الروض المربع - كتاب الجنائز [11]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويكره تجصيصه وتزويقه وتحليته وهو بدعة، والبناء عليه لاصقة أولى؛ لقول جابر : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه ) رواه مسلم . وتكره الكتابة والجلوس والوطء عليه ].

تجصيص قبر الميت وتزويقه وتحليته

قول المؤلف رحمه الله: (ويكره تجصيصه وتزويقه وتحليته وهو بدعة).

يجب أن نعلم أن تجصيص القبر مدعاة إلى تعظيمه، ومن ثم العبادة عنده، ومن ثم عبادته، فهي دركات، فكلما انتهى الناس من شيء حبب إليهم إبليس الشيء الآخر، ولأجل هذا أراد الشارع قطع دابر الفتنة، والبدعة، فنهى أن يعظم القبر، وتعظيمه يكون بإما أن يجصص، والتجصيص هو تبييضه بالجص، ومثله الإسمنت، فكانوا يسمونه جصاً ونحن نسميه الإسمنت الأبيض، أو الإسمنت الأسود، وكل ذلك محرم، سواء بني عليه عن طريق البلك، أو عن طريق الخشب، أو القبب، فكل ذلك محرم، وهو من البدع، ومن التعظيم الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عنه قبل أن يموت، ولا يعظم القبر إلا ويعقبه عبادته أو الذهاب إليه، أو الدعاء عنده.

ومثل التجصيص التزويق، والتزويق: هو تزيينه وتحسينه، بأن يحسن القبر على غير العادة المعهودة، ووضع الحصباء وهي الحصى الصغيرة لا بأس به من باب معرفة القبر، وقد جاء في الحديث ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع حصاة على رأس قبر عثمان بن مظغون قال: كي أعلم قبر أخي )، وهذا الحديث إسناده ضعيف، لكن عليه العمل عند أهل العلم، وهو أن معرفة القبر وإعلام القبر بحيث يوضع حصاة من باب المعرفة له بما لا يؤدي إلى التزويق والتجصيص والتحسين أن ذلك جائز سواء وضعت فوق رأس القبراً، أم على رجله، إذا كان مثله يفعل معه ذلك، وليس فيه تعظيم، أما إذا وضع شيء يعظمه ويميزه عن غيره من القبور فإن ذلك من البدع، ولهذا قال المؤلف: (وهو بدعة)، يعني: لم يكن عليه محمد صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولو أنك ذهبت إلى قبور أهل بدر، أو قبور أهل أحد في مقبرة البقيع لما وجدتها مرفوعة عن الأرض إلا قدر شبر، ومسنمة، هذا هو الذي كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولهذا فإن قول المؤلف: (ويكره تجصيصه وتزويقه) الأقرب والله أعلم هو القول بأن ذلك محرم، لما روى مسلم في صحيحه من حديث جابر ( أنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه )، وعلى هذا فالراجح والله أعلم أن ذلك محرم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. يحذر من ذلك )، والمساجد معناها أن يعبدوا الله عندها، ولهذا تجد أنه إذا بني على قبر فإن الناس يتصورون ويظنون بعد زمن أن العبادة عند القبر أعظم من العبادة في المساجد، وهذا موجود، ولهذا ما وضعوا القبور عند المساجد ولو كانت خلف المسجد إلا لاعتقاد أن الدعاء عندها أنفع والعياذ بالله، وهذا -والله- مدعاة وبريد وسبيل إلى الشرك، والعياذ بالله.

بل إن هذا الأمر أعني به الدعاء عند القبر وقع فيه بعض الفضلاء من بعض أصحاب المذاهب، كما أشار إلى ذلك ابن الجوزي في صيد الخاطر غفر الله لنا وله، فإنه كان يقول: إذا ادلهمت عليّ الأمور ذهبت إلى قبور الصالحين ودعوت ربي عندها، وهذا كله من البدع، وقد خفيت على ابن الجوزي ، وله شطحات في الأسماء والصفات، وفي باب البدع، والعياذ بالله غفر الله لنا وله.

ثم إن المؤلف رحمه الله عندما قال: (يكره) بناءً على أن ذلك ليس بمحرم، ولكن الراجح والله أعلم حرمته.

الكتابة على قبر الميت

قال المؤلف رحمه الله: (وتكره الكتابة والجلوس والوطء عليه).

أما الكتابة فقد جاء فيها حديث: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه، وأن يكتب عليه ) رواه مسلم بغير (وأن يكتب عليه) فقد تكلم فيها الحفاظ، وقد أخرجها الترمذي ، وابن حبان وغيره، والذي يظهر والله أعلم أن هذه الزيادة منكرة، وأن أحد الرواة أخطأ فيها، وقد أشار الدارقطني إلى هذا الاختلاف، وأن زيادة (يكتب عليه) ضعيفة، ولكن عليه العمل عند أهل العلم، والمقصود بالكتابة المنهي عنها أن يقال: هذا قبر فلان بن فلان بن فلان، وأما الكتابة التي هي بمعنى الإعلام بأن يجعل ثمة حرف أو حرفين، فهذا لا يسمى كتابة، والكتابة المقصود بها هي أن يذكر اسم صاحب القبر، ومتى مات، فهذا هو المقصود والله أعلم، وهو من البدع، أما أن يكتب بعض الرموز من باب معرفة قبر القريب، فهذا الذي يظهر -والله أعلم- أنه ليس به بأس، كما أشار إلى ذلك بعض المحققين كالشيخ ابن سعدي ، وشيخنا عبد العزيز بن باز .

وقد أشار بعض المشايخ وبعض شراح الحديث إلى أن الحرف والحرفين لا يسمى كتابة، فلو أنك وضعت بالبخاخ على الحصاة الموضوعة على القبر حرف عين أو خاء أو غير ذلك فهذا الذي يظهر أنه ليس به بأس؛ لأن هذا ليس من باب التعظيم، ولا يعلم هذا القبر إلا لقريبه، أما أن يوضع خشبة يكتب فيها اسم صاحب القبر: هذا قبر فلان بن فلان، فقد ذكر المؤلف أن ذلك مكروه، والذي يظهر أنه من البدع، والبدع كلها محرمة.

الجلوس على قبر الميت

قال المؤلف رحمه الله: (والجلوس).

يعني: على القبر، فهذا محرم، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر )، وهذا الحديث رواه مسلم من حديث أبي مرثد الغنوي ، وهذا هو الراجح، والله أعلم.

الوطء على قبر الميت

قال المؤلف رحمه الله: (والوطء عليه).

يعني: وهو يمشي يطأ على القبر، فهذا محرم؛ لأن حرمة الميت حياً كحرمته ميتاً، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن بشير بن الخصاصية أنه قال: ( عندما رآه يمشي بين القبور بنعليه قال: يا صاحب السبتيتين اخلع سبتيتيك )، وما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يخلع سبتيته إلا احتراماً للقبور، فإذا نهي أن يمشي بين القبور بنعلين فوطؤه من باب أولى، والله أعلم.

وهذا حديث حسنه غير واحد من أهل العلم، وهو إن شاء الله حديث حسن، وقد احتج به الإمام أحمد رحمه الله.

الاتكاء على قبر الميت

قال المؤلف رحمه الله: [ ويكره الاتكاء إليه ].

بأن يجعله كأنه شيء يتكئ عليه، وقد جاء في حديث رواه الإمام أحمد ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عمارة بن حزم متكئاً على قبر، فقال: لا تؤذه )، والمؤلف يقول: رواه الإمام أحمد ، وعزاه للإمام أحمد أبو البركات صاحب المنتقى، والحافظ ابن حجر في الفتح، ولكنه ليس موجوداً في المسند، ولعله في بعض مسائل الإمام أحمد ، فإن الإمام أحمد أحياناً يروي حديثاً في مسائله، والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك و الطحاوي وإسناده فيه ضعف، ففيه عبد الله بن لهيعة ، لكن الأصل أنه لما نهي أن يمشي الإنسان بنعليه بين القبور فلأن ينهى أن يتكئ على القبر من باب أولى، فإذا نهي أن يقعد عليه أو أن يطأه فإن الاتكاء عليه كذلك والله أعلم، لكن الاتكاء حرمته ليست كحرمة القعود والوطء عليه، فإن القعود عليه فيه نوع إهانة لحرمة الميت، أما الاتكاء عليه فهو أقل، فلهذا يكره وهو مذهب الحنابلة والشافعية.

قول المؤلف رحمه الله: (ويكره تجصيصه وتزويقه وتحليته وهو بدعة).

يجب أن نعلم أن تجصيص القبر مدعاة إلى تعظيمه، ومن ثم العبادة عنده، ومن ثم عبادته، فهي دركات، فكلما انتهى الناس من شيء حبب إليهم إبليس الشيء الآخر، ولأجل هذا أراد الشارع قطع دابر الفتنة، والبدعة، فنهى أن يعظم القبر، وتعظيمه يكون بإما أن يجصص، والتجصيص هو تبييضه بالجص، ومثله الإسمنت، فكانوا يسمونه جصاً ونحن نسميه الإسمنت الأبيض، أو الإسمنت الأسود، وكل ذلك محرم، سواء بني عليه عن طريق البلك، أو عن طريق الخشب، أو القبب، فكل ذلك محرم، وهو من البدع، ومن التعظيم الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عنه قبل أن يموت، ولا يعظم القبر إلا ويعقبه عبادته أو الذهاب إليه، أو الدعاء عنده.

ومثل التجصيص التزويق، والتزويق: هو تزيينه وتحسينه، بأن يحسن القبر على غير العادة المعهودة، ووضع الحصباء وهي الحصى الصغيرة لا بأس به من باب معرفة القبر، وقد جاء في الحديث ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع حصاة على رأس قبر عثمان بن مظغون قال: كي أعلم قبر أخي )، وهذا الحديث إسناده ضعيف، لكن عليه العمل عند أهل العلم، وهو أن معرفة القبر وإعلام القبر بحيث يوضع حصاة من باب المعرفة له بما لا يؤدي إلى التزويق والتجصيص والتحسين أن ذلك جائز سواء وضعت فوق رأس القبراً، أم على رجله، إذا كان مثله يفعل معه ذلك، وليس فيه تعظيم، أما إذا وضع شيء يعظمه ويميزه عن غيره من القبور فإن ذلك من البدع، ولهذا قال المؤلف: (وهو بدعة)، يعني: لم يكن عليه محمد صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولو أنك ذهبت إلى قبور أهل بدر، أو قبور أهل أحد في مقبرة البقيع لما وجدتها مرفوعة عن الأرض إلا قدر شبر، ومسنمة، هذا هو الذي كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولهذا فإن قول المؤلف: (ويكره تجصيصه وتزويقه) الأقرب والله أعلم هو القول بأن ذلك محرم، لما روى مسلم في صحيحه من حديث جابر ( أنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه )، وعلى هذا فالراجح والله أعلم أن ذلك محرم، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. يحذر من ذلك )، والمساجد معناها أن يعبدوا الله عندها، ولهذا تجد أنه إذا بني على قبر فإن الناس يتصورون ويظنون بعد زمن أن العبادة عند القبر أعظم من العبادة في المساجد، وهذا موجود، ولهذا ما وضعوا القبور عند المساجد ولو كانت خلف المسجد إلا لاعتقاد أن الدعاء عندها أنفع والعياذ بالله، وهذا -والله- مدعاة وبريد وسبيل إلى الشرك، والعياذ بالله.

بل إن هذا الأمر أعني به الدعاء عند القبر وقع فيه بعض الفضلاء من بعض أصحاب المذاهب، كما أشار إلى ذلك ابن الجوزي في صيد الخاطر غفر الله لنا وله، فإنه كان يقول: إذا ادلهمت عليّ الأمور ذهبت إلى قبور الصالحين ودعوت ربي عندها، وهذا كله من البدع، وقد خفيت على ابن الجوزي ، وله شطحات في الأسماء والصفات، وفي باب البدع، والعياذ بالله غفر الله لنا وله.

ثم إن المؤلف رحمه الله عندما قال: (يكره) بناءً على أن ذلك ليس بمحرم، ولكن الراجح والله أعلم حرمته.

قال المؤلف رحمه الله: (وتكره الكتابة والجلوس والوطء عليه).

أما الكتابة فقد جاء فيها حديث: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه، وأن يكتب عليه ) رواه مسلم بغير (وأن يكتب عليه) فقد تكلم فيها الحفاظ، وقد أخرجها الترمذي ، وابن حبان وغيره، والذي يظهر والله أعلم أن هذه الزيادة منكرة، وأن أحد الرواة أخطأ فيها، وقد أشار الدارقطني إلى هذا الاختلاف، وأن زيادة (يكتب عليه) ضعيفة، ولكن عليه العمل عند أهل العلم، والمقصود بالكتابة المنهي عنها أن يقال: هذا قبر فلان بن فلان بن فلان، وأما الكتابة التي هي بمعنى الإعلام بأن يجعل ثمة حرف أو حرفين، فهذا لا يسمى كتابة، والكتابة المقصود بها هي أن يذكر اسم صاحب القبر، ومتى مات، فهذا هو المقصود والله أعلم، وهو من البدع، أما أن يكتب بعض الرموز من باب معرفة قبر القريب، فهذا الذي يظهر -والله أعلم- أنه ليس به بأس، كما أشار إلى ذلك بعض المحققين كالشيخ ابن سعدي ، وشيخنا عبد العزيز بن باز .

وقد أشار بعض المشايخ وبعض شراح الحديث إلى أن الحرف والحرفين لا يسمى كتابة، فلو أنك وضعت بالبخاخ على الحصاة الموضوعة على القبر حرف عين أو خاء أو غير ذلك فهذا الذي يظهر أنه ليس به بأس؛ لأن هذا ليس من باب التعظيم، ولا يعلم هذا القبر إلا لقريبه، أما أن يوضع خشبة يكتب فيها اسم صاحب القبر: هذا قبر فلان بن فلان، فقد ذكر المؤلف أن ذلك مكروه، والذي يظهر أنه من البدع، والبدع كلها محرمة.

قال المؤلف رحمه الله: (والجلوس).

يعني: على القبر، فهذا محرم، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر )، وهذا الحديث رواه مسلم من حديث أبي مرثد الغنوي ، وهذا هو الراجح، والله أعلم.