طاجكستان ومآسيها


الحلقة مفرغة

الجناية على النفس هي التعدي على الإنسان بإزهاق روحه، أو إتلاف بعض أعضائه، وهي محرمة وجريمة وليس بعد الشرك ذنب أعظم من القتل، والجنايات على النفس على عدة أقسام، منها العمد بأن يقصد الجاني قتل المؤمن أو أذيته، ومنها شبه العمد وهو أن يقصد الجاني الجناية دون القتل أو الجرح، ومنها الخطأ وهو أن يفعل الإنسان ما يباح له فعله، ولكن تطيش الآلة خطأ فتقتل من غير قصد ولا عمد كما أن للقصاص شروط وجوب إذا استوفيت كان القصاص مشروعاً.

الحمد لله؛ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلاّ هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، فهي وصية الله لكم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

معاشر المؤمنين: اسمحوا لي اليوم أن أنقلكم من لين الفرش، إلى تربةٍ وتضاريس صعبة، اسمحوا لي أن أنقلكم من هذه المخازن المليئة بالأطعمة إلى القفار وكهوف الجبال التي لا تجد فيها من الزاد إلا قليلاً، ومن الشراب إلا مكدّراً، اسمحوا لي اليوم أن أنقلكم من هذا الوضع الآمن نقلةً تخيليةً تصوريةً لواقعٍ قائمٍ الآن، إلى إقليمٍ خائف، إلى إقليمٍ جزع، واسمحوا لنا أن ننقلكم في وقتٍ قل فيها المخبر، وندر فيه المعلِم عن أحوال المسلمين.

أيها الأحبة: حديثنا اليوم عن مأساة إخواننا في طاجكستان، ولماذا الحديث عن طاجكستان؟! فهل تجمعنا بهم علاقة دم، أم لغة، أم رقعةٌ جغرافية؟! كلا وألف كلا، ولكن تربطنا بهم علاقةٌ هي أعلى وأقوى وأرسى وأثبتَ من الدماء والتضاريس واللغات، هي علاقة العقيدة، هي رابطة لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله:

وحيثما ذُكر اسم الله في بلـدٍ     عددت أرجاءه من لب أوطاني

نعم تنتهي الدماء، وتفنى التضاريس، وتذوب العلاقات الدموية والعرقية؛ لتنصهر في بوتقة لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، وهل نفعت علاقات اللغة بين المسلمين يوم أن تسلط البعث على جيرانه؟!

وهل نفعت علاقات الدم بين الأمم يوم أن تسلط العفالقة على المسلمين في الكويت؟!

وهل نفعت علاقات التضاريس يوم أن تسلط البغاة الطغاة على إخوانهم، أو على جيرانهم؟!

إن كل علاقةٍ زائلة وذاهبة ومضمحلة؛ لتعلن أن كل علاقةٍ لا تبنى على لا إله إلا الله محمداً رسول الله فهي وهمية زائلةٌ منقضية، وكل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.

ما كان من علاقة مرتبطة بالله فهي باقية، وما كانت بغير ذلك فهي زائلةٌ فانية.

إن علاقة العقيدة هي التي جعلت سلمان الفارسي من آل البيت، فقال صلى الله عليه وسلم: (سلمانُ منا آل البيت).

إن علاقة العقيدة هي التي جعلت بلالاً الحبشي يتصدر المجلس بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وصناديد قريش الذين هم من سواء قريش وجرثومتها وأرومتها يقصون ويبعدون، بل: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ [المسد:1-3].

سيصلاها ولو كان قرشياً، سيصلاها ولو كان من سادات قريش، سيصلاها ولو ربطته بالقرشيين والعرب علاقة الدم، أو اللغة، أو التاريخ، وسيمشي بلال في الجنة ولو كان بعيداً، ولو كان أسود، ولو كان مفلفل الرأس، ولو كان حبشياً؛ قال صلى الله عليه وسلم: (يا بلال: إني سمعت دف نعليك في الجنة فأي عملٍ عملته لتنال ذا؟ فقال يا رسول الله: أما إني ما توضأت وضوءاً إلا صليتُ بعده ركعتين).

هذه رابطة العقيدة، جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدني صهيباً الرومي وسلمان الفارسي، وبلالاً الحبشي ويتوعد أبا لهب وأبا جهل، ويتوعد عقبة، وشيبة وعتبة ويتوعد غيرهم، وقال: (اقتلوه ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة) ينبغي أن نرتفع عن العلاقات الضيقة، وأن نسمو بأنفسنا عن العصبيات والقبليات لتربطنا علاقة العقيدة، ومن هذا المنطلق ننتقل بكم اليوم إلى طاجكستان.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً [النساء:75].

أيها المسلمون: إن إخوانكم في طاجكستان ليصورون مأساةً من المآسي المتتابعة، ونكبةً من النكبات المتلاحقة، وضربةً من الضربات الموجعة التي سددها وساقها أعداء الله بغضاً وحقداً وكرهاً لله ورسوله وقبلة المسلمين، ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذه صورةٌ لأبٍ طاجيكي أمام زوجة مهيضة الجناح، وطفلةٍ تتكئ بيمينها على عكازٍ تأبطه صدرها، وطفلٌ يصيح يريد قطرة حليبٍ فلا يجد، وفتاةٌ طاجيكيةٍ كانت عذراء فانتهكها المجرمون، وقد وضع الأب رأسه بين رجليه، وقعد قعدةً توحي بكل ألمٍ وحسرةٍ ومرارة، وكأني به يردد قائلاً:

فلو أبصرتني والليل داجٍ     وخدي قد توسط بطن كفي

ودمعي يستهل من المآقي     إذاً أبصرت ما بي فوق وصفي

أيها الأحبة: لكل أُسرةٍ حكاية، ولكل عائلةٍ رواية، ولكل مهاجرٍ أعجوبةٌ وأعاجيب، فلماذا لماذا ينسى هؤلاء في زمنٍ ارتبط العالم ببعضه، وأصبحت الكرة الأرضية كقريةٍ صغيرة، لو أنجبت بقرةٌ هولندية انتاجاً عجيباً، أو عجلاً غريباً لعلم به العالم بأسره، أما مآسي المسلمين الطاجيك، فلولا فداحة الخطب، ولولا كثرة الدماء، ورسائلك ينقلها نهر سيحوت، لما سمعنا عنهم من الأخبار إلا قليلاً.

وحق لهم أن نهتم بهم؛ لأنهم حفظوا القرآن في الأقبية والسراديب وتحت الأرض؛ في زمنٍ كانت حيازة المصحف عقوبتها الإعدام! في زمنٍ تعلم اللغة وتعليمها كانت عقوبته السجن والأعمال الشاقة، في زمنٍ من عرف فيه بالدعوة إلى الله فعقوبته المقصلة، والمشنقة والزنزانة الانفرادية.

فإني لأثق أن كثيراً من المسلمين لا يعرفون أين تقع طاجكستان.

إنها في الجزء الجنوبي الأقصى لما يسمى بـالاتحاد السوفيتي سابقاً، على مساحةٍ تبلغ مائةً وثلاثة وأربعين ألف كيلو متراً مربعاً، وحدودها من الشمال الشرقي آسيا الوسطى ، وأوزبكستان، وكرغيزيا، كل هذه تحدها من الشمال، والشمال الشرقي، ولها حدودٌ طويلة مع أفغانستان، والصين من الجهات الجنوبية.

في تلك البقعة، وفي زمنٍ يسير بإمكانكم أن تدرسوه وتقيسوه، من بداية التحول في الاتحاد السوفيتي إلى أيامٍ قليلة، تسلط بقايا الشيوعيين -ومن ظن أن سقوط الشيوعية يعني قيام الإسلام في روسيا فهو واهمٌ لا محالة، لقد سقط وتحطم الجبل الشيوعي، ليتحول إلى صخراتٍ شيوعية، لقد تحطم ذلك الكثيب العظيم من الشيوعية ، ليتحول إلى حفناتٍ شيوعية- وكلُ حفنةٍ تسلطت على رقاب كثيرٍ من المسلمين، فلم يتغير الوضع كثيراً، كما تفاءل وظن كثيرٌ من المسلمين.

وبعد أن تحولت الأوضاع هناك ظهر المسلمون على السطح، وتنفسوا الصعداء، والتفتوا يمنةً ويسرةً أهي أحلامٌ يرونها في المنام، أم حقيقة واقعٍ تأذن لهم بأن يخرجوا لهم مدارس القرآن من الأقبية إلى سطح الأرض، وأن يخرجوا كتب اللغة من السراديب إلى صالات الدراسة، وأن يخرجوا بجموعهم ليصلوا جماعات، وليمشوا في الطرقات، معلنين دينهم لا يخافون أبداً، خرج المسلمون وما إن خرجوا ليحكموا أنفسهم بما نصت عليه مواثيق تلك البلاد بعد سقوط الشيوعية بعودة الديمقراطية، وأن الأحكام للأغلبية؛ إذ بأقليةٍ شيوعية تعود من جديد لتجثم على صدور المسلمين، ولتسن المطرقة ولكي تسن المنجل من جديد وتضرب بالمطرقة لتعيد عهداً جديداً للشيوعية ، وفي تلك الفترة إلى يومنا هذا، في ظل هجماتٍ مسعورة، وحركاتٍ وحشية، أحرق أكثر من مائة وخمسين ألف منزل، وقتل أكثر من خمسة وعشرين ألف مسلم، وأما القتلى في نواحٍ مختلفة ممن يعرفون ومن لا يعرفون فقد بلغوا أكثر من مائتي ألف نسمة، خمسة وعشرين ألفاً في معارك المواجهة، في القتال الدائر الشديد الذي حمي وطيسه وجهاً لوجه بين المسلمين وبين الشيوعيين من الطاجيك، ومن ساعدهم من الأوزبك، وأما ضحايا القصف العشوائي والتشريد والهجرة إلى المجهول فقد بلغوا مائتي ألف نسمة، والمفقودون أكثر من مائة وخمسين ألفاً، لكي تظهر صفحةً جديدة، وتعلن هجرةً جديدة للمسلمين، بلغ عدد المهاجرين حتى الآن أكثر من نصف مليون لاجئ، كلهم هربوا ولجئوا إلى الحدود الشمالية؛ أو إلى الحدود الجنوبية بالنسبة لهم، إلى شمال أفغانستان في مناطق قندوز وبلخ وغيرها.

سر اهتمام الروس بطاجكستان

ولماذا اشتدت ضربة الشيوعية على طاجكستان بالذات؛ أوليست كل ولايات ومدن الاتحاد السوفيتي مليئةٌ بالمسلمين؟

بلى. إنها مليئة، ولكن نالت هذه مزيداً من الضربات، ومزيداً من الاهتمام بالإيلام والإيجاع، لأن طاجكستان تحتل المرتبة الثانية بعد روسيا من حيث الاحتياطات المطلقة للموارد المائية، ولأن طاجكستان غنيةٌ بالثروات الطبيعية، ولأن طاجكستان يقبع تحت أراضيها مخزونٌ عظيمٌ من اليورانيوم، ربما شكل قرابة ثلث اليورانيوم في الاتحاد السوفيتي كله، لأن طاجكستان بوابة وممرٌ ومعبر من طريقه يمكن أن تدخل قوافل الدعوة والدعاة إلى الله إلى سائر الجمهوريات، لأجل هذا كله، اهتم بها الروس ليعودوا وليعيدوا تمثيلية جديدة، بل مأساةً جديدة، تذكر بدخول الاتحاد السوفيتي على دباباته المدججة المليئة بالجنود، وعرباته المليئة بالألغام وبالغازات السامة، ليعيدوا هذا المشهد من جديد، يوم أن دخلوا إلى كابل، يعيده الروس الآن لكي يضربوا فيه حركةً إسلاميةً في طاجكستان.

أيها الأحبة: كلكم يعلم أنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتمزق أوصاله، وانقلاب ذلك الدب الجاثم على صدور المسلمين، قامت حركاتٌ إسلامية وجدت متنفساً يدعوها إلى أن تتحرك، ومن ثم قامت مجموعةٌ إسلامية، سمت نفسها بـالنهضة الإسلامية في طاجكستان، والتي سرعان ما اكتسحت وكسبت تأييد الشعب بأكمله، ثم بدأت لتضغط على الشيوعيين، وبمقتضى ميثاق النظام السوفيتي بعد سقوطه، وبمقتضى الميثاق الذي شمل تلك البقاع أن الأغلبية تحكم نفسها، وتحدد اتجاهها، أرادوا الإسلام، لأن الأغلبية مسلمون، وأرادوا الإسلام لأن الجميع يطالبون بالإسلام، ولكن سرعان ما عادت المطارق من جديد لتضربهم.

فبعد الإطاحة بالحكومة الشيوعية، ورئيس البرلمان الشيوعي السابق المدعو كنجايف ، شعرت قوى الاستكبار العالمي بخطورة الوضع على مصالحها الحيوية في المنطقة، خاصةً إذا علمتم أيضاً أن طاجكستان تحتوي على ثلث احتياط اليورانيوم الخصب والمخصب للاتحاد السوفيتي، ويقع في تلك البقعة أكبر ثلاثة مصانع مخصصة لإشباع اليورانيوم في الاتحاد السوفيتي.

ونظراً لهذا الموقع الجغرافي الفريد، وتلك الثروات الضخمة للدولة الطاجيكية، فهي إلى ذلك تقع إلى شمال أفغانستان التي تشهد مخاض وجود دولةٍ إسلامية في أفغانستان ، نسأل الله أن يجمع شمل قادتها، وأن يقيمها على أسسٍ متينةٍ من الكتاب والسنة، إن قرابة خمسة ملايين طاجيكي يمكن أن تكون مع أفغانستان دولةً واحدةً قوية، وإذا علمنا أن أفغانستان لا زالت حديثة العهد والتجربة بمعارك قابلت فيها ألوان الجيوش، واستخدمت وتدربت وتعاملت مع كثيرٍ من الأسلحة، فإذا أضيفت قوة الأفغان مع تجربتهم العسكرية التي دامت ثلاثة عشر عاماً مع الثروات الموجودة في طاجكستان أدركت أن قيام وحدةٍ بين هاتين الدولتين يمكن أن يشكل اكتساحاً عريضاً خطيراً ليطيح ببقية ولاياتٍ روسية، سيما وأن فيها مئات الملايين من المسلمين الذين يتمنون السلاح ونفس الحرية لتحكم بلادهم بالإسلام.

مكر الشيوعيين وأعوانهم

أيها الأحبة: لذا رأى الشيوعيون أنه لابد من القضاء على المسلمين في مهدهم، ولابد من وأد حركتهم قبل ميلادها وقبل اشتدادها وقوتها، وهكذا بدأت عملية تصفية الإسلاميين والموالين لهم في منطقة كولاب من قبل العناصر الشيوعية العائدة بعد هزيمتها في المواجهة مع الإسلاميين في الساحة العامة في العاصمة الطاجيكية، دوشنبه، وذلك بدعمٍ من قواتٍ روسية متواجدةٍ في المنطقة، وأعجب من ذلك أن قوى أجنبية كانت ترقص وتفرح وتضحك وتهزأ بحال الاتحاد السوفيتي وهو يسقط، إذ بتلك القوى من جديد تعود لتدعم الروس لضرب المسلمين في دوشنبه، ولضرب المسلمين في طاجكستان ، لقد هبطت طائراتٌ أجنبية فخمة مدججة مطورة، كلها تحت غطاء المساعدات الإنسانية وهي تحمل في ثناياها الألغام والقنابل والصواريخ لأجل من؟ وفي سبيل من؟ ولأجل غاية من؟

لأجل قتل كل مسلمٍ يقول لا إله إلا الله، لأجل قطع كل حنجرة يخرج منها صوت لا إله إلا الله، لأجل ضرب كل هامةٍ تسجد لله، لأجل قطع كل يدٍ ترتفع مكبرة لله، لقطع كل رجلٍ تشمي إلى بيوت الله، تكالبت وتواترت وتوافدت قوى الروس، والقوى الأجنبية لضرب المسلمين في طاجكستان.

وقد اعتمدت تلك الطائرات الأجنبية على التعامل مع أصحاب السوابق الإجرامية الخطرة الذين أطلقوا من سجون طاجكستان، وسلحوا تسليحاً خطيراً، وأفرج عنهم، بعد أن كانت عقوباتهم السجن مدى الحياة أو الإعدام، أفرج عنهم من جديد وسلحوا من أجل أن يعطوا مكافأة مقابل قطع كل رقبة وانتهاك كل عرض، وبقر بطن كل حامل، وتدمير كل بيت، وإحراق كل زرعٍ وإتلاف كل ماشية.

بهذا عادت روسيا من جديد لتتعامل بمنطق المطرقة والمنجل، وتناست البروستريكيا أو إعادة البناء، أو التعامل المفتوح، والتعامل مع الأقليات، وسماع الرأي الآخر، لأجل ذلك أيها الأحبة:

هاجر كثيرٌ من المسلمين بعد معارك دامية، وبدأ الهجوم الشيوعي المركز على كورجان، واحتلت ولا تزال تحت معارك طاحنة، يحاول المسلمون أن يستولوا عليها من جديد.

أيها الأحبة: وكما سبق ذكره، بعد أن تولى المسلمون زمام الأمور في بداية الوضع وطردوا الشيوعيين في البداية، عادت من جديد قوى الشر، لتعين الشيوعيين لضرب المسلمين، وكانت نتيجة تلك المواجهات فقط، أكثر من قتل اثنين وعشرين ألف مسلم، وهدم بيوتهم، وانتهاك أعراضهم.

هكذا أيها الأحبة حصل للمسلمين ما حصل، وأصبحت مصيبةً عظيمةً، هرب كثيرٌ من المسلمين وفروا إلى النهر، ولم يجدوا ما يعبرون به، فمنهم من عبر النهر مفضلاً محاولةً فيها احتمال النجاة (1%)، واحتمال الغرق والهلاك (99%)، وإذا علمت أن القناصة الشيوعيين لحقوا المسلمين وقتلوهم وهم يسبحون في النهر، وهم يملكون هذه الأسلحة الدقيقة التصويب، الدقيقة الفاعلية، حيث قتل كثيرٌ منهم وهو هاربٌ والآخر قتل وهو يسبح، وفي أيامٍ جاء شهود عيان وقالوا: إن بعض الأيام يرى فيها النهر يمشي بكتلٍ حمراء من الدماء، وهي دماء الذين قتلوا أثناء هروبهم بالسباحة، أو على قاربٍ صغير، وإن الواحد قد يعدها من الخيال، لولا شهود العيان، ولولا ركبانٌ تواترت أنباؤها وجاءوا بمثل هذه الأمور.

أعمال هيئات الإغاثة النصرانية

أيها الأحبة: هكذا يعيش المسلمون في قسوةٍ أمام بقايا الشيوعية، الذين تعاملوا في أفغانستان ، لا تظنوا أن الأوضاع في أفغانستان قد حولت الشعب إلى مسلمٍ، أو إلى شعبٍ مسلمٍ سنيٍ صريحٍ صحيح، بل لا يزال في أفغانستان وخاصةً في بعض مناطق الشمال، شيوعيون تعاملوا مع الروس، وقاموا بمحاصرة المهاجرين من أجل أن يقولوا للجمعيات العالمية إن لدينا لاجئين كثر، فلتهبط طائرات الإغاثة هنا، لكي نطعم هؤلاء اللاجئين، وبالفعل هبطت طائرات الإغاثة، من دولٍ مختلفة لإغاثة هؤلاء اللاجئين، ولكن كان اللاجئون مجرد وسيلة لهبوط الطائرات، ولما أفرغت شحناتها الإغاثية، أخذت مواد الإغاثة وبيعت في الأسواق من جديد، ليعود المسلمون يستسقون الظمأ، ويأكلون الجوع، ويعتصرون الألم.

هكذا يصبح المسلمون ألعوبةً في أيدي هؤلاء الظلمة، ويصبح المهاجرون ورقةً رابحة من حاصرها واستولى عليها نال كثيراً من الإغاثات والمؤن.

أيها الأحبة: إن واقع المسلمين هناك يحتاج إلى لفتةٍ إعلامية، ولفتةٍ إغاثيه، ووقفةٍ إسلامية، وحسبكم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه) ولا يخفاكم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر).

فإن عضونا في طاجكستان يشكو فهل تداعى له سائر الأعضاء في مختلف البلدان؟! إن عضواً من المسلمين في طاجكستان ينزف، فهل تداعى له سائر الجسد في مختلف البلدان؟ إن عضو المسلمين في طاجكستان يشكو من الجراح والجوع والفقر والألم، فهل تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر؟!

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

ولماذا اشتدت ضربة الشيوعية على طاجكستان بالذات؛ أوليست كل ولايات ومدن الاتحاد السوفيتي مليئةٌ بالمسلمين؟

بلى. إنها مليئة، ولكن نالت هذه مزيداً من الضربات، ومزيداً من الاهتمام بالإيلام والإيجاع، لأن طاجكستان تحتل المرتبة الثانية بعد روسيا من حيث الاحتياطات المطلقة للموارد المائية، ولأن طاجكستان غنيةٌ بالثروات الطبيعية، ولأن طاجكستان يقبع تحت أراضيها مخزونٌ عظيمٌ من اليورانيوم، ربما شكل قرابة ثلث اليورانيوم في الاتحاد السوفيتي كله، لأن طاجكستان بوابة وممرٌ ومعبر من طريقه يمكن أن تدخل قوافل الدعوة والدعاة إلى الله إلى سائر الجمهوريات، لأجل هذا كله، اهتم بها الروس ليعودوا وليعيدوا تمثيلية جديدة، بل مأساةً جديدة، تذكر بدخول الاتحاد السوفيتي على دباباته المدججة المليئة بالجنود، وعرباته المليئة بالألغام وبالغازات السامة، ليعيدوا هذا المشهد من جديد، يوم أن دخلوا إلى كابل، يعيده الروس الآن لكي يضربوا فيه حركةً إسلاميةً في طاجكستان.

أيها الأحبة: كلكم يعلم أنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتمزق أوصاله، وانقلاب ذلك الدب الجاثم على صدور المسلمين، قامت حركاتٌ إسلامية وجدت متنفساً يدعوها إلى أن تتحرك، ومن ثم قامت مجموعةٌ إسلامية، سمت نفسها بـالنهضة الإسلامية في طاجكستان، والتي سرعان ما اكتسحت وكسبت تأييد الشعب بأكمله، ثم بدأت لتضغط على الشيوعيين، وبمقتضى ميثاق النظام السوفيتي بعد سقوطه، وبمقتضى الميثاق الذي شمل تلك البقاع أن الأغلبية تحكم نفسها، وتحدد اتجاهها، أرادوا الإسلام، لأن الأغلبية مسلمون، وأرادوا الإسلام لأن الجميع يطالبون بالإسلام، ولكن سرعان ما عادت المطارق من جديد لتضربهم.

فبعد الإطاحة بالحكومة الشيوعية، ورئيس البرلمان الشيوعي السابق المدعو كنجايف ، شعرت قوى الاستكبار العالمي بخطورة الوضع على مصالحها الحيوية في المنطقة، خاصةً إذا علمتم أيضاً أن طاجكستان تحتوي على ثلث احتياط اليورانيوم الخصب والمخصب للاتحاد السوفيتي، ويقع في تلك البقعة أكبر ثلاثة مصانع مخصصة لإشباع اليورانيوم في الاتحاد السوفيتي.

ونظراً لهذا الموقع الجغرافي الفريد، وتلك الثروات الضخمة للدولة الطاجيكية، فهي إلى ذلك تقع إلى شمال أفغانستان التي تشهد مخاض وجود دولةٍ إسلامية في أفغانستان ، نسأل الله أن يجمع شمل قادتها، وأن يقيمها على أسسٍ متينةٍ من الكتاب والسنة، إن قرابة خمسة ملايين طاجيكي يمكن أن تكون مع أفغانستان دولةً واحدةً قوية، وإذا علمنا أن أفغانستان لا زالت حديثة العهد والتجربة بمعارك قابلت فيها ألوان الجيوش، واستخدمت وتدربت وتعاملت مع كثيرٍ من الأسلحة، فإذا أضيفت قوة الأفغان مع تجربتهم العسكرية التي دامت ثلاثة عشر عاماً مع الثروات الموجودة في طاجكستان أدركت أن قيام وحدةٍ بين هاتين الدولتين يمكن أن يشكل اكتساحاً عريضاً خطيراً ليطيح ببقية ولاياتٍ روسية، سيما وأن فيها مئات الملايين من المسلمين الذين يتمنون السلاح ونفس الحرية لتحكم بلادهم بالإسلام.

أيها الأحبة: لذا رأى الشيوعيون أنه لابد من القضاء على المسلمين في مهدهم، ولابد من وأد حركتهم قبل ميلادها وقبل اشتدادها وقوتها، وهكذا بدأت عملية تصفية الإسلاميين والموالين لهم في منطقة كولاب من قبل العناصر الشيوعية العائدة بعد هزيمتها في المواجهة مع الإسلاميين في الساحة العامة في العاصمة الطاجيكية، دوشنبه، وذلك بدعمٍ من قواتٍ روسية متواجدةٍ في المنطقة، وأعجب من ذلك أن قوى أجنبية كانت ترقص وتفرح وتضحك وتهزأ بحال الاتحاد السوفيتي وهو يسقط، إذ بتلك القوى من جديد تعود لتدعم الروس لضرب المسلمين في دوشنبه، ولضرب المسلمين في طاجكستان ، لقد هبطت طائراتٌ أجنبية فخمة مدججة مطورة، كلها تحت غطاء المساعدات الإنسانية وهي تحمل في ثناياها الألغام والقنابل والصواريخ لأجل من؟ وفي سبيل من؟ ولأجل غاية من؟

لأجل قتل كل مسلمٍ يقول لا إله إلا الله، لأجل قطع كل حنجرة يخرج منها صوت لا إله إلا الله، لأجل ضرب كل هامةٍ تسجد لله، لأجل قطع كل يدٍ ترتفع مكبرة لله، لقطع كل رجلٍ تشمي إلى بيوت الله، تكالبت وتواترت وتوافدت قوى الروس، والقوى الأجنبية لضرب المسلمين في طاجكستان.

وقد اعتمدت تلك الطائرات الأجنبية على التعامل مع أصحاب السوابق الإجرامية الخطرة الذين أطلقوا من سجون طاجكستان، وسلحوا تسليحاً خطيراً، وأفرج عنهم، بعد أن كانت عقوباتهم السجن مدى الحياة أو الإعدام، أفرج عنهم من جديد وسلحوا من أجل أن يعطوا مكافأة مقابل قطع كل رقبة وانتهاك كل عرض، وبقر بطن كل حامل، وتدمير كل بيت، وإحراق كل زرعٍ وإتلاف كل ماشية.

بهذا عادت روسيا من جديد لتتعامل بمنطق المطرقة والمنجل، وتناست البروستريكيا أو إعادة البناء، أو التعامل المفتوح، والتعامل مع الأقليات، وسماع الرأي الآخر، لأجل ذلك أيها الأحبة:

هاجر كثيرٌ من المسلمين بعد معارك دامية، وبدأ الهجوم الشيوعي المركز على كورجان، واحتلت ولا تزال تحت معارك طاحنة، يحاول المسلمون أن يستولوا عليها من جديد.

أيها الأحبة: وكما سبق ذكره، بعد أن تولى المسلمون زمام الأمور في بداية الوضع وطردوا الشيوعيين في البداية، عادت من جديد قوى الشر، لتعين الشيوعيين لضرب المسلمين، وكانت نتيجة تلك المواجهات فقط، أكثر من قتل اثنين وعشرين ألف مسلم، وهدم بيوتهم، وانتهاك أعراضهم.

هكذا أيها الأحبة حصل للمسلمين ما حصل، وأصبحت مصيبةً عظيمةً، هرب كثيرٌ من المسلمين وفروا إلى النهر، ولم يجدوا ما يعبرون به، فمنهم من عبر النهر مفضلاً محاولةً فيها احتمال النجاة (1%)، واحتمال الغرق والهلاك (99%)، وإذا علمت أن القناصة الشيوعيين لحقوا المسلمين وقتلوهم وهم يسبحون في النهر، وهم يملكون هذه الأسلحة الدقيقة التصويب، الدقيقة الفاعلية، حيث قتل كثيرٌ منهم وهو هاربٌ والآخر قتل وهو يسبح، وفي أيامٍ جاء شهود عيان وقالوا: إن بعض الأيام يرى فيها النهر يمشي بكتلٍ حمراء من الدماء، وهي دماء الذين قتلوا أثناء هروبهم بالسباحة، أو على قاربٍ صغير، وإن الواحد قد يعدها من الخيال، لولا شهود العيان، ولولا ركبانٌ تواترت أنباؤها وجاءوا بمثل هذه الأمور.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2805 استماع
حقوق ولاة الأمر 2669 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2654 استماع
توديع العام المنصرم 2649 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2557 استماع
من هنا نبدأ 2497 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2463 استماع
أنواع الجلساء 2462 استماع
إلى الله المشتكى 2438 استماع
الغفلة في حياة الناس 2437 استماع