حسن الخاتمة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه وعن الند والمثيل والنظير: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

معاشر المؤمنين.. معاشر الأحبة! كثيراً ما نواجه ويواجهه كل واحدٍ منكم طوائف من الشباب ومن كبار السن، من اللاهين العابثين، الغافلين عن الآخرة، الغير مبالين بأي مصيرٍ يئولون إليه وينتهون عنده، إن قدمت شريطاً فيه موعظةً لا يسمعونه، وإن قدمت رسالة فيها كلام جميل لا يقبلونه، وإن قدمت نصيحة لا يستمعونها، وإن تلطفت مع طائفة منهم يظنونه ذلاً واحتقاراً، وإن أخلصت النصيحة لأحدهم ظنه استعلاءً وتكبراً، والله يحار العقل ويحار الفكر، ويصبح الحليم حيران أمام طائفةٍ من أولئك اللاهين العابثين، الذين لا يعرفون المساجد إلا نزراً يسيراً، ولا يذكرون الله إلا قليلاً، ولهم في بلاد الغرب مع البغايا والفاجرات صولاتٍ وجولات، كيف الطريق إلى قلوب هؤلاء؟ كيف يُدعَون إلى الله؟ كيف ينادون إلى كتاب الله؟ هل نيأس منهم.. إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87] هل نحكم عليهم بالشقاء؟

كلا وبُعداً؛ لأن المسلم ليس مسئولاً أن يحكم على الناس في نهاياتهم أن يكونوا من أهل الجنة أو أهل النار، وعقائد أهل السنة جمعياً ناطقة بأنهم لا يشهدون لأحدٍ بجنةٍ أو نار، لكن يخشون على المسيء العقاب، ويرجون للمحسن الثواب، هل يعتبرون من سقط المتاع، أو على هامش الحياة؟

لا يا عباد الله!

هناك مدخلٌ رئيس وهناك حقيقةٌ لا بد من طرحها، وقضيةٌ لا بد من مواجهتها، قضيةٌ لا بد أن نواجهها نحن، لا بد أن يواجهها كل واحدٍ في هذا المسجد، ولا بد أن يواجهها كل مسلمٍ وكافر، كل بعيدٍ وقريب، كل ذليلٍ وحقير، كل عزيزٍ وأمير، كل صعلوكٍ ووزير، هي حقيقة الموت، هي نهاية المطاف، هي خاتمة الدنيا، كل البشرية تشهد وتعلم وتنطق أن نهايتها هي الموت، وأن منتهى الطريق بالنسبة لها هي الانقطاع عن هذه الدنيا، انقطاع النفس، وانقطاع الروح، وانقطاع الجوارح، فالعين لا تبصر، واليد لا تتحرك، والأذن لا تسمع، والنَّفَس لا يجري، والدماء لا تتحرك، والشرايين لا تمضغ، إنها النهاية الأخيرة التي يواجهها ويقف أمامها كل صغيرٍ وكبير، كل بعيدٍ وقريب.

الموت وفجأته

كثيراً وكثيراً ما سمعنا بشبابٍ كانوا في غفلة، وفي بعد وتسلط، وقسوة وجفاء، كانوا في غلظة وقطيعةٍ وعقوق، بعضهم يشهد ويقر على نفسه، يقول: ما ركعتها في المسجد مع الجماعة، وبعضهم يقول: ما جانبت كأس الخمر مرة، وبعضهم يقول: ما سافرت إلا واقعتُ الفاحشة؛ فإذ به في يومٍ من الأيام تجده باكياً خاشعاً ساجداً راكعاً، سبحان مقلب القلوب والأبصار! ما الذي غيّر هذا؟ ما الذي غيّر أحواله؟ إنه الله جل وعلا، ولكن كيف السبب؟ ما هو السبيل؟ وأي طريقةٍ وصلت إلى قلبه؟

قدَّر الله على الكثيرين منهم أن يقفوا مشهداً ماثلاً حقيقياً لا محيص ولا مناص عنه، قدَّر الله للكثير منهم أن يقفوا أمام حقيقة الموت، وهم يشهدون بأم أعينهم وأمهات أبصارهم، يشهدون صديقاً، يشهدون حبيباً، يشهدون قريباً، ولا ينفع طبيب ولا يجدي نحيب.

حدثني أحدهم، قال: كنت مسافراً في دراسة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكان شأني شأن كثيرٍ من الشباب الذين يقضون الليل في الملهى والمساء في المرقص والعبث الذي تعنيه كلمة العبث بأبعادها ومعانيها، وذات يوم كنا راجعين من ملهانا وعبثنا تقدم بعضنا إلى السكن، أما واحدٌ منا فلقد استبطأناه ثم قلنا: لعله يأتي بعد سويعة، أو بعد ساعة، أو بعد هنيهة، ثم لم نزل ننتظر لكنه ما أتى، فنزلنا نبحث يميناً وشمالاً، وخاتمة المطاف قلنا: لا بد أن يكون في الكراج أو في الموقف الذي يجعل للسيارة تحت البناء، فدخلنا ذلك البناء، دخلنا موقف السيارة فوجدنا السيارة لا زال محركها يدور، وصاحبنا قد انخنعت رقبته على إطار السيارة، وهو في مكانه والموسيقى الهادئة لا زالت منذ آخر الليل حتى اللحظة التي فتحنا فيها باب السيارة وهي تدندن وتطنطن، فتحنا، نادينا، تكلمنا: يا أخانا! يا صاحبنا! فإذا به قد انقطع عن الدنيا منذ اللحظة التي وقفت سيارته في ذلك الكراج.

هذه نهاية أشعلت في قلوب الكثيرين من أولئك الشباب يقظةً وغيرةً وعودةً وإنابةً وتوبةً وخضوعاً إلى الله، فعادوا إلى الله تائبين، ما شربوا بعدها، ولا فعلوا بعدها، بل أنابوا واستكانوا، وعادوا لربهم، أسأل الله أن يثبتنا وإياهم، وأسأل الله أن يعامل صاحبهم بعفوه، وأن يتجاوز عنا وعنه.

هذه واحدة والأخرى ليس لها إلا أيامٌ قليلة، سمعتها من أحد إخواني في الله، يقول: كنت كغيري من سائر الشباب، وفي ليلة من الليالي التي كنت أسهر فيها مع أحبابي وأصدقائي ومن بينهم واحدٌ من الأحبة، ومن بينهم أعز حبيبٍ إليَّ، أعز صديقٍ إلى قلبي، وأقرب قريبٍ إلى فؤادي، إذ به فجأةً يصرخ: فلان! أدركني، قلت: ما الذي بك؟ قال: إني أحس بشيءٍ في قلبي، قال: فدنوت منه، فإذا هو يتلبط ويتقلب ويقول: أسرع لي بطبيب، فناديت واتصلت بمن يحضر لنا طبيباً، وكانت الفترة لا تتجاوز خمس عشرة دقيقة أو عشرين دقيقة، ونحن ننتظر وصول الطبيب، وفي تلك الدقائق وهو يقول: إني أحس بالفراق.. إنها النهاية.. إنها الخاتمة.. سأفارق الدنيا.. سأترك طفلي.. سأترك زوجتي.. سأفارقكم.. ستضعونني في كذا.. ستتركونني وحدي، وأخذ يمر عليه سجل ذكرياته، وأخذت تتقلب أمامه صحائف أفعاله، قال وأنا أنظر إليه، وكلي وحشةٌ ودهشة، وكلي عجبٌ وغرابة، وأنا أنتفض وهو يحاسب نفسه ويعاتب روحه وأنا والله أصبره، وأنا أشد ألماً منه، وأشد استعراضاً لما يكون في حياتي منه، فأخذت أتقلب في ذلك الموقف، وما هي إلا ست عشرة دقيقة تزيد أو تنقص قليلاً حتى فاضت روحه، وذهبنا وأحبابنا وأقاربنا وأصحابنا نضع قريبنا وصديقنا، وأعز أحبابنا، وأجل أقاربنا؛ نضعه في قبره ونواري عليه التراب، أحب الأحباب هو الذي منا يتقن نفس اللحد ألا يتسرب منه ذرة هواء، أو إشعاع نور، ثم ما برحنا أن نهيل عليه التراب، ثم ودعناه وانصرفنا.

شاب يموت ساجداً لباغية

شابٌ من مدة ليست بالقريبة حدثني عن أحد الشباب فيما تسمى بـبانكوك ، قال: لقد كان في ضلالة، وقد كان في بلاء، وقد كان في أمره لا يفيق من المخدرات أو الشراب، وما صاحب ذلك من مصاحبة البغايا والفاجرات، وفي لحظةٍ من سكرٍ وشوقٍ إلى عهرٍ تأخرت صديقته، تأخرت حبيبته عليه، فما هي إلا لحظات وقد كاد يجن من تأخرها، فما هي إلا لحظات حتى أقبلت عليه، فلما رآها خر ساجداً لها تعظيماً، خر ساجداً لها، وما الذي تنتظرونه؟ هي السجدة الأخيرة، هي النهاية، والله ما قام من سجدته، بل أقاموه في تابوته، وأرسلوه بطائرته، ودفنوه مع سائر الموتى.

أيها الأحبة: إن هذا الموت هو أخطر وأعظم وأكبر حقيقة يواجهها الشقي والسعيد.. الغني والفقير.. العزيز والذليل.. الموت أكبر حقيقة، ومن أجل هذا كان صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات).. (ألا وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة).

أيها الأحبة: أسوق هذه الأحداث متفرقة مختلفة، وكلها تختلف من حيث الخاتمة، وتختلف من حيث النهاية، لكنها في مؤدى واحد وهو الخاتمة، أي خاتمةٍ نواجهها؟ أي نهايةٍ نفضي إليها؟ وأي عمرٍ يمتد بنا؟ وأي شبابٍ نتقلب فيه، حتى ننتقل منه إلى الشيخوخة، ثم نتوب بعد ذلك؟ هل ضمنا هذه الحياة؟ وهل ضمنا هذه الأعمار؟

بادروا بالتوبة، بادروا بالإنابة قبل أن يخطفكم الموت، ويخطفكم الأجل، وتمضي الملائكة بوديعة الله من أرضه إلى السماء فتكون في أعلى عليين أو في أسفل سافلين.

كثيراً وكثيراً ما سمعنا بشبابٍ كانوا في غفلة، وفي بعد وتسلط، وقسوة وجفاء، كانوا في غلظة وقطيعةٍ وعقوق، بعضهم يشهد ويقر على نفسه، يقول: ما ركعتها في المسجد مع الجماعة، وبعضهم يقول: ما جانبت كأس الخمر مرة، وبعضهم يقول: ما سافرت إلا واقعتُ الفاحشة؛ فإذ به في يومٍ من الأيام تجده باكياً خاشعاً ساجداً راكعاً، سبحان مقلب القلوب والأبصار! ما الذي غيّر هذا؟ ما الذي غيّر أحواله؟ إنه الله جل وعلا، ولكن كيف السبب؟ ما هو السبيل؟ وأي طريقةٍ وصلت إلى قلبه؟

قدَّر الله على الكثيرين منهم أن يقفوا مشهداً ماثلاً حقيقياً لا محيص ولا مناص عنه، قدَّر الله للكثير منهم أن يقفوا أمام حقيقة الموت، وهم يشهدون بأم أعينهم وأمهات أبصارهم، يشهدون صديقاً، يشهدون حبيباً، يشهدون قريباً، ولا ينفع طبيب ولا يجدي نحيب.

حدثني أحدهم، قال: كنت مسافراً في دراسة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكان شأني شأن كثيرٍ من الشباب الذين يقضون الليل في الملهى والمساء في المرقص والعبث الذي تعنيه كلمة العبث بأبعادها ومعانيها، وذات يوم كنا راجعين من ملهانا وعبثنا تقدم بعضنا إلى السكن، أما واحدٌ منا فلقد استبطأناه ثم قلنا: لعله يأتي بعد سويعة، أو بعد ساعة، أو بعد هنيهة، ثم لم نزل ننتظر لكنه ما أتى، فنزلنا نبحث يميناً وشمالاً، وخاتمة المطاف قلنا: لا بد أن يكون في الكراج أو في الموقف الذي يجعل للسيارة تحت البناء، فدخلنا ذلك البناء، دخلنا موقف السيارة فوجدنا السيارة لا زال محركها يدور، وصاحبنا قد انخنعت رقبته على إطار السيارة، وهو في مكانه والموسيقى الهادئة لا زالت منذ آخر الليل حتى اللحظة التي فتحنا فيها باب السيارة وهي تدندن وتطنطن، فتحنا، نادينا، تكلمنا: يا أخانا! يا صاحبنا! فإذا به قد انقطع عن الدنيا منذ اللحظة التي وقفت سيارته في ذلك الكراج.

هذه نهاية أشعلت في قلوب الكثيرين من أولئك الشباب يقظةً وغيرةً وعودةً وإنابةً وتوبةً وخضوعاً إلى الله، فعادوا إلى الله تائبين، ما شربوا بعدها، ولا فعلوا بعدها، بل أنابوا واستكانوا، وعادوا لربهم، أسأل الله أن يثبتنا وإياهم، وأسأل الله أن يعامل صاحبهم بعفوه، وأن يتجاوز عنا وعنه.

هذه واحدة والأخرى ليس لها إلا أيامٌ قليلة، سمعتها من أحد إخواني في الله، يقول: كنت كغيري من سائر الشباب، وفي ليلة من الليالي التي كنت أسهر فيها مع أحبابي وأصدقائي ومن بينهم واحدٌ من الأحبة، ومن بينهم أعز حبيبٍ إليَّ، أعز صديقٍ إلى قلبي، وأقرب قريبٍ إلى فؤادي، إذ به فجأةً يصرخ: فلان! أدركني، قلت: ما الذي بك؟ قال: إني أحس بشيءٍ في قلبي، قال: فدنوت منه، فإذا هو يتلبط ويتقلب ويقول: أسرع لي بطبيب، فناديت واتصلت بمن يحضر لنا طبيباً، وكانت الفترة لا تتجاوز خمس عشرة دقيقة أو عشرين دقيقة، ونحن ننتظر وصول الطبيب، وفي تلك الدقائق وهو يقول: إني أحس بالفراق.. إنها النهاية.. إنها الخاتمة.. سأفارق الدنيا.. سأترك طفلي.. سأترك زوجتي.. سأفارقكم.. ستضعونني في كذا.. ستتركونني وحدي، وأخذ يمر عليه سجل ذكرياته، وأخذت تتقلب أمامه صحائف أفعاله، قال وأنا أنظر إليه، وكلي وحشةٌ ودهشة، وكلي عجبٌ وغرابة، وأنا أنتفض وهو يحاسب نفسه ويعاتب روحه وأنا والله أصبره، وأنا أشد ألماً منه، وأشد استعراضاً لما يكون في حياتي منه، فأخذت أتقلب في ذلك الموقف، وما هي إلا ست عشرة دقيقة تزيد أو تنقص قليلاً حتى فاضت روحه، وذهبنا وأحبابنا وأقاربنا وأصحابنا نضع قريبنا وصديقنا، وأعز أحبابنا، وأجل أقاربنا؛ نضعه في قبره ونواري عليه التراب، أحب الأحباب هو الذي منا يتقن نفس اللحد ألا يتسرب منه ذرة هواء، أو إشعاع نور، ثم ما برحنا أن نهيل عليه التراب، ثم ودعناه وانصرفنا.

شابٌ من مدة ليست بالقريبة حدثني عن أحد الشباب فيما تسمى بـبانكوك ، قال: لقد كان في ضلالة، وقد كان في بلاء، وقد كان في أمره لا يفيق من المخدرات أو الشراب، وما صاحب ذلك من مصاحبة البغايا والفاجرات، وفي لحظةٍ من سكرٍ وشوقٍ إلى عهرٍ تأخرت صديقته، تأخرت حبيبته عليه، فما هي إلا لحظات وقد كاد يجن من تأخرها، فما هي إلا لحظات حتى أقبلت عليه، فلما رآها خر ساجداً لها تعظيماً، خر ساجداً لها، وما الذي تنتظرونه؟ هي السجدة الأخيرة، هي النهاية، والله ما قام من سجدته، بل أقاموه في تابوته، وأرسلوه بطائرته، ودفنوه مع سائر الموتى.

أيها الأحبة: إن هذا الموت هو أخطر وأعظم وأكبر حقيقة يواجهها الشقي والسعيد.. الغني والفقير.. العزيز والذليل.. الموت أكبر حقيقة، ومن أجل هذا كان صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات).. (ألا وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة).

أيها الأحبة: أسوق هذه الأحداث متفرقة مختلفة، وكلها تختلف من حيث الخاتمة، وتختلف من حيث النهاية، لكنها في مؤدى واحد وهو الخاتمة، أي خاتمةٍ نواجهها؟ أي نهايةٍ نفضي إليها؟ وأي عمرٍ يمتد بنا؟ وأي شبابٍ نتقلب فيه، حتى ننتقل منه إلى الشيخوخة، ثم نتوب بعد ذلك؟ هل ضمنا هذه الحياة؟ وهل ضمنا هذه الأعمار؟

بادروا بالتوبة، بادروا بالإنابة قبل أن يخطفكم الموت، ويخطفكم الأجل، وتمضي الملائكة بوديعة الله من أرضه إلى السماء فتكون في أعلى عليين أو في أسفل سافلين.

إن حسن الخاتمة وسوء الخاتمة لأمرٌ خطيرٌ وعجيب وجليلٌ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهز جيشاً من الجيوش لمعركةٍ حاسمةٍ مع الكفار، فجاء صحابيٌ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يومئذٍ كافر، فقال: (يا محمد! أرأيت إن اتبعتك فما الذي لي وما الذي عليَّ؟ قال: إن شهدت أن لا إله إلا الله وإني رسول الله كان لك ما للمسلمين عامة، وعليك ما عليهم عامة، فإن غنموا غنمت معهم، فقال: ما على هذا أتبعك، فشهد أن لا إله إلا الله وشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن غنموا فأنت معهم في الغنيمة، وإن مت فلك الجنة من الله جل وعلا، فقال ذلك الصحابي: والله ما على هذا اتبعتك؟ -أي: ما اتبعتك لأجل الغنيمة- وإنما اتبعتك على أن أغزو معك فأرمى بسهمٍ من هاهنا -وأشار إلى نحره- ويخرج السهم من هاهنا -وأشار إلى قفاه- ثم دخل المعركة وقاتل وأبلى بلاءً حسناً، فجيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمي بسهمٍ دخل في نحره وخرج من رقبته، فقال صلى الله عليه وسلم: صدق الله فصدقه، بخٍ بخ.. عمل قليلاً ونال كثيراً، دخل الجنة وما سجد لله سجدة) انظروا الخاتمة، انظروا النهاية، انظروا الخاتمة وتأملوها واعتبروا بها.

أسأل الله جل وعلا أن يحسن لي ولكم الخاتمة، وأن يجعلنا وإياكم من السعداء، وأن يتوفانا على التوحيد شهداء.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى.

اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

جاء عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يؤمر الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بكتب أربع كلمات: برزقه، وأجله، وعمله، وشقيٍ أم سعيد، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) حديثٌ صحيح.

اسألوا الله حسن الخاتمة

أيها الأحبة في الله: هذا الحديث عمدةٌ في حسن الخاتمة وسوئها، اسألوا الله جل وعلا أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، واسألوا الله جل وعلا الثبات على نعمة الدين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الأنبياء وسيد المرسلين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من ينشق عنه القبر، وأول من تفتح له أبواب الجنة، وأول من ينال أعلى منازلها، وهو صاحب المقام المحمود، وهو صاحب الوسيلة والشفاعة العظمى، الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كان يطيل قيامه وصيامه، وكان يطيل سجوده وتهجده، ويقول: (يا مقلب القلوب! يا مقلب القلوب! يا مقلب القلوب!) فيا عباد الله! اسألوا الله جل وعلا بهذا الدعاء، اسألوا الله الذي بيده النواصي، اسألوا الله الذي بيده القلوب وهي بين إصبعين من أصابع الرحمن التي تليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، اسألوا الله أن يثبت قلوبنا وقلوبكم على الإيمان، وأن يعصمنا من الزيغ والضلالة، ومن الغواية بعد الهداية، ومن الفساد بعد الصلاح، وأنتم يا شباب المسلمين! إن الكثير من شبابنا يسوفون التوبة، ويؤجلون الإنابة، وينشغلون بالعبث، ويلهون في الباطل ظناً منهم أن الحياة أمامهم وهم في ريعان الشباب وربيع العمر وزهرة الدنيا، يظنون أن الاستقامة تعقيد، وأن الطاعة وسوسة، وأن الإخبات لله تضييقٌ وتشديد، لا والله -يا عباد الله!- إننا نفوِّت على أنفسنا حظاً عظيماً من السعادة بقدر ما نفوِّته من الأعمال الصالحة.

واعلموا أن الموت ساعة لا تتقدم ولا تتأخر، فمن ذا الذي يضمن خروجه من المسجد؟ ومن ذا الذي يضمن يقظته من فراشه؟ ومن ذا الذي يضمن عودته إلى بيته؟ ومن ذا الذي يضمن وصوله إلى عمله؟ إذا كان هذا شأننا فيا عجباً لقسوة القلوب، لا تدري متى تخطف وهي مع ذلك عابثة لاهية!

تزود من الدنيا فإنك لا تدري     إذا جن ليلٌ هل تعيش إلى الفجر

فكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ     وكمن سقيمٍ عاش حيناً من الدهر

وكم من صغارٍ يرتجى طول عمرهم     وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر

وكم من عروسٍ زينوها لزوجها     وقد نسجت أكفانها وهي لا تدري