شرح سنن أبي داود [028]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (أن رسول الله كان يمسح على ظهر الخفين)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف المسح.

حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: ذكره أبي عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين) وقال غير محمد : (على ظهر الخفين)].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب كيف المسح. أي: كيف يكون المسح على الخفين؟ وما هو المكان أو الجزء الذي يمسح؟ وما هي طريقة المسح؟ فهذا هو المقصود بالترجمة، وأبو داود رحمه الله بعدما ذكر المسح على الخفين وثبوته ذكر بعد ذلك التوقيت للمسح على الخفين، ثم ذكر بعد ذلك الكيفية، وقد ذكرت أن أحاديث المسح على الخفين متواترة، وقد مرت كثير من الطرق التي تدل على المسح على الخفين، وذكرت أن الأحاديث التي فيها التوقيت أيضاً هي دالة على المسح على الخفين وكذلك أيضاً الأحاديث التي فيها كيفية المسح هي دالة أيضاً على إثبات المسح على الخفين.

فإذاً: كل الأحاديث التي وردت في المسح على الخفين، والأحاديث التي تتعلق بتوقيت المسح على الخفين، والأحاديث التي تدل على كيفية المسح كلها دالة على ثبوت أصل المسح، والترجمة المعقودة هنا لبيان كيفية المسح.

وكيفيته: أنه يكون على ظهر القدم، ولا يكون على أسفلها.

وذلك أن الإنسان يضع أصابعه على ظهر الخف من أعلى مقدمه ويمر بها إلى أن يرتفع إلى الكعبين، ولا يتجاوز الكعبين، ولا يتعرض لما كان خلف الرجلين، ولا ما كان في أسفل، وإنما يمسح على الأعلى، فتمسح باليد اليمنى على الرجل اليمنى، واليد اليسرى تمسح الرجل اليسرى، فهذه هي كيفية المسح.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: (أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وأنه توضأ ومسح على خفيه)، وفي بعض الروايات: (على ظهر الخفين).

والمصنف ذكر الحديث من رواية محمد بن الصباح البزاز وفيه: (أنه مسح الخفين)، ثم قال: (وقال غير محمد )، -أي: غير الشيخ المذكور بالإسناد- (على ظهر الخفين) وهذه الجملة الأخيرة هي التي تدل على الترجمة؛ لأنه قال: (على ظهر الخفين)، أما الأولى فإنها مطلقة؛ لأنه قال: (مسح على الخفين)، والرواية الثانية التي أشار إليها، وأنها عند غير محمد هي من رواية علي بن حجر عند الترمذي وفيها: (أنه صلى الله عليه وسلم مسح على ظهر الخفين).

إذاً: هذا فيه بيان كيفية المسح، وأنه يكون على ظهر الخف، ومعنى هذا أن أسفل الخف لا يمسح عليه، وإنما يمسح على أعلاه.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله كان يمسح على ظهر الخفين)

قوله: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز ].

محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ].

عبد الرحمن بن أبي الزناد أبوه عبد الله بن ذكوان أبو الزناد وعبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق تغير حفظه أخيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم في مقدمة الصحيح وأصحاب السنن الأربعة.

[قال: ذكره أبي].

هو أبو الزناد عبد الله بن ذكوان الذي يروي كثيراً عن الأعرج عن أبي هريرة ؛ فكثيراً ما يأتي في الأسانيد أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، فأبوه هذا هو أبو الزناد ، وهو لقب على صيغة الكنية، وكنيته أبو عبد الرحمن فهذا ابنه عبد الرحمن الذي في الإسناد هو الذي يكنى به فيقال له: أبو عبد الرحمن ، وليست كنيته أبو الزناد وإنما أبو الزناد لقب على صيغة الكنية، وأبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عروة بن الزبير ].

عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد الفقهاء السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن المغيرة بن شعبة ].

المغيرة بن شعبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

والمسح يكون بكلا اليدين في آنٍ واحد، ويكون بأن يبدأ باليمنى، فإذا فرغ منها صار إلى اليسرى، فإن فعل هذا فصحيح، وإن فعل هذا فصحيح أيضاً.

شرح حديث: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص -يعني: ابن غياث - عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي رضي الله عنه أنه قال: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث علي رضي الله عنه الذي فيه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهر خفيه)، وهذا هو الذي يبين الشاهد للترجمة، وأن المسح يكون على ظهر الخف، وليس على أسفله، ولكن مع هذا يقول علي رضي الله عنه وأرضاه هذه المقالة، وهذا الأثر العظيم الذي يدل على الاتباع، وعلى أن الإنسان يتبع السنة ولا يحكم عقله، ولا يجعل لعقله مجالاً في الاعتراض على الأحكام الشرعية، بل الواجب هو اتهام العقول، والموافقة للنقول، لا أن يحكم العقل ويتهم النقل.

وطريقة أهل السنة والجماعة أنهم يحكمون النقل، والعقل السليم لا يعارض النقل الصحيح، فأهل السنة هذا منهجهم وهذه طريقتهم، أنهم يعولون على النصوص، وأما العقول عندهم فتابعة للنصوص، كما قال بعض أهل العلم: إن العقل مع النقل كالعامي المقلد مع العالم المجتهد، مهمته أنه يأخذ بالفتوى، فإذا أفتاه العالم المجتهد يأخذ بفتواه.

فالإنسان عليه أن يتبع الدليل ولا يعول على العقل ويتهم النقل؛ لأن العقول متفاوتة وليست على حد سواء، وعقل هذا يخالف ما في عقل هذا، ورأي هذا يخالف رأي هذا، بل إن الإنسان يكون بين وقت وآخر يختلف رأيه، فقد يرى رأياً يعجبه، ثم يرى بعد ذلك أن هذا الرأي الذي أعجبه يتعجب من نفسه كيف رآه فيما مضى! وذلك أنه تبين له أن غيره أولى منه، وهذا هو الذي حصل للصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يوم الحديبية لما أريد إبرام العقد مع كفار قريش، وكان الذي يبرمه من جانب الكفار سهيل بن عمرو الذي أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه رضي الله عنه وأرضاه، وكان من الشروط: أن من جاء من المسلمين إلى الكفار فإنه لا يرد إليهم. يعني: من ارتد وذهب إلى الكفار فإنه لا يرد إلى المسلمين، ومن جاء من الكفار مسلماً وأراد أن يلحق بالمسلمين فإنه يرد إليهم.

فبعض الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم -ومنهم عمر ومنهم سهل بن حنيف - تأثروا وتألموا وقالوا: يا رسول الله! كيف نعطى الدنية في ديننا؟! يعني: كيف أن من ذهب منا لا يرجع، ومن جاء منهم يرجع عليهم؟ ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رضي بذلك وقبل به، فتبين لهم أن هذا الذي رضي به الرسول أن فيه غضاضة على المسلمين. أي: هذا الشرط الذي فيه أن من جاء من الكفار رجع إليهم، ومن جاء من المسلمين لا يرجع عليهم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رضي بهذا الشرط؛ وذلك أن من ذهب منهم كافراً أبعده الله، ومن جاء من أولئك مسلماً ولم يقبله المسلمون سيجعل الله له فرجاً، ولما حصل أن الذين أسلموا وأرادوا أن يلحقوا بالمسلمين لم يقبلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بناءً على الشرط، وكان منهم أبو جندل بن سهيل بن عمرو ، فقد كان مسلماً وكانوا قد قيدوه بالحديد حتى لا يلحق بالمسلمين، وفي أثناء العقد انطلق بحديده وجاء يجره، فلما وصل إليهم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: يستثنى هذا. يعني: هذا يستثنى من الشرط الذي فيه أن من جاء لا يرد، فقالوا: لا، بل هذا لابد أن يرجع، فرجع وزاد تأثر الصحابة أيضاً عندما رأوا هذا الرجل الذي يجر حديده وهو مسلم وقد جاء يريد أن يلحق بالمسلمين يرد إلى الكفار، وكان أبوه هو الذي وقع العقد، وهو الذي طلب أن يرد، ولما لم يوافق على استثنائه زاد تألمهم وتأثرهم، ثم ماذا كانت النتيجة؟ لما رأى المسلمون الذين أسلموا ولا يريدون أن يبقوا مع الكفار في مكة أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبلهم بناءً على الشرط ما كان منهم إلا أن ذهبوا واجتمعوا على ساحل البحر، وكلما مرت قافلة من القوافل التي تأتي من الشام لكفار قريش اعترضوها، فقريش نفسها تألمت وتأثرت، وطلبت من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقبلهم حتى يسلموا من اعتراضهم لعيرهم؛ فكان في ذلك مصلحة، وهذا الذي رضي به الرسول صلى الله عليه وسلم جعل الله لهم فرجاً، فالكفار رجعوا عن شرطهم وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبلهم، فتبين للصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أن الرأي الذي رأوه لم يكن على الصواب، فكان سهل بن حنيف رضي الله عنه في صفين لما كان الناس في صفين، وكانت المعركة دائرة بين أهل العراق وأهل الشام، فأهل الشام أرادوا التحكيم وقالوا: توقف الحرب ويُرجع إلى التحكيم، فيختار هؤلاء أناساً وهؤلاء أناساً، ويلتقون وينظرون في الخلاف الذي حصل بين أهل الشام وأهل العراق، فبعض الصحابة -ومنهم سهل بن حنيف - رضي وأراد أن تنتهي الحرب، وكان سهل مع أصحاب علي رضي الله عنه، ولما رأى أن بعض الناس عندهم رغبة في المواصلة، وألا توقف الحرب صار ينصحهم ويقول: (يا أيها الناس! اتهموا الرأي في الدين)، يعني: أن هذا الذي فيه إيقاف الحرب فيه مصلحة، والرأي الذي رأيتموه اتهموه، ثم ذكر قصته يوم أبي جندل وما حصل لهم يوم عقد الصلح، وأنهم رأوا رأياً كان الخير في خلافه.

الحاصل: أن الإنسان نفسه يرى في وقت رأياً وبعد ذلك يرى رأياً آخر ويتعجب من نفسه كيف رأى ذلك الرأي! لأنه رأى المصلحة في الأخير لا في الأول، وإذا كان الأمر كذلك فالشرع الذي هو وحي الله هو الذي يجب أن يتمسك به، والعقول تتبعه وترجع إليه، ولا تتهم النقول ويعول على العقول، فطريقة أهل السنة والجماعة هي اتباع النقول واتهام العقول إذا خالفت النقول، والعقل السليم لا يخالف النقل الصحيح، ولـشيخ الإسلام كتاب كبير واسع اسمه (درء تعارض العقل والنقل)، يعني: أنه لا يختلف العقل والنقل، بل العقل السليم يتفق مع النقل الصحيح، ولهذا العلماء عندما يأتون في بعض مسائل الفقه ويذكرون الأدلة يقولون: هذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والمعقول يعني: أن العقل يتفق مع النقل.

بل أهل البدع والأهواء على العكس من أهل السنة والجماعة؛ إذ يعولون على العقول ويتهمون النقول، وإذا جاء النقل مخالفاً لمعقولاتهم إن كان آحاداً قالوا: هذا آحاد، والآحاد لا يحتجون بها في العقيدة، وإن كان متواتراً أو في القرآن قالوا: هذا قطعي الثبوت ظني الدلالة. يعني: فلا يؤخذ به، ولكن يرد عليهم هذا الأثر الذي جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفيه: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على ظاهر الخف)، يعني: أنه لا بد من اتباع النقول، ولا يلتفت إلى العقول إذا رأت ما يخالف النقول، أو إذا انقدح فيها ما يخالف النقول، فالمعول عليه هو النقل وليس المعول عليه العقل، وهذا هو الفرق بين أهل السنة وأهل الأهواء، فأهل السنة يعولون على النقول، ويرون أن النقل الصحيح لا يعارضه العقل السليم، وأما أهل البدع فإنهم يعولون على معقولاتهم، والنقول التي لا تتفق مع معقولاتهم يتهمونها ويدفعونها من أصلها، فإن كان النقل آحاداً قالوا: لا يحتج في العقائد بالأحاديث الآحاد، وهذا خلاف الحق، بل يحتج بالنصوص كلها آحادها ومتواترها، وإن كان قطعي الثبوت كالقرآن ومتواتر السنة دفعوه من حيث الدلالة وقالوا: هو قطعي الثبوت لكنه ظني الدلالة، ولهذا يقول بعض المؤلفين في العقائد المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة وهي عقيدة الأشاعرة الذين يسمون أنفسهم أهل السنة يقول في كتاب اسمه (إضاءة الدجنة في بيان عقيدة أهل السنة).

وكل نص أوهم التشبيه أوله أو فوضه ورم تنزيها

والتأويل هو طريقة المتأخرين، والتفويض هو طريقة المتقدمين، وقد سبق أن ذكرت أن ابن عبد البر رحمة الله عليه ذكر في كتابه التمهيد أن الذين يؤولون النصوص ويعطلونها يصفون المثبتة لها بأنهم مشبهة؛ لأنهم لا يتصورون إثباتاً إلا وفقاً لما يشاهدونه في المخلوقات، فيقول ابن عبد البر رحمة الله عليه: إن الذين يعطلون الصفات يصفون المثبتين لها بأنهم مشبهة؛ لأنهم لا يتصورون الإثبات إلا مع التشبيه، وليس الأمر كذلك، بل هناك إثبات مع تشبيه، وهو الباطل، وإثبات مع تنزيه، وهو الحق الذي يطابقه قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] فأثبت السمع والبصر ونفى المشابهة.

إذاً: هناك إثبات وتنزيه ليس إثباتاً مع تشبيه، فأهل السنة يثبتون الصفات ولا يعطلونها، ومع إثباتهم لا يشبهون بل ينزهون الله عز وجل ويقولون: إن صفاته تليق بجلاله وكماله ولا تشبه شيئاً من صفات المخلوقين، والله تعالى بصفاته لا يشبه المخلوقين، والمخلوقون بصفاتهم لا يشبهون الله عز وجل، وصفات الباري تليق بكماله وجلاله، وصفات المخلوق تليق بضعفه وافتقاره.

ثم إن ابن عبد البر بعد أن حكى كلمة هؤلاء قال: وهم -أي: المعطلة- عند من أقر بالصفات وأثبتها يعتبرون قد نفوا المعبود.

قال الذهبي معلقاً على هذه الكلمة الأخيرة لـابن عبد البر : قلت: وصدق والله! فإن الجهمية مثلهم -أي: الذين ينفون الصفات- كما قال حماد بن زيد -وهو من طبقة شيوخ أصحاب الكتب الستة-: إن جماعة قالوا: في دارنا نخلة، فقيل لهم: ألها خوص؟ قالوا: لا، قيل لهم: ألها ساق؟ قالوا: لا، قيل: ألها عسب؟ قالوا: لا، وكل ما ذكر لهم شيء من صفات النخل نفوه عن هذه النخلة، فقيل لهم: إذاً: ليس في داركم نخلة.

فهذا شأن المعطل؛ فإنه يقول: الله ليس بسميع ولا بصير ولا.. ولا.. ولا.. وكل شيء ينفيه عن الله، إذاً: لا وجود لله عز وجل؛ لأنه لا يتصور وجود ذات مجردة عن جميع الصفات، ولهذا يقول بعض العلماء: إن المعطل يعبد عدماً، والممثل يعبد صنماً، فالمعطل يعبد عدماً لأنه لا وجود لمعبوده، والممثل أو المشبه يعبد صنماً لأن الله ليس كالمخلوقين سبحانه وتعالى.

فإذاً: هذا الأثر عن علي رضي الله عنه أثر عظيم، يدلنا على أن المعول عليه هي النصوص، وأن النقول هي الأساس وهي التي يعول عليها، والعقول السليمة توافقها، والعقول المريضة تخالفها، وتتهم تلك العقول المريضة التي لا توافق النقول.

تراجم رجال إسناد حديث: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه...)

قوله: [حدثنا محمد بن العلاء ].

محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا حفص يعني: ابن غياث ].

حفص بن غياث ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن الأعمش ].

هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي إسحاق ].

أبو إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عبد خير ].

عبد خير الهمداني ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.

[عن علي ].

علي أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو السبطين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالغسل...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا يزيد بن عبد العزيز عن الأعمش بإسناده بهذا الحديث، قال: (ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالغسل، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهر خفيه)].

أورد أبو داود رحمه الله هذا الأثر عن علي من طريق أخرى، وبلفظ مقارب ومتفق من حيث المعنى للأول، ويختلف عنه في بعض الألفاظ فقال: (ما كنت أرى باطن الخفين إلا أحق بالمسح، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهر قدميه) وهو دال على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمسح على ظهر القدمين، وهذه هي السنة، وهذا هو التشريع، وهذا هو الحق الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم، والشيء الذي كان يراه علي أو الذي كان في ذهن علي أن هذا أحق، ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم تبين له أن رأيه أو الشيء الذي كان قد انقدح في ذهنه أنه أحق ليس هو الأحق؛ لأن المعتبر هو الدليل.

ثم أيضاً فيه شيء آخر من ناحية المعنى: وهو أن مسح أعلى القدم أو أعلى الخف يختلف عن مسح أسفل الخف؛ لأنه لو كان المسح في أسفل الخف فيمكن أن يكون الخف في أسفله نجاسة، والإنسان لا يعلم بها، فإذا مسح علقت النجاسة بيده، فأسفل الخف يباشر الأرض، وقد يقع على النجاسات وما إلى ذلك، فكان من الحكمة أن يكون المسح في أعلاه وليس في أسفله.

فهذا من ناحية المعقول ومن ناحية المعنى أيضاً، يعني: على أن الأعلى هو الأولى وأن الأسفل لو كان المسح فيه لكان كذا، لكن الشريعة جاءت بخلافه.

والمسألة فيها خلاف، فبعض أهل العلم قال: يمسح ظاهر الخف وأسفله، لكن الذي تدل عليه النصوص وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المسح على ظهر القدم دون أسفله.

تراجم رجال إسناد حديث: (ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالغسل...)

قوله: [حدثنا محمد بن رافع ].

محمد بن رافع النيسابوري القشيري شيخ الإمام مسلم ، وهو مثله نسباً ووطناً؛ لأن مسلماً قشيري، هذا من حيث النسب، ومن حيث الموطن هو نيسابوري ، وشيخه محمد بن رافع مثله في النسب والوطن، فهو قشيرياً نيسابوري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[حدثنا يحيى بن آدم ].

يحيى بن آدم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا يزيد بن عبد العزيز ].

يزيد بن عبد العزيز بن سياه ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[عن الأعمش بإسناده بهذا الحديث].

يعني: بهذا الإسناد الذي تقدم، وهو: عن أبي إسحاق عن عبد خير عن أبيه.

طريق أخرى لحديث: (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش بهذا الحديث، قال: (لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، وقد مسح النبي صلى الله عليه وسلم على ظهر خفيه) ].

أورد أبو داود رحمه الله الإسناد من طريق أخرى، وهو مثل الطريق الأولى التي فيها أبو كريب محمد بن العلاء عن حفص بن غياث عن الأعمش .

فهذا الإسناد هو مثل الذي قبله سنداً ومتناً إلا أنه يختلف عنه في بعض الألفاظ.

وقد سبق لنا عندما كنا ندرس في صحيح البخاري أحاديث متفقة من حيث السند والمتن أيضاً ولا يكون بينها اختلاف، لكن البخاري رحمه الله يوردها في مواضع متعددة من أجل الاستدلال، وكان عندما يأتي بالحديث مرة أخرى للاستدلال به يأتي به من طريق آخر، وأحياناً تضيق الطرق عنه فيضطر إلى أن يعيد سنده ومتنه؛ لأنه يطابق الترجمة الجديدة التي ذكرها، فيحتاج إلى أنه يكرره بسنده ومتنه، وقد يكون هناك اختلاف في بعض الألفاظ في المتن، وهنا المصنف كرر السند والمتن إلا أن المتن مختلف، ولكن هذا في ترجمة واحدة، وفي باب واحد، فهو ليس كـالبخاري يأتي بالحديث في أماكن أخرى وفي أبواب مختلفة من أجل الاستدلال على موضوع آخر، فيحتمل أن تكون هذه الطريق هنا زائدة، ويحتمل أن تكون طريقاً أخرى متفقة من حيث المعنى مختلفة من حيث اللفظ.

قوله: [ (وقد مسح النبي صلى الله عليه وسلم على ظهر خفيه) ].

أن المقصود منه هو أن المسح على الخفين وليس على القدمين المكشوفتين؛ لأن القدمين المكشوفتين حكمهما الغسل، ولا يجوز في حقهما المسح إذا كانتا مكشوفتين، وإنما المسح فيما إذا كانتا مستورتين في خفاف أو جوارب فهو مثل الذي قبله، فذكر القدمين ليس المقصود أنهما يمسحان، لأنه بينه في الحديث في قول قوله: (وقد مسح الرسول صلى الله عليه وسلم على ظهر خفيه).

طرق أخرى لحديث: (ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالمسح...) وتراجم رجال إسنادها

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ورواه وكيع عن الأعمش بإسناده قال: (كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهرهما)، قال وكيع : يعني الخفين.

ورواه عيسى بن يونس عن الأعمش كما رواه وكيع ].

(أُرى) إذا كانت الهمزة مضمومة هي بمعنى: أظن، وإذا كانت مفتوحة فهي بمعنى: أعلم، فيحتمل هذا وهذا.

وقوله: (كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهرهما) هذا مثل الذي قبله.

وقوله: [قال وكيع : يعني: الخفين].

وكيع هو ابن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ورواه عيسى بن يونس عن الأعمش كما رواه وكيع ].

عيسى بن يونس ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ورواه أبو السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال: (رأيت علياً رضي الله عنه توضأ فغسل ظاهر قدميه وقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله...)، وساق الحديث].

هنا ظاهر قدميه يعني: ظاهر الخفين وليس القدمين المكشوفتين؛ لأن القضية هي في المسح، وكلها تدور على مسح الخفين، يعني: أن كل الآثار التي جاءت عن علي فيما يتعلق بأنه لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى من أعلاه المقصود من ذلك هو المسح على الخفين، وما جاء في بعض الروايات من ذكر القدمين فإن المقصود به المسح على الخفين.

وأبو السوداء هو عمرو بن عمران ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي في مسند علي .

[عن ابن عبد خير ].

هو المسيب بن عبد خير وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود والنسائي في مسند علي أيضاً.

[عن أبيه].

هو عبد خير وقد مر ذكره.

[عن علي ].

علي قد مر ذكره.

شرح حديث: (وضأت النبي في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن مروان ومحمود بن خالد الدمشقي المعنى قالا: حدثنا الوليد قال محمود : أخبرنا ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (وضأت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما).

قال أبو داود : وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء بن حيوة ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة : (أنه وضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأسفلهما).

وهذا فيه أن المسح يكون على ظهرهما -أي: الخفين- وعلى أسفلهما، لكن الحديث غير ثابت، وذلك من أجل ذكر الأسفل، وأما من حيث ذكر الأعلى فهذا ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أن الشيء الذي فيه المخالفة والذي فيه الضعف إنما هو من أجل ذكر الأسفل، وإلا فإن الطرف الآخر الذي هو الأعلى كل الأحاديث التي مرت وغيرها دالة على ثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإسناد ذُكرت فيه علل متعددة أشار أبو داود رحمه الله إلى واحدة منها.

تراجم رجال إسناد حديث: (وضأت النبي في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفين وأس

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب كيف المسح.

حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: ذكره أبي عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين) وقال غير محمد : (على ظهر الخفين)].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب كيف المسح. أي: كيف يكون المسح على الخفين؟ وما هو المكان أو الجزء الذي يمسح؟ وما هي طريقة المسح؟ فهذا هو المقصود بالترجمة، وأبو داود رحمه الله بعدما ذكر المسح على الخفين وثبوته ذكر بعد ذلك التوقيت للمسح على الخفين، ثم ذكر بعد ذلك الكيفية، وقد ذكرت أن أحاديث المسح على الخفين متواترة، وقد مرت كثير من الطرق التي تدل على المسح على الخفين، وذكرت أن الأحاديث التي فيها التوقيت أيضاً هي دالة على المسح على الخفين وكذلك أيضاً الأحاديث التي فيها كيفية المسح هي دالة أيضاً على إثبات المسح على الخفين.

فإذاً: كل الأحاديث التي وردت في المسح على الخفين، والأحاديث التي تتعلق بتوقيت المسح على الخفين، والأحاديث التي تدل على كيفية المسح كلها دالة على ثبوت أصل المسح، والترجمة المعقودة هنا لبيان كيفية المسح.

وكيفيته: أنه يكون على ظهر القدم، ولا يكون على أسفلها.

وذلك أن الإنسان يضع أصابعه على ظهر الخف من أعلى مقدمه ويمر بها إلى أن يرتفع إلى الكعبين، ولا يتجاوز الكعبين، ولا يتعرض لما كان خلف الرجلين، ولا ما كان في أسفل، وإنما يمسح على الأعلى، فتمسح باليد اليمنى على الرجل اليمنى، واليد اليسرى تمسح الرجل اليسرى، فهذه هي كيفية المسح.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: (أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وأنه توضأ ومسح على خفيه)، وفي بعض الروايات: (على ظهر الخفين).

والمصنف ذكر الحديث من رواية محمد بن الصباح البزاز وفيه: (أنه مسح الخفين)، ثم قال: (وقال غير محمد )، -أي: غير الشيخ المذكور بالإسناد- (على ظهر الخفين) وهذه الجملة الأخيرة هي التي تدل على الترجمة؛ لأنه قال: (على ظهر الخفين)، أما الأولى فإنها مطلقة؛ لأنه قال: (مسح على الخفين)، والرواية الثانية التي أشار إليها، وأنها عند غير محمد هي من رواية علي بن حجر عند الترمذي وفيها: (أنه صلى الله عليه وسلم مسح على ظهر الخفين).

إذاً: هذا فيه بيان كيفية المسح، وأنه يكون على ظهر الخف، ومعنى هذا أن أسفل الخف لا يمسح عليه، وإنما يمسح على أعلاه.

قوله: [حدثنا محمد بن الصباح البزاز ].

محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ].

عبد الرحمن بن أبي الزناد أبوه عبد الله بن ذكوان أبو الزناد وعبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق تغير حفظه أخيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم في مقدمة الصحيح وأصحاب السنن الأربعة.

[قال: ذكره أبي].

هو أبو الزناد عبد الله بن ذكوان الذي يروي كثيراً عن الأعرج عن أبي هريرة ؛ فكثيراً ما يأتي في الأسانيد أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة ، فأبوه هذا هو أبو الزناد ، وهو لقب على صيغة الكنية، وكنيته أبو عبد الرحمن فهذا ابنه عبد الرحمن الذي في الإسناد هو الذي يكنى به فيقال له: أبو عبد الرحمن ، وليست كنيته أبو الزناد وإنما أبو الزناد لقب على صيغة الكنية، وأبوه ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن عروة بن الزبير ].

عروة بن الزبير بن العوام ثقة فقيه، أحد الفقهاء السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن المغيرة بن شعبة ].

المغيرة بن شعبة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

والمسح يكون بكلا اليدين في آنٍ واحد، ويكون بأن يبدأ باليمنى، فإذا فرغ منها صار إلى اليسرى، فإن فعل هذا فصحيح، وإن فعل هذا فصحيح أيضاً.