مأساة الصومال


الحلقة مفرغة

الحمد لله، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً، الحمد لله حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله القائل: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ [البلد:11-16]، الحمد لله القائل: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ [المدثر:42-45].

والصلاة والسلام على رسوله الأمين القائل: (أيها الناس أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، وصِلوا الأرحام، وصَلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق الخلق لعبادته، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة منهم أو حولهم، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أشهد أن لا إله إلا الله كل قدر بعدله وكل قدر بحكمته، ورحمته سبقت غضبه وهو أرحم الراحمين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله جل وعلا في نعم ترفلون فيها، وتتقلبون عليها، وتسبحون في جلباتها، وتأكلون وتلبسون وتشربون منها، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ [العنكبوت:67]، أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [القصص:57].

معاشر المؤمنين: مآسي المسلمين تترى، وأحوالهم عجيبة وهم جسد واحد، قال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ..) فحيثما رحلت وجدت مسلماً، فهو عرق من عروقك، وشلو من بدنك، وطرف من جسمك، ونبضة من قلبك، وخطفة من فؤادك.

وحيثما ذكر اسم الله في بلـد     أعددت أرجاءه من لب أوطاني

أيها الأحبة! المسلمون في هذا الزمان هم جسد واحد، نعم. إنهم جسد واجد، ولكنه جسد أحواله غريبة وأطواره شاذة عجيبة، فترى في الجسد جزءاً متخماً يجر نواعم الخز والحرير، وترى فيه طرفاً آخر هزيلاً جائعاً، وثالثاً معوقاً لا حراك به مجروحاً نازفاً.

نعم. المسلمون جسد لكنه جسد ممزع، ممزق، مفرق، بعضه غافل وبعضه لاه.

آه منا آه ما أجهلنا     بعضنا أعمى وبعض يتعامى

نشرب الجوع ونستسقي الظما

أيها الأحبة في الله! وصلتنا برقية عاجلة موقعة باسم اليتامى الذين فقدوا الآباء فلا تسمع إلا صراخهم، ولا ترى إلا دموعاً من يمسحها عن خدودهم؟!

ووصلتنا برقية باسم الثكالى اللائي أنهكهن المرض فلا ترى إلا دموعهن ولا تسمع إلا أنينهن!

ووصلتنا برقية باسم الشيوخ والعجزة الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً.

ووصلتنا برقية من الصبايا المحطمات .. هتكت أعراضهن، وهتكت أنفسهن، وهتكت حرماتهن!

إن هذه البرقيات كلها من مسلمي الصومال الذين يموتون الآن ونحن نسمع الخطبة، يموت منهم عدد من الأطفال ومن النساء ومن الرجال، برقية مسلمي الصومال لم تجد أذناً معتصمية أو نخوة عربية، فهل نجدها في هذه البلاد؟ هل نجدها في حكامها؟ هل نجدها في رجالها؟ هل نجدها في شبابها؟ هل نجدها في الطيبات من نسائها؟

أيها الأحبة في الله! الصومال قطعة جميلة في القارة الخضراء في منطقة القرن الإفريقي ، أمة مسلمة نسبة المسلمين فيهم مائة بالمائة، لا يوجد فيهم أقليات وثنية أو نصرانية ، الصوماليون مسلمون مائة بالمائة.

ولكن الصومال شأنها كشأن غيرها؛ ظلت ترزح تحت نير الاستعمار الذي جثم على صدر الأمة زمناً حتى استقل وتحرر بعد أن قدم أرواح أبنائه وفلذات أكباده وخيرات بلاده، تحرر من الكفر الأجنبي ليستقبل في عصر الخداع التعتيم الإعلامي كفراً محلياً، ودَّع كفراً أجنبيا واستقبل كفراً محلياً، في ظل وعود الشعارات الزائفة والسعادة الموهومة، استقبل كفراً أسوأ ظلماً وتسلطاً وجبروتاً من الذي قبله، وما أن سقط هذا الكفر وسقطت تلك العلمانية حتى ظهر للمسلمين هناك أن قنبلة موقوتة تنفجر بزوال النظام حتى تعيش الأمة حرباً أهلية وقبلية بغيضة متطاحنة.

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة     على النفس من وقع الحسام المهند

شعباً عدده قرابة تسعة ملايين نسمة، عقيدته واحدة من عرق واحد، الصوماليون كما قلت أمة مسلمة عرفوا الإسلام في زمن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت له في الإسلام والدعوة إليه تاريخ مشرق ومشرف، ولكن ما إن توالت الدهور والعصور حتى اكتفنت بهذا الشعب وأحاطت به إحاطة السوار بالمعصم والعقد بالجيد، أحاطت به شلة وشرذمة نصرانية وعلمانية، وأحكمت نطاق حدوده دولاً نصرانية كافرة، فلا تعجب أن ترى أحوال المسلمين في الصومال أشد مما تسمع وأبلغ مما يروى.

وفوق هذا كله لا تزال جسور الكفرة تمتد إليهم لتغذي الصراع بالسلاح، ولتغذي القبلية والعنصرية عبر الإرساليات البريطانية والإرساليات الفرنسية وأذنابها ممن جاور هؤلاء حول حدودهم وبلادهم، كانت مناطق آمنة فخلف من بعدهم خلف علماني كافر أضاعوا الصلاة، وحكموا القوانين، وأباحوا الزنا، ونشروا الخنا، وأشاعوا الفاحشة، وضاعة تلك الأمة في ظل تلك القيادات الكافرة التي لا هم لأحدهم إلا قول القائل:

إذا مت ظمآناً     فلا نزل القطر

علي وعلى أعدائي، ولينجو ظالم ببطشه وبرصيده وبملكه، لينجو ظالم بأملاكه لا يبالي أن يشرد ويقتل ويضيع من وراءه.

ما خلفه الاستعمار النصراني في بلاد الصومال

أيها الأحبة! في فترة مضت وسمعتم وسمعنا هذا: عذب العلماء في الصومال ، وأحرق عشرة منهم في ساحة عامة في العاصمة، أحرقوا أحياء بعد أن سكب البنـزين عليهم، أما الدعاة فالسجون لها حديث معهم، والزنازين تعرف أسرارهم، والأغلال تشم أنفاسهم، ولكن من يخبر المسلمين بهذا، تعتيم لا نعلمه!

أيها الأحبة: ومرت في تلك الفترة محاولات باءت بالفشل، وفي عام (1989م) قامت تلك الأمة المسلمة بانتفاضة تريد التخلص من الجوع، تريد التخلص من الظمأ، تريد التخلص من الكفر، تريد التخلص من الخنا والزنا ولم تعلم أن الخلاص هو ميقات انفجار قنبلة الحرب الأهلية والقبلية البغيضة.

في ظل هذا الوضع انفرط النظام الذي يجمع الناس بالقهر والاستبداد، وسقطت تلك الأمة وأصبحت القبائل حرباً بعضها على بعض.

ولم تترك تلك الأمة لتعالج أوضاعها بنفسها، بل لا زال الكفر الأجنبي يغذي أطراف النزاع لكي يجعلوها لبناناً جديدة، ولكي يجعلوها دولة ذات أحزاب متناحرة، هؤلاء مسلمون وهؤلاء عملاء وهؤلاء دخلاء، وهؤلاء وهؤلاء ... أحوال لا يعملها إلا الله.

أيها الأحبة في الله! تسلط على هذه البلاد وحكمت بـالشيوعية زمناً، تحت مطارق العسف ومناجل الإجهاض والذل، ولما تنفس الناس الصعداء، وظنوا بأن الأزمة انفرجت إذ بهم يرون ما يرون.

ولكن ينبغي أن نعلم كما علموا أن ما يدور بينهم ليست فلتة أو صدفة أو مفاجأة، بل هو مخطط نصراني رهيب، يريد أن يمزق هذه الأمة المسلمة، حتى لا تكون منطلقاً لنشر الإسلام في القارة الخضراء ، بعد أن سقط ذلك النظام انقسمت القبلية إلى ثلاث فرق كبيرة: إلى قبائل الهوية، وقبائل الذارود، وقبائل الإسحاقيون، هم أول من نزل بما يسمى بـحزب المؤتمر الصومالي الموحد ثم انقسم تحت قيادة زعيمين، زيادة على ما ذكرناه من تغذية الدول المجاورة لهذه الحرب الداخلية ولأطماع النصارى والمستعمرين المستفيدين من هذا كله.

إنها مأساة غريبة وليست كارثة طبيعية، إنها حرب صليبية تشرد حتى الآن مليوني نسمة، مليونا نسمة تشردوا ومائة ألف وعشرين ألف مسلم راحوا ضحايا، ومن نجا من الأطفال نقل إلى الكنائس في دول الغرب، وإلى إسرائيل لكي يكونوا جنوداً لليهودية أعداء للمسلمين.

إهمال الإعلام لحال المسلمين في الصومال

أيها الأحبة! وماذا عن آبائنا وأمهاتنا وعجائزنا وأحبابنا داخل الصومال ؟

حدث ولا حرج عن هذه المصائب، وألوان الغارات، والنهب والسلب والجوع؛ إلى حد جعلوا يطبخون معه جلود الحيوانات ويأكلونها لأنهم لم يجدوا شيئاً، وهذا واضح ومستفيض في مدينة جلب ومركة وطربولي، أكثر الناس يطبخون -بعد البحث بعناء شديد- ما يجدونه من جلود الحيوانات ويأكلونها.

لماذا لم يُلتفت إلى أزمة المسلمين في الصومال؟ لماذا لم نسمع بهم؟

لذلك أسباب عديدة، ولا يعفى إعلام المسلمين منها، ولكن واكبة أزمة الخليج والناس مشغلون بحرب الخليج عنها، واعتقد الكثير أنها قضية حزبية داخلية بحتة، وحرصت الدول المجاورة على تعتيم عظيم حول هذه القضية، فأنت تسمع عن أجمل فراشة ولا تقرأ خبراً عن أحوال المسلمين في الصومال، وتسمع عن أجمل قطة، وتقرأ تحقيقاً عن أهدأ كلب ولا تسمع شيئاً عن أحوال المسلمين والمسلمات.

نعم. إعلامنا الإسلامي عجيب شأنه في هذا الزمان، أن نسمع بالعجائب والغرائب .. محترفاً واعتزل .. ولاعباً يدشن الملعب .. ومصيبة تحل .. وديانا تطلق زوجها .. والأمير تشارلز يبكي على هذا الفراق، أما أحوال المسلمين في الصومال وفي كشمير وفي بورما لا تجد لها إلا زاوية صغيرة غريبة.

فإنا نقول لكل من قدر أن ينبئ المسلمين عن أحوال إخوانهم: إنك آثم لو سكت.

أيها الأحبة! في فترة مضت وسمعتم وسمعنا هذا: عذب العلماء في الصومال ، وأحرق عشرة منهم في ساحة عامة في العاصمة، أحرقوا أحياء بعد أن سكب البنـزين عليهم، أما الدعاة فالسجون لها حديث معهم، والزنازين تعرف أسرارهم، والأغلال تشم أنفاسهم، ولكن من يخبر المسلمين بهذا، تعتيم لا نعلمه!

أيها الأحبة: ومرت في تلك الفترة محاولات باءت بالفشل، وفي عام (1989م) قامت تلك الأمة المسلمة بانتفاضة تريد التخلص من الجوع، تريد التخلص من الظمأ، تريد التخلص من الكفر، تريد التخلص من الخنا والزنا ولم تعلم أن الخلاص هو ميقات انفجار قنبلة الحرب الأهلية والقبلية البغيضة.

في ظل هذا الوضع انفرط النظام الذي يجمع الناس بالقهر والاستبداد، وسقطت تلك الأمة وأصبحت القبائل حرباً بعضها على بعض.

ولم تترك تلك الأمة لتعالج أوضاعها بنفسها، بل لا زال الكفر الأجنبي يغذي أطراف النزاع لكي يجعلوها لبناناً جديدة، ولكي يجعلوها دولة ذات أحزاب متناحرة، هؤلاء مسلمون وهؤلاء عملاء وهؤلاء دخلاء، وهؤلاء وهؤلاء ... أحوال لا يعملها إلا الله.

أيها الأحبة في الله! تسلط على هذه البلاد وحكمت بـالشيوعية زمناً، تحت مطارق العسف ومناجل الإجهاض والذل، ولما تنفس الناس الصعداء، وظنوا بأن الأزمة انفرجت إذ بهم يرون ما يرون.

ولكن ينبغي أن نعلم كما علموا أن ما يدور بينهم ليست فلتة أو صدفة أو مفاجأة، بل هو مخطط نصراني رهيب، يريد أن يمزق هذه الأمة المسلمة، حتى لا تكون منطلقاً لنشر الإسلام في القارة الخضراء ، بعد أن سقط ذلك النظام انقسمت القبلية إلى ثلاث فرق كبيرة: إلى قبائل الهوية، وقبائل الذارود، وقبائل الإسحاقيون، هم أول من نزل بما يسمى بـحزب المؤتمر الصومالي الموحد ثم انقسم تحت قيادة زعيمين، زيادة على ما ذكرناه من تغذية الدول المجاورة لهذه الحرب الداخلية ولأطماع النصارى والمستعمرين المستفيدين من هذا كله.

إنها مأساة غريبة وليست كارثة طبيعية، إنها حرب صليبية تشرد حتى الآن مليوني نسمة، مليونا نسمة تشردوا ومائة ألف وعشرين ألف مسلم راحوا ضحايا، ومن نجا من الأطفال نقل إلى الكنائس في دول الغرب، وإلى إسرائيل لكي يكونوا جنوداً لليهودية أعداء للمسلمين.

أيها الأحبة! وماذا عن آبائنا وأمهاتنا وعجائزنا وأحبابنا داخل الصومال ؟

حدث ولا حرج عن هذه المصائب، وألوان الغارات، والنهب والسلب والجوع؛ إلى حد جعلوا يطبخون معه جلود الحيوانات ويأكلونها لأنهم لم يجدوا شيئاً، وهذا واضح ومستفيض في مدينة جلب ومركة وطربولي، أكثر الناس يطبخون -بعد البحث بعناء شديد- ما يجدونه من جلود الحيوانات ويأكلونها.

لماذا لم يُلتفت إلى أزمة المسلمين في الصومال؟ لماذا لم نسمع بهم؟

لذلك أسباب عديدة، ولا يعفى إعلام المسلمين منها، ولكن واكبة أزمة الخليج والناس مشغلون بحرب الخليج عنها، واعتقد الكثير أنها قضية حزبية داخلية بحتة، وحرصت الدول المجاورة على تعتيم عظيم حول هذه القضية، فأنت تسمع عن أجمل فراشة ولا تقرأ خبراً عن أحوال المسلمين في الصومال، وتسمع عن أجمل قطة، وتقرأ تحقيقاً عن أهدأ كلب ولا تسمع شيئاً عن أحوال المسلمين والمسلمات.

نعم. إعلامنا الإسلامي عجيب شأنه في هذا الزمان، أن نسمع بالعجائب والغرائب .. محترفاً واعتزل .. ولاعباً يدشن الملعب .. ومصيبة تحل .. وديانا تطلق زوجها .. والأمير تشارلز يبكي على هذا الفراق، أما أحوال المسلمين في الصومال وفي كشمير وفي بورما لا تجد لها إلا زاوية صغيرة غريبة.

فإنا نقول لكل من قدر أن ينبئ المسلمين عن أحوال إخوانهم: إنك آثم لو سكت.

الصومال أيها الأحبة! شأنها في الداخل والخارج حرب همجية شعواء وصل لهيبها وحريقها إلى كل مدينة، بينما الناس يجوبون في الطرقات إذ بهم يفاجئون بقذائف الراجمات وأنواع القنابل؛ فترى الجثث تملأ الأزقة والطرقات، والموت بالمئات في مواقع التجمع والأسواق حتى امتلأت الأرصفة بالجثث، وباتت الجثث غداء وعشاءً للكلاب المسعورة، ومرتعاً للجرذان والقطط والفئران، أشلاء ممزقة، رءوس على جنبات الطريق، وأرجل على أطرافها، وأيدي لا تعرف لأي جسد تتبع.

أما اللاجئون الذين فروا من جحيم الحرب الأهلية بعد سقوط النظام.. اللاجئون الفارون من جحيم الحرب الأهلية ترى في وجه كل واحد منهم صفحة تقرأ في سطورها وتعبر كلماتها، تقرأ في سطورها مجسماً لكل معاني الفقر والفاقة والحرمان والجوع والبؤس، ولكل مهاجر قصة، ولكل لاجئ حكاية، ولكل أسرة ألف حكاية وحكاية، ولكن إلى أين اللجوء؟ إلى أين الفرار؟

اسألوا هذه القوافل، اسألوا البواخر الفارة، والقوافل الهاربة، إلى أين تذهبون؟ إلى أين تفرون؟

يفرون ولا يعلمون، إلى الموت البطيء، إلى الموت الزاحف، يفرون إلى الجوع، يفرون إلى الوباء، يفرون إلى المرض، يفرون ليفترشوا العراء ويلتحفوا السماء، يفرون إلى الجهل، يفرون إلى لهيب الشمس، وحر الهواجر، وزمهرير الشتاء، وصقيع البرد، هذا شأن الفارين إلى كينيا والحبشة وإريتريا وأثيوبيا وحدود اليمن الجنوبي، هذه نهاية الرحلة ومحطة الوصول.

فمن الذين يستقبلون المسافرين؟

تستقبلهم فيالق السلام، سلام التنصير لا سلام التوحيد، تستقبلهم الجمعيات الصليبية، والمنظمات التنصيرية هي التي تستقبلهم، ولكثرة الزبائن والقادمين والوافدين أصبح النصارى لا يتورعون أن يقولوا البسوا الصليب، وصلي للمسيح، واحمل الإنجيل، نعطيك غذاءً وكساءً ودواءً فإن لم تفعل فاذهب إلى محمد يعطيك لباساً وغذاءً ودواءً.

البس الصليب، احمل الإنجيل، صلي للمسيح، يسوع المخلص؛ نعطيك اللباس والدواء، فإن لم تفعل فاذهب إلى محمد حتى يعطيك لباساً وغذاءً ودواءً، إن عيسى لم ينـزل في كينيا ولا إريتريا ولا أثيوبيا ولكن الذين بدلوا دينه وحرفوا ملته جاءوا يزعمون أنهم أتباع عيسى ويقولون للناس: ها نحن فأين أنتم.

أما نحن أتباع محمد الذين لم نحرف ولم نبدل.

ألهى بني تغلب عن كل مكرمة     قصيدة قالها عمرو بن كلثوم

لعلنا تكاثرنا أن نكون مسلمين موحدين وكفى، لا والله، سنسأل عن أحوال إخواننا، لجأ إلى كينيا أربعمائة ألف شخص والهجرة والرحلة رحلة العذاب والأسى تستمر يومياً في الحدود الكينية بمعدل خمسمائة شخص إلى ملديريا وعين واق وباليسا وإيفوا وليبوي، أما في أثيوبيا ففي سوفتوا وحدها يموت يومياً خمسة وعشرين طفلاً، وكذلك في تولوا ليس الوضع بأحسن حالاً من سوفتوا، ولا تسل عن أحوال الذين هم على أطراف هذه البقعة وتلك البلاد!

أيها الأحبة في الله! واقع الصومال أسوأ من البوسنة والهرسك، ولا يعني ذلك أن نرد شبابنا وأموالنا وجمعيات الإغاثة التي ذهبت من قبل بلادنا والمخلصين من أبنائنا وعلمائنا وطلبة العلم، لا. وإنما نريد مثل هذا في الصومال ، نريد أن نضاعف البذل وأن نزيد العطاء حتى يعبد الله وحده، ويهزم الصليب، ويشفى المرضى، ويكسى العراة، ويشرب الظمأى، ويشبع الجياع.

أيها الأحبة في الله! يقول مدير وكالة غوث اللاجئين الدولية -نصراني من النصارى-: لقد عايشت عدداً من الأزمات والكوارث والحروب وما رأيت أزمة كهذه، يعني: مصيبة المسلمين في الصومال .

قصص تجليِّ لنا خطورة الوضع

أيها الأحبة في الله! أما القادمون الفارون من الجحيم فتسألهم عن البقية الباقية من أحوال المسلمين هناك فيقول: رأيت جثث الحمير والبشر والآدمين تملأ الأزقة والطرقات، كل فر تلقاء وجهه، إلى أقرب حدود الدولة المجاورة، ولم يبق هناك إلا مشلول لا قدم له تنقله، أو أرملة لا زوج لها، أو عجوز وشيخ لا ولد لهما، أو يتيم لا كافل له.

تفرق الناس وتشتت الأسر فالأم لا تعرف أين مصير أولادها؟ والأب لا يدري عن بناته، والزوج لا يعلم شيئاً عن زوجته، وخذوا صوراً لكي تعيشوا شيئاً يسيراً من المعانة والمأساة:

في مقديشو ناقلة تحمل الناس لكي تفر بهم من جحيم الحرب الأهلية وقذائف المدافع العشوائية، فجاءت امرأة معها طفلها تريد اللحاق بهذه القافلة والفرار معها إلى رحلة مجهولة، المهم: أن تفر من هذا المكان، والقافلة تسرع لو وقفت لحوصرت من بعض العصابات واللصوص، فقدمت الأم طفلها فتنالوا طفلها ثم أسرعت القافلة ولم تستطع الأم أن تركب معهم فعاشت وبقيت لتعيش حسرتين: فراق الوليد وجحيم المدينة، هذه صورة لعدد لا يحصى من النساء.

ويا ترى! هل يلتقي الطفل بأمه في مقبرة من المقابر، أم في الآخرة، أم في مخيم من المخيمات؟

وهذه امرأة حبلى قتل زوجها في العاصمة وفرت بجنينها الذي تحمله في أحشائها ومعها أطفالها الثلاثة، ولما وصلت منطقة كسمايوا وضعت جنينها لتحمل أطفالاً أربعة، ودارت رحى الحرب في المنطقة، فهربت الأم ثم فروا إلى كينيا ونزلت الأم مع اللاجئين في العراء حيث الموت بكل صوره ينتظرها وينتظر أطفالها، فمات الأطفال أولهم الجنين حديث الولادة، ثم مات الذي يليه واحداً تلو الآخر، ثم أصيبت الأم بالجنون وأخذت تدور بين الناس وتقول: كان لي أربعة أطفال، كان لي أربعة أطفال كلهم ماتوا هل صحيح أنهم ماتوا؟ تدور الأم مجنونة تقول: كان لي أربعة أطفال كلهم ماتوا، هل صحيح أنهم ماتوا.

ولا تسأل عن انتهاك الأعراض في براوا حيث فرت الفتيات والنساء إلى المسجد وجاء قطاع الطرق واللصوص وناشدوهم ألا يصلوا إلى الأعراض، خذوا الملابس، خذوا المال، خذوا ما تريدون، دعوا الأعراض، فاقتحموا المسجد وفعلت الفاحشة في النساء.

أما قصة حافلة مليئة بالفتيات لما شقت طريقها نزل الظلمة والطغاة الغاشمون بثلاثين فتاة، نزلوا بهن من الأتوبيس وفعلوا بهن الفاحشة على الأرض في العراء، ثم صبوا البنـزين عليهن وأحرقوهن وذهبوا، ونجت واحدة بحروقها وآثار النار فيها لتروي مرارة المأساة، وقصة الفاجعة.

فتاة في أحد المخيمات في الحدود الكينية يجرها جندي كيني، فقام له رجل وقال: ماذا تريد منها؟ فقال بكل بجاحة: دعك ولا علاقة لك بها، فسأل الشاب هذه الفتاة التي لم تجاوز ستة عشرة ربيعاً من عمرها قالت: لقد طلبت منه خمسين شلن كيني -أي: ما يعادل خمسة ريالات- لأشتري حليباً لأخي الصغير فلم يقبل إلا بعد أن أوافقه على فعل الفاحشة هذا المساء، وقال: إما أن ترد الخمسين شلن أو تسلم لي نفسها كما وعدت!

من ينتصر للأعراض؟!

من ينتصر للنساء؟!

من ينتصر للضعفاء؟!

وتاجر في شاس مايوا يقول: كنت أملك اثنين ألف مليون -يعني: مليارين شلن صومالي- الآن يقول: لا أملك إلا نفسي، وهذا الطفل الصغير، ولا أعلم شيئاً عن أفراد أسرتي.

حدث ولا حرج عن هذه المأساة!

أما الذين يفرون باتجاه السواحل والبحار فأولئك يتزاحمون على السفينة وربما آثرت الأم ولدها فرمته في السفينة، تجعله في السفينة وتبقى على أرض المأساة، لأن حمولة السفينة لا تحمل الأطفال والأمهات، فلا بد من الخيار المر، أو تقدم الأم نفسها وجنينها، فإذا ركبوا جميعاً غرقوا، أو أن تبقى الأم تعاني المأساة ويرحل الأطفال رحلة مجهولة، ومنذ مدة أعلنت بعض وكالات الأنباء عن سفينة غرقت وفيها خمسمائة نفس من الصوماليين، تزاحموا على قارب فلما أبحر قليلاً غرق القارب ومن فيه.

أيها الأحبة في الله! بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

أيها الأحبة في الله! أما القادمون الفارون من الجحيم فتسألهم عن البقية الباقية من أحوال المسلمين هناك فيقول: رأيت جثث الحمير والبشر والآدمين تملأ الأزقة والطرقات، كل فر تلقاء وجهه، إلى أقرب حدود الدولة المجاورة، ولم يبق هناك إلا مشلول لا قدم له تنقله، أو أرملة لا زوج لها، أو عجوز وشيخ لا ولد لهما، أو يتيم لا كافل له.

تفرق الناس وتشتت الأسر فالأم لا تعرف أين مصير أولادها؟ والأب لا يدري عن بناته، والزوج لا يعلم شيئاً عن زوجته، وخذوا صوراً لكي تعيشوا شيئاً يسيراً من المعانة والمأساة:

في مقديشو ناقلة تحمل الناس لكي تفر بهم من جحيم الحرب الأهلية وقذائف المدافع العشوائية، فجاءت امرأة معها طفلها تريد اللحاق بهذه القافلة والفرار معها إلى رحلة مجهولة، المهم: أن تفر من هذا المكان، والقافلة تسرع لو وقفت لحوصرت من بعض العصابات واللصوص، فقدمت الأم طفلها فتنالوا طفلها ثم أسرعت القافلة ولم تستطع الأم أن تركب معهم فعاشت وبقيت لتعيش حسرتين: فراق الوليد وجحيم المدينة، هذه صورة لعدد لا يحصى من النساء.

ويا ترى! هل يلتقي الطفل بأمه في مقبرة من المقابر، أم في الآخرة، أم في مخيم من المخيمات؟

وهذه امرأة حبلى قتل زوجها في العاصمة وفرت بجنينها الذي تحمله في أحشائها ومعها أطفالها الثلاثة، ولما وصلت منطقة كسمايوا وضعت جنينها لتحمل أطفالاً أربعة، ودارت رحى الحرب في المنطقة، فهربت الأم ثم فروا إلى كينيا ونزلت الأم مع اللاجئين في العراء حيث الموت بكل صوره ينتظرها وينتظر أطفالها، فمات الأطفال أولهم الجنين حديث الولادة، ثم مات الذي يليه واحداً تلو الآخر، ثم أصيبت الأم بالجنون وأخذت تدور بين الناس وتقول: كان لي أربعة أطفال، كان لي أربعة أطفال كلهم ماتوا هل صحيح أنهم ماتوا؟ تدور الأم مجنونة تقول: كان لي أربعة أطفال كلهم ماتوا، هل صحيح أنهم ماتوا.

ولا تسأل عن انتهاك الأعراض في براوا حيث فرت الفتيات والنساء إلى المسجد وجاء قطاع الطرق واللصوص وناشدوهم ألا يصلوا إلى الأعراض، خذوا الملابس، خذوا المال، خذوا ما تريدون، دعوا الأعراض، فاقتحموا المسجد وفعلت الفاحشة في النساء.

أما قصة حافلة مليئة بالفتيات لما شقت طريقها نزل الظلمة والطغاة الغاشمون بثلاثين فتاة، نزلوا بهن من الأتوبيس وفعلوا بهن الفاحشة على الأرض في العراء، ثم صبوا البنـزين عليهن وأحرقوهن وذهبوا، ونجت واحدة بحروقها وآثار النار فيها لتروي مرارة المأساة، وقصة الفاجعة.

فتاة في أحد المخيمات في الحدود الكينية يجرها جندي كيني، فقام له رجل وقال: ماذا تريد منها؟ فقال بكل بجاحة: دعك ولا علاقة لك بها، فسأل الشاب هذه الفتاة التي لم تجاوز ستة عشرة ربيعاً من عمرها قالت: لقد طلبت منه خمسين شلن كيني -أي: ما يعادل خمسة ريالات- لأشتري حليباً لأخي الصغير فلم يقبل إلا بعد أن أوافقه على فعل الفاحشة هذا المساء، وقال: إما أن ترد الخمسين شلن أو تسلم لي نفسها كما وعدت!

من ينتصر للأعراض؟!

من ينتصر للنساء؟!

من ينتصر للضعفاء؟!

وتاجر في شاس مايوا يقول: كنت أملك اثنين ألف مليون -يعني: مليارين شلن صومالي- الآن يقول: لا أملك إلا نفسي، وهذا الطفل الصغير، ولا أعلم شيئاً عن أفراد أسرتي.

حدث ولا حرج عن هذه المأساة!

أما الذين يفرون باتجاه السواحل والبحار فأولئك يتزاحمون على السفينة وربما آثرت الأم ولدها فرمته في السفينة، تجعله في السفينة وتبقى على أرض المأساة، لأن حمولة السفينة لا تحمل الأطفال والأمهات، فلا بد من الخيار المر، أو تقدم الأم نفسها وجنينها، فإذا ركبوا جميعاً غرقوا، أو أن تبقى الأم تعاني المأساة ويرحل الأطفال رحلة مجهولة، ومنذ مدة أعلنت بعض وكالات الأنباء عن سفينة غرقت وفيها خمسمائة نفس من الصوماليين، تزاحموا على قارب فلما أبحر قليلاً غرق القارب ومن فيه.

أيها الأحبة في الله! بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.