الحزم أو الضياع


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم إنا نسألك السداد في القول، والإخلاص في الفعل، اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى، وآتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وفي مستهل هذا اللقاء الذي أتشرف بلقياكم فيه -وأسأل الله جل وعلا أن يجعل جلوسكم والقول بين أيديكم خالصاً لوجهه الكريم- أود أن أزجي الشكر مثنى للقائمين على هذا القطاع المهم الحيوي المتعلق بأمور الشباب، وأسأل الله جل وعلا أن يجعل عملنا وعملهم خالصاً لوجهه، وأخص بالشكر الأستاذ: ناصر المجحج مدير مكتب رعاية الشباب، والمسئول عن هذه الأنشطة وهذا القطاع المهم، أسأل الله جل وعلا أن يجعله من الدعاة إلى دينه، وأن يجعله مباركاً أينما كان، وأن يوفقه وأمثاله وكل مسلم إلى فعل الخير والدعوة إليه وتسهيل أمره.

أيها الأحبة: تعلمون أني لست بشاعر ولكني أحب مداعبة الشعراء والسامعين بشيء من الحديث، وفي الطريق أخذت أهمهم وأنمنم بكلمات تجول بخاطري أقول فيها:

الحزم وسط المعمعـة     على جبين المجمعة

والجد حال المعضلات     يبغي اليقين أجمعه

يا فتية الحق اعملـوا     وليس فيكم إمعة

إنا نروم وثبة     شما بغير جعجعة

فلينأ عن درب الهدى     من هاب أرض المسبعه

كل جبان لا يجيـ     ـد اليوم إلا الفرقعة

وليرق نحو المكرما     ت رضيع مجد أكتعه

بلاؤنا من فارغ     في كل جمط لمعه

فحقه يا إخوتي     كسوته بالبردعة

والبردعة: كساء يوضع على ظهر الحمار.

فإن أبى معانداً     لا بأس في أن نصفعه

أيها الأحبة: أما الحديث في هذه الكلمة فموضوعه: (الحزم أو الضياع) ولعل المعنى واضح من العنوان، والداعي إلى طرق هذا الموضوع: أنني رأيت عدداً لا يستهان به من الشباب لا هم لهم إلا التسكع في الشوارع، والتجوال في الطرقات، والجلوس على الأرصفة، وتبادل الأنفاس المشحونة المليئة بسحب الدخان، واجترار الأحاديث التي لا فائدة منها، وتناقل الأقوال التي لا طائل من ورائها، والحقيقة أن نفس كل غيور حينما يرى هؤلاء الشباب يتسكعون على أقدامهم، أو يتجولون بسياراتهم، أو يجلسون على الطرقات والأرصفة، لا هم لهم إلا الدندنة والطنطنة والحملقة بالأبصار في الغادين والرائحين، والغاديات والرائحات، أن القلب والله ليتقطع أسى، وإن الفؤاد ليتألم من شدة ما يرى من مصيبة الأمة في هؤلاء المتسكعين، ومصيبة الأمة من هؤلاء الضائعين، في مصيبة الأمة من هؤلاء الفارغين، الذين لو كانوا عناصر فعالة، أو مواهب منتجة، أو طاقات واعدة لرأينا فيهم خيراً، لكن البلاء كل البلاء أن بعضاً من أولئك كالأنعام؛ يأكلون ولا ينفعون، ويستهلكون ولا ينتجون، وأمة الإسلام تنحر وتذبح، والجرح نازف، والدماء تسيل، والرقاب تقطع، والحوامل تجهضن، والأعراض تنتهك، والبيوت تدمر، والمدن يشرد أهلها منها، ولا حرمة لمسلم.

وأنتم ترون هذا كله جلياً فيما نسمعه، ونراه ونقرؤه، وينقل لنا عن أحوال إخواننا في البوسنة والهرسك، وهو مثال من الأمثلة، إذ ما هو في كشمير ما هو أفظع وأشد من هذا، لكن وسائل الإعلام لم تلتفت إليه، وفي بورما ما هو أشد من هذا ووسائل الإعلام لم تلتفت إليه، ولا حجة لنا أن نتعلل بأن وسائل الإعلام لم تطرح هذا، وليس بحجة للمسلم أن يقول: إن هذا أمر لم تطرحه الوسيلة الفلانية، إذ أن الأصل في كل مسلم أن يهتم ابتداءً لا أن نطالبه بالاهتمام بعد بلوغ الخبر، إذ بعد بلوغه الخبر عن أحوال المسلمين لا عذر ولا حجة له ولا يقبل منه قول أبداً،

لكن المطلوب أن يبدأ الاهتمام ابتداءً، وأن يكون الباعث هو الغيرة على أحوال المسلمين وأعراضهم.

أيها الأحبة في الله:

أتسبى المسلمات بكـل أرض     وعيش المؤمنين إذاً يطيب

فكم من مسجد جعلوه ديـراً     على محرابه نصب الصليب

وكم من مسلم أضحـى سليباً     ومسلمة لها حرم سليب

دم الخنزير فيه لهم خلوق     وتحريق المصاحف فيه طيب

أحل الكفر بالإسلام ضيماً          يطول عليه في الدين النحيب

فقل لذوي البصائر حيث كانوا     أجيبوا الله ويحكم أجيبوا

أيها الإخوة! هؤلاء الذين نراهم يتسكعون ويدورون لو أن مع كل واحد منهم بندقية، أو لو أن في كل منهم نفساً أبية لما وجدناهم بهذه الحال، مسلم يقتل، ومسلم ينتسب إلى الإسلام، ولا هم له إلا المعاكسة والمغازلة!!

مسلم يذبح ومسلم آخر لا هم له إلا النوم على الأرصفة!!

مسلم ينتهك عرضه وآخر لا هم له إلا أن يلاحق آخر فيلم خرج وآخر تمثيلية خرجت، وآخر نجم اعتزل، وأول ممثلة ودعت أو غيرت؟!!

هذه والله بلية ومصيبة، ولكن أيها الأحبة: هو الحزم أو الضياع، النفس الإنسانية بطبعها ميالة إلى الراحة والكسل، وقديماً قال القائل:

والنفس كالطفل إن تهمله شـب على     حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

فخالف النفس والشيطان واعصهما          وإن هما محضاك النصح فافتهم

ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً     فأنت تعرف كيد الخصم والحكم

أيها الأحبة: إننا لا ننتظر أن تقودنا أنفسنا بطبعها إلى الجد والمكرمات، والمعالي والحزم والقمم، والشجاعة والكرم، والتدين والالتزام والاستقامة، هذه درجات لا يبلغها أحد إلا بالمجاهدة؛ فلكي تكون كريماً لا بد أن تجاهد النفس في بذل المال، ولكي تكون شجاعاً لا بد أن تجاهد النفس في الاستهانة بالموت، ولكي تكون طالب علم لا بد أن تجاهد النفس في سهر الليل بالقراءة والكتابة والمراجعة، ولكي تكون نافعاً لا بد أن تفوت كثيراً من الملذات والمباحات من أجل أن تبلغ هذه القمة التي تريدها.

أما أن يريد الإنسان أن يكون قمة بدون بذل، ويريد أن يكون رأساً بدون سعي، ويريد أن يكون جبلاً بدون همة، فذاك كما قال القائل:

تسألني أم الوليد جملا     يمشي رويداً ويجيء أولا

أم الوليد امرأة تقول لأحدهم: لو تكرمت انظر لي جملاً يمشي ببطء -مثلما يقال: على أقل من مهله- ولكن يصل أول واحد.

تسألني أم الوليد جملا     يمشي رويداً ويجي أولا

لا يمكن هذا! تريد كسلاً ونوماً، ومتابعة للنفس؛ النفس تريد مشاهدة فيلم فشاهد فيلماً، النفس تشتهي جلسة مع شباب ضائعين فارغين فتجلس معهم، النفس تشتهي أن تشبع من النوم فتدعها تشبع من النوم، ثم تطالب النفس أن تكون نفس كريم، ونفس شجاع، ونفس داعية، أو نفس معلم أو نفس عالم، هذه مسألة صعبة جداً.

لولا المشقة ساد الناس كلهـم     الجود يفقر والإقدام قتال

المسألة: كل يتمنى أن يكون عالماً، لكن من فاز بالعلم؟ أولئك الذين رأوا فيلماً فأعرضوا عنه وسهروا الليل على القراءة، كل يتمنى أن يكون تاجراً لكن من نال التجارة؟ ذاك الذي هجر الفراش وقام مع الطير:

قام مع الطيور صباحاً، وأخذ يسعى في طلب الرزق، ولم يؤب إلى بيته إلا حينما أعشاه المبيت.

كل يتمنى أن يكون طبيباً جراحاً، لكن الذي لا يريد من التخصصات إلا أدناها ومن الهمم إلا أقلها، وتجده يغيب في الأسبوع ثلاثة أيام، واليومين الآخرين لا يحضر إلا من الساعة التاسعة والنصف، ويجلس في آخر الفصل، وتقديراته مقبول وأقل من مقبول أو راسب ضعيف، ويريد بعد ذلك أن يكون طياراً، أو أن يكون طبيباً، أو أن يكون أستاذاً، وآخر يريد أن يتفوق في العلوم الشرعية ولكن قد أشغلته المباريات الأولمبية وكأس العالم، لا يا أخي.

المسألة لو كانت بالتمني لرأيت كل من حولك علماء، وسادة، وقادة، وأساتذة، وأطباء، وموجهين، ولكن من فاز بهذه الأماني؟ من أمهر الأمنية عملاً، الأمنية: عروس يبذل مهرها بالجد والاجتهاد، والعمل والمثابرة، فمن حزم أمره، وجمع همته، واجتهد في قصده وجد الخير بإذن الله.

ومن زرع البذور وما سقاهـا     تأوه نادماً وقت الحصاد

أيها الأحبة: ينبغي أن نعرف جيداً أن الحزم أصل من أصول الدين، الله جل وعلا يقول في كتابه الكريم: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63]، وقال جل وعلا: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12] إذا أردنا أن نكون أمة ملتزمة مستقيمة، وأردنا أن نكون شباباً على مستوى من العلم والفهم والوعي، والتأثير والإفادة، وتحريك طاقات المجتمع ونفع المسلمين لا بد أن نأخذ الأمور بحزم: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63] قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] فلا نريد مسلماً يأتي يقول: أنا مسلم لكن هذه المسألة يقول الطنطاوي الذي في مصر: إنها مختلف فيها، والمسألة هذه يقول الباقوري الذي في لبنان: إنها مختلف فيها، والمسألة هذه يقول الفاخوري الذي في موزمبيق : مختلف فيها، والمسألة هذه يقول فلان الذي في السلفادور : مختلف فيها، إذاً اختر من الدين أربع مسائل تمسك بها وضيع بقية مسائل الدين؛ لأن هذه فيها خلاف، وهذه فيها أقوال، وهذه فيها سين وجيم، ومن ثم لا تتمسك من دينك إلا بشيء قليل، وضيع ما بقي من دينك بحجة الرخص التي أفتى بها فلان وعلان، وقديماً قال الفقهاء: (من تتبع الرخص تزندق).

وإني أعجب -أيها الإخوة!- من رجال وشباب يوم أن تناقشهم في أمر من أمور الدين، يقول أحدهم: يا أخي! ليس في الدنيا إلا مشيختكم في نجد أو في المملكة ؟! هناك شيخ في الديار الفلانية يقول: هذا ليس فيه شيء، وهناك شيخ أفتى أن الربا حلال، وهناك شيخ يقول: المرأة أن تكشف وجهها وتخرج مع السائق حلال، وهناك شيخ يقول: ليس من داعٍ أن تصلي مع الجماعة صلِّ في البيت حلال، وهناك شيخ يفتي أن الربا في القروض الإنتاجية حلال، وهناك شيخ يقول: كذا وكذا، والسؤال: افرض أن عندك سيارة من السيارات الفارهة الفاخرة، ولتكن من نوع (لكسز) وحصل في هذه السيارة عطب أو خراب أو خلل، هل تتوقع أن صاحب هذه السيارة التي أعدت وصنعت على أعلى مواصفات التقنية والتطور، والكفاءة والأداء فهل تظنون أن صاحب السيارة يذهب بها إلى بنشري، ويقول: ما هو رأيك في السيارة هل فيها خراب؟ أو يذهب بها إلى إنسان تخصصه دراجات نارية (سوزوكي) أو (هوندا)؟ لا يذهب إطلاقاً، هذه اسمها (لكسز) ولا يمكن لأي مهندس أن يعبث فيها، ولا يمكن لأي واحد حتى ولو كان تخصصه سيارات يابانية أو أمريكية أو سويدية أن يعبث بها محاولاً إصلاحها، لا. القضية تحتاج أن يذهب بهذه السيارة الثمينة إلى الوكيل المعتمد، إلى الوكالة، فإن الوكالة التي صنعت هذه السيارة أدرى بما يصلح لها، وأدرى بالشيء الذي ينفع لها حين خرابها.

كذلك إنسان لو أصابه تسوس في سن من أسنانه، أو يريد حشو عصب، أو مشكلة من مشاكل الأسنان، هل يذهب ويطرق على ولد الجيران الذي يدرس في المعهد الصحي الثانوي، ويقول: تعال أصلح لي أسناني؟

وهو أيضاً لا يقبل أن يذهب إلى إنسان يدرس في سنة أولى أو سنة ثانية طب أسنان، يقول: لا. هذا سن مهم، لا بد أن أذهب إلى المركز التخصصي للأسنان، الذي فيه أفضل الخبرات التي استوردت، وتعمل على أحدث أساليب علاج وطب الأسنان.

فلما جئنا إلى السيارة ما قبلنا أن يصلح فيها أي واحد، بل ذهبنا إلى الوكيل المعتمد والوكالة التي صنعت هذه السيارة، ولما جئنا إلى سن من الأسنان ذهبنا إلى مركز متخصص في الأسنان، لكن لما جئنا إلى مسألة الدين تلقى الواحد يقابل له واحداً في سوق الخضرة يبيع فجلاً، يقول له: ما هو رأيك في هذه المسألة: حلال أم حرام؟ يقول له بائع الفجل: لا. هذه حلال، يقول له: (الله يوسع عليك هذا الشيخ وإلا بلاش).

فتجد من الناس العجب في أمر نفسه، وفي أمر سيارته لا يقبل إلا كلام المتخصصين الوكلاء المعتمدين، وأما في أمر الدين فإنه يقبل قول من هب ودب، هل هذا أمر يقبل؟! سبحان الله! لما كان أمر الدنيا ما قبلت إلا أعلى المستويات خبرة وعلماً في الإجابة عنها، ولما جاء أمر الدين جئت تقول لي: قال فلان الفلاني في مصر ، وإلا في السودان ، وإلا في البلد الفلانية: هذا حلال! سبحان الله العلي العظيم! لماذا لا تأخذ بقول الشيخ ابن باز ، الذي لا نعلم على وجه الأرض أتقى وأعلم بالله ولله منه إلا من لا نعلم، المهم هؤلاء الأتقياء ينبغي أن يؤخذ منهم الدين كما أنك ترجع إلى الوكلاء في أمور دنياك.

أيها الأحبة: أقول: إن الحزم أصل من أصول الدين، والله جل وعلا قال: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] أي: اعملوا بالإسلام في كل جوانبه: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة:85] .. فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ [المائدة:52] والآية الأخرى: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا [الأعراف:169] يأخذون شيئاً من الدين ويتركون غيره ثم بعد ذلك يقولون: إن الله غفور رحيم.

وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والعزيمة على الرشد) الرشد والرشاد، والخير والفلاح يحتاج عزيمة، يحتاج قوة، يحتاج نفساً قوية جداً.

وإن كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة     فإن فساد الأمر أن تترددا

أيها الأحبة: إن من سنن الله أيضاً: أن الجد والعمل نتيجته محمودة، فلو أن مائة عامل مسلم كل منهم يصوم الإثنين والخميس ويتهجد الليل؛ لكنه كسول بطال، ومائة عامل بوذي كافر لكن يعملون في الصباح والمساء لأنتج البوذيون عملاً ينفعهم، ولم يستطع ذلك المسلم أن ينفع نفسه بشيء، كثير من الناس يخلط بين قضية التدين والعمل، أو الاستقامة والسلوك والعمل، انظر يا أخي الكريم! فيما يتعلق بسلوكك الشخصي، هذا أمر ترجو به الجنة وتنجو به من النار بإذن الله جل وعلا، وترجو به رضا الله، لكن لا يلزم إذا كنت متديناً أن تفتح لك أبواب السماء ذهباً وفضة.

إن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء رجل يسأله وأعطاه درهمين أو أقل أو أكثر، فقال: (لو أن أحدكم اشترى حبلاً فاحتطب فباع خير له من أن يتكفف الناس أعطوه أو منعوه) ما قال النبي: أنت من الصحابة ولن يضيعك الله وسيَنـزِّل عليك رزقاً من السماء، لا. القضية قضية العمل، العمل للإسلام مطلوب، والعمل بجدية مطلوب، ومن هنا أطالب كل الشباب المسلم؛ ولا أخص الملتحي وأترك الحليق، أو أخاطب الذي لا يدخن وأترك المدخن، أو أخاطب الذي اتبع السنة في ثوبه وأترك المسبل، أقول: نحن جميعاً يا معاشر الشباب المسلم! سواء فينا السابق بالخيرات؛ المهتم المعتني بالطاعات، أو الظالم لنفسه بالمعاصي، أو المقتصد، أخاطب الجميع بأن يجدُّوا في أعمال دنياهم، وأن يجدوا قبل ذلك في أمر دينهم، لا أن تظن أن كونك تدينت أو التزمت واستقمت فإن المسألة قد انتهت، لا. ولذلك قال عمر : [إني أرى الرجل فيعجبني فأسأل هل له من عمل فيقال: لا. فيسقط من عيني] لأنه عنصر مستهلك في المجتمع؛ ولا ينفع ولا ينتج.

لذلك -أيها الأحبة!- ينبغي أن نؤكد جيداً أن مسألة الجد والصبر والعمل ينتج في العامل أياً كان نوعه؛ يهودياً، أو نصرانياً، أو بوذياً، ولا تظن أن السماء سوف تنفتح لك، لا بد أن الله جل وعلا وعد المتقين بالخير لكن مع بذل الأسباب، ولو كان مجرد الإسلام والإيمان والإحسان يحقق النصر ويجلب الخير لكفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم مؤنة القتال في بدر، ومشقة القتل لأصحابه في أحد، وكسرت رباعتيه، وشج وجهه الكريم صلى الله عليه وسلم، ودخلت حلقتان من حلق المغفر في رأسه الكريم صلى الله عليه وسلم.

إذاً: لا تظن أنك إن تدينت انتهت المسألة، نريد منك عملاً، ونريد من الذي لم يستقم بعد أو لم يتدين أن يستقيم وأن يتوب وأن يعود إلى الله، وأن يستحي على وجهه بكل معانيها التي يعرفها والتي لا يعرفها، نقول: استحِ على وجهك وكفاك ضياعاً أن بلغت العشرين أو قاربتها أو جاوزتها، أو قاربت الثلاثين وأنت لا تزال لا هم لك إلا ملاحقة السيقان العارية عبر الفيلم، ورؤية الوجوه المصبغة الملونة بمساحيق التجميل عبر المجلة، وسماع الآهات والأنات الخليعة الماجنة عبر الأغنية.

نقول: استحِ! إلى متى هذا الضلال؟ إلى متى هذا الضياع؟

إلى متى وأنت في لغوائك وغفلتك وجهلك والمسلمون يذبحون ويقتلون؟ أما يكون لك باعثاً وحافزاً أن ما آتاك الله من النعم في أمن وطمأنينة أن تقابله بالشكر والجد والاجتهاد في مرضاة الله جل وعلا؟

ثم -أيها الأحبة!- إن الجاد والحازم إذا سعى في أمر من أموره بجدية وبحزم لا شك أنه يناله شيء من التعب أو المشقة، ولكنه يجد راحة وسعادة وطمأنينة، ويجد احتراماً لنفسه لا مثيل له، لكن ذلك الجثة القعدة الرقدة الذي هو كالعنـز أو كالنعجة لا تجاوز مراحها، لا هم لها إلا أن يلقى بأكوام التبن عند فمها، ثم تأكل ما تأكل ثم يرفع عنها ذلك ويقدم لها الماء، ذاك الذي يضر الأمة ولا يفلح، ويفسد ولا يصلح، وكما قال القائل:

وأنت امروءٌ فينا خلقت لغيرنا     حياتك لا نفع وموتك فاجع

مصيبة إنسان أنه محسوب على الأمة حياته لا منفعة فيها، ولو جاء خطر فجعنا عليه؛ لو أصابه حادث بحثوا له عن أحد يتبرع له بالدم، لو أصابه فشل كلوي بحثوا له عن أحد يتبرع له بكلية، لو أصابته أي مصيبة بحثوا له عن أحد يساعده، فهذه مصيبة ذلك الشاب الذي لا ينفع.

أقول: إن الجاد مهما ناله من تعب الجد، ومشقة الحزم فإنه يحترم نفسه، فالإنسان هو الذي يحترم نفسه:

أرى الناس من داناهم هان عندهم     ومن أكرمته عزة النفس أكرما

من كانت نفسه عزيزة لا تقبل إلا المعالي؛ أكرم نفسه وأكرمه من حوله، وأما من هان على نفسه وهان عند ربه فكما قال الله تعالى: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج:18].

إن من اختار أن يذل نفسه بالمعصية، وأن يهينها بمخالفة أمر الله، وأن يرى نفسه في ذَنَبِ الركب عصياناً لله جل وعلا، كيف تريد أن تحترمه نفسه؟

ولو قرأتم ما كتبه ابن القيم رحمه الله في كتابه الجميل الرائع: الداء والدواء أو الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ، قال: ومن عقوبات المعصية: أن صاحبها يجد ذلاً في نفسه، وظلمة في وجهه، وهواناً على الناس، ويتجرأ عليه أدنى من حوله.

وكما قال الحسن البصري : [إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين إلا أن ذل المعصية لا يفارق وجوههم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه].

هذا الجاد -أيها الأحبة!- وإن ناله تعب من الجد فإنه يشعر بعزةٍ وإكرامٍ لنفسه، وأما ذاك الذي شبهناه بالعنـز أياً كانت استرالية أو مصرية، أو سورية أو عنـزاً نجدية، سم ذلك الإنسان بما شئت، الكسول تجده يحتقر نفسه، ويرى على نفسه هواناً، ويجد في نفسه ذلة، وإذا عرضت عليه معالي الأمور وأراد أن يرتفع لها جاءه إبليس وجره من رقبته، قال: اقطع عنك هذه الأفكار، أنت لست بكفءٍ لهذه الأمور، اتركها الآن.

الشيطان يعرف صاحبه جيداً، نعم وقت التزيين للمعصية تجد الشيطان يؤز صاحبه أزاً: أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً [مريم:83] تدفعهم دفعاً، لكن لو جاء أمر من الخير عند إنسان صاحب معصية، أو مغرق ومصر على المعاصي، أول ما يأتي صاحب الخير ويريد أن يبدأ، وذلك العاصي سابقاً لم يرد أن يتجه إلى الخير يأتيه الشيطان يقول: مازال وجهك وجه محاضرة؟!! اذهب وانظر لك أناساً يشيشون (معسل باعشن) أو انظر أناساً يتنتنون؛ أو أناساً يفحطون، ابق معهم أفضل لك من أن تجعل نفسك في هذا المقام. الشيطان يتجرأ عليك ويجرك بتلابيبك من خلف رقبتك، ويجبذك ويجذبك ويدفعك إلى مهاوي الرذيلة والانحراف والفساد، ويقعد بك عن أماكن الخير.

ولذلك نقول: يحتاج أحبابنا الشباب إلى دعوة، يحتاج كثير من الشباب من ينتشلهم من وحل المعصية إلى طهارة الطاعة، يحتاجون من يأخذ بأيديهم من نتن المخالفات الشرعية إلى عز الموافقات الشرعية؛ لأن القليل القليل من الناس من تجده فكر في أمر نفسه من تلقاء نفسه ثم اهتدى بنفسه، وفي الغالب أن كثيراً من الناس كان لهدايتهم سبب؛ إما أن تكون دعوة، أو نصيحة، أو شريطاً، أو معسكراً، أو حجاً، أو أي عمل من الأعمال التي كانت سبباً في دفعه، لكن يأتي شيء يأخذ بيده وينتشله مباشرة، فذاك أمر في النادر والقليل.

أقول: إن الكسول يحتقر نفسه، وزيادة على ذلك يمل من نفسه ويكرهها نفسه، خذ مثالاً على ذلك: شاب مجتهد، وليكن هذا المثل في الشتاء لأن ما بين صلاة الفجر والصباح شيء يذكر:

ستجد أن ذلك الشاب الجاد صلى الفجر مع الجماعة ثم عاد وتهيأ وأفطر، ورتب دروسه أو أعدها من قبل، ثم أخذ ما عنده من كتب وكراسات وذهب وجلس طول النهار، عينه في وجه المدرس، وقلبه إلى ما يقول المدرس، وفكره منتبه إلى ما يشير إليه معلمه، ثم جاء بعد الظهر متعباً، لكن قليلاً من التعب أورث كثيراً من العزة، والراحة والكرامة في نفسه فتجده معتزاً معتنياً بنفسه، وفي المقابل ذلك الكسول الذي كان البارحة سهران، لكن سهران على ماذا: أيتهجد؟ لا، وبالمناسبة يقول ابن الجوزي : إن رجلاً كان له جار فاسق فسمعه يبكي في الليل، قال: عجبت من بكاء هذا الرجل هل هو يتهجد أم يقرأ؟!! فلما أصبح طرق عليه، قال: يا فلان! سمعتك البارحة تبكي؟ قال: كنت أقرأ آية وأبكي -قال: إذاً فتح الله عليه لعله إن شاء الله تاب- قال: وماذا كنت تقرأ؟ قال: كنت أقرأ قول الله: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222] المصيبة أن ذلك السهران البارحة لم يكن سهران في طاعة، بل سهران على فيلم أو مسلسل أو مجلة، أو كلام فارغ أو أشياء لا تليق، ثم بعد ذلك نام متأخراً وترك صلاة الفجر، ثم إن كان حوله من يوقظه أو لم يوقظه، المهم لم يعبأ ولم يلتفت لدراسته جاء من يوقظه فانقلب على جنبه بريح وبخر نتن، ثم انقلب مرة ثانية على فراشه ونام حتى أذن الظهر أو بعد صلاة الظهر، ثم استيقظ كالشيطان، ينظر إلى الناس قد عادوا من أعمالهم، من مدارسهم، من جامعاتهم، وهو قام يفرك عينيه وينظر في الغادين والرائحين، والغاديات والرائحات، ويحسد هؤلاء الذين آبوا بجد وعلم، وفهم وحلم ومثابرة، ويجد من نفسه هواناً.

ذلك الجاد تعب؛ من الصباح ذهب وجلس على كرسي قد يكون مريحاً أو غير مريح، وصبر على تعب الدراسة وطلب العلم، أو على الوظيفة، وثابر، لكن هذا كان على فراشه، ذاك عاد بتعب يسير وراحة كبيرة، وهذا قام بعد أن تقلب على الفراش حتى مل الفراش منه، ووسادته لو تكلمت لقالت: قم قبحك الله.

لو كان يدري ما المحاورة اشتكى     أو كان لو علم الكلام مكلمي

شتان بين عنترة وبين صاحب الوسادة، لكن قام وهو يجد لنفسه هواناً، ويجد في نفسه ذلة وامتهاناً بسبب ذلك الكسل. إذاً: فالجد أيها الإخوة سبب احترام الناس.

والله العظيم إن مثل هذا لمصيبة، كان عند أحد الأوائل ولد أبله؛ لا يفقه ولا يعمل، أراد أن يستفيد منه ذات مرة قال: يا ولدي! اذهب واشتر لنا حبلاً طوله متران، وأعطاه ريالين، وراح الولد وراح وراح وأبطأ وخاف عليه الأب: يا ربي! ماذا أصاب الولد!! فلما رجع الولد الأبله الكسول، قال: يا أبتي! أنت قلت لي اشتر حبلاً طوله متران .. فكم عرضه؟ قال: في عرض مصيبتي فيك، هات الدراهم.

فهذا كما قال بعضهم: يا ليتني كنت عقيماً ولم ينجب لي مثلك! وبعض الأولاد أو بعض الشباب والله إنه عار على أسرته، وبلاء على أهله، ومصيبة على قومه، وفساد على مجتمعه، بل بعضهم شر على بلاده؛ أولئك الذين بلغ بهم الفساد إلى نشر المخدرات وترويجها، وترويج ما يفسد أبناء الأمة.

أيها الأحبة! الحزم مطلوب، الجدية مع النفس، ويكفينا مضيعة الأوقات والساعات، تجد من الناس من إذا أراد أن يحزم في أمر نصف ساعة قال: إيه! النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ولكن ساعة وساعة) .. [إن النفوس إذا كلت ملت] كما قال علي أو غيره، وكما قال صلى الله عليه وسلم: (إن لعينك عليك حقاً، وإن لبدنك عليك حقاً) قام يأخذ من هذه الأحاديث، لكن يضيع عشر ساعات لا يذكر أنه مسئول عن وقته، ولا يتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه) ساعة جد تجد فيها هذا الإنسان يتثائب ويتساقط ويميل ما أكمل نصف ساعة، لكن عشر ساعات من الضياع، ومستعد أن يضيع مثلها وأضعافها، فرحم الله ابن هبيرة حيث كان يقول:

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه     وأراه أهون ما عليك يضيع

إذاً الحزم مطلوب في كل مجال وعلى كل صعيد، الحزم مطلوب على مستوى الفرد، وعلى مستوى الأسرة، الأب لا بد أن يكون حازماً في تربية أولاده، ولا بد في الحزم أن يوجِد نوعاً من القسوة ولا حرج:

فقسا ليزدجروا ومن يك راحماً     فليقس أحياناً على من يرحمُ

بعض الناس الحب العاطفي الزائد عن حده لأولاده جعلهم يضيعوا، وأعرف رجلاً في مدينة الرياض فيه خير كثير يصلي الفجر مع الجماعة لكن (من دلَّع أولاده ودللهم شغل بهم) أصغرهم قال: يا أبي! نريد دشاً، من أجل أن نتابع ألـ (m b c) وماذا بعد ذلك؟ لكي نتابع قناة القاهرة، وماذا بعد ذلك؟ لكي نتابع قناة كذا، ومازال الولد يصيح عليه ويتعلق به حتى جاء الأب واشترى له دشاً باثني عشر ألف ريال، وركبه على السطح. أين الحزم في التربية؟ سمها قسوة ولا حرج:

فقسا ليزدجروا ومن يك راحماً     فليقس أحياناً على من يرحمُ

لكن هذا الدش لما جاء أفسد الطفل الصغير، وأفسد الفتاة المراهقة، حتى الأب بعد مدة أصبح يسهر أحياناً، وربما تفوته صلاة الفجر ثلاثة أو أربعة أيام متتابعة، بسبب أنه ما كان يجلس عند التلفاز في ذلك الوقت، لكن عندما وضع هذه القناة أخذ تارة يقلب هذه وينظر في هذه والنفس لا تنتهي من البحث عن الملذات والشهوات تقول: هاه! يمكن في تليفزيون القاهرة صور زينة، دعنا نتفرج عليها، ثم يتحول إلى ألـ (m b c) يمكن نلقى في القناة الثانية الهوائية صوراً أفضل من ذلك، وتجد الرجل يلعب بعيونه كالتنس على الطاولة، يبحث عن شاشة أو قناة فيها عرض لفتاة راقصة، أو لفخذ عارية، أو لجسد بادٍ، ونحو ذلك.

ولهذا فالحزم مطلوب، ليس فقط على مستوى تعامل الفرد مع نفسه، بل أيضاً على مستوى التربية، يأتيك واحد من أولادك: يا أبي! أعطني مائة ريال؟

ولماذا مائة ريال؟ بل مائة صفعة!! أنا مستعد أن أصرف عليك ألف ريال؛ لكن مائة ريال بلا سبب لا.

قال مثلاً: أريد كتاباً.

فهل أذهب به وأدعه يشتري؟ لا. بل أسأله: أي كتاب تريد؟ وأشتريه ما لم يكن فيه فساد، يعني: (بيدي لا بيد عمر) لا تجعل ولدك يعبث بدلالك له، ولا تحرمه حرماناً تضطره إلى الآخرين يستجدي منهم، فربما اشترطوا عليه شروطاً في عرضه وفي أخلاقه وفي سلوكه مقابل ما يعطونه من المال، إذاً فسدد وقارب، واحفظ الأمر واجعله بيدك لا بيد غيرك.

كذلك الحزم على مستوى العمل، الإنسان حينما يكون عنده عمل معين ويلاحظ الموظفون من حوله أنه لا يأتي إلا آخر الناس، ولا يهتم، وتتراكم الأعمال حوله -وإن كان هو رئيس هذا العمل- تجد من حوله يعبثون لأنهم يرونه قدوة لهم.

إذا كان رب البيت بالدف ضارباً     فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

المسألة ليست غريبة، فإذا كنت تريد السعادة فكن حازماً في عملك، إذا كان عندك مستودع فكن حازماً مع العمال، عندك مؤسسة كن حازماً في المتابعة، عندك عمل إداري كن حازماً في الانضباط، ستجد أن من حولك يحترمون حزمك، ويحترمون شخصيتك ويحبونك، والناس يحبون الشجاع، ويحبون القوي، فالإنسان حينما يكون حازماً وقوياً جاداً ينعكس ذلك سعادة عليه، وينعكس هذا أيضاً على من حوله وعلى أداء عمله، وهذا الحزم مطلوب في كل مجال وعلى كل صعيد كما قلنا.

أيها الأحبة يظن البعض أن الحزم كبسولة تباع في الصيدلية، وبعضهم يظن أن الحزم سلعة تباع في السوبر ماركت، أو في المحلات التجارية، لا. الحزم ليس شراباً يشرب، وليس طعاماً يؤكل، وليس الخلطة السرية (كنتاكي) أو غيرها تُجعل حتى تأكلها، لا. الحزم مجاهدة للنفس: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] الحزم أن تجاهد نفسك، فإن لم تكن حازماً فلا تنتظر أحداً يقول لك: افتح فمك نقطر فيه الحزم، أو أعطنا ذراعك نعطيك إبرة اسمها (فاليوم الحزم) ولا (وريد الحزم) لا. الحزم مسألة تحتاج إلى مجاهدة، والمجاهدة تبدأ من أول لحظة تعرف أنك مقصر، وأنك متهاون، ثم تبدأ تنطلق في معاملة نفسك معاملة جيدة.

إذاً: لا ننتظر أن تقدم لنا السعادة، أو أن يقدم لنا المجد، أو أن تقدم لنا القمم، أو أن يقدم لنا النصر في أطباق ذهبية وملاعق فضية، هذا لن يأتي أبداً، ولن نبلغ المجد حتى نلعق الصبر:

لا تحسب المجد تمراً أنت آكلـه     لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا

فلابد أن تجاهد نفسك وربما تذوق شيئاً من مرارة المكابدة والمجاهدة حتى تصل إلى مقصودك، المودودي رحمه الله، المفكر الإسلامي المعروف، رئيس الجماعة الإسلامية في باكستان ، وكان رئيساً لها في الهند قبل انفصالها، يقول رحمه الله تعالى: إن الحضارة الغربية أنتجت من وسائل الرقي والتمدن الشيء الكثير، لكنها لم تنتج شيئاً يصنع الإرادة في الإنسان، إن الحضارة الغربية أنتجت كثيراً مما يحقق الرفاهية والتمدن للإنسان لكنها لم تنتج شيئاً يوجد الإرادة.

وخذ على ذلك مثالاً:

انظر إلى شاب يريد أن يحفظ القرآن وليس عنده إلا مصحف يمكن أن يكون نسخة باكستانية، لكن توجد عنده إرادة الحفظ، فتجده يقلب النظر في هذا المصحف، وتجده أول ما يؤذن يدخل المسجد ويراجع ويقرأ، ويجلس بعد الصلاة يراجع، وقبل النوم يراجع، وبعد النوم يراجع، وتجده مهتماً بالقراءة إلى أن تمر ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر فتجده قد حفظ القرآن كاملاً، لكن تعال إلى إنسان مدلع، تجده يأتي بمعمل صوتيات يضعه في البيت، ويأتي بالقرآن المرتل بصوت المنشاوي وعلي جابر ، والسديس ، والعبيكان ، والمحيسني ، والخامس والعاشر، ويأتي بأشرطة فيها صدى، ومختلف الآلات لكنه كسول، ذاك ليس عنده إلا نسخة من المصحف بالطبعة الباكستانية، حفظ المصحف في أربعة أشهر لكن مع الإرادة، وهذا مع وجود معمل اللغة عنده، مع وجود الصوتيات والمؤثرات والنسخ المختلفة، وكثير من نسخ القرآن المتعددة، تجد عنده مصحفاً في جيبه ومصحفاً في سيارته، ومع ذلك ما حفظ آية ولا حديثاً.

القضية ليست قضية أن الإنسان يكدس أشياء، القضية قضية إرادة، إذا وجدت عندك الإرادة فإنك ستفعل شيئاً كبيراً، ولذلك الإنسان قنبلة، لو توجه إلى أمر فهو خطير جداً جداً جداً، ولكن هذه القنبلة قد تكون أضعف من النملة؛ لأن النملة جادة، قد يكون أهون من القملة إذا لم يعتن بنفسه ولم يعمل شيئاً يتدارك هذه النفس من الوقوع في الانحراف.

إذاً الحزم مطلوب في مواجهة كل أمر خيراً كان أم شراً، فإن كنت تريد خيراً فاحزم أمرك، وأن كنت تريد أن تدفع شراً فلا بد أن تواجهه بحزم.

خذ مثالاً على ذلك:

في استخدام الحزم في مواجهة الشر الوافد على المجتمع؛ المخدرات، بما لا يدع مجالاً للشك أن المافيا والألوية الحمراء وكثيراً من العصابات وتجار المخدرات العالميين قد أصدروا كثيراً من القرارات والاتفاقيات على محاربة الجزيرة ودول الخليج بالمخدرات، كيف نحارب فعلهم هذا؟ نقول: قبحهم الله .. لعنهم الله، قاتلهم الله يريدون أن يخربونا .. يريدون أن يفسدونا؟! هذه مسألة (أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل) لكن إذا كنا جادين في محاربة المخدرات، كل مروج يقتل كما صدر قرار هيئة كبار العلماء، ومجلس القضاء الأعلى أن المروج يقتل، لا تظل تقول: هذه المرة الأولى أم الخامسة، ما دام ثبت أنه مروج خلِّ رأسه يتدحرج في ستين داهية، نسأل الله ألا يبتلينا، وأن يعافي من ابتلي منا.

إن هذه القضية قضية تحتاج إلى حزم.

القضية الثانية: آخر عنده مخدرات، لا تقل: هذه والله حبتان أو حبيبات، الحبتان والثلاث تأتي أمامها بنقطتين، ومن الطرائف التي تروى: أن إنساناً أتوا به ليحاكموه، فسأله القاضي: ماذا سرقت؟ قال: سرقت حبلاً، وهل ستقطع يدي لأنني سرقت حبلاً؟ قال: نعم. لأن في طرف الحبل عنـزاً، فالمسألة لا تريد تساهلاً، حبتان ثلاث وبعدها تنتهي القضية، وإذا سجنته فليس عندك مشروع تسمين عجول، فبعض المساجين تقول له: اخرج من السجن، يقول: أبداً عَلَيَّ الطلاق لن أخرج، هذه فرصة لا تفوت، أفوت ثلاثة أصناف من الطعام السبت دجاج، والإثنين سمك، والأربعاء لحم، والله لا أخرج من السجن لو تموتوا، من يجد هذا؟!! لكن إذا سجنت مثل هذا فاجعله يبني جداراً، ويحفر بلاعة، ويليس، اجعله ينجر ويصلح، ويلحم ويشتغل وينقل، لكي يصبح من دخل السجن إنما يدخله تأديباً، ويمسه شيء من العذاب، ليس تعذيباً كراهية أو حقداً، وإنما هو من أجل تربيته لينتفع، فهذه المسألة تحتاج إلى حزم.

كذلك عندما نكون حازمين أيضاً في معالجة المخدرات: أن كل من يخبرنا ويتابع إخباريته بالمشاركة، والجد والمثابرة، حتى يقبض على مروج، أو إنسان متعاطٍ: خذ هذه المكافأة الكبيرة كما يحصل الآن، وزيادة على ذلك حينما نكون جادين أيضاً في مكافحة المخدرات: إذا كان أفلام الكرتون تستهلك من التلفاز ساعة وربع يومياً نريد أن نجعل ربع ساعة في التحذير من المخدرات بمختلف الوسائل، تارة يحذر من المخدرات في دعاية، وتارة يحذر من المخدرات في قصة، وتارة يحذر من المخدرات في قصيدة، وتارة يحذر من المخدرات في كاريكاتير، وتارة يحذر من المخدرات في أنشودة، وبغير ذلك من الوسائل، تُستخدم كل الوسائل التي يمكن أن تجعلها قناة لتوصيل الفكرة من أجل محاربة هذا الشر.

وحينئذ ستجد النتيجة في أن الأمة حينما تتولى هذا الأمر بحزم وعزم، والله إن هذا سوف يقضي بإذن الله على شر وأخطار المخدرات، فالحزم مطلوب في تحصيل خير أو في دفع شر.

كذلك -أيها الأحبة!- الحزم مطلوب أيضاً ليس في معالجة الأمور انتهاءً، بل الحزم مطلوب في تكوين الأمور ابتداءً، فأنت حينما تريد أن تنشىء مؤسسة راقية الأداء، عالية المواصفات والمقاييس في إنتاجها وغيره، لا بد أن يوجد حزمك في اختيار النوعيات التي تحقق لك ما تريد، بمعنى: إذا كنت أريد أن أفتح أو أؤسس شركة متخصصة في بناء قصور، فلا أذهب وآتي بأناس يتعلمون بناء طين أو بناء أخشاب، بل لا بد أن آتي بعمالة راقية جداً، لأني أريد أن أنتج شيئاً راقياً، فلابد أن أجعل هذا الأمر محل الاعتبار في التأسيس.

خذ مثالاً على ذلك حتى لا نكون بعيدين عن المجتمع ومشاكل المجتمع:

قضية هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع أننا ولله الحمد والمنة نفخر على سائر دول الأرض جميعاً أنه لا يوجد دولة في دستورها: الدولة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لكن في دستور دولتنا ولله الحمد نص (بند، قرار، فصل) يقول: الدولة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وهذا بحد ذاته خير عظيم، وكل ما يُنتظر من الخير أو نرجوه أن يكون قادماً وقريباً، وما هو موجود من الخير نسأل الله أن يبارك فيه ويزيد. لكن مثال على ذلك: حينما أريد أن أكون حازماً في هذا الأمر، أو حينما أريد أن أقدم نتائج راقية وعالية في هذا المجال فينبغي أن أجعل الذين يمارسون الحسبة ويتعاملون مع الناس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس من هب ودب، إنسان ما لقي وظيفة أدخله في الهيئة!! أنا معاذ الله أن أتهم شاباً من شباب الهيئة، أستغفر الله، بل أحبهم وأذب عن أعراضهم وأدعو لهم بظهر الغيب، لكن أقول كمثال لصورة الحزم في هذه القضية حينما أريد أن أرتفع بمستوى الهيئات إلى أمر راق، أقول: لا ينـزل الميدان إلا من كان معه شهادة ثانوية من المعهد العلمي الشرعي، وقد درس دورة متخصصة في الحسبة، وفي الإنكار بالحكمة .. وغير ذلك، وأجعل الذين يخاطبون الناس في الميدان من الجامعيين، أجعل الوظائف الممتازة؛ وظائف المرتبة السادسة، ووظائف المرتبة السابعة والمرتبة الثامنة للميدانيين، فلا أجعل مركز الهيئة الذي ليس فيه إلا وظيفة واحدة في السابعة والثامنة ثم بعد ذلك أطالب من الذين على بند الساعات وبند الأجور، أو البند الناقص والبند الزائد هم الذين في الساحة، لا، ولست أيضاً أقول: إن القضية تُقَيَّمُ بالشهادات، فإنه يوجد أناس قد درسوا العلم الشرعي على بعض المشايخ عندهم من الحزم، والعلم والحكمة، والقدرة والإدارة ما يفوقون فيه حملة الماجستير والدكتوراه، لكن المهم إذا أردت أن أعطي من جهاز عطاءً نافعاً، وأن أجد منه نتيجة مثمرة، فلا بد أن أقدم عينات على المستوى اللائق.

لو أردت أن تفتح مركزاً لجراحة القلب المفتوح أظنك لن تأخذ خريجي المعهد الصحي الثانوي، لا. لابد أن تختار الذي يكون قد اجتاز الزمالة البريطانية للجراحين، وإلا لن تقبله في هذه القضية، فكذلك حينما أريد أن أعطي نتائج جيدة وقوية وممتازة لعمل الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في أي صعيد ومجال، لا بد أن أوجد الكوادر الممتازة الراقية ذات الشهادات العليا والكفاءات الممتازة، هذا إذاً من صور الحزم في تكوين الأمور ابتداءً بإذن الله جل وعلا، وعلى أية حال كل أمر بدايته تحدده و(من كانت له بداية محرقة كانت له نهاية مشرقة) والشاعر يقول:

وكل امرئ والله بالناس عالم     له عادة قامت عليها شمائلهْ

تعودها فيما مضى من شبابه     كذلك يدعو كل أمر أوائلُهْ

فالمسألة مرتبطة بالبدايات.

أيها الأحبة: إن تسيب وتسكع كثير من الشباب في استهتار، وتهاون كثير من الفتيات بالأخلاق والقيم والتساهل بالحجاب، كل ذلك ما هو إلا صورة من ضياع الحزم الذي نحتاج إليه في هذا اليوم، ما ترى من شاب متسكع متخلف جالس عن المكرمات وعن القيم وعن الخلق وعن الأمور النافعة، وما ترى من فتاة متساهلة بعفتها وحيائها وصوتها، تتكسر مع البائعين، وتعبث بالهاتف مع المتكلمين، فما ذاك والله إلا صورة من صور فقدان الحزم في شيء من هذه المجالات. وأين ضاع الحزم في أي سلسلة؟ قد يكون ضاع في التربية، قد يكون ضاع في درجة من درجات التعامل والسلوك التي يمر بها ذلك الشاب.

على أية حال: كل حازم وجاد ومثابر يحمد العاقبة في نجاح وصلاح أمره، والجاد يحمد الاستقامة والعاقبة في جده، والعابد والعالم وطالب العلم يحمد خير ما يقدم من أمر يرجو به رضا الله جل وعلا، وكل متهاون سيجد الغبن: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [التغابن:9] يوم التغابن: يوم القيامة، سمي يوم التغابن لأن المفرط المضيع المستهتر، المتهاون المتكاسل ضيع فرصة للعمل فوجد الناس يقبضون الصحف باليمين وهو يقبض صحيفته بيساره، ورأى الناس في ظل عرش الله وهو تلجمه الشمس بحرارتها وعرقه بكثرته، يرى أنه مغبون؛ الناس كاسبون وهو من الخاسرين، حتى الذي كان من الصالحين وفرط وتساهل وضيع يشعر بالغبن، كان بوسعه أن يصلي إحدى عشرة ركعة لكنه لم يصل إلا ركعة واحدة، كان بوسعه أن يقرأ جزءاً لكنه لم يقرأ إلا صفحة، كان بوسعه أن يحفظ مائة حديث لكنه لم يحفظ إلا حديثاً واحداً، يشعر بالغبن أنه لم يقدم كل ما بوسعه وكل ما بطاقته.

ختاماً أيها الأحبة: أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن أعانهم الله على أنفسهم، ونصرهم على شياطينهم.

اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، ونسألك اللهم العزيمة على الرشد، والفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، اللهم ثبتنا على دينك إلى أن نلقاك، اللهم حبب إلينا الدين والطاعة والاستقامة، وكره إلينا المعصية والفاحشة والمخالفة، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا مباركين أينما كنا.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

كتب وأشرطة ينصح باقتنائها

السؤال: ما هي الأشرطة والكتب التي تنصح باقتنائها؟

الجواب: حقيقة المكتبة الإسلامية عامرة بكثير من الكتب، فأول ما أنصح به كتب الفقهاء والمتقدمين من أهل السنة والجماعة من العلماء كل بحسب قدرته واستيعابه، وإن كان الإنسان مبتدئاً فبالمختصرات، ولا بأس أن يقرأ ما بسط ويسر وسهل مما كتبه سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز ، وسماحة العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وأئمة الدعوة وعلماء الدين مثل الشيخ عائض بن عبد الله القرني، والشيخ سلمان بن فهد العودة، وكثير من العلماء والمشايخ الذين لهم كتب وأشرطة نافعة، نسأل الله أن ينفع بهم وأن يثبتنا وإياهم.

دعوة للمشاركة

السؤال: نرجو توجيه دعوة للشباب للمشاركة في الأنشطة الثقافية التي ينظمها ويعلن عنها بيت الشباب للاستفادة من هذا المرفق الهام لأنه منهم وإليهم.

الجواب: والله -أيها الإخوة!- أنا أقول للشباب الطيب عامة، وأعتبر كل أبناء أمتنا وبلادنا وأبناء المسلمين الذين نتفاءل بهم خيراً أن فيهم خيراً، لكن أنحى باللائمة على الطيبين الصالحين الملتزمين، لماذا لا نشارك في الأندية؟ ولماذا لا نشارك في بيوت الشباب؟ هي لك أو لأخيك أو للذئب، خذها على البساط والمكشوف:

يا أخي الكريم! إن هذه المنشآت التي ترونها إما أن تمتلئ بالصالحين وإما أن تكون للطالحين، هذا المسرح أو هذا المكان أو هذه المنصة المعدة إما أن تلقى عليها المحاضرات والبرامج الثقافية الممتعة النافعة، والأمسيات الشعرية الطيبة، وإما أن تكون مرتعاً لكل منكر لا يليق، لا قدر الله ذلك، لكن إذا حصل منكر، قيل: أين الإخوة والدعاة، وأين العلماء؟ أنكروا عليهم؟ لقد فعلوا، لقد خربوا.. إلخ. والمجال كان مفتوحاً لأن نملأه بالخير.

أنا لا أقول: إذا لم يوجد خير فذلك إذن بحدوث الشر، لكن الواجب على كل غيور لم يجد ثغرة يستطيع أن يجعل فيها خيراً إلا أن يبادر بسدها والقيام بها، ومن استطاع وقصر فقد يكون آثماً إذا تعلق به الأمر.

نصيحة لأب يعاني من أبنائه

السؤال: والد يعاني من أبنائه الكسل والإهمال، ولقد وقعت الفأس في الرأس، لا حول ولا قوة إلا بالله بسبب تهاونه، ما هي نصيحتك له؟

الجواب: النصيحة: أن تعود من جديد لتوجيههم، أنصح هذا الوالد الحبيب إن كان جاداً في علاج بيته من ذلك المرض الذي وقع الفأس في رأسه كما قال: أن يبادر بالعلاج وألا يتردد في تناول الوصفة، لو قيل لأحدنا: إن ولدك فيه حمى شوكية تجده لا يتردد؛ يذهب ويطرق على الجيران: ما رأيك يا أبا فلان! الولد فيه حمى شوكية؟

تعال غداً إن شاء الله نبحث موضوعك، ونرى هل الحمى من النوع الدائم أو المؤقت، فلا يوجد إنسان يجد مرضاً في ولده ثم يقول مثلما يقول العوام: يقدم رجل ويؤخر أخرى: هل يعالجه أو لا يعالجه؟ تجده أول ما يعلم بالمرض يتجه إلى الإسعاف ومعالجته في العناية المركزة، والمبادرة بإصلاح شأنه قبل أن ينحرف ويفسد، قبل أن يموت من المرض، فكذلك أنت إن كنت جاداً في ذلك فانظر إلى أسباب الفساد الموجودة في بيتك؛ دش، مجلات، فيديو، تلفاز من غير رقيب ولا حسيب، أي: في كل وقت، الليل والنهار يسهرون عنده وقد يضيعون الصلاة بذلك إلى آخره، نقول: انتبه! انتبه انتبه!! حتى لا يقع الفأس لا في الرأس بل يقع الفأس في القلب، وكم من بيت تساهل وليه بشأنه فكان الفساد في البداية في الأولاد، ثم انتقل الفساد إلى الأعراض، انتقل الفساد إلى البنات وإلى -والعياذ بالله- المحارم وذلك بسبب تساهله وهو مسئول عنهم يوم القيامة، والله جل وعلا يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).

هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
أهمية الوقت في حياة المسلم 2802 استماع
حقوق ولاة الأمر 2664 استماع
المعوقون يتكلمون [2] 2652 استماع
توديع العام المنصرم 2647 استماع
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] 2552 استماع
من هنا نبدأ 2495 استماع
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] 2461 استماع
أنواع الجلساء 2460 استماع
الغفلة في حياة الناس 2437 استماع
إلى الله المشتكى 2436 استماع