أهمية السنة


الحلقة مفرغة

الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يكفره، وأصلي وأسلم على نبيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد..

أيها الأحبة في الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

معاشر المؤمنين! مرَّ بنا الحديث في واحدة من الجمع الماضية عن أهمية السنة واتباعها، وعن أهمية تعلم الإنسان لأحكام دينه، لكي يعبد الله وحده لا شريك له على بصيرة، إذ أن شرط قبول الأعمال: الإخلاص والمتابعة، فمن حقق واحداً منها، وضيع الآخر؛ فهو على خطر أن يكون عمله هباءً منثوراً، فكان لابد للمؤمن أن تكون أعماله وأفعاله وأقواله خالصةً لله وحده لا شريك له، صواباً على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومرَّ بنا الحديث حول بعض المغالطات والأخطاء الشنيعة الكثيرة المتعددة، التي يقع فيها كثير من المسلمين، مما ينعكس الأمر على عبادتهم، ومن ذلك الوضوء، فكثير من المسلمين يجهلون ويخطئون في تطبيق أحكام هذه العبادة، والتي لها أكبر الأثر حيث إنها شرط للصلاة، فإذا ضاع الشرط، فقد بطل المشروط، فكان لابد لنا أن نتم هذا الحديث، وقلنا بلاغاً للفائدة، وإسناداً للفضل لأهله: إن جملة هذه المعلومة لطالب من طلبة العلم كتبها واحتسبها لوجه الله جل وعلا، فمن باب نسبة الفضل إلى أهله نسأل الله أن يثيبه على ما جمع وأفاد.

اعتقاد وجوب مسح الرقبة في الوضوء

أيها الأحبة في الله! يخطئ بعض المسلمين بظنهم أن مسح الرقبة أمر واجب من واجبات الوضوء، ويحتجون في فعل ذلك بحديث نصه: (مسح الرقبة أمانٌ من الغل) قال النووي في المجموع : هذا حديث موضوع، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فعلم بهذا أن ما يفعله بعض المسلمين من مسحهم للرقبة من مقدمتها، أو خلفها، خلاف للسنة، بل بدعةٌ على عبادة الوضوء، فلينتبه لذلك.

اعتقاد أن الوضوء لا يصح إلا بغسل العضو ثلاث مرات

ومن الأخطاء التي وقع فيها كثيرٌ من المسلمين اعتقاد بعضهم أن الوضوء لا يتم إلا إذا كان ثلاثاً ثلاثاً، أي: غسل كل عضوٍ ثلاث مرات، وهذا اعتقاد خاطئ، قال البخاري في صحيحه : باب الوضوء مرة مرة، باب الوضوء مرتين مرتين، باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، وأورد تحت الباب الأول حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة) وروى -أيضاً- في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين) وروى -أيضاً- من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً) وعن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، قال: (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فغسل وجهه مرةً، ويديه مرة، ورجليه مرة، وقال: هذا وضوء لا يقبل الله عز وجل الصلاة إلا به، ثم دعا بوضوء فتوضأ مرتين مرتين، وقال: هذا وضوء من ضاعف الله له الأجر مرتين، ثم دعا بوضوء، فتوضأ ثلاثاً، وقال: هكذا وضوء نبيكم صلى الله عليه وسلم والنبيين قبله) أو قال: (هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي) رواه ابن شاهين في الترغيب، وابن السكن، وله شواهد كثيرة، قال الصنعاني في سبل السلام: وله طرقٌ يشد بعضها بعضا، فدلت الأحاديث على جواز الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً.

خطأ زيادة غسل الأعضاء على ثلاث

ومن الأخطاء الشائعة التي يقع فيها بعض المسلمين: الزيادة في عدد غسل أعضاء الوضوء، أو بعضها، أكثر من ثلاث مرات، وهذا يحدث من بعض الناس، فيعتقد أنه كلما أكثر من غسل أعضاء وضوئه، زاد أجره، وهذا وسوسةٌ وتلبيس من الشيطان، لأن العمل إن لم يكن مشروعاً فهو مردود؛ لما قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد) وإذا كان ذلك كذلك، فإن السنة في الوضوء ألا يجاوز المسلم غسل أعضائه أكثر من ثلاث مرات فقط.

عدم لزوم غسل الفرج عند كل وضوء

ومن الأخطاء الشائعة أيضاً اعتقاد بعض الناس أنه لابد من غسل الفرج قبل كل وضوء، ولو لم يحدث، وهذا خطأ شائع، والصواب أن يقال: من أدركته الصلاة، وقد سبق ذلك نومٌ، أو خروج ريحٍ من الدبر، فما عليه إلا أن يتوضأ، ولا يحتاج في ذلك إلى غسل فرجه، ومن اعتقد خلاف ذلك، فقد ابتدع في دين الله، إضافةً إلى أن ذلك من الوسوسة، وأما إذا أراد المسلم قضاء حاجته قبل الوضوء، ففي هذه الحالة يجب عليه غسل فرجه، وتنقية مكان البول والغائط، ويدل على ذلك ما ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: (بت عند خالتي ميمونة ليلة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، فلما كان في بعض الليل، قام النبي صلى الله عليه وسلم فتوضأ من شنٍ معلق، توضأ وضوءاً خفيفاً) الحديث رواه البخاري ، ولم يذكر ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد غسل فرجه.

من الخطأ استقبال القبلة حال قضاء الحاجة وبناء المراحيض في اتجاه القبلة

ومن الأمور والأخطاء التي يقع فيها كثير من المسلمين: أنهم يستقبلون القبلة عند البول والغائط، وهذه مسألة قد عمت وعظمت بها البلوى، وشاعت في بيوت ومراحيض كثير من الناس، بل حتى عند المساجد، فيغفل البعض أو يتساهل البعض من المسلمين عند بناء بيوتهم عن تغيير اتجاه أماكن الخلاء خلافاً لجهة القبلة، بل إن بعضهم قد يتعمد ذلك، ولا يبالي بموضوع السنة، أو ما ورد في هذا، إذا كان هذا يوافق مخطط البناء، وهذا من المصائب التي ابتلينا بها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتساهل بعض المسلمين عند قضاء حاجته، فقد يكون مستقبلاً للقبلة ومع ذلك فلا ينحرف عن جهة القبلة يميناً أو يساراً، وهذا مما شاع في هذا الزمان، وفي هذا نصوصٌ صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم تحذر من ذلك:

فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم الغائط، فلا يستقبل القبلة، ولا يولها ظهره، ولكن شرقوا، أو غربوا) رواه أحمد والشيخان وأصحاب السنن ، وقوله: (شرقوا، أو غربوا) هذا بالنسبة للمدينة ، أما بالنسبة لنا هنا، فإن من غرب، فقد استدبر أو استقبل القبلة، وكذلك من شرق.

فالمهم أن ينحرف الإنسان عن جهة القبلة، وأن يحرص على صرف مراحيض بيته عن جهة القبلة دبراً، أو قبلاً، واختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال عديدة: فمنهم من ذهب إلى القول بتحريم استقبال القبلة، أو استدبارها، وهذا هو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم ، قال ابن القيم رحمه الله: لا فرق في قضاء الحاجة بين الفضاء والبنيان ببضعة عشر دليلاً، وقال الشيخ ابن قاسم : وهذا أصح المذاهب في هذه المسألة، وليس مع من فرق بينها ما يقاومها البتة، وقال الشوكاني في نيل الأوطار : وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام، قال: وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحابنا، ثم قال الشوكاني بعد ذلك: وهو الحق، أي: أن النهي في عدم استقبال القبلة بغائط أو بول هو الحق، لأن النهي يقتضي التحريم ولا صارف له، فلا وجه للحكم بالكراهة فقط.

ترك الدهانات العازلة على أجزاء الوضوء دون غسلها

ومن الأمور التي يتساهل بها بعض المسلمين في شأن الوضوء: أن بعضهم يمس يده، أو يقع عليها نوعٌ من الدهان الذي تطلى به الحيطان، وهو ما يعرف بالبوية، وهذا النوع إذا وقع على اليد، يمنع وصول الماء إلى الجزء الذي يراد غسله، فيبقى الوضوء ناقصاً، لذا فإن على من وقع على يده شيء من هذا أن يبادر إلى إزالته قبل الوضوء بالمواد الخاصة التي تزيل هذه الدهانات وغيرها، ومن المواضع التي تقع فيها كثير من النساء ما يجعلنه على أظفارهن، وهو ما يسمى بالمناكير، هذا طلاء فيه سماكة بحيث يمنع وصول الماء منعاً باتاً، لذلك فيجب على المرأة التي تضع هذا الطلاء على شيء من أجزاء يدها أن تزيله قبل الوضوء حتى يعم الماء الجزء المغطى، فيكون الوضوء تاماً صحيحاً.

من الخطأ التيمم عند الحدث مع وجود الماء

ومن الأخطاء التي يقع فيها كثير من المصلين أن أحدهم إذا أحدث في مصلاه، ضرب بيده ما تحته من السجاد، ثم تيمم وصلى مع الجماعة، وهذا غالباً ما يحصل إذا كان الزحام شديداً بالمسجد، وقد يحصل كثيراً في الحرمين أو في المساجد الكبيرة، ويقع هذا عندما يكون الوقت بارداً، فيحدث الإنسان ثم يتكاسل عن الذهاب إلى مكان الوضوء ليتوضأ بالماء، أو يحدث هذا عند إقامة الصلاة، فيظن بعضهم أن إدراك الصلاة مع الجماعة بالتيمم أولى من الذهاب إلى الوضوء، فجميع ما تقدم ذكره مما يقع فيه كثير من الناس عن جهل أو حسن نية، والقول في ذلك: أن من ترك الوضوء بالماء مع إمكان حصوله على الماء، ثم عمد إلى التيمم؛ ففعله غير جائز، وصلاته باطلة، وذلك لأن الله تعالى لم يرخص في التيمم إلا عند فقد الماء، أو تعذر استعماله، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ [المائدة:6]، فدلالة الآية صريحة على أن التيمم لا يجوز عند وجود الماء، وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الصعيد الطيب طهور ما لم تجد الماء، ولو إلى عشر حجج -أي إلى عشر سنين- فإذا وجدت الماء، فأمسه بشرتك) رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

ففي هذا الحديث بيانٌ أن التيمم لا يقوم مقام الماء إلا إذا فقد الماء، أما إذا وجد الماء أو سهل الحصول عليه ولو بجهدٍ، أو بشيءٍ من الكلفة في نواله قبل خروج الوقت، فلابد أن يتجه المسلم إليه، ولا بد أن يتوضأ، وألا يعدل عن الوضوء إلى التيمم.

قال ابن تيمية: وقد اتفق المسلمون على أنه إذا لم يجد الماء في السفر، تيمم وصلى إلى أن يجد الماء، فإذا وجد الماء، فعليه استعماله.

ومن الأمور التي ينبغي أن ننتبه لها -أيها الإخوة- وهو مرتبط بهذا: أننا نلاحظ كثيراً من المسافرين على قارعة الطريق، ورأيت هذا بعيني مراراً، وتراه ليس بينه وبين المدينة التي يقدم إليها إلا بضعة كيلو مترات، ثم تجده على الطريق يتيمم على جانب الطريق، ثم يصلي ومن معه، فواجب طالب العلم، وواجب من فقه حكم هذه المسألة أن يرشده وأن يبين له، وأن يقول: ليس بينك وبين المدينة التي تصلها إلا مسافةً قليلةً يمكنك أن تدرك الماء فيها قبل خروج الوقت، فعند ذلك ينبغي أن ننتبه لهذه المسألة، وعند ذلك نرشده، ولا يقع في خطأ يودي بالبطلان في صلاته.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

النوم المستغرق يبطل الوضوء

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، والتزموا سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وعضوا عليها بالنواجذ، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.

أيها الأحبة! ومن المخالفات التي يقع فيها كثيرٌ من المصلين والمسلمين أن أحدهم يأخذه النوم وهو في صلاة الجمعة، أو في مسجد من المساجد، فإذا أقيمت الصلاة خاصةً صلاة الفجر والجمعة، قام وصلى مع المسلمين، ولم يلق لنومه بالاً، ولم يعره اهتماماً، ولم يعرف ذلك المصلي أن بعض النوم قد ينقض الوضوء، فيصلي صلاةً بغير وضوء، فتكون صلاةً باطلةً غير صحيحة، ونسوق هنا فتوى لسماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز نسأل الله أن يمد في عمره، وأن يبارك له في وقته، وأن يمتعه بالصحة والعافية، نسوق هنا فتوى له في هذه المسألة سئل سماحته حفظه الله عن الذين ينامون في المسجد الحرام قبل الظهر والعصر مثلاً، ثم يحضر المنبه للناس يوقظهم، فيقومون للصلاة دون أن يتوضئوا، وهكذا بعض النساء أيضاً، فما حكم ذلك؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.

فأجاب سماحته بما نصه:

النوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقاً قد أزال الشعور، لما روى الصحابي الجليل صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه، قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين ألا ننـزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم). أخرجه النسائي والترمذي واللفظ له، وصححه ابن خزيمة ، ولما رواه معاوية رضي الله عنه وأرضاه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العين وكاء السه) قال ابن الأثير في النهاية : والسه: حلقة الدبر (العين وكاء السه، فإذا نامت العينان، استطلق الوكاء) أخرجه أحمد والطبراني ، وفي سنده ضعف، لكن له شواهد تعضده كحديث صفوان المذكور، وبذلك يكون حديثاً حسناً، وبذلك نعلم أن من نام من الرجال أو النساء في المسجد الحرام، أو في غيره، فإنه تنتقض طهارته، وعليه الوضوء، فإن صلى بغير وضوء، لم تصح صلاته.

واعلموا -أيها الأحبة- أنه لا حاجة إلى الاستنجاء في النوم ونحوه كالريح، ومس الفرج، وأكل لحم الإبل، وإنما يجب الاستنجاء أو الاستجمار من البول والغائط خاصة، وما كان في معناهما قبل الوضوء، أما النعاس فلا ينقض الوضوء؛ لأنه لا يذهب معه الشعور، وبذلك تجتمع الأحاديث الواردة في هذا الباب، والله ولي التوفيق، انتهى جواب سماحته.

وعلى ذلك، فمن نام في مصلاه، فعليه إعادة الوضوء، فإن صلى ولم يعد، بطلت صلاته، أما من نعس، فلا يعيد وضوءه كما تقدم، والله تعالى أعلم.

من مس فرجه انتقض وضوؤه

ومن المخالفات التي يقع فيها كثيرٌ من المسلمين: أن بعض الناس عند فراغه من غسل الجنابة، وقبل أن يرتدي ملابسه تقع يده على فرجه، فلا يلقي لذلك بالاً، ويصلي بذلك الغسل ما لم يحدث، لكن هذا لم يعرف أنه إذا لامست يده فرجه قد انتقض وضوءه، وفي ذلك دليل روته بشرة بنت صفوان رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مسَّ ذكره، فليتوضأ) أخرجه مالك وأحمد، وأهل السنن، وعلى ذلك فيقال لمن اغتسل: احرص ألا تمس يدك فرجك، لئلا ينتقض الوضوء، فإن مسست ذلك، فعليك إعادة الوضوء.

من الخطأ عدم الغسل من الجماع إلا إذا أنزل

ومن المخالفات -أيضاً- أن بعض الرجال إذا جامع أهله لا يغتسل، ولا يأمر أهله بالغسل إلا إذا أنزل، وهذا أمرٌ يقع كثيراً، ونكتشفه ونعرفه من كثرة الأسئلة حول هذا الموضوع، ويخطئ فيه الكثيرون، فالقول في ذلك- وبالله التوفيق- كان الأمر أولاً: ألا يغتسل الرجل إلا إذا أنزل، وألا تغتسل المرأة إلا إذا أنزلت، ودليله ما أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الماء من الماء) قال الصنعاني: أي الاغتسال من الإنزال، فالماء الأول المعروف، والثاني: المني، لكن هذا الحديث قد نسخ بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها، فقد وجب الغسل) متفق عليه، وزاد مسلم : (وإن لم ينـزل) وفي لفظ أبي داود : (وألزق الختان بالختان) فهذا الحديث استدل به الجمهور على نفس مفهوم حديث (الماء من الماء) واستدلوا على أن هذا آخر الأمرين، بما رواه أحمد وغيره من طريق الزهري عن أبي بن كعب أنه قال: (إن الفتيا التي كانوا يقولون: الماء من الماء رخصة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص بها في أول الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعد) صححه ابن خزيمة وابن حبان، وقال الإسماعيلي : صحيح على شرط البخاري، وهو صريح في نسخ حكم حديث (الماء من الماء).

ومن أدلة كونه ناسخاً أيضاً حديث أبي هريرة منطوقٌ، وحديث أبي سعيد مفهوم، والمنطوق مقدمٌ على المفهوم.

أيها الإخوة! فافهموا أحكام هذه العبادة الجليلة، افهموا أحكامها لما ينبغي للمسلم أن يقوم بها لكي ينال أجرها كاملاً، وافهموا أحكامها لما يترتب عليها من عبادات جليلة كصلاة وطواف وغيرها، فربما أخلَّ الإنسان بذلك، فينتقل الخلل إلى ما بعده، وفقهوا ذلك أولادكم وبناتكم ومن رأيتموه مخالفاً لسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، فإن الجاهل قد يعذر بجهله، وتقوم الحجة على العالم إذا رآه واقعاً في جهل أو خطأ، فسكت عنه ولم يبين.

واعلموا -أيها الأحبة- أنه لا قيمة لكل ما سمعتموه إلا إذا اعتنينا به تطبيقاً ومتابعةً للسنة ودعوة وحرصاً على ذلك، أما أن يسمع الكلام، ثم يتعدى الآذان، فلا فائدة من هذا كله، ومن عمل بما علم، أورثه الله علم ما لم يعلم، فمن اعتنى بالسنة وطبقها، فتح الله على قلبه آفاقاً وأبواباً جديدةً من العلم، وهذا ملحوظ في علماء السلف الصالحين.

نسأل الله جل وعلا أن نكون من التابعين لهم بإحسان، اللهم ألهمنا رشدنا، ووفقنا للعناية بأحكام ديننا، والاهتمام بالالتزام بسنة نبينا، ونعوذ بك اللهم من الزلل، ونعوذ بك اللهم من الضلال في أمر الشريعة والعبادة.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً، فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء!

اللهم من أراد علماءنا بفتنة وشبابنا بضلالة، وولاة أمرنا بمكيدة، ونساءنا بتبرج وسفور واختلاط في الوظائف والتعليم، اللهم عليك به، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم افضحه على رءوس الخلائق، واطرده اللهم عن أرضنا وبلادنا يا رب العالمين!

اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في كل مكان، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم عجل نصرهم، ووحد صفهم، واجمع شملهم، وألف بين قلوبهم، اللهم اقهر عدوهم، اللهم عجل دولتهم يا رب العالمين!

اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، وارحم اللهم المستضعفين في فلسطين، اللهم انصرهم على اليهود أعداء دينك، وأعداء أنبيائك ورسلك، اللهم عجل نصرهم، واكشف اللهم المحنة والكربة عنهم، اللهم رد المسجد الأقصى إلى أيدي المسلمين، واطرد اليهود عن أرض المسلمين يا رب العالمين!

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم من كان منهم حياً، فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً، اللهم جازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً.

اللهم ثبتنا على دينك إلى أن نلقاك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك، اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور، ومن الضلالة بعد الهدى، من الزلل بعد الاستقامة، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقل من ذلك، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين قاعدين، اللهم احفظنا بالإسلام في كل مكان، وفي كل عصر وزمان برحمتك يا أرحم الراحمين!

إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين!

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.