شرح سنن أبي داود [108]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب فكان إذا سجد كبر وإذا رفع كبر ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب تمام التكبير.

حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن غيلان بن جرير عن مطرف أنه قال: (صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكان إذا سجد كبر، وإذا ركع كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما انصرفنا أخذ عمران بيدي وقال: لقد صلى هذا قبل -أو قال: لقد صلى بنا هذا قبل- صلاة محمد صلى الله عليه وسلم) ].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب تمام التكبير]، يعني أنه يؤتى بالتكبير في جميع الأحوال التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي عند كل خفض ورفع في الصلاة، إلا عند القيام من الركوع فيقال: (سمع الله لمن حمده) وإلا عند التسليم فيقال: (السلام وعليكم ورحمة الله)، وما عدا ذلك فكله تكبير، فهناك تكبيرة الإحرام، والتكبير عند الركوع، وعند السجود، وعند القيام من السجدة الأولى، وعند السجدة الثانية، وعند القيام من السجدة الثانية، ففي كل ذلك تكبير، وهذا هو تمام التكبير، فيؤتى به في جميع الأحوال، ويؤتى به في كل الانتقالات من ركن إلى ركن، في الانتقال من القيام إلى الركوع، ومن القيام إلى السجود، ومن القيام من السجود، ومن السجود بعد الجلوس، ومن القيام بعد السجدة الثانية، فهذا المقصود بتمام التكبير، أي أنه يؤتى به في جميع المواضع التي ورد فيها، فيكون في الفجر إحدى عشرة تكبيرة؛ لأن كل ركعة فيها خمس، وتكبيرة الإحرام هي الحادية عشرة، وصلاة المغرب فيها سبع عشرة تكبيرة، فهي ثلاث ركعات، وكل ركعة فيها خمس تكبيرات، وتكبيرة الإحرام، وتكبيرة القيام من التشهد الأول، والصلوات الرباعيات كل صلاة فيها اثنتان وعشرون تكبيرة، فتكون تكبيرات الصلوات الخمس في اليوم والليلة أربعاً وتسعين تكبيرة، وصيغة التكبير: (الله أكبر)، فهذا هو تمام التكبير، فيؤتى به في جميع المواضع.

وقد ذكر المصنف هنا تمام التكبير، وسيأتي أن هناك حذف التكبير في بعض المواضع، وأنه لا يؤتى به، لكن لعل ذاك محمول على أن فيه إخفاء التكبير، لا أن يحذف كله ولا يؤتى به.

وأورد أبو داود رحمه الله حديث عمران بن حصين أن علياً رضي الله عنه صلى بهم صلاة فكان إذا سجد كبر، يعني: إذا هوى من القيام إلى السجود كبر.

قوله: [وإذا ركع كبر] أي أنه يكبر عندما يكون قائماً، ويكبر بعدما يرفع من الركوع، ويكبر عند الهوي للسجود.

قوله: [وإذا نهض من الركعتين كبر] يعني بذلك القيام من التشهد الأول.

قوله: [ قال مطرف : فلما انصرفنا أخذ عمران بيدي وقال: لقد صلى هذا قبل -أو قال: لقد صلى بنا هذا قبلُ- صلاة محمد صلى الله عليه وسلم ].

أي: لقد صلى بنا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، أي أنها مشتملة على التكبير.

تراجم رجال إسناد حديث (صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب فكان إذا سجد كبر وإذا ركع كبر ...)

قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ].

سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

حماد هو ابن زيد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وإذا روى سليمان عن حماد وهو غير منسوب فالمراد به حماد بن زيد ، وهذا عكس موسى بن إسماعيل التبوذكي ، فإنه إذا روى عن حماد غير منسوب فهو حماد بن سلمة .

[ عن غيلان بن جرير ].

غيلان بن جرير، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مطرف ].

هو مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمران بن حصين ].

عمران بن حصين رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

وهذا الحديث من مسند عمران بن حصين؛ لأنه قال: إن صلاة علي هذه هي صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أي أن صفة الصلاة هذه كصفة صلاة رسول الله، فالذي رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام هو عمران بن حصين رضي الله عنه.

شرح حديث بيان صلاة أبي هريرة وتشبيهها بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا أَبي وبقية عن شعيب عن الزهري أنه قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن وأبو سلمة : (أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها، يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، ثم يقول: ربنا ولك الحمد قبل أن يسجد، ثم يقول: الله أكبر حين يهوي ساجداً، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في اثنتين، فيفعل ذلك في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة، ثم يقول حين ينصرف: والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبهاً بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا).

قال أبو داود : هذا الكلام الأخير يجعله مالك والزبيدي وغيرهما عن الزهري عن علي بن حسين ، ووافق عبد الأعلى عن معمر شعيب بن أبي حمزة عن الزهري ] .

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه أنه صلى بالناس وكان يكبر حين يقوم - أي: تكبيرة الإحرام -، ويكبر حين يركع، ويكبر حين يسجد، ويكبر حين يقوم من السجود، ويكبر حين يسجد، ويكبر حين يقوم، ثم عند القيام من الركعتين -أي: في الصلاة الثلاثية والرباعية-، ثم يقول: إني أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا فيه تمام التكبير الذي أشار إليه المصنف، وهو الإتيان به في المواضع كلها.

وقد اتفق العلماء على أن تكبيرة الإحرام لابد منها، بل إن الصلاة لا تنعقد بدونها، وقد قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحريمها التكبير)، فالإنسان لا يكون داخلاً في الصلاة إلا إذا كبر، ولا يصح أن يدخل في الصلاة بدون تكبيرة الإحرام.

وأما التكبيرات الأخرى -وهي تكبيرات الانتقال- فقد اختلف فيها العلماء، فمنهم من قال باستحبابها، ومنهم من قال بوجوبها، وأما التكبيرة الأولى وهي تكبيرة الإحرام فهي ركن لابد منه، فكان أبو هريرة رضي الله عنه يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها، أي: في الفرائض والنوافل.

قوله: [يكبر حين يقوم] يعني تكبيرة الإحرام، والمراد: عندما يكون قائماً، وليس المقصود أنه عندما يقوم من السجود أو غيره؛ لأن هذا القيام في أول الصلاة فمن أين يقوم؟! والمقصود: حين يكون قائماً، فإذا أراد أن يدخل في الصلاة كبر.

وقوله: [ثم يكبر حين يركع] أي: حين يوجد منه الهوي للركوع.

وقوله: [ثم يقول: سمع الله لمن حمده] أي: عندما يقوم من الركوع، فليس هناك تكبير في هذا المقام، وإنما فيه التسميع.

وقوله: [ثم يقول: ربنا ولك الحمد قبل أن يسجد] أي: في حال قيامه بعد الركوع وقبل السجود.

وقوله: [ثم يقول: الله أكبر حين يهوي ساجداً] أي: يكبر حين يهوي، فلا يكبر وهو قائم ثم يسجد، ولا يكبر وهو ساجد على الأرض، وإنما يكون ذلك حين يهوي.

وقوله: [ثم يكبر حين يرفع رأسه] أي: من السجود في السجدة الأولى.

وقوله: [ثم يكبر حين يسجد] أي: السجدة الثانية.

وقوله: (ثم يكبر حين يرفع رأسه) أي: من السجدة الثانية.

وقوله: [ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في اثنتين، فيفعل ذلك في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة] أي أن كل ركعة فيها خمس تكبيرات: تكبيرة عند الركوع، وتكبيرة عند السجود، وتكبيرة عند القيام من السجود، وتكبيرة عند القيام من السجود، وتكبيرة عند السجود الثاني، وتكبيرة عند الرفع من السجدة الثانية، ويضاف إلى ذلك تكبيرة الإحرام، وتكبيرة القيام من الركعتين بالنسبة للصلاة الثلاثية والرباعية.

ثم قال أبو هريرة: [إني أقربكم شبهاً بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم].

ومقصود أبي هريرة رضي الله عنه من قسمه بأنه أشبههم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم تنبيههم إلى أن يعرفوا أن هذه الهيئة في الصلاة التي صلاها هي هيئة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون بذلك حاثاً لهم على أن يتأملوا في أفعاله وفي صلاته؛ لأنه يصلي كصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس المقصود من ذلك التمدح والثناء، وإنما يقصد بذلك حثهم وإخبارهم بأن هذه الهيئة التي فعلها هي صفة صلاة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

وقوله: [إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا] يعني أنه استمر على ذلك، وبهذه الهيئة التي فيها هذه التكبيرات، وبهذه الكيفية التي صلاها بهم أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته وعليه.

تراجم رجال إسناد حديث صلاة أبي هريرة وتشبيهها بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

قوله: [ حدثنا عمرو بن عثمان ].

عمرو بن عثمان هو: عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، وهو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا أبي ].

هو عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ وبقية ].

بقية هو بقية بن الوليد وهو صدوق كثير الرواية عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن شعيب ].

شعيب هو ابن أبي حمزة الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الزهري ].

الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن ].

هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، والفقهاء السبعة كانوا في المدينة في عصر التابعين، ستة منهم متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه خلاف على أقوال ثلاثة، والستة المتفق على عدهم من الفقهاء السبعة هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وسعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وسليمان بن يسار ، وعروة بن الزبير بن العوام ، فهؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال: فقيل: هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المذكور هنا، وقيل: هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وقد جاء هنا في نفس الإسناد مع أبي بكر بن عبد الرحمن ، والقول الثالث أنه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعلى هذا فـأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أحد فقهاء المدينة السبعة الذين اشتهروا بهذا اللقب على اختلاف فيه، وليس متفقاً عليه، وهؤلاء الفقهاء السبعة يذكرون بهذا اللقب فيغني ذلك عن عدهم، كما يذكر ذلك في بعض المسائل الفقهية كمسألة زكاة عروض التجارة، فعندما يذكر العلماء الكلام عليها يقولون: وقد قال بها الأئمة الأربعة، والفقهاء السبعة. فالأئمة الأربعة هم أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة : أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، والفقهاء السبعة هم هؤلاء السبعة الذين مرّ ذكرهم.

وقد اجتمع في هذا الإسناد اثنان من الذين اختلف في عدهم في الفقهاء السبعة، وهم أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، وكل منهما ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

أبو هريرة هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس وجابر وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، فهم ستة رجال وامرأة واحدة، وهؤلاء السبعة هم الذين رووا الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.

قوله: [ قال أبو داود : هذا الكلام الأخير يجعله مالك والزبيدي وغيرهما عن الزهري عن علي بن الحسين ].

يعني بذلك قوله: [إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا] حيث يجعله مالك والزبيدي وغيرهما عن الزهري عن علي بن الحسين .

و مالك بن أنس رحمة الله عليه هو أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة المعروفة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

و الزبيدي هو محمد بن الوليد الزبيدي الحمصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن الزهري عن علي بن الحسين ].

الزهري مر ذكره.

وعلي بن حسين هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

قوله: [ ووافق عبد الأعلى عن معمر شعيب بن أبي حمزة عن الزهري ].

أي أن عبد الأعلى هو الذي وافق شعيب بن أبي حمزة في الرواية، فـعبد الأعلى عن معمر عن الزهري ، وشعيب عن الزهري ، فوافق عبدَ الأعلى عن معمر شعيباً عن الزهري وهذه الموافقة في كون الزهري يروي عن شيخين، وهما أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، فهذا هو المقصود بالموافقة، فقد جاء عن الزهري أنه روى عن أبي بكر بن عبد الرحمن وحده، وجاء عنه -أيضاً- أنه روى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وحده، ولكن جاء عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري مثل ما جاء عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري في أن الزهري يروي عن شيخين وهما: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .

و عبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و معمر هو معمر بن راشد الأزدي البصري، ثم اليماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وشعيب والزهري مر ذكرهما في الإسناد السابق.

شرح حديث ابن أبزى أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يتم التكبير

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار وابن المثنى قالا: حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن الحسن بن عمران -قال ابن بشار : الشامي ، وقال أبو داود : أبو عبد الله العسقلاني- عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه: (أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يتم التكبير) .

قال أبو داود : معناه: إذا رفع رأسه من الركوع وأراد أن يسجد لم يكبر، وإذا قام من السجود لم يكبر ] .

أورد أبو داود حديث عبد الرحمن بن أبزى [أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان لا يتم التكبير]، وهذا يخالف ما تقدم عن أبي هريرة من إتمام التكبير، والإتيان بالتكبيرات عند كل خفض ورفع، وقد ترجم له أبو داود فقال: [باب تمام التكبير]، وهذا الحديث فيه عدم إتمام التكبير، أي: حذف شيء منه وعدم الإتيان به، فيحمل هذا الحديث -لو صح- على إخفائه، وأنه كان لا يظهره في هذين الموضعين الذين أشار إليهما أبو داود وهما: إذا سجد، وإذا قام من السجود، ففي هاتين الحالتين كان لا يتم التكبير، لكن الحديث غير صحيح؛ لأن في إسناده من هو ضعيف، وعلى هذا فلا يثبت، والمعتمد في ذلك ما جاء في حديث أبي هريرة ، وحديث علي الذي قبله رضي الله تعالى عنهما، وفي ذلك إتمام التكبير، والإتيان بالتكبيرات كلها، ولو صح حديث عبد الرحمن بن أبزى لأمكن حمله على إخفائه وعدم إظهاره كما ينبغي، وليس المقصود أن يتركه ولا يأتي به، وعلى كل فالحديث ضعيف من أجل أحد رواته، وهو الحسن بن عمران ، فهو لين الحديث.

تراجم رجال إسناد حديث ابن أبزى أنه صلى مع رسول الله وكان لا يتم التكبير

قوله: [ حدثنا محمد بن بشار ].

محمد بن بشار هو الملقب بـبندار البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، فقد رووا عنه مباشرة بلا واسطة.

ابن المثنى]

هو محمد بن المثنى العنزي أبو موسى الملقب بـالزمن ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

فهذان الشيخان هما من شيوخ أصحاب الكتب الستة، وهم: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وهما من شيوخ البخاري الصغار، وقد ماتا في سنة واحدة، وذلك قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، وقد كان ذلك في سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وتوفي البخاري سنة ست وخمسين ومائتين.

وممن كان من شيوخ أصحاب الكتب الستة ومات في السنة التي ماتا فيها: يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، فهؤلاء الثلاثة من صغار شيوخ البخاري ، وهم شيوخ لأصحاب الكتب الستة كلهم، وقد مات الثلاثة قبل وفاة البخاري بأربع سنين.

وقد قال الحافظ ابن حجر لما ذكر ترجمة محمد بن المثنى : وكان هو وبندار كفرسي رهان، وماتا في سنة واحدة. يعني أنهما متماثلان في أمور كثيرة: فهما متفقان في الشيوخ والتلاميذ، وهما من أهل البصرة، وماتا في سنة واحدة وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين.

[حدثنا أبو داود ].

أبو داود هو سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.

[ حدثنا شعبة ].

شعبة هو ابن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحسن بن عمران ].

الحسن بن عمران لين الحديث، أخرج حديثه أبو داود وحده.

قوله: [ قال ابن بشار : الشامي ، وقال أبو داود: أبو عبد الله العسقلاني ].

أي أن ابن بشار شيخ أبي داود الأول من الشيخين أضاف في إسناده وفي ذكر هذا الشيخ الذي هو الحسن بن عمران فقال: [الشامي] أي أن محمد بن المثنى في إسناده قال: الحسن بن عمران الشامي. وأبو داود قال في إسناده: [العسقلاني].

فذكر كنيته أبا عبد الله، وذكر نسبته وهي سليمان بن حرب حدثنا حماد عن غيلان بن جرير عن مطرف أنه قال: (صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكان إذا سجد كبر، وإذا ركع كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما انصرفنا أخذ عمران بيدي وقال: لقد صلى هذا قبل -أو قال: لقد صلى بنا هذا قبل- صلاة محمد صلى الله عليه وسلم) ].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [باب تمام التكبير]، يعني أنه يؤتى بالتكبير في جميع الأحوال التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي عند كل خفض ورفع في الصلاة، إلا عند القيام من الركوع فيقال: (سمع الله لمن حمده) وإلا عند التسليم فيقال: (السلام وعليكم ورحمة الله)، وما عدا ذلك فكله تكبير، فهناك تكبيرة الإحرام، والتكبير عند الركوع، وعند السجود، وعند القيام من السجدة الأولى، وعند السجدة الثانية، وعند القيام من السجدة الثانية، ففي كل ذلك تكبير، وهذا هو تمام التكبير، فيؤتى به في جميع الأحوال، ويؤتى به في كل الانتقالات من ركن إلى ركن، في الانتقال من القيام إلى الركوع، ومن القيام إلى السجود، ومن القيام من السجود، ومن السجود بعد الجلوس، ومن القيام بعد السجدة الثانية، فهذا المقصود بتمام التكبير، أي أنه يؤتى به في جميع المواضع التي ورد فيها، فيكون في الفجر إحدى عشرة تكبيرة؛ لأن كل ركعة فيها خمس، وتكبيرة الإحرام هي الحادية عشرة، وصلاة المغرب فيها سبع عشرة تكبيرة، فهي ثلاث ركعات، وكل ركعة فيها خمس تكبيرات، وتكبيرة الإحرام، وتكبيرة القيام من التشهد الأول، والصلوات الرباعيات كل صلاة فيها اثنتان وعشرون تكبيرة، فتكون تكبيرات الصلوات الخمس في اليوم والليلة أربعاً وتسعين تكبيرة، وصيغة التكبير: (الله أكبر)، فهذا هو تمام التكبير، فيؤتى به في جميع المواضع.

وقد ذكر المصنف هنا تمام التكبير، وسيأتي أن هناك حذف التكبير في بعض المواضع، وأنه لا يؤتى به، لكن لعل ذاك محمول على أن فيه إخفاء التكبير، لا أن يحذف كله ولا يؤتى به.

وأورد أبو داود رحمه الله حديث عمران بن حصين أن علياً رضي الله عنه صلى بهم صلاة فكان إذا سجد كبر، يعني: إذا هوى من القيام إلى السجود كبر.

قوله: [وإذا ركع كبر] أي أنه يكبر عندما يكون قائماً، ويكبر بعدما يرفع من الركوع، ويكبر عند الهوي للسجود.

قوله: [وإذا نهض من الركعتين كبر] يعني بذلك القيام من التشهد الأول.

قوله: [ قال مطرف : فلما انصرفنا أخذ عمران بيدي وقال: لقد صلى هذا قبل -أو قال: لقد صلى بنا هذا قبلُ- صلاة محمد صلى الله عليه وسلم ].

أي: لقد صلى بنا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، أي أنها مشتملة على التكبير.

قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ].

سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

حماد هو ابن زيد، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وإذا روى سليمان عن حماد وهو غير منسوب فالمراد به حماد بن زيد ، وهذا عكس موسى بن إسماعيل التبوذكي ، فإنه إذا روى عن حماد غير منسوب فهو حماد بن سلمة .

[ عن غيلان بن جرير ].

غيلان بن جرير، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مطرف ].

هو مطرف بن عبد الله بن الشخير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمران بن حصين ].

عمران بن حصين رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

وهذا الحديث من مسند عمران بن حصين؛ لأنه قال: إن صلاة علي هذه هي صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أي أن صفة الصلاة هذه كصفة صلاة رسول الله، فالذي رفعه إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام هو عمران بن حصين رضي الله عنه.