شرح سنن أبي داود [016]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (إن الماء لا يجنب)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الماء لا يجنب.

حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها أو يغتسل، فقالت له: يا رسول الله! إني كنت جنباً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الماء لا يجنب) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمة الله عليه باباً في أن الماء لا يجنب. أي: إذا استعمل واغترف منه للاغتسال من الجنابة؛ فإن ذلك الاغتراف منه لا يؤثر فيه، والجنابة إنما هي وصف في الإنسان الذي حصلت له وتذهب بالاغتسال أو التيمم إذا لم يوجد الماء.

ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم -أي: واحدة من أزواجه وهي ميمونة رضي الله تعالى عنها- اغتسلت في جفنة) وهي الوعاء الكبير، وبقي فيها بقية؛ لأنه ماء كثير في جفنة كبيرة، (فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ أو ليغتسل -وهذا شك من أحد الرواة- فقالت: إني كنت جنباً -يعني: قد اغتسلت منها- فقال عليه الصلاة والسلام: إن الماء لا يجنب)، أي: أن الذي يبقى بعد الاستعمال حيث يغترف منه يبقى على الأصل، فيمكن الاغتسال والوضوء منه، وكون يد من هو على جنابة غمست فيه من أجل الاغتراف فإن ذلك لا يؤثر عليه شيئاً، بل الماء على طهوريته، ويمكن رفع الحدث الأكبر والأصغر منه.

تراجم رجال إسناد حديث: (إن الماء لا يجنب)

قوله: [حدثنا مسدد ].

مسدد هو ابن مسرهد ، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[حدثنا أبو الأحوص ].

أبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي ، مشهور بكنيته، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا سماك ].

سماك بن حرب صدوق. وفي روايته عن عكرمة اضطراب، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.

وهذا الحديث من روايته عن عكرمة ، ولكن ما ذكر من الاضطراب في رواية سماك عن عكرمة لا يؤثر؛ لأن الحديث جاء ما يدل عليه وما يشهد له، ففي صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل ميمونة)، وهو يدل على ما دل عليه هذا الحديث، وكون هذا الحديث من رواية سماك بن حرب عن عكرمة فقد ذكر الحافظ ابن حجر أن في روايته عن عكرمة خاصة اضطراب، وهذا الإسناد هو من روايته عن عكرمة لا يؤثر ذلك؛ لأنه قد جاء ما يدل عليه في حديث آخر، وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل ميمونة).

[عن عكرمة].

هو مولى ابن عباس ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الماء لا يجنب.

حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها أو يغتسل، فقالت له: يا رسول الله! إني كنت جنباً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الماء لا يجنب) ].

أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمة الله عليه باباً في أن الماء لا يجنب. أي: إذا استعمل واغترف منه للاغتسال من الجنابة؛ فإن ذلك الاغتراف منه لا يؤثر فيه، والجنابة إنما هي وصف في الإنسان الذي حصلت له وتذهب بالاغتسال أو التيمم إذا لم يوجد الماء.

ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم -أي: واحدة من أزواجه وهي ميمونة رضي الله تعالى عنها- اغتسلت في جفنة) وهي الوعاء الكبير، وبقي فيها بقية؛ لأنه ماء كثير في جفنة كبيرة، (فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ أو ليغتسل -وهذا شك من أحد الرواة- فقالت: إني كنت جنباً -يعني: قد اغتسلت منها- فقال عليه الصلاة والسلام: إن الماء لا يجنب)، أي: أن الذي يبقى بعد الاستعمال حيث يغترف منه يبقى على الأصل، فيمكن الاغتسال والوضوء منه، وكون يد من هو على جنابة غمست فيه من أجل الاغتراف فإن ذلك لا يؤثر عليه شيئاً، بل الماء على طهوريته، ويمكن رفع الحدث الأكبر والأصغر منه.

قوله: [حدثنا مسدد ].

مسدد هو ابن مسرهد ، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[حدثنا أبو الأحوص ].

أبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي ، مشهور بكنيته، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا سماك ].

سماك بن حرب صدوق. وفي روايته عن عكرمة اضطراب، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.

وهذا الحديث من روايته عن عكرمة ، ولكن ما ذكر من الاضطراب في رواية سماك عن عكرمة لا يؤثر؛ لأن الحديث جاء ما يدل عليه وما يشهد له، ففي صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل ميمونة)، وهو يدل على ما دل عليه هذا الحديث، وكون هذا الحديث من رواية سماك بن حرب عن عكرمة فقد ذكر الحافظ ابن حجر أن في روايته عن عكرمة خاصة اضطراب، وهذا الإسناد هو من روايته عن عكرمة لا يؤثر ذلك؛ لأنه قد جاء ما يدل عليه في حديث آخر، وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل ميمونة).

[عن عكرمة].

هو مولى ابن عباس ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب البول في الماء الراكد.

حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة في حديث هشام عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه) ].

قال أبو داود : [باب البول في الماء الراكد]. يعني: أن ذلك لا يجوز، وقد أورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه)، وهذا فيه النهي عن الجمع بين الأمرين: البول والاغتسال، لكن جاء في بعض الأحاديث النهي عن كل منهما على سبيل الانفراد، فلا يبال في الماء الراكد، ولا يغتسل في الماء الراكد، وذلك بالانغماس فيه. أما إن اغترف منه اغترافاً فإن هذا لا بأس به، وقد سبق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الماء لا يجنب)؛ لأن ميمونة كانت تغترف منه، فالاغتراف لا بأس به، وقد جاء عن أبي هريرة أنه قال: (وليغترف اغترافاً)، فالحديث فيه النهي عن البول والاغتسال، أي: عن الجمع بينهما، وكذلك لا يجوز فعل واحد منهما، لا البول وإن لم يغتسل، ولا أن يغتسل وإن لم يبل، بل هذا ممنوع وهذا ممنوع.

ثم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم) التقييد بالماء الدائم له مفهوم، وهو: أن المنع فيما إذا كان دائماً؛ لأن الماء الدائم هو الراكد الساكن غير الجاري؛ لأن هذا تؤثر فيه النجاسة، بخلاف الماء الجاري فإنه يأتي بعده من الماء ما يغطيه ويغلبه بمرور الماء عليه ومكاثرة الماء عليه، والابتعاد عن البول في المياه هذا أمر مطلوب سواء كانت جارية أو ساكنة، ولكن الفرق بين الساكنة والجارية أن الساكنة تؤثر فيها النجاسة، والجارية لا تؤثر فيها النجاسة.

وقوله: (ثم يغتسل منه) يعني: ثم يغتسل منه، يعني: سواء كان على سبيل الانغماس فيه أو الأخذ منه، هذا إذا كان الماء قليلاً تؤثر فيه النجاسة، أما إذا كان كثيراً لا تؤثر فيه النجاسة فلا بأس، ولكن كون الإنسان يبول في الماء الراكد ولو كان كثيراً ففيه تقذير له، وإن كان لا يسلبه الطهورية ما دام أن الماء كثير والنجاسة لم تغير لوناً ولا طعماً ولا ريحاً، كما سبق.

وأما الماء القليل فإنها تؤثر فيه النجاسة، ولو لم تغير لا لوناً ولا طعماً ولا ريحاً.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه)

قوله: [حدثنا أحمد بن يونس ].

أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس ثقة أخرج له الجماعة.

[حدثنا زائدة ].

زائدة بن قدامة ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[في حديث هشام ].

أي: من حديث هشام ، وهشام هو ابن حسان ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن محمد ].

محمد هو ابن سيرين البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي هريرة ].

أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو رضي الله عنه وأرضاه أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق.

وأما وجه النهي عن الاغتسال وحده في الماء الراكد؛ فلأنه يقذره على غيره، والمقصود الانغماس، أما الاغتراف فليس فيه بأس، إلا إذا كان قد بيل فيه والماء قليل فإن النجاسة توثر فيه، وإذا كان كثيراً لا تؤثر فيه فيمكن أن يغترف، والاغتسال فيه تقذير له، فيكون النهي الأصل فيه للتحريم.

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن محمد بن عجلان قال: سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم، ولا يغتسل فيه من الجنابة)].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيه النهي عن كل واحد منهما على سبيل الاستقلال، فقوله: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة) يعني: لا تفعلوا هذا ولا هذا.

والحديث الأول فيه النهي عن الجمع بينهما، والحديث الثاني فيه النهي عن إفراد كل واحد منهما وإن لم يأت الآخر، فدل هذا على المنع من البول والاغتسال اجتماعاً وافتراقاً، اجتماعاً بأن يبول ويغتسل، أو افتراقاً بأن يبول ولا يغتسل، أو يغتسل ولا يبول.

والحديث فيه الكلام عن الجنابة، ولكنه إذا كان مجرد تنظف وليس رفع حدث وليس فيه ذلك القذر الذي يكون بالماء ويكون في الماء، فالذي يبدو أنه لا مانع منه؛ لأن المنع إنما كان للجنابة فقط الذي هو رفع حدث، وأما ذاك فليس فيه رفع حدث.

تراجم رجال سند حديث: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغتسل فيه من الجنابة)

قوله: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى ].

مسدد مر ذكره، ويحيى هو ابن سعيد القطان ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن محمد بن عجلان ].

محمد بن عجلان المدني صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ سمعت أبي ].

أبوه هو عجلان المدني، لا بأس به، وهذه العبارة (لا بأس به) هي بمعنى صدوق، إلا عند يحيى بن معين فإنها توثيق للرجل، وهي تعادل كلمة ثقة، وهذا اصطلاح له معروف، ولهذا يقولون: (لا بأس به) عند ابن معين توثيق، وأما غيره فـ(لا بأس به) أقل من الثقة، وهي مرادفة لصدوق، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي هريرة ]

أبو هريرة مر ذكره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب البول في الماء الراكد.

حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة في حديث هشام عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه) ].

قال أبو داود : [باب البول في الماء الراكد]. يعني: أن ذلك لا يجوز، وقد أورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه)، وهذا فيه النهي عن الجمع بين الأمرين: البول والاغتسال، لكن جاء في بعض الأحاديث النهي عن كل منهما على سبيل الانفراد، فلا يبال في الماء الراكد، ولا يغتسل في الماء الراكد، وذلك بالانغماس فيه. أما إن اغترف منه اغترافاً فإن هذا لا بأس به، وقد سبق قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الماء لا يجنب)؛ لأن ميمونة كانت تغترف منه، فالاغتراف لا بأس به، وقد جاء عن أبي هريرة أنه قال: (وليغترف اغترافاً)، فالحديث فيه النهي عن البول والاغتسال، أي: عن الجمع بينهما، وكذلك لا يجوز فعل واحد منهما، لا البول وإن لم يغتسل، ولا أن يغتسل وإن لم يبل، بل هذا ممنوع وهذا ممنوع.

ثم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم) التقييد بالماء الدائم له مفهوم، وهو: أن المنع فيما إذا كان دائماً؛ لأن الماء الدائم هو الراكد الساكن غير الجاري؛ لأن هذا تؤثر فيه النجاسة، بخلاف الماء الجاري فإنه يأتي بعده من الماء ما يغطيه ويغلبه بمرور الماء عليه ومكاثرة الماء عليه، والابتعاد عن البول في المياه هذا أمر مطلوب سواء كانت جارية أو ساكنة، ولكن الفرق بين الساكنة والجارية أن الساكنة تؤثر فيها النجاسة، والجارية لا تؤثر فيها النجاسة.

وقوله: (ثم يغتسل منه) يعني: ثم يغتسل منه، يعني: سواء كان على سبيل الانغماس فيه أو الأخذ منه، هذا إذا كان الماء قليلاً تؤثر فيه النجاسة، أما إذا كان كثيراً لا تؤثر فيه النجاسة فلا بأس، ولكن كون الإنسان يبول في الماء الراكد ولو كان كثيراً ففيه تقذير له، وإن كان لا يسلبه الطهورية ما دام أن الماء كثير والنجاسة لم تغير لوناً ولا طعماً ولا ريحاً، كما سبق.

وأما الماء القليل فإنها تؤثر فيه النجاسة، ولو لم تغير لا لوناً ولا طعماً ولا ريحاً.