من الصدقات تتم بها، وكذلك الصيام والحج وهكذا.

تراجم رجال إسناد حديث: (... أتموا لعبدي فريضته من تطوعه)

قوله: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ].

هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا إسماعيل ].

هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا يونس ].

هو يونس بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحسن ].

هو الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس بن حكيم الضبي ].

أنس بن حكيم الضبي مستور، أخرج له أبو داود وابن ماجة .

معنى قوله: (فنسبني فانتسبت له)

[ قال: خاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة ].

يعني: هذا الرجل الذي هو أنس بن حكيم خاف من زياد أو ابن زياد أمير من الأمراء، فأتى المدينة ولقي أبا هريرة رضي الله عنه، قال: فنسبني فانتسبت له، يعني: قيل: إن معناه أنه طلب منه أن يعرف بنفسه فانتسب له، وقيل: إن كل واحد منهما عرف بنفسه فيكون أبو هريرة عرف بنفسه وهذا عرف بنفسه، ولعل الأقرب: أن أبا هريرة هو الذي طلب منه أن يعرف بنفسه؛ لأن أبا هريرة معروف ولا يحتاج إلى أن ينتسب له وأن يعرف بنفسه؛ ولأنه جاء إلى أبي هريرة وهو يعرف أنه أبو هريرة .

والذي يبدو أن أبا هريرة هو الذي طلب منه أن يعرف بنفسه، كما هو شأن الشخص الغريب الذي يأتي وُيسأل ممن هو حتى يعرف.

و زياد هو أمير من الأمراء، ما أدري هل هو زياد ابن أبيه أم لا؟ أما ابن زياد فهو عبيد الله بن زياد وكل منهما كان أميراً.

والتعارف أمر مطلوب يدل عليه هذا الحديث، وحديث الباقر مع جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن جابراً سألهم عن أسمائهم واحداً واحداً حتى وصل إلى الباقر فعرفه بنفسه، فوضع يده على صدره فجعل يحدثه بحديث الحج الطويل.

قوله: [ قال يونس : وأحسبه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم ].

وهذا يونس بن عبيد يحسب أنه رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسواء رفعه أو لم يرفعه فمثل هذا له حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال بالرأي؛ لأنه إخبار عن أمر مغيب.

شرح حديث: (... أتموا لعبدي فريضته من تطوعه...) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن حميد عن الحسن عن رجل من بني سليط عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى وفيه: أنه قال بدل أنس بن حكيم : عن رجل من بني سليط، وقيل: إن هذا الرجل هو أنس بن حكيم ، لكن جاء غير مسمى هنا.

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

هو موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

هو حماد بن سلمة ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن حميد ].

هو حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحسن عن رجل من بني سليط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ].

أي: بنحو الحديث الذي تقدم.

والحديث كما هو معلوم فيه هذا الرجل في الإسناد الأول مسمى وهو أنس بن حكيم ، وفي الثاني مبهم وقيل: إنه نفسه أنس بن حكيم ، لكن الحديث الذي سيأتي حديث تميم الداري شاهد له.

شرح حديث: (...ثم الزكاة مثل ذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن داود بن أبي هند عن زرارة بن أوفى عن تميم الداري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى قال: (ثم الزكاة مثل ذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث تميم الداري وقال: إنه بنحو حديث أبي هريرة المتقدم، وهو شاهد له، ودال على ما دل عليه، وفي هذا الإخبار عن الأمر المستقبل، وأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم يجب تصديقها، وأن ما أخبر به عليه الصلاة والسلام من الأمور المغيبة سواء كانت ماضية أو مستقبلة أو موجودة لا نشاهدها ولا نعاينها الواجب تصديقها؛ لأن هذا هو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إخبار عن أمر مستقبل وهو أن الصلاة أول ما يحاسب عليه، وهو كما أسلفت يدل على عظم شأن الصلاة، وأن أمرها خطير، وأن الواجب على الإنسان أن يحافظ ويحرص عليها.

وقد جاء في الحديث الصحيح: (إن أول ما يقضى يوم القيامة بين الناس في الدماء) وقد يقال: إن بينهما شيئاً من التعارض، ولكن لا تعارض؛ لأن الصلاة فيما يتعلق بحقوق الله هي أول شيء يحاسب عليه، وأول شيء فيما يكون بين الناس يقضى ويحاسب فيما بينهم في الدماء، فيكون الأول يحمل على حقوق الله، والثاني يحمل على حقوق الناس وما يكون بينهم، فلا تعارض بين ما جاء في هذا الحديث وبين الحديث الآخر الذي فيه: (إن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء).

تراجم رجال إسناد حديث: (...ثم الزكاة مثل ذلك ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن داود بن أبي هند ].

داود بن أبي هند ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن زرارة بن أوفى ].

زرارة بن أوفى ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن تميم الداري ].

تميم الداري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه).

حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا إسماعيل حدثنا يونس عن الحسن عن أنس بن حكيم الضبي أنه قال: خاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة رضي الله عنه قال: فنسبني فانتسبت له، فقال: يا فتى ألا أحدثك حديثاً؟ قال: قلت: بلى رحمك الله، قال يونس : وأحسبه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا عز جل لملائكته -وهو أعلم-: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع، قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه) ].

المقصود من هذه الترجمة: أن الفرائض إذا حصل فيها شيء من النقص وكان هناك نوافل، فإن ذلك النقص يكمل من النوافل، وفي ذلك ترغيب في النوافل وحث عليها؛ لأنها مكملة ومتممة للفرائض، بحيث أن الذي يتساهل فيها يتساهل في الفرائض، والذي يحافظ عليها يحافظ على الفرائض.

وعلى هذا فالنوافل شأنها عظيم والاهتمام بها عظيم، وفائدتها كبيرة؛ لأنها تكون وقاية للفرائض، ولأنها تتم بها الفرائض إذا كان هناك نقص فيها عند المحاسبة.

هذه هي الترجمة التي أوردها الإمام أبو داود رحمه الله، وأتى بها على وفق ما جاء في الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، من أن النوافل تكمل الفرائض إذا حصل فيها نقص.

وقد جاء عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ثم قال: ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه).

فالنوافل شأنها عظيم؛ إذ بها تضاعف الأجور، وهي كالسياج الذي يحافظ به على الفرائض.

أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة) وهذا يدلنا على عظم شأن الصلاة، وأن شأنها كبير، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي أول ما يحاسب عليه يوم القيامة، وآخر ما يفقد في هذه الحياة.

والإنسان إذا كان مفلحاً في صلاته، وقائماً بما يجب عليه فيها، فإنه يرجى أن يكون فيما وراء ذلك على التمام وعلى وجه حسن، وإذا كان بخلاف ذلك في الصلاة فما سواها يكون من باب أولى.

قوله: [ (قال: يقول ربنا عز وجل لملائكته -وهو أعلم-: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة) ].

يعني: أنه حصل في فرضه على التمام والكمال.

[ (وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم) ].

يعني: باقي الأعمال من بعد الصلاة، كذلك الصلاة إذا كان الإنسان عنده خلل أو تقصير، فإن النوافل من الصدقات تتم بها، وكذلك الصيام والحج وهكذا.

قوله: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم ].

هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا إسماعيل ].

هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم بن علية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا يونس ].

هو يونس بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحسن ].

هو الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أنس بن حكيم الضبي ].

أنس بن حكيم الضبي مستور، أخرج له أبو داود وابن ماجة .

[ قال: خاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة ].

يعني: هذا الرجل الذي هو أنس بن حكيم خاف من زياد أو ابن زياد أمير من الأمراء، فأتى المدينة ولقي أبا هريرة رضي الله عنه، قال: فنسبني فانتسبت له، يعني: قيل: إن معناه أنه طلب منه أن يعرف بنفسه فانتسب له، وقيل: إن كل واحد منهما عرف بنفسه فيكون أبو هريرة عرف بنفسه وهذا عرف بنفسه، ولعل الأقرب: أن أبا هريرة هو الذي طلب منه أن يعرف بنفسه؛ لأن أبا هريرة معروف ولا يحتاج إلى أن ينتسب له وأن يعرف بنفسه؛ ولأنه جاء إلى أبي هريرة وهو يعرف أنه أبو هريرة .

والذي يبدو أن أبا هريرة هو الذي طلب منه أن يعرف بنفسه، كما هو شأن الشخص الغريب الذي يأتي وُيسأل ممن هو حتى يعرف.

و زياد هو أمير من الأمراء، ما أدري هل هو زياد ابن أبيه أم لا؟ أما ابن زياد فهو عبيد الله بن زياد وكل منهما كان أميراً.

والتعارف أمر مطلوب يدل عليه هذا الحديث، وحديث الباقر مع جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن جابراً سألهم عن أسمائهم واحداً واحداً حتى وصل إلى الباقر فعرفه بنفسه، فوضع يده على صدره فجعل يحدثه بحديث الحج الطويل.

قوله: [ قال يونس : وأحسبه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم ].

وهذا يونس بن عبيد يحسب أنه رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسواء رفعه أو لم يرفعه فمثل هذا له حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال بالرأي؛ لأنه إخبار عن أمر مغيب.