خطب ومحاضرات
الغزو الفضائي [2]
الحلقة مفرغة
معاشر المؤمنين! مر بنا الحديث في جمعة ماضية عن خطر يقع فيه بعض إخواننا باختيارهم، ومرض يحل في أبدانهم بمحض إرادتهم، ذلكم هو خطر غزو الإعلام القادم الذي يتقبله بعض المسلمين بقبول حسن، وربما ترى وتسمع من بين هؤلاء من ينتقص أو يتهم الناصحين والمحذرين من شؤم هذه السموم الوافدة، يتهمهم بالرجعية أو التخلف، أو عدم مواكبة العصر والقدرة على فهم متطلبات الحياة المعاصرة، وحيث وعدنا بالحديث عن آثار هذا الغزو الفكري الإعلامي على جوانب عديدة في حياة الأفراد والمجتمعات فهاك ذلك.
خطره على العقيدة
ولقد علمتم وربما بعضُكم رأى أن حوارات تدور حول مُسَلَّمات العقيدة وتُطرح قضايا العقيدة، التي لا يجوز الشك والريب فيها للجدال والنقاش؛ لتصبح فرضيات ونظريات تقبل الرد أو القبول أو التطوير، مع كونها مُسَلَّمات لا يجوز أن ترد محل الخيار في القبول أو الرد، فأي خطر أعظم من هذا؟
في قناة فضائية عربية، عُرض فيلم هندي مترجم، ومن مشاهده الأليمة أن طفلاً لما رأى أخته الجميلة قد لدغها الثعبان، هرع مسرعاً إلى صنم، وأخذ يدعوه وينحني له، ويرجوه ويتوسل إليه أن يشفي أخته اللديغة، وإن لم يفعل هذا الصنم فالطفل يقول له -والعبارات بالعربية مكتوبة-: وإن لم تفعل فلن تُعبَد بعد اليوم، ثم عاد هذا الطفل إلى أخته ليجدها قد أفاقت وسلمت من شر الثعبان، وليستنتج الطفل المشاهد أن الصنم قد أجاب الدعاء، وكشف كربة أخته، ودفع المرض والسم عنها، فعاد الطفل إلى الصنم مرة أخرى، وقال له: سأظل أصلي لك شكراً على ما فعلت لأختي.
أيها الأحبة! تأملوا ما في هذا المشهد من المصائب الخطيرة:
أولها: الكفر بالله عزَّ وجلَّ.
ثانيها: دعاء لغير الله، واعتقاد أن المخلوق يقايظ أو يهدد الخالق إن لم تفعل لم أفعل، وإن فعلتَ فعلت.
أي خطأ أعظم من هذا؟ أن تتعرض حقائق الربوبية الربوبية التي آمن بها كفار قريش، وهؤلاء يعرضونها في طفل يعبد صنماً، ويهدده إن لم تفعل لم أفعل، وإن فعلتَ فعلت، إن لم تشف أخته لم يعبد، وإن شفيت أخته عبد!!
أي ضلال أعظم وأخطر من هذا؟! هذا غيض من فيض المشاهد التي تدعو صراحة إلى عبادة غير الله، واللجوء إلى غير الله، وعدم الثقة بالخالق، واتخاذ الوسطاء مع الله، فهل من غيور يخاف على ذريته الشرك، فيبادر بإخراج هذا الجهاز وذاك الطبق؟!
لقد تصور كثير من الأطفال تصورات غريبة عن الرب والإله المستحق للعبادة وحده لا شريك له، من خلال تَجسيم تلك الأفلام، وتشبيهها، وتقريبها صورة الخالق بصفات المخلوق، أو تصوير المغيبات التي لا يعلم حقيقتها إلا الله، بصور تفسد مقاصد الرهبة منها، أو الترغيب فيها، ناهيك عن نسج العجائب والقصص عن الأنبياء، أما تعويد نفوس الناشئة على صور الصلبان، ومشاهد الكنائس والطقوس الشركية، فذلك أمر بات معهوداً في جل ما تعرضه تلك القنوات، ولا تسل عن تحبيب الكفار والمجتمع الكافر والأسرة الكافرة إلى نفوس ناشئتنا عبر تلك المشاهد والمواقف التي تحكي السعادة المزيفة، والأنس والحيوية الوهمية من قبل أبطال تلك الأفلام والبرامج، وربما قارن المشاهدون حياة الكفار بحياتهم فوجدوا بَوناً شاسعاً بين التمثيل وما هم فيه من بعض المشكلات، فلا يلبث أحدهم أن يتمنى أن يعيش بين الكفار، ثم يحتقر من حوله من المسلمين؛ لأوهام ما رأى، أليس هذا هدماً للولاء والبراء.
أين البراءة من الكافرين؟ وأين الولاء للمسلمين، والله عزَّ وجلَّ يقول: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]؟!
والله عزَّ وجلَّ يقـول: وَالَّذِينَ كَفَـرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ [الأنفال:73]إلا تفعلوا ولاءً أعظم من هذا، إلا تحققوا ولاءً بينكم، كما يحقق الكفار ولاءً بينهم: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73].
فهل يدرك هذا الخطر إخوانُنا وأحبابنا الغيورون على دينهم وعقيدة أبنائهم، فيبادروا بإبعاد هذا الجهاز وإزالة هذا الصحن؟!
تقليد الكفار في اللبس وغيره
إليك تعدو قلقاً وضِيْنُها |
معترضاً في بطنها جنينُها |
مخالفاً دينَ النصارى دينُها |
أيها الأحبة في الله: يا من يضعون هذه الأطباق في بيوتهم، ويستقبلون ما يعرضه الغرب عبر تلك القنوات! هل رأيتم الغربيين يقلدونكم في لبس ثيابكم، وغُتَركم، وعباءاتكم، أو أي أمر من طبيعة مجتمعكم؟!
الجواب: لا. بل إن الغرب يجعلون زيكم شعار الجريمة، ويجعلون سمتكم عنوان التخلف في أفلامهم ومسلسلاتهم، فتراهم كثيراً ما يعرضون الزي العربي وزي المسلم، يعرضونه على حال رجل مشغوف بالجواري والنساء، يعبث بالأموال ويسرف بها، يعبث يميناً ويساراً بالمخدرات، متسلط بالسطو والجريمة.
فاسأل نفسك: من المهزوم ومن المنتصر؟ من الذي يقلد الآخر منهما؟
لو قدر لك أن تخالط أحد المنهزمين لأي سبب من الأسباب، لوجدت تقليداً أعمى في كثير من الأمور، لا لشيء سوى أن الغربي يفعل ذلك.
كثير من الفتيان والفتيات اليوم يرقصون ويسمعون ويسهرون ويلبسون ويخرجون ويتحدثون ويتصرفون، بل ويتخذون الكلاب، ويؤيدون الغرب في سلوك حياتهم المرفوضة ديناً وعقلاً، ويفعلون ما يفعله الغربيون، لا لنسب ولا لسبب، سوى الهزيمة أمام هذا الغزو القائم القادم.
أما الأثر الثقافي الذي أحدثته تلك القنوات الفضائية: فحسبك أن تعلم أن نسباً كبيرة من الطلاب قد انحدروا في مستوياتهم التعليمية إلى حد يعجز الكثير منهم عن المواصلة في المجالات النافعة المثمرة والبناءة.
ولا غرابة في ذلك فقد أثبتت الإحصائيات أن كثيراً من الطلاب اليوم يجلسون أمام الشاشة في متابعة القنوات أكثر من جلوسهم في مقاعد الدراسة.
لقد أصبح حتى الكفار يشكو بعضهم من غزو بعض؛ لما رأوا من تأثر شبابهم بما يُعرض في تلك القنوات، على الرغم من تقاربهم في شتى المجالات، ومع ذلك باتوا يشكون هذا الأمر، والخطر على الثقافة والتعليم؛ أفترون أننا بمنأىً عن ذلك الشر؟
لقد وقف رئيس فرنسا وزعيمها يشكو إلى الجماهير من خطر الأفلام الأمريكية، وتسلط المسلسلات الأمريكية على الشباب الفرنسي، ويصيح غاضباً: لماذا استولى الفكر والثقافة الأمريكية على التقاليد الفرنسية؟
بات الكفار يشكو بعضهم من بعض. إننا لفي أشد خطراً، وأولى بالحذر مما يقع.
لقد أنتجت هذه القنوات جيلاً غريباً، صاغت القنوات الإعلامية فكره، وحددت مساره وثقافته، غالبهم حصرته في الفن والرياضة والأفلام والتمثيل، لقد أنتجت تلك القنوات جيلاً ليس له جلد على البحث والقراءة، أو التطبيق والتجربة أو المشاهدة والاستنتاج.
فيا أيها الغيور! هل ترى ذمتك بريئة في وضعك لهذا الدش وأنت ترى فيه ضياع مستقبل أولادك العلمي والثقافي، في وقت أصبح الحصول على مقاعد الدراسة بالجامعات من صور النجاح التي لا تُنال إلا بالدرجات والمستويات العالية؟! فهل ترى هذا الجهاز يقرب فرص النجاح والقبول لأولادك أم لا؟
آثار الغزو في جانب التربية
فهل يسرك أن تجعل طبيعة وسلوك وسمت أبنائك وأسرتك يتكيف بما يرون ويشاهدون في هذه القنوات؟
من أين تعلم الأطفال والشباب الجريمة في بيت ليس فيه مجرم؟ لقد علمهم الدش.
من أين تعلمت الفتاة الجرأة على هتك الحياء والاستهتار بالعفاف؟
لقد علمها الدش.
تشكو أمٌّ من الأمهات فاجعتها في بُنَيَّتها الصغيرة التي تبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، لما اكتشفت الأم أن الطفلة الصغيرة تعاكس بالهاتف رجلاً كبيراً. فمن علم هذه الطفلة؟
إنه الدش.
من علم المرأة الإعراض والتكبر والنشوز على زوجها، والإمعان في هذا الإعراض، ومناقرته نقار الند للند، بعد أن كانت مطيعة قاصرة الطرف؟
إنه الدش.
وما الذي جعلها تهمل أولادها وبناتها لتشتغل بما رأت، أو بآثار ما رأت في ذهاب وإياب لا طائل وراءه ولا نتيجة بعده؟ بل ما الذي علم بعض النساء والرجال أساليب الخيانة الزوجية، وسبل إخفاء الجريمة؟
إنه البث المباشر الذي قاد بكثيرين إلى الزنا، الذي قاد بالكثيرين إلى الخنا، الذي قاد بالكثيرين إلى الفاحشة: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] والدش اليوم من الأساليب التي تقرب إلى الزنا.
تطور أساليب الجريمة
لقد كانت الجريمة بدائية بسيطة سرعان ما تنكشف للأدلة الواضحة التي يخلفها المجرم وراءه.
أما الآن فقد تعلم كثير من المجرمين أساليب جديدة، منها ما يعتمد على التفكير المسبق، والتخطيط الدقيق، ومنها ما يعتمد على الفن والتقنية؛ لذا شاع وانتشر عند بعض المجرمين أساليب جديدة في السطو على المنازل، وسرقة السيارات، وترويج المخدرات، هذا مع إدراكنا وعلمنا أن بلادنا هذه ولله الحمد أقل البلدان على وجه الأرض من حيث وجود الجريمة ونوعها؛ لكن هذا لا يمنع من خطر الغزو القادم في هذا المجال، والتأثر به، ولو لم يكن من خطر هذا البث سوى تصدير أنواع الأفلام التي لا تمر على الرقابة الإعلامية، ومن ثم بيعها وترويجها، لكان كافياً في إفساد أمن المجتمعات وأخلاقها.
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلاً |
إنما الأمم الأخلاق ما بقِيَتْ فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا |
لقد أشارت إحصائيات أُجريت في أسبانيا إلى أن (39%) من الأحداث المنحرفين قد اكتسبوا أفكار العنف من مشاهدة الأفلام والبرامج العدوانية.
وذكر بحث عن السلبيات في التلفاز العربي أن (41%) ممن أجري عليهم الاستبيان يرون أن التلفاز يؤدي إلى انتشار الجريمة و(47%) يرون أنه يؤدي إلى النصب والاحتيال.
لقد تعلق بعض الشباب بالسفر إلى الخارج لما رأوا من مشاهد وصور خدعتهم بزيفها وبريق باطلها.
فظن بعضهم أن السعادة والأنس في تلك البلاد التي رآها عبر تلك القنوات، سيما وقد رأى صور النساء الفاتنات في الدعاية، يدعونه ويُغرونه، ويغمزون ويضحكون له في الشاشة؛ للسفر إلى تلك البلاد.
فلا تعجب يوم أن ترى بعض الشباب يعمل مدة، ثم لا يجد بعدها شيئاً يدخره أو يجمعه، لقد أنفق كل ما ادخره بلا اختيار، تحت سياط الدعاية الملحَّة؛ لإخراجه من بلاده الآمنة المطمئنة، إلى بلاد يجد فيها الخنا والفساد والخمور؛ حيث لا رقيب ولا حسيب.
فأولها خطره على العقيدة: (الخطر العقائدي): ذلك أن الحقائق المستقرة في نفوس الناشئين خاصة وغيرهم عامة، ذلك أن الحقائق المستقرة في نفوسهم عن ربهم، وعن الغيب، وعن النبوات، وعن الأديان، وعن الملل تتعرض للزعزعة، وتدخلها الشكوك والرِّيَب، بسبب ما يُعرض في تلك القنوات من مضامين متعددة، في قوالب الأفلام والمسلسلات والحوارات والندوات.
ولقد علمتم وربما بعضُكم رأى أن حوارات تدور حول مُسَلَّمات العقيدة وتُطرح قضايا العقيدة، التي لا يجوز الشك والريب فيها للجدال والنقاش؛ لتصبح فرضيات ونظريات تقبل الرد أو القبول أو التطوير، مع كونها مُسَلَّمات لا يجوز أن ترد محل الخيار في القبول أو الرد، فأي خطر أعظم من هذا؟
في قناة فضائية عربية، عُرض فيلم هندي مترجم، ومن مشاهده الأليمة أن طفلاً لما رأى أخته الجميلة قد لدغها الثعبان، هرع مسرعاً إلى صنم، وأخذ يدعوه وينحني له، ويرجوه ويتوسل إليه أن يشفي أخته اللديغة، وإن لم يفعل هذا الصنم فالطفل يقول له -والعبارات بالعربية مكتوبة-: وإن لم تفعل فلن تُعبَد بعد اليوم، ثم عاد هذا الطفل إلى أخته ليجدها قد أفاقت وسلمت من شر الثعبان، وليستنتج الطفل المشاهد أن الصنم قد أجاب الدعاء، وكشف كربة أخته، ودفع المرض والسم عنها، فعاد الطفل إلى الصنم مرة أخرى، وقال له: سأظل أصلي لك شكراً على ما فعلت لأختي.
أيها الأحبة! تأملوا ما في هذا المشهد من المصائب الخطيرة:
أولها: الكفر بالله عزَّ وجلَّ.
ثانيها: دعاء لغير الله، واعتقاد أن المخلوق يقايظ أو يهدد الخالق إن لم تفعل لم أفعل، وإن فعلتَ فعلت.
أي خطأ أعظم من هذا؟ أن تتعرض حقائق الربوبية الربوبية التي آمن بها كفار قريش، وهؤلاء يعرضونها في طفل يعبد صنماً، ويهدده إن لم تفعل لم أفعل، وإن فعلتَ فعلت، إن لم تشف أخته لم يعبد، وإن شفيت أخته عبد!!
أي ضلال أعظم وأخطر من هذا؟! هذا غيض من فيض المشاهد التي تدعو صراحة إلى عبادة غير الله، واللجوء إلى غير الله، وعدم الثقة بالخالق، واتخاذ الوسطاء مع الله، فهل من غيور يخاف على ذريته الشرك، فيبادر بإخراج هذا الجهاز وذاك الطبق؟!
لقد تصور كثير من الأطفال تصورات غريبة عن الرب والإله المستحق للعبادة وحده لا شريك له، من خلال تَجسيم تلك الأفلام، وتشبيهها، وتقريبها صورة الخالق بصفات المخلوق، أو تصوير المغيبات التي لا يعلم حقيقتها إلا الله، بصور تفسد مقاصد الرهبة منها، أو الترغيب فيها، ناهيك عن نسج العجائب والقصص عن الأنبياء، أما تعويد نفوس الناشئة على صور الصلبان، ومشاهد الكنائس والطقوس الشركية، فذلك أمر بات معهوداً في جل ما تعرضه تلك القنوات، ولا تسل عن تحبيب الكفار والمجتمع الكافر والأسرة الكافرة إلى نفوس ناشئتنا عبر تلك المشاهد والمواقف التي تحكي السعادة المزيفة، والأنس والحيوية الوهمية من قبل أبطال تلك الأفلام والبرامج، وربما قارن المشاهدون حياة الكفار بحياتهم فوجدوا بَوناً شاسعاً بين التمثيل وما هم فيه من بعض المشكلات، فلا يلبث أحدهم أن يتمنى أن يعيش بين الكفار، ثم يحتقر من حوله من المسلمين؛ لأوهام ما رأى، أليس هذا هدماً للولاء والبراء.
أين البراءة من الكافرين؟ وأين الولاء للمسلمين، والله عزَّ وجلَّ يقول: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71]؟!
والله عزَّ وجلَّ يقـول: وَالَّذِينَ كَفَـرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ [الأنفال:73]إلا تفعلوا ولاءً أعظم من هذا، إلا تحققوا ولاءً بينكم، كما يحقق الكفار ولاءً بينهم: إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73].
فهل يدرك هذا الخطر إخوانُنا وأحبابنا الغيورون على دينهم وعقيدة أبنائهم، فيبادروا بإبعاد هذا الجهاز وإزالة هذا الصحن؟!
قلتُ في خطبة ماضية: إن من المشاهد المؤلمة التي أصبحت ظاهرة في كثير من الطرقات والأسواق، مشاهد بعض الشباب الذين قلدوا الكفار في لبس قبعة، وذلك اللباس الذي تقسم أنك رأيت مثله يرتديه أبناء الغرب وشبابهم في بلدانهم، ولا أقول: إن لبس القبعة حرام؛ لكن لبسها على وجه مشابهة الكافر، وتقليد الكافر هو الحرام، فقد أُمرنا وسُن لنا وشُرع في ديننا أن نخالف الكفار.
إليك تعدو قلقاً وضِيْنُها |
معترضاً في بطنها جنينُها |
مخالفاً دينَ النصارى دينُها |
أيها الأحبة في الله: يا من يضعون هذه الأطباق في بيوتهم، ويستقبلون ما يعرضه الغرب عبر تلك القنوات! هل رأيتم الغربيين يقلدونكم في لبس ثيابكم، وغُتَركم، وعباءاتكم، أو أي أمر من طبيعة مجتمعكم؟!
الجواب: لا. بل إن الغرب يجعلون زيكم شعار الجريمة، ويجعلون سمتكم عنوان التخلف في أفلامهم ومسلسلاتهم، فتراهم كثيراً ما يعرضون الزي العربي وزي المسلم، يعرضونه على حال رجل مشغوف بالجواري والنساء، يعبث بالأموال ويسرف بها، يعبث يميناً ويساراً بالمخدرات، متسلط بالسطو والجريمة.
فاسأل نفسك: من المهزوم ومن المنتصر؟ من الذي يقلد الآخر منهما؟
لو قدر لك أن تخالط أحد المنهزمين لأي سبب من الأسباب، لوجدت تقليداً أعمى في كثير من الأمور، لا لشيء سوى أن الغربي يفعل ذلك.
كثير من الفتيان والفتيات اليوم يرقصون ويسمعون ويسهرون ويلبسون ويخرجون ويتحدثون ويتصرفون، بل ويتخذون الكلاب، ويؤيدون الغرب في سلوك حياتهم المرفوضة ديناً وعقلاً، ويفعلون ما يفعله الغربيون، لا لنسب ولا لسبب، سوى الهزيمة أمام هذا الغزو القائم القادم.
أما الأثر الثقافي الذي أحدثته تلك القنوات الفضائية: فحسبك أن تعلم أن نسباً كبيرة من الطلاب قد انحدروا في مستوياتهم التعليمية إلى حد يعجز الكثير منهم عن المواصلة في المجالات النافعة المثمرة والبناءة.
ولا غرابة في ذلك فقد أثبتت الإحصائيات أن كثيراً من الطلاب اليوم يجلسون أمام الشاشة في متابعة القنوات أكثر من جلوسهم في مقاعد الدراسة.
لقد أصبح حتى الكفار يشكو بعضهم من غزو بعض؛ لما رأوا من تأثر شبابهم بما يُعرض في تلك القنوات، على الرغم من تقاربهم في شتى المجالات، ومع ذلك باتوا يشكون هذا الأمر، والخطر على الثقافة والتعليم؛ أفترون أننا بمنأىً عن ذلك الشر؟
لقد وقف رئيس فرنسا وزعيمها يشكو إلى الجماهير من خطر الأفلام الأمريكية، وتسلط المسلسلات الأمريكية على الشباب الفرنسي، ويصيح غاضباً: لماذا استولى الفكر والثقافة الأمريكية على التقاليد الفرنسية؟
بات الكفار يشكو بعضهم من بعض. إننا لفي أشد خطراً، وأولى بالحذر مما يقع.
لقد أنتجت هذه القنوات جيلاً غريباً، صاغت القنوات الإعلامية فكره، وحددت مساره وثقافته، غالبهم حصرته في الفن والرياضة والأفلام والتمثيل، لقد أنتجت تلك القنوات جيلاً ليس له جلد على البحث والقراءة، أو التطبيق والتجربة أو المشاهدة والاستنتاج.
فيا أيها الغيور! هل ترى ذمتك بريئة في وضعك لهذا الدش وأنت ترى فيه ضياع مستقبل أولادك العلمي والثقافي، في وقت أصبح الحصول على مقاعد الدراسة بالجامعات من صور النجاح التي لا تُنال إلا بالدرجات والمستويات العالية؟! فهل ترى هذا الجهاز يقرب فرص النجاح والقبول لأولادك أم لا؟
أما آثار هذا الجهاز من جهة التربية: فثق أن من يتابع هذه القنوات من أهل بيتك إما صالح تفسده، وإما فاسد تزيده، وإما بريء تعلمه، وكلها شرور وظلمات بعضها فوق بعض.
فهل يسرك أن تجعل طبيعة وسلوك وسمت أبنائك وأسرتك يتكيف بما يرون ويشاهدون في هذه القنوات؟
من أين تعلم الأطفال والشباب الجريمة في بيت ليس فيه مجرم؟ لقد علمهم الدش.
من أين تعلمت الفتاة الجرأة على هتك الحياء والاستهتار بالعفاف؟
لقد علمها الدش.
تشكو أمٌّ من الأمهات فاجعتها في بُنَيَّتها الصغيرة التي تبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً، لما اكتشفت الأم أن الطفلة الصغيرة تعاكس بالهاتف رجلاً كبيراً. فمن علم هذه الطفلة؟
إنه الدش.
من علم المرأة الإعراض والتكبر والنشوز على زوجها، والإمعان في هذا الإعراض، ومناقرته نقار الند للند، بعد أن كانت مطيعة قاصرة الطرف؟
إنه الدش.
وما الذي جعلها تهمل أولادها وبناتها لتشتغل بما رأت، أو بآثار ما رأت في ذهاب وإياب لا طائل وراءه ولا نتيجة بعده؟ بل ما الذي علم بعض النساء والرجال أساليب الخيانة الزوجية، وسبل إخفاء الجريمة؟
إنه البث المباشر الذي قاد بكثيرين إلى الزنا، الذي قاد بالكثيرين إلى الخنا، الذي قاد بالكثيرين إلى الفاحشة: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] والدش اليوم من الأساليب التي تقرب إلى الزنا.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أهمية الوقت في حياة المسلم | 2802 استماع |
حقوق ولاة الأمر | 2664 استماع |
المعوقون يتكلمون [2] | 2652 استماع |
توديع العام المنصرم | 2647 استماع |
فلنحول العاطفة إلى برنامج عمل [1] | 2552 استماع |
من هنا نبدأ | 2495 استماع |
أحوال المسلمين في كوسوفا [2] | 2461 استماع |
أنواع الجلساء | 2460 استماع |
إلى الله المشتكى | 2436 استماع |
الغفلة في حياة الناس | 2436 استماع |