فلتكن أعيننا باصرة


الحلقة مفرغة

يجب على المرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها أن تعتد العدة المشروعة لها، ولا يجوز لها أن تتزوج إلا بعد أن تنهي عدتها، إلا المطلقة قبل الدخول بها فلا عدة عليها، وتختلف العدة بحسب اختلاف حال المرأة، فقد تكون صغيرة لم تحض بعد، أو كبيرة آيسة، أو لا زالت تحيض، أو حاملاً، أو غير ذلك، ولكل حالة عدة خاصة بينها الشرع المطهر.

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله على نعمٍ لا تحصى وآلاءٍ لا تنسى، الحمد لله الذي خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، وأطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مئوي، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [الحشر:22].

هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ [الحشر:23].

هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الحشر:24].

هو الله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينـزع الملك ممن يشاء، بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير، هو الله الخالق الرافع الباسط، هو الله الذي لا إله إلا هو لا شريك له في ربوبيته فلا مدبر لهذا الكون معه، هو الله الذي لا إله إلا هو لا شريك له في ألوهيته، فلا تجوز العبادة إلا له، ولا التوكل إلا عليه، ولا الاستعانة إلا به، ولا الحاجة إلا فيما عنده، ولا الذبح إلا له، ولا النذر إلا له، ولا الحلف إلا به، ولا يجوز صرف صغيرٍ ولا كبيرٍ من العبادة إلا له، هو الله الذي لا إله إلا هو واحدٌ في ألوهيته فلا يجوز التحاكم إلى غير شرعه، هو الله الذي لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى، ليس كمثله شيء هو السميع البصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، خير من وطأت قدمه الثرى، وخير من ركب المطي وخير الخلق قاطبة، بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، لم يعلم سبيل خيرٍ إلا دلكم عليه، ولم يعلم سبيل شرٍ إلا حذركم منه، ترككم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، أشهد الخليقة عليكم أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وأشهد الخلق يوم الحج فقال: (ألا هل بلغت؟ قالوا: اللهم نعم، فقال: اللهم فاشهد) أعادها عليهم ثلاثا.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى واعلموا أن الخلق أهون على الله إن هم كفروا بنعمه وإن كانوا في أعظم منزلة عنده: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]

معاشر المؤمنين! يا رجال العقيدة يا شباب الأمة! أيها الغيورون على بلادكم! أيها الغيورون على أمتكم! اعلموا أن لكل أمة أعداء وأصدقاء وبينهما منافقون، إن لكل أمة أحباء وأهل ضغينة وأحقاد وبين هؤلاء منافقون، والمنافقون هم شر الخلق قاطبة، إن الذي يظهر عداوته صراحة لا تحتاج إلى دليلٍ لتحديده ومعرفته، لكن المصيبة مصيبة المنافقين الذين وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [المنافقون:6].. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة:11].. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:13].

إذا قيل لهم: لا تفسدوا في الأرض، لا تفسدوا الأرض بعد إصلاحها: قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة:11] أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة:12] أولئك المنافقون لا سبيل لكم إلى معرفتهم؛ لأن الله وحده هو الذي يعلم السرائر، لأن الله وحده هو الذي يعلم بواطن القلوب، فليس بسهولة الأمر أن تعرف من هو المنافق بين الناس ولكن لهم علاماتٌ وأمارات وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:30]

كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم المنافقين في المدينة ، ومع ذلك كان يعاملهم بالظاهر، بظاهر ما يعلنون ويترك سرائرهم إلى الله جل وعلا، وكان أمين سره صلى الله عليه وسلم في معرفة المنافقين حذيفة بن اليمان ، وأعجبوا يوم أن جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلحق حذيفة يرجوه ويسأله: [يا حذيفة ! أسألك بالله هل عدني رسول الله من المنافقين؟].

الله أكبر -يا عباد الله- رجلٌ يسلك وادياً فيسلك الشيطان وادياً غيره، رجلٌ يوافق قوله حكم كتاب الله، رجلٌ يفرق الشيطان منه، رجلٌ أعز الله به الإسلام وأهله يسأل حذيفة خوفاً على نفسه، ليس في نفسه عجب ليس عنده إعجاب بنفسه يسأل حذيفة أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: [أسألك بالله يا حذيفة هل عدني رسول الله من المنافقين؟ ويقول حذيفة: لست منهم يا عمر ولا تسألني بعدها ولا أخبر أحداً بعدك].

خطر النفاق على الأمم والمجتمعات

عباد الله! إذا علمنا أن لكل أمةٍ أحباباً.. أهل ولاء وصدق، وأهل دعوة وإخلاص، وأهل معاملةٍ صادقةٍ مع الله جل وعلا، ولكل أمةٍ أعداء قد ظهرت عداوتهم وبانت وانكشفت وسفرت، ومنافقون يندسون بين هؤلاء وهؤلاء.

إن الله جل وعلا ذكر المؤمنين في أربع أو خمس آيات، ثم ذكر الكافرين في آيتين، ثم ذكر المنافقين في ثلاثة عشر آية، لأن النفاق أخطر شيءٍ على الأمة، وأفتك داءٍ يهلك الأمة، يدمر ثرواتها ويضيع أمنها ويهدم بنيانها ويفرق جمعها ويشتت شملها.

فيا عباد الله: انتبهوا لأنفسكم ولمجتمعكم جيدا، وانظروا بثاقب البصر والبصيرة ولا تظنوا أن مسئولية الحفاظ على أمن المجتمع وأمن الأمة، الأمن النفسي والأمن الفكري، والأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي، لا تظنوه مسئولية فئة معينة بل هو مسئولية كل واحد منكم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته) فإذا كل واحدٍ منا قام بما عليه حينئذٍ عم الرخاء، وشمل الأمن، وشاعت الطمأنينة، وحينئذٍ يخنس المنافقون فلا يستطيعون أن يتنفسوا على السطح، لا يستطيعون أن يظهروا، لماذا؟ لأن الحجة بينة والمحجة واضحة ولا يستطيع أحدٌ أن يخالف ما اجتمعت عليه الأمة عامتها وعلماؤها وأمراؤها وولاتها، لا يستطيع أحدٌ حينما يجد الأمة على قلب رجلٍ واحد، لا يستطيع أن يتسلل في صفوفها، ولكن يوم أن تكون الأمة على فئاتٍ وطبقاتٍ ومستوياتٍ واتجاهاتٍ ومذاهب شتى، حينئذٍ يدخلون من كل باب، ما دخل الأعداء من أبوابنا وإنما تسربوا كالنمل من عيوبنا وأخطائنا.

فيا معاشر الأحباب! أوصيكم في أنفسكم وفي مجتمعكم خيراً، ألا تجعلوا لمنافقٍ دسيسةً في صفوفكم.

أيها الأحبة في الله: حينما يريد المنافقون أن يحدثوا أمراً فلا يستطيعون أن يعلنوا هذا الأمر بصريح العداوة وبصريح البغضاء والكراهية للأمة، وإنما يلبسون لكل حادثةٍ لبوسا؛ يلبسون أموراً لعلها أن تبهرج على أبصار بعض السذج والغوغاء، وحينئٍذ تقع المصيبة في أن المجتمع يبقى ساذجاً بسيطاً أبلهاً عن حقائق ما يراد وما يدبر له.

إن أعداء المجتمع وأعداء الأمة في كل زمنٍ موجودون من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة، وهؤلاء الأعداء يوم أن يُحدثوا في المجتمع حدثاًيجعل الأمن النفسي في أخذٍ ورد، ويجعل الطمأنينة تتغير، ويجعل أحوال الناس في أحاديث شتى، بدلاً من أن تكون أحاديثهم وهمومهم وأفكارهم، وتوجههم وأنشطتهم، منسجمةً متمازجةً متناغمة مع هموم مسئوليهم، وولاة أمرهم؛ يصبح المجتمع على فئاتٍ وعلى أحزاب شتى.

أقول أيها الأحبة! حينما تخرج في المجتمع ظاهرةٌ من ظواهر الفساد يتحرك الأغيار، الذي في قلبه غيرة، الذي يقول: كيف نعصي الله وقد أنعم علينا بهذه النعم؟ الذي يقول: كيف نرضى بالمعصية ونحن نرى الناقلات والشاحنات تتسابق إلى أسواقنا لتنثر فيها خيرات بلدانها؟ الذي يقول: كيف ونحن نرى هذه النعم في مختلف المجالات؟ هل نقابلها بالمعصية؟! هل نقابلها بالمنكر؟! هل نقابلها بما لا يرضي الله جل وعلا؟ يتحرك الأغيار يتحركون غيرة لله فيتصلون بولاة أمرهم، ويتصلون بعلمائهم، ويتصل بكل مخلصٍ في أمتهم لا يخفون شيئاً تحت الظلام أبداً، وإنما يظهرون أمام الخليقة أجمع؛ لكي يعالجوا أمرهم فيما بينهم ولا حاجة إلى إعطاء أي أمرٍ أكبر من حجمه، فلكل أمرٍ ما يناسبه من الاهتمام والإنكار.

نقول أيها الأحبة: حينما يظهر مظهرٌ من مظاهر الفساد والمنكرات إلى درجةٍ يكون خطراً على الأمة؛ يتحرك الأغيار والصالحون، وليس الصالحون وحدهم يتحركون، بل ولاة الأمر أول من يتحرك، وأجهزة الأمن أول من يتحرك، وكل من يرى في نفسه مسئولية أمن مجتمعه يتحرك أيضاً، ليس حركةً فوضوية عشوائية، وليست حركة متهورة متشنجة، بل حركة طبيعية، لبيان هذا المنكر ولبيان مخاطره وعلاجه، وإيجاد البديل المناسب من شرع الله الذي ما فرط الله فيه من شيء، وحينئذٍ حينما تتحرك العواطف ويلتهب الحماس في تغيير أمرٍ من الأمور يندس المنافقون في هذه الصفوف، لماذا؟ لكي يستفيدوا حتى من هذا التفاعل يريدوا أن يسجلوا على المجتمع أمراً مما يريدون، وحينئذٍ أقول لشباب المجتمع أجمع، وأقول لكم يا رجال الإسلام أخاطب كل واحدٍ منكم ولا أفرق بين صفٍ وصف، ولا أفرق بين من كان في أول هذا المسجد وآخره، أخاطبكم جميعاً فأقول: قد يندس بين الصالحين والغيورين من يلبس لباسهم، ويتزيا بزيهم، يريد أن يحقق فساداً حتى يبقى الأغيار في حرج، ويبقى المخلصون في حرجٍ أمام المجتمع بأسره، وإن كنت صريحاً سأضرب المثل بالمنشورات، إنما يفعله الذين يكتبون أول ما يكتبون، ويسجلون أول ما يسجلون ويبدءون أي ظاهرةٍ من الظواهر التي تحتاج إلى علاج، يبدءون علاجها بكتابة المنشور ثم دسه تحت الأبواب أولئك لا يعرفون عزة الحق، ولا يعرفون نور السنة، ولا يعرفون مكانة الإسلام، فهم على خطرٍ عظيم لأن المنكر منكرٌ في كتاب الله جل وعلا، والحق حقٌ في كتاب الله جل وعلا، فما كان حقاً فليس الطريق إليه أن يدس تحت الأبواب، وليس الطريق إليه أن يوضع في بعض الأماكن التي لا يليق ذكرها، وإنما الحق مكانه على الرءوس والمقل.. على الصدور، أن يقدم جلياً عزيزاً واضحاً، لا أن يقدم بسرٍ وخفية.

المنشورات أسلوب من أساليب النفاق

أقول أيها الأحبة: إن من المخاطر التي يتجسس بها المنافقون: قضية المنشورات هذه، نعم، قد يوجد من يظن أنه يخدم الإسلام والمسلمين ولا يعد هذا من المنافقين، أقول: قد يوجد وهم ندرةٌ وقلة، من يظن أنه يحسن صنعاً فيطّبق هذا العمل أو يسلك أسلوب المنشور كطريقٍ إلى إنكار المنكر، قد يوجد من يفوته وضوح الحق في هذه المسألة وحينئذٍ نقول لكل مسلمٍ ولكل غيورٍ ولكل حبيبٍ وعزيز: ينبغي أن تعرف عن الطريق إلى الحق أنه على الرءوس والمقل، وليس بالدسيسة والخفية، هذه مسألة مهمة، ولماذا أيها الأحبة نصرح بهذا الأمر؟ والله ثم والله ما قلت هذا إلا غيرةً على أحبابي ونفسي وإخواني وجميع أفراد مجتمعي، حتى لا يسلك أحدهم سلوكاً يظن أنه يحسن صنعاً وهو يخطئ فعلا، يظن أنه على جادة من الصواب وهو على غير الصواب، يظن أنه على الحق وهو على غيره.

فلنفرض مثلاً: أن ظاهرةً من الظواهر بدرت فظن البعض أن المنشور يعالجها، فأخذنا ننشر هذا الأمر وكان المنشور فيه معلومات صحيحة، ثم ظهرت ظاهرةٌ ثانية فنـزل المنشور فيه معلومات صحيحة، ثم ظاهرةٌ رابعةٌ وخامسةٌ وسابعة وكلها فيها معلومات صحيحة، حينئذٍ الذين يرصدون حركة الأغيار في المجتمع، والذين يرصدون حركة الغيورين المخلصين في المجتمع، يعرفون أن المجتمع قد تهيأ نفسياً لما يسمى بالمنشور، وأصبح المنشور هو الذي يوجههم؛ أصبح المنشور هو الذي يوجهني ويوجهك حينما نرى سبعة أو ثمانية من المنشورات كلها صحيحة، حينئذٍ يأتي المنشور الثامن أو المنشور التاسع بمعلومات كاذبة، وتوجيهاتٍ خطيرة، فحينئذٍ لما تعودناه من أن المنشورات السابقة كانت صحيحة وسليمة، نظن أن المنشور الثامن والتاسع الذي فيه معلومات خاطئة وتوجيه خطير نظن أنه منشورٌ سليم أيضاً، فحينئذٍ قد يبادر إلى تطبيقه والاستجابة له من لا يفقه أبعاد هذا الأمر، ثم تحدث الكارثة، ويصبح بعضنا يؤذي بعضاً، صالحٌ يؤذي صالحاً، مواطنٌ يؤذي مواطناً؛ بتدبير دسيسة منافق من المنافقين عود من حوله على أسلوب المنشور سبع مرات وثمان مرات تعويداً وتهيئة نفسية بمعلومات صحيحة ثم جاء المنشور التاسع والعاشر بطامةٍ خطيرة، وحينئذٍ لا تسأل عن هلكة أفراد المجتمع.

عباد الله! إذا علمنا أن لكل أمةٍ أحباباً.. أهل ولاء وصدق، وأهل دعوة وإخلاص، وأهل معاملةٍ صادقةٍ مع الله جل وعلا، ولكل أمةٍ أعداء قد ظهرت عداوتهم وبانت وانكشفت وسفرت، ومنافقون يندسون بين هؤلاء وهؤلاء.

إن الله جل وعلا ذكر المؤمنين في أربع أو خمس آيات، ثم ذكر الكافرين في آيتين، ثم ذكر المنافقين في ثلاثة عشر آية، لأن النفاق أخطر شيءٍ على الأمة، وأفتك داءٍ يهلك الأمة، يدمر ثرواتها ويضيع أمنها ويهدم بنيانها ويفرق جمعها ويشتت شملها.

فيا عباد الله: انتبهوا لأنفسكم ولمجتمعكم جيدا، وانظروا بثاقب البصر والبصيرة ولا تظنوا أن مسئولية الحفاظ على أمن المجتمع وأمن الأمة، الأمن النفسي والأمن الفكري، والأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي، لا تظنوه مسئولية فئة معينة بل هو مسئولية كل واحد منكم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته) فإذا كل واحدٍ منا قام بما عليه حينئذٍ عم الرخاء، وشمل الأمن، وشاعت الطمأنينة، وحينئذٍ يخنس المنافقون فلا يستطيعون أن يتنفسوا على السطح، لا يستطيعون أن يظهروا، لماذا؟ لأن الحجة بينة والمحجة واضحة ولا يستطيع أحدٌ أن يخالف ما اجتمعت عليه الأمة عامتها وعلماؤها وأمراؤها وولاتها، لا يستطيع أحدٌ حينما يجد الأمة على قلب رجلٍ واحد، لا يستطيع أن يتسلل في صفوفها، ولكن يوم أن تكون الأمة على فئاتٍ وطبقاتٍ ومستوياتٍ واتجاهاتٍ ومذاهب شتى، حينئذٍ يدخلون من كل باب، ما دخل الأعداء من أبوابنا وإنما تسربوا كالنمل من عيوبنا وأخطائنا.

فيا معاشر الأحباب! أوصيكم في أنفسكم وفي مجتمعكم خيراً، ألا تجعلوا لمنافقٍ دسيسةً في صفوفكم.

أيها الأحبة في الله: حينما يريد المنافقون أن يحدثوا أمراً فلا يستطيعون أن يعلنوا هذا الأمر بصريح العداوة وبصريح البغضاء والكراهية للأمة، وإنما يلبسون لكل حادثةٍ لبوسا؛ يلبسون أموراً لعلها أن تبهرج على أبصار بعض السذج والغوغاء، وحينئٍذ تقع المصيبة في أن المجتمع يبقى ساذجاً بسيطاً أبلهاً عن حقائق ما يراد وما يدبر له.

إن أعداء المجتمع وأعداء الأمة في كل زمنٍ موجودون من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة، وهؤلاء الأعداء يوم أن يُحدثوا في المجتمع حدثاًيجعل الأمن النفسي في أخذٍ ورد، ويجعل الطمأنينة تتغير، ويجعل أحوال الناس في أحاديث شتى، بدلاً من أن تكون أحاديثهم وهمومهم وأفكارهم، وتوجههم وأنشطتهم، منسجمةً متمازجةً متناغمة مع هموم مسئوليهم، وولاة أمرهم؛ يصبح المجتمع على فئاتٍ وعلى أحزاب شتى.

أقول أيها الأحبة! حينما تخرج في المجتمع ظاهرةٌ من ظواهر الفساد يتحرك الأغيار، الذي في قلبه غيرة، الذي يقول: كيف نعصي الله وقد أنعم علينا بهذه النعم؟ الذي يقول: كيف نرضى بالمعصية ونحن نرى الناقلات والشاحنات تتسابق إلى أسواقنا لتنثر فيها خيرات بلدانها؟ الذي يقول: كيف ونحن نرى هذه النعم في مختلف المجالات؟ هل نقابلها بالمعصية؟! هل نقابلها بالمنكر؟! هل نقابلها بما لا يرضي الله جل وعلا؟ يتحرك الأغيار يتحركون غيرة لله فيتصلون بولاة أمرهم، ويتصلون بعلمائهم، ويتصل بكل مخلصٍ في أمتهم لا يخفون شيئاً تحت الظلام أبداً، وإنما يظهرون أمام الخليقة أجمع؛ لكي يعالجوا أمرهم فيما بينهم ولا حاجة إلى إعطاء أي أمرٍ أكبر من حجمه، فلكل أمرٍ ما يناسبه من الاهتمام والإنكار.

نقول أيها الأحبة: حينما يظهر مظهرٌ من مظاهر الفساد والمنكرات إلى درجةٍ يكون خطراً على الأمة؛ يتحرك الأغيار والصالحون، وليس الصالحون وحدهم يتحركون، بل ولاة الأمر أول من يتحرك، وأجهزة الأمن أول من يتحرك، وكل من يرى في نفسه مسئولية أمن مجتمعه يتحرك أيضاً، ليس حركةً فوضوية عشوائية، وليست حركة متهورة متشنجة، بل حركة طبيعية، لبيان هذا المنكر ولبيان مخاطره وعلاجه، وإيجاد البديل المناسب من شرع الله الذي ما فرط الله فيه من شيء، وحينئذٍ حينما تتحرك العواطف ويلتهب الحماس في تغيير أمرٍ من الأمور يندس المنافقون في هذه الصفوف، لماذا؟ لكي يستفيدوا حتى من هذا التفاعل يريدوا أن يسجلوا على المجتمع أمراً مما يريدون، وحينئذٍ أقول لشباب المجتمع أجمع، وأقول لكم يا رجال الإسلام أخاطب كل واحدٍ منكم ولا أفرق بين صفٍ وصف، ولا أفرق بين من كان في أول هذا المسجد وآخره، أخاطبكم جميعاً فأقول: قد يندس بين الصالحين والغيورين من يلبس لباسهم، ويتزيا بزيهم، يريد أن يحقق فساداً حتى يبقى الأغيار في حرج، ويبقى المخلصون في حرجٍ أمام المجتمع بأسره، وإن كنت صريحاً سأضرب المثل بالمنشورات، إنما يفعله الذين يكتبون أول ما يكتبون، ويسجلون أول ما يسجلون ويبدءون أي ظاهرةٍ من الظواهر التي تحتاج إلى علاج، يبدءون علاجها بكتابة المنشور ثم دسه تحت الأبواب أولئك لا يعرفون عزة الحق، ولا يعرفون نور السنة، ولا يعرفون مكانة الإسلام، فهم على خطرٍ عظيم لأن المنكر منكرٌ في كتاب الله جل وعلا، والحق حقٌ في كتاب الله جل وعلا، فما كان حقاً فليس الطريق إليه أن يدس تحت الأبواب، وليس الطريق إليه أن يوضع في بعض الأماكن التي لا يليق ذكرها، وإنما الحق مكانه على الرءوس والمقل.. على الصدور، أن يقدم جلياً عزيزاً واضحاً، لا أن يقدم بسرٍ وخفية.

أقول أيها الأحبة: إن من المخاطر التي يتجسس بها المنافقون: قضية المنشورات هذه، نعم، قد يوجد من يظن أنه يخدم الإسلام والمسلمين ولا يعد هذا من المنافقين، أقول: قد يوجد وهم ندرةٌ وقلة، من يظن أنه يحسن صنعاً فيطّبق هذا العمل أو يسلك أسلوب المنشور كطريقٍ إلى إنكار المنكر، قد يوجد من يفوته وضوح الحق في هذه المسألة وحينئذٍ نقول لكل مسلمٍ ولكل غيورٍ ولكل حبيبٍ وعزيز: ينبغي أن تعرف عن الطريق إلى الحق أنه على الرءوس والمقل، وليس بالدسيسة والخفية، هذه مسألة مهمة، ولماذا أيها الأحبة نصرح بهذا الأمر؟ والله ثم والله ما قلت هذا إلا غيرةً على أحبابي ونفسي وإخواني وجميع أفراد مجتمعي، حتى لا يسلك أحدهم سلوكاً يظن أنه يحسن صنعاً وهو يخطئ فعلا، يظن أنه على جادة من الصواب وهو على غير الصواب، يظن أنه على الحق وهو على غيره.

فلنفرض مثلاً: أن ظاهرةً من الظواهر بدرت فظن البعض أن المنشور يعالجها، فأخذنا ننشر هذا الأمر وكان المنشور فيه معلومات صحيحة، ثم ظهرت ظاهرةٌ ثانية فنـزل المنشور فيه معلومات صحيحة، ثم ظاهرةٌ رابعةٌ وخامسةٌ وسابعة وكلها فيها معلومات صحيحة، حينئذٍ الذين يرصدون حركة الأغيار في المجتمع، والذين يرصدون حركة الغيورين المخلصين في المجتمع، يعرفون أن المجتمع قد تهيأ نفسياً لما يسمى بالمنشور، وأصبح المنشور هو الذي يوجههم؛ أصبح المنشور هو الذي يوجهني ويوجهك حينما نرى سبعة أو ثمانية من المنشورات كلها صحيحة، حينئذٍ يأتي المنشور الثامن أو المنشور التاسع بمعلومات كاذبة، وتوجيهاتٍ خطيرة، فحينئذٍ لما تعودناه من أن المنشورات السابقة كانت صحيحة وسليمة، نظن أن المنشور الثامن والتاسع الذي فيه معلومات خاطئة وتوجيه خطير نظن أنه منشورٌ سليم أيضاً، فحينئذٍ قد يبادر إلى تطبيقه والاستجابة له من لا يفقه أبعاد هذا الأمر، ثم تحدث الكارثة، ويصبح بعضنا يؤذي بعضاً، صالحٌ يؤذي صالحاً، مواطنٌ يؤذي مواطناً؛ بتدبير دسيسة منافق من المنافقين عود من حوله على أسلوب المنشور سبع مرات وثمان مرات تعويداً وتهيئة نفسية بمعلومات صحيحة ثم جاء المنشور التاسع والعاشر بطامةٍ خطيرة، وحينئذٍ لا تسأل عن هلكة أفراد المجتمع.

ومن هنا نقول: لا بد أن ننضبط، ونعرف للحق طرقه، وما عرف أن المنشور من سابق عهد الدعوة إلى يومنا هذا إلا أسلوب من أساليب الدعوة، نعم، قد يقول بعضكم: لا بد من التشهير بأهل الفسق، والفاسق لا غيبة له، أقول: أنا أوافقك على أن من عرف بفسقه وعرف بإفساده سواءً في فكره وفي كتاباته وفي تحركاته، من عرف بفسقه وعداوته للمجتمع أوافقك أنه لا بد من تشهيره ولا بد من التحذير من فسقه، ولكن من الذي يقرر هذا؟ هل أقرره أنا؟ أم تقرره أنت؟ إذا قرر عالمٌ من علماء المسلمين الذي يعتد بعلمهم وفتواهم في هذا الأمر، حينئذٍ نقول: نعم يشهر بهذا، أما أن أحكم أنا بأن فلاناً فاسق وإن كان فاسقاً، وليس عندي فتوى تجعلني أشهر وأحذر من فسقه على الملأ، وقد أحذر من فسقه في أمري بخاصة نفسي فيمن دوني، لكن أن أنشر عنه منشوراً أو أتكلم به على المنبر، لا. لا بد من فتوى، فلو أفتى سماحة مفتي الديار السعودية أن فلاناً بن فلان فاسقٌ يشهر به، والله لمزقنا جلده أمامكم وأمام كل مجتمع، لكي نبين خطره وفساد مذهبه، وخبث طويته وفساد عقيدته وأسلوبه.

أما أن نجعل أنفسنا باجتهاداتٍ ضعيفة وعلمٍ قليل، وتجربةٍ قصيرة، أن نجعل أنفسنا حاكمةً على البشر فنشهر بمن نريد، هذا أمرٌ لا يصح أبداً، وأقول هذا الكلام وأنا أعرف -أيها الأحبة- أن مجتمعنا لم يصل إلى هذه المرحلة، أقول هذا الكلام وأنا أعرف أن الصالحين وعامة أفراد المجتمع لم يصلوا إلى هذه المرحلة، ولكن نحذر أنفسنا قبل أن ينجح المنافقون في تحقيق ما يدبرونه وما يريدونه، قبل أن نقع كما يقول القائل:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى     فصادف قلباً خالياً فتمكنا

أيها الأحبة: نحذر من الشر قبل وقوعه، والوقاية خير من العلاج.

أيها الإخوة في الله: إن من واجبنا تجاه الأحداث التي تخالف شرعنا وتخالف قرآننا، وسنة نبينا، من واجبنا أن ننكرها، ولا يجوز لمسلمٍ أن يحب ما حرم الله، ولا يجوز لمسلمٍ أن يكره ما أحب الله ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9] إن محبة ما يكرهه الله، وكراهية ما أحبه الله من الأمور العشرة التي تخرج من الملة، كما ذكرها إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب نور الله ضريحه وجمعنا به في الجنة.

أيها الأحبة في الله! يوم أن نقول: إن من واجبنا أن نكره ما كره الله، وأن نحب ما أحب الله، وأن نجرم ما جرم الله، وأن نستحسن ما ندب الله إليه، من واجبنا تجاه أي مخالفة أمام هذا الأمر ألا نتصرف تصرفاتٍ فردية، نحن مجتمعٌ مسلم، وحينما أقول: صحوةٌ مسلمة فإني أقصد المجتمع كله؛ لأن مجتمعنا بفضل الله جل وعلا وإن وجد في بعض أفراده شيءٌ من الذنوب أو المعاصي أو التقصير فإنه لم يبلغ مبلغاً أصبح فيه ديوثاً، أو يرضى بالعار والمجاهرة بالفسق في بيته وأهله.

أقول: لا نزال بخير فحينما نكون يا أهل الصحوة صحوة الأمة الإسلامية في شعب هذه الجزيرة وفي بقية المسلمين في العالم، صحوة الأمة الإسلامية يوم أن تنكر أمراً أنكره الله، إنها لا تبادر بتصرف فرديٍ من ذات نفسها، وإنما ترفع هذا إلى علمائها لتعرف ما الطريق إلى علاج هذا الأمر؟

إن الإستحسان ليس من أدلة التشريع ولا يلزم وخاصةً في أمور الشريعة، قد تستحسن أمراً من أمور الدنيا فتطبقه، أما أمور الشرع فليس استحسانك لشيء دليلك على جوازه، ليس استحسانك لشيء دليلٌ لك على الإذن بفعله والتصرف فيه إذاً ما الذي يأذن لي بالتصرف فيما أريد؟ يأذن لي العلماء الذي يقولون: إن هذا أمرٌ واجب، أو أمرٌ يجوز أو أمرٌ لا يجوز.

إن الأمور إذا الأحداث دبرها     دون الشيوخ ترى في بعضها خللا

أخشى -أيها الأحبة في الله- أن نكون كمن قال فيه القائل:

رام نفعاً فضر من غير قصـدٍ     ومن البر ما يكون عقوقا

فمتى يكون العمل والتصرف في محله؟ إذا كان عليه نورٌ من الكتاب والسنة، واجتهاد أهل العلم.

أحبتي في الله! يوم أن استقمت على دين الله أو استقمت أنت على دين الله من خمس سنوات، أو سبع سنوات، أو عشر سنوات هل ستكون أتقى لله وأعلم بالله وأغير على دين الله من سماحة مفتي هذه البلاد الذي شابت لحيته في الإسلام؟ الذي بلغ الثمانين من عمره؟ أسأل الله أن يمد لنا في عمره، أسأل الله أن يبقيه رحمةً للمسلمين، أسأل الله أن يتمم النعمة على الأمة به، أسأل الله أن يمتعه بالصحة والعافية، اللهم بارك في وقته اللهم بارك في ذهابه، اللهم بارك في إيابه، اللهم بارك في حركاته وسكناته وفي صمته ونطقه، اللهم بارك في إشارته وكلمته وفي كل حالٍ من أحواله.

ويا أهل هذه البلاد! والله إن من نعم الله عليكم هذا العالم الجليل، وهذا الرجل الذي أنعم الله به على الأمة وبغيره قبله، ومن نعم الله على هذه الأمة أن أنعم عليها بولاة أمرٍ يخافون الله، وأنعم الله على هذه الأمة بمجتمعٍ لا يزال يرفع الإسلام وبولاة أمر لا يزالون يعلنون العقيدة ويعلنون الشريعة بدلاً من أولئك الذين يحكمون الكتاب الأخضر، والنظرية الاشتراكية، والفكر البعثي، والنجاسة الثقيلة، إنها من أعظم النعم علينا في هذا الزمان.

أقول أيها الأحبة! إن من واجبنا ومن واجب الغيورين والمخلصين منا ألا يبقوا جامدين أو كسالى، لا أقول هذا الكلام؛ لكي يضع كل منا يده تحت رأسه أو يتوسد وسادته ثم يقول: قد انتهى الأمر وليس لي، لا، نريدك أن تعمل وكأن ليس في المجتمع إلا أنت من حيث الحماس والمتابعة وعدم البرود، وعدم الفتور، ولا نريد أن تتصرف إلا بإذن شرعي وبفتوى شرعية؛ حينئذٍ تكون حركة كل واحدٍ منا تخدم أهدافنا والأسس التي قامت عليها بلادنا، وتخدم ما نريده وما نصبوا إليه من تحقيق الأمن والطمأنينة في هذا المجتمع.

أيها الأحبة في الله! أوصيكم ونفسي بالالتفاف حول العلماء، الذين بلغوا في السن عتيا، أوصيكم ونفسي بالالتفاف والقرب والدنو والصلة بالعلماء؛ فإن أولئك لا يصدرون الفتوى إلا عن أمرٍ أو نهيٍ أو دليلٍ من عند الله جل وعلا، ولا يمكن أن يستحسنوا إلا ما استحسنه الله، ولا يصوبوا إلا ما صوبه الله، ولا يخطئوا إلا ما خطأه الله؛ وحينئذٍ نعبد الله على بصيرةٍ وندين الله بكل عملٍ من الأعمال التي نعملها .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة في الله! قد يسأل بعضكم فيقول: هل نفهم من كلامك أنه حينما نرى كلاماً يخل بالدين والعقيدة في مجلةٍ نتركه ولا نذكره؟

هل نفهم من كلامك حينما نرى كاتباً أو مفكراً أو فاجراً أو فاسقاً كتب شيئاً يخل بأركان الدين وأصول العقيدة، وخصائص الأمة أن نسكت عليه ولا نذكره؟

لا. لا تفهموا من كلامي هذا وإنما نريد أن نفهم أن نبقى أعيناً ساهرةً، وعيوناً باصرة، وجهداً متأملاً متثبتاً لمعرفة ما يراد بنا، وما يراد بأخواتنا وبناتنا، وما يراد بشبابنا، وما يراد بثرواتنا، وما يراد بأمتنا.. ما الذي يكاد لنا ولعلمائنا ولولاة أمرنا، نريد أن نبقى أعيناً ساهرة، وأعيناً باصرة، فإذا وجدنا ما يخل بذلك من شيء أخذناه ورفعناه إلى عالمٍ من العلماء، وحينئذٍ تبرأ الذمة.

وأقول لكم: يا شباب الإسلام! قد يظن البعض أن العلماء لا يقدمون شيئا، قد يقول البعض: إن العلماء لا يفعلون شيئا.

والله أيها الأحبة -وهذه نعمة من الله- إن علماءكم لعلى صبرٍ وجلدٍ، وعلى تحملٍ فيما يلقون ويسمعون ويرون من كثير من يتصل بهم من الغيورين والمخلصين، وهم يبذلون بذلاً حثيثاً لمعالجة هذه الأمور بالطرق الشرعية، ولكن هل من شرط ما يعمله العلماء أن يعلمه العامة؟

هل من شرط كل عملٍ يعمله العالم أن يعرفه العامة والخاصة، والصغير والكبير على حدٍ سواء؟ لا، يكفي منك إذا وجدت ما يخالف أو يناقض أو يخل أن تذهب بما رأيته -في أي شيءٍ كان- ثم تعرضه على عالمٍ من العلماء وتقول له: اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد.. اللهم إنها من رقبتي إلى رقبتك، وحينئذٍ تبرأ ذمتك بإذن الله إذا كان هذا غاية ما تستطيعه وإن كان بمقدورك أن تتصل بمسئولٍ أو وليٍ من ولاة الأمر، أو علمت أن غيرك قد كفاك أو بلغ عنك هذا الأمر فحينئذٍ بلغ الأمر وقامت الحجة وبقيت في رقاب العلماء.

الذي نريده أيها الأحبة: ألا نكون في خللٍ من تصرفاتنا وسلوكنا وفي المقابل أن نكون على برودٍ وجمود، لا نريد هذين الأمرين أبداً، إنما نريد عملاً دءوباً ورصداً مستمراً، وأدعوكم أن تفتحوا أبصاركم جيداً لكل ما يدبره أعداؤكم، ولكل ما يخطط الأعداء؛ لأننا لا نشك أن في كل مجتمعٍ عدوٍ وصديقه منافق، فلا بد أن تنتبهوا لهذا الأمر وحينئذٍ أيها الأحبة: بلغوا ما ترونه إلى العلماء وإلى ولاة الأمر، هذا سبيل عليه من الحق دليل، وعليه من الشرع برهان، وما سواه فإنا نشك في وجود ما يدل عليه، ائتوني بدليلٍ على المنشورات، أعطوني دليلاً على هذه المنشورات! لا دليل عليها أبداً، وأقول هذا الكلام وأعيد وأزيد أننا ما بلغنا هذه المرحلة، ولكن أحذر من أن يندس في صفوفنا من يجعل أسلوب المنشور من أساليب الدعوة، لا وألف لا، ليس من أساليب الدعوة إلى الله، وإذا احتاجت الأمة أن تشهر بفاسقٍ من الفاسقين أو أن تحذر بمجرمٍ من المجرمين فحينئذٍ حينما يظهر عليه فتوى، والله لا يرحم عرضه في مجلسٍ ولا منبرٍ أبدا، ولكن من الذي يفتي بتشهيره من الذي يفتي بالحديث عنه، من الذي يتكلم عنه؟ من عرفناه بعلمه وتقواه وسابقته في دين الله جل وعلا.

أيها الأحبة في الله! أسأل الله أن يرشد هذه الصحوة وأن ينفع الأمة بها، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك فيها إننا لفي خيرٍ عظيم، وعلى خطرٍ عظيم، فنحتاج أن نجعل خيرنا في مواجهة هذا الشر، وأن نجعل صلاحنا في مواجهة الخطر، بالأساليب التي تحفظ لأمتنا ولمجتمعنا التوازن الذي نريده ونرغبه فيه على كل حالٍ من الأحوال.