المجاهدون في أفغانستان


الحلقة مفرغة

لقد أمر الله تعالى عباده بالتقرب والتوسل إليه بما شرع في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بالأعمال الصالحة، والأفعال الطيبة التي يحبها الله تعالى ويرضاها، وترك المحرمات والمنهيات وقبائح المعاصي والسيئات، بهذا فقط يتقرب المؤمن ويتوسل إلى ربه تعالى، ومما يجوز التوسل به دعاء الصالحين واستغفارهم، كما دل على ذلك الكتاب والسنة، وما ذكره الله تعالى في كتابه من توسل أنبيائه ورسله إليه بالأعمال الصالحة والدعاء والإنابة ونحو ذلك مما هو مشروع.

الحمد لله القائل في محكم كتابه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة:73].

أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل، والند والنظير، ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم البعث والنشور.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

معاشر المؤمنين: لا يخفاكم أن الجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس عبادةٌ من أَجَلِّ العبادات في هذا الدين، بل هو ذروة سنامه التي بها يجد المسلمون حلاوة العزة، وَصِدْقَ الوعد من الله جل وعلا بالعز والنصر والتمكين، يقول سبحانه: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:14-15].

ولما طال انقطاع العهد واتصال البعد عن الجهاد في سبيل الله من الأمة الإسلامية في هذا العصر حقبةً طويلةً من الزمن، اطمأن أعداء الإسلام فيها إلى تدبير مخططاتهم، وأمنوا بأس المسلمين وشوكتهم خلالها، ولئن طال ذلك فإن فجراً بالجهاد قد لاح وظهر، وإن رايات العزة والكرامة قد رفعت ورفرفت على أرض أفغانستان المسلمة، تلك الأرض الجريحة التي جُرحت بمناجل الشيوعية ، وضربت بمطارق الإلحاد، لكن ذلك لم يزد المجاهدين إلا قوةً وصلابة.

أيها الأحبة في الله! يا معاشر المسلمين المطمئنين الوادعين في أوطانكم! المتلذذين بألوان النعم في بيوتكم ومفارشكم ومراكبكم ومآكلكم ومشاربكم!

يا معاشر المؤمنين: هل تظنون أن إعلاء راية الجهاد أمرٌ هينٌ أو يسير؟ هل تظنون أن جهاد الكفار، أن جهاد أعداء أمة الإسلام يتحقق بالصيحات والشعارات والمنظمات والسب والشتائم؟ لا. وألف لا.

إن إعلاء راية الجهاد -يا عباد الله- يعني التضحية .. بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى؛ التضحية بالنفس والنفيس، التضحية بالأموال وبالأوطان وبالأولاد، والتضحية بالذرية، والتضحية بالشرف وبالنعيم.

تضحيات المجاهدين

أيها الأحبة: منذُ سنواتٍ تسع، وأحبابكم الذين رسموا صور العزة في جبين هذا الزمان، أحبابكم المجاهدون في أفغانستان، الذين تجافت جنوبهم عن سهل الأرض إلى وعر الجبل، بعد تدخلٍ شيوعيٍ أطاح بحكوماتهم، وأحلهم أحزاباً شيوعيةٍ مستبدةٍ غاشمة أتت على الأخضر واليابس، واعتدت على الزوجات، والمحارم والنساء والذريات، وأذنت للعدو الروسي والحاقد الشيوعي أن يتدخل في أرضها، وأن يحل بساحتها فساء صباحها، وادلهم ظلامها، لقد رفعت راية الجهاد في أفغانستان مقرونةً بالتضحيات، أتدرون ما هي التضحية؟ إنهم الشهداء.. إنهم المهاجرون.. إنهم الجرحى.. إنهم المشوهون والمعاقون.. لقد سقيت أرض الجهاد في أفغانستان بدماءٍ زكية، دماء مليون وسبعمائة ألف شهيد، نحتسبهم عند الله من الشهداء، وغرست أطرافهم وأشلاؤهم، أيديهم وأرجلهم المبتورة والممزقة تربة أرض الجهاد، حتى إذا جاء الأبناء ليزرعوا وحفروا الأرض ووجدوا رِجلاً أو قدماً، أو وجدوا شلواً ممزعاً، علموا أن البلاد حررت بالتضحية، وحررت بالدماء والأشلاء.

لقد هاجر الضعفاء والعزّل والأبرياء، هاجروا عن البيت والأرض والوطن، فالحال الآن في أفغانستان تنبئك به الملامح والقسمات قبل أن تتلفظ الشفاه بالكلمات، فما من بيتٍ إلا وقدّم أباً أو أماً، أخاً أو طفلاً، ففي كل بيتٍ مأتم، ومن كل دارٍ فقيد.

غدر الروس بالمجاهدين والمؤامرة الدولية ضدهم

أيها الأحبة في الله: الحال في أفغانستان بقدوم هذا الشتاء خاصة، مؤلمةٌ مؤلمةٌ والله جداً، خاصةً وأن القوى العالمية تمارس لعبةً من نوعٍ قذر لقطف ثمرة الجهاد، وإغلاق خطوط الرجعة على المجاهدين لقتلهم وتدميرهم في مواقعهم وثكناتهم، ولكن يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، منذُ أن أعلنت اتفاقية جنيف، وتناقل الناس أنباء انسحاب الجيش الروسي، تلك الأنباء الكاذبة، ومتى وعدت روسيا فأوفت؟! ومتى عاهدت فنفذت؟! ومتى تكلمت فصدقت؟! منذُ أن تناقل الناس أنباء انسحاب الجيش الروسي، تلك الأنباء الكاذبة، ظن الكثيرون من المسلمين، أن ساحات الجهاد خلت من القصف والنار، وأن الرصاص قد هدأ زئيره، وأن المدافع قد كممت أفواهها، وأن المجاهدين قد عادوا إلى حياة الاستقرار والطمأنينة، ولم يبق إلا أن يدخلوا عاصمة الوطن كابول.

هكذا ظن من انْطَلَتْ عليه اللعبة والحيلة، ولقد انطلت والله، أتدرون إلى أي حدٍ وانطلت ومضت هذه اللعبة علينا معاشر المسلمين؟ لقد قل دعم المسلمين لإخوانهم المجاهدين في أفغانستان بعد أن أعلنت أنباء الانسحاب الكاذبة، قل الدعم وانخفض إلى نسبة 50% أي نصف الدعم الذي كان يتلقاه إخوانكم منكم! مضى وذهب نصفه من جراء كذبةٍ ولعبةٍ دولية في ظروفٍ إخوانكم فيها أحوج إلى الدعم أضعاف أضعاف ما كانوا عليه من قبل، لئن كانوا يتلقون دعمكم فيما مضى، فإن قتالهم كان على جبهاتٍ بعيدة، أما الآن وقد انخفض دعمكم، وقلت معونتكم، فإنهم الآن يمارسون حرب المدن، أخطر أنواع الحروب، إنهم الآن يشهدون فتوحاتٍ كثيرة وانتصاراتٍ عظيمة، مع تضحياتٍ هائلة وأخطر من هذا كله -يا عباد الله!- انخفاض نسب المؤن والأغذية الموجودة في المنطقة إلى حدٍ ينذر بالخطر والكارثة، إلى درجة أن الاتحاد السوفيتي ما عاد يدعم كل أعضاء الحزب الشيوعي الحاكم، بل اكتفى بدعم الجيش الروسي والجيش العميل فقط، هذا فيما يتعلق بالمؤن والأغذية.

أما السلاح والرصاص! أما النار والدمار!! ففي كل شبرٍ لغم، وفي كل أرضٍ مدفع، وفوق كل سماءٍ طائرة.

أيها الأحبة: ماذا عن المؤامرة الدولية على قضية الجهاد في أفغانستان؟ لا زالت روسيا تخالف بنود اتفاقيتها مخالفةً واضحة كالشمس في رابعة النهار، فالطائرات تقلع من مطارات الاتحاد السوفيتي، وتضرب القرى والمدن المليئة بالأبرياء والأطفال، والعزل والعجائز، والشيوخ والمرضى، وحسبكم ما سمعتم خلال عشرة أيام: أن قريةً من قرى قندهار ضربت بصواريخ اسكود بعيدة المدى، راح ضحية ذلك القصف ما يزيد على ثلاثمائة نسمة بريئة؛ بين امرأة وفتاةٍ، وطفلٍ وشيخٍ وعجوز، بل وأسوأ من هذا أن الروس قد أرسلوا ثلاثين طائرة من طراز ميج 27 تضرب القرى والمدن ومواقع المجاهدين من بعد 240 كيلو متر، أسقط المجاهدون منها حتى الآن طائرتين فقط، أما تلك الصواريخ؛ صواريخ اسكود، فقد استخدم الروس منها لضرب جاج من جديد، ولضرب كولر وباجور وجلال آباد، استخدموا عشرين صاروخاً لضرب هذه المناطق الصغيرة.

احتياج المجاهدين للعدة والعتاد

أيها الإخوة في الله: إن إخواننا في أفغانستان يخاطبون فينا الولاء لدين الله، يخاطبون فينا الولاء لجند الله، يخاطبون فينا البراءة من أعداء الله، إنهم يخاطبون فينا حمية المسلم لأخيه، إنهم يدعوننا من قعر أوديةٍ من الدماء سالت، ويدعوننا باسم أشلاءٍ من الأبدان تطايرت، ويدعوننا من جماجم إخوانكم التي داستها المجنـزرات، ووطأتها الدبابات، إنهم ينادونكم بدموع اليتامى التي بلت الثرى، ولم تجد يداً حاميةً تتلقف دمعةً أو تمسح رأس يتيم، هل من الحمية والشيمة .. هل من النخوة والإباء .. هل من الكرم والجود أن نتفرج على كربتهم؟ أن نشاهد أفلام أحداثهم فقط؟

يقول سيد: إن الذي يتفرج على كربة أخيه يدفع الغرامة ضعفين.

فلا تتفرجوا معاشر المسلمين، من لإخوانكم بعد الله إلا أنتم ..

من للثكالى إذا ناحت نوائحها     من للجراح التي استشرت بوادينا

من لليتامى إذا سالت دموعهمُ     على الخدود وقالوا من يواسينا

أتتركون إخوانكم الذين يصيحون؟! الذين يصرخون؟! الذين يئنون ويتأوهون؟! يصيحون قائلين:

أنموتُ في كف اللئام وأنتمُ          حولي ولم يهززكم استنجادي

ونبيتُ لا ندري أنصبح بعدها     أم أن عين الموت بالمرصادِ

يا نائمين على الحرير وما دروا     أنَّا ننام على فراش قتاد

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ * إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ * إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:35-38].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

أيها الأحبة: منذُ سنواتٍ تسع، وأحبابكم الذين رسموا صور العزة في جبين هذا الزمان، أحبابكم المجاهدون في أفغانستان، الذين تجافت جنوبهم عن سهل الأرض إلى وعر الجبل، بعد تدخلٍ شيوعيٍ أطاح بحكوماتهم، وأحلهم أحزاباً شيوعيةٍ مستبدةٍ غاشمة أتت على الأخضر واليابس، واعتدت على الزوجات، والمحارم والنساء والذريات، وأذنت للعدو الروسي والحاقد الشيوعي أن يتدخل في أرضها، وأن يحل بساحتها فساء صباحها، وادلهم ظلامها، لقد رفعت راية الجهاد في أفغانستان مقرونةً بالتضحيات، أتدرون ما هي التضحية؟ إنهم الشهداء.. إنهم المهاجرون.. إنهم الجرحى.. إنهم المشوهون والمعاقون.. لقد سقيت أرض الجهاد في أفغانستان بدماءٍ زكية، دماء مليون وسبعمائة ألف شهيد، نحتسبهم عند الله من الشهداء، وغرست أطرافهم وأشلاؤهم، أيديهم وأرجلهم المبتورة والممزقة تربة أرض الجهاد، حتى إذا جاء الأبناء ليزرعوا وحفروا الأرض ووجدوا رِجلاً أو قدماً، أو وجدوا شلواً ممزعاً، علموا أن البلاد حررت بالتضحية، وحررت بالدماء والأشلاء.

لقد هاجر الضعفاء والعزّل والأبرياء، هاجروا عن البيت والأرض والوطن، فالحال الآن في أفغانستان تنبئك به الملامح والقسمات قبل أن تتلفظ الشفاه بالكلمات، فما من بيتٍ إلا وقدّم أباً أو أماً، أخاً أو طفلاً، ففي كل بيتٍ مأتم، ومن كل دارٍ فقيد.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2799 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2648 استماع
توديع العام المنصرم 2643 استماع
حقوق ولاة الأمر 2626 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2548 استماع
من هنا نبدأ 2492 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2457 استماع
أنواع الجلساء 2456 استماع
إلى الله المشتكى 2432 استماع
الغفلة في حياة الناس 2432 استماع