الروض المربع - كتاب الصلاة [88]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد: ‏

سلوك أبعد الطريقين للسفر والقصر في ذلك

فقد قال المؤلف رحمه الله: [ وإن كان له طريقان بعيد وقريب فسلك أبعدهما قصر؛ لأنه مسافر سفراً بعيداً، أو ذكر صلاة سفر في سفر آخر، قصر؛ لأن وجوبها وفعلها وجدا في السفر كما لو قضاها فيه نفسه. قال ابن تميم وغيره: وقضاء بعض الصلاة في ذلك كقضاء جميعها. اقتصر عليه في المبدع وفيه شيء ].

قول المؤلف رحمه الله: (وإن كان له طريقان بعيد وقريب فسلك أبعدهما قصر لأنه مسافر سفراً بعيداً)، صورة المسألة: أن يكون بين البلدتين طريقان يسلكهما الناس في العادة، أحدهما بعيد والآخر قريب، ولا حرج أن يسلك الأبعد ليقصر؛ لأنه قطع المسافة، والعبرة هو السفر وقطع المسافة.

واعلم أن صورة هذه المسألة هي أن ينشئ سفراً له طريقان يسلكهما الناس في العادة، أما أن يدور على البلد ليقطع بذلك المسافة وليس هذا طريقاً للسفر يقطعه الناس عادة إلى البلد الآخر فليس هذا قاطعاً.

صورتها: لو أن شخصاً في جهة شرق البلاد، ويريد أن يذهب إلى مدينة في غرب البلاد، وبين البلدتين من جهة الغرب لهذه البلدة الذي سوف ينشئ السفر منها إلى البلدة الأخرى مسيرة أربعين كيلو فهنا ليست مسافة قصر، لكنه حينما يُنشئ السفر لها من جهة الشرق؛ فسوف يدور على البلد ولا يقطعها من وسطها مثل العادة، فيدور على البلد حتى يبدأ وقد قطع أربعين كيلو، ثم ينشئ المسافة التي بين البلدتين فتكون ثمانين كيلو فلا يعد هذا قاطعاً للمسافة من طريق أبعد.

فالذين مثلاً في شرق الرياض يريدون المزاحمية مثلاً، فبدلاً من أن يأتوها كالطريق العتاد يأخذون نصف دورة على محيط الرياض خارج الرياض، ثم يصلون إلى مثلاً محطة أو نقطة التفتيش في جهة جرار، ثم يذهبون إلى المزاحمية وقد قطعوا ثمانين كيلو، لكن هذا لا يعد أخذ الطريق الأبعد، والمقصود بالطريق الأبعد هو من جهة السفر لهذا البلد الآخر؛ لأنه بلغني أن بعض الإخوة أخذ مثل هذه الدورة وقال: نحن قطعنا ثمانين كيلو فنقصر! وهذا ليس المقصود.

ولكن المقصود في هذا هو: أن يكون بين البلدتين طريقان من جهة السفر الذي ينشئ الناس لها في العادة، إذا ثبت هذا فإذا قطع المسافة من الجهة التي ينشئ الناس السفر إليها في العادة؛ فلا حرج أن يسلك الطريق الأبعد لأنه قاطع للمسافة والله أعلم.

قضاء صلاة سفر في سفر

قال المؤلف رحمه الله: [ أو ذكر صلاة سفر في سفر ]، يعني: فاتته صلاة الظهر في شهر محرم وهو مسافر، ثم قدم إلى بلده، ثم سافر في صفر فتذكر أنه لم يصل الظهر في السفر الأول؛ فإنه يصليها قصراً؛ لأن العبرة حال أداء العبادة، فإذا كان حال أداء العبادة ولو كانت قضاءً سوف يؤديها في السفر؛ فإنه يقصر فيها، أما لو أتم فجائز أن يتم وله أن يقصر، لأننا قلنا: الإتمام جائز مطلقاً حتى ولو استحب له القصر.

ولو أقام في بلده وتذكر فيصليها صلاة إتمام، لأن العبرة حال أداء العبادة.

قول المؤلف: (لأن وجوبها وفعلها وجدا في السفر)، أي: وقت وجوب العبادة حال فواتها كان مسافراً، وحال قضائها كان مسافراً فلا حرج حينئذ أن يقصر فيها؛ لأن العبرة حال أداء العبادة، ولأن وجوبها وقضاءها كان في السفر، ولهذا قال: (كما لو قضاها فيه نفسه)، يعني كما لو تذكرها وهو ما زال مسافراً قبل أن يرجع إلى بلده.

قال المؤلف رحمه الله: (قال ابن تميمابن تميم من أئمة المذهب، وله طريقة في استدلالات الحنابلة، وإن كانت هذه الطريقة ليست دائماً مرضية عند شيوخ المذهب، وهو كان كصاحب الرعاية وغيرهما لهم اجتهادات، والمعول على ذلك إنما هو برأي الشيخين ومن نحا نحوهما أعني به أبا محمد بن قدامة و المجد أبا البركات .

قال المؤلف رحمه الله: (قال ابن تميم وغيره)، ويقصد بغيره صاحب الرعاية: (وقضاء بعض الصلاة في ذلك كقضاء جميعها، اقتصر عليه في المبدع وفيه شيء).

المسألة: أنه لو شرع في قضاء الصلاة في السفر ثم قدم بلده في أثنائه قصر، وهذا سبق أن ذكرناه ولو أحرم بالصلاة في حضر ثم سافر أتم كما مر معنا، فهذه الصورة تخالف ما في المذهب، فإن المذهب قالوا: لو أحرم في الحضر ثم سافر، مثلاً لو ركب سفينة وهو في الميناء (ما زال في البلد) أو ركب الطيارة وخشي فوات الوقت ثم كبر فسافر هل له أن يقصر؟

الحنابلة يقولون: ولو أحرم في الحضر ثم سافر، أو أحرم في السفر ثم قدم، أتم، وهنا يقول: (وقضاء بعض الصلاة في ذلك كقضاء جميعها)، يعني لما قضى أول الصلاة مسافراً فله أن يتم سفراً ولو قدم إلى بلده، هذه صلاة المسافر.

(وفيه شيء) يقول صاحب الروض؛ لأنه مر معنا عند الحنابلة أنهم قالوا: ولو أقام في الحضر ثم سافر أتم، ولو أحرم في السفر ثم أقام أتم، ولهذا قال المؤلف: (وفيه شيء).

القصر في حق المحبوس أو المريض ونحوه

قال المؤلف رحمه الله: [ وإن حبس ظلماً أو بمرض أو مطر ونحوه ولم ينو إقامةً قصر أبداً؛ لأن ابن عمر رضي الله عنه أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة وقد حال الثلج بينه وبين الدخول، رواه الأثرم ].

قول المؤلف رحمه الله: (وإن حبس ظلماً أو بمرض أو مطر ونحوه ولم ينو إقامةً)، كل من قطع المسافة ثم حبس دون أهله بسبب مرض أو عدو أو سجن أو نحو ذلك ولم ينو هو إقامةً؛ فإنه يقصر أبداً طالت المدة أم قصرت؛ لأنه لا يعلم متى يخرج، ولا يعلم متى يفك عنه، فحينئذٍ أجمع العلماء كما ذكر ابن المنذر أن من سافر ولم ينو إقامة ولم يعلم متى يرجع بأن يقول: أسافر غداً، أسافر غداً أنه يقصر أبداً.

وقد ذكر المؤلف أثر ابن عمر وقال: رواه الأثرم ، والأثر أخرجه البيهقي و عبد الرزاق في المصنف وصححه جمع من أهل العلم كالحافظ ابن حجر وغيره، وهو أن ابن عمر رضي الله عنهما أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة وقد حال الثلج بينه وبين الدخول، يقول أبو العباس بن تيمية رحمه الله: والثلج الذي يتفق في هذه المدة يعلم أنه لا يذوب في أقل من أربعة أيام، إذاً هو قطعاً قد نوى إقامة أكثر من أربعة أيام.

وهذه المسألة مشكلة حيث إني أعلم أنني سوف أقيم أكثر من أربعة أيام، وعندي إجماع على أنه من لم ينو إقامة ويقول: أسافر غداً أسافر غداً فإذا كان يغلب على ظنه أن هذا الوقت لا ينتهي بأربعة أيام فكيف يقال في ذلك الإجماع؟ وهذه من المسائل المشكلة حقيقة، لأنهم قالوا: إذا نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أتم، ومن حبس ظلماً أو من حبس بمرض أو من حبس بثلج فإن مثل هؤلاء يغلب على الظن ألا يفك حبسهم بأقل من أربعة أيام.

فهذا قد نوى إقامة أربعة أيام، خاصةً أن من حبس ظلماً في العادة لا تكفيه أربعة أيام، وعلم من هذا أنه لو حبس وقضي عليه يعني صدر بحقه حكم أنه يتم الصلاة؛ لأنه علم متى سيخرج، ولهذا كان القول بأن الأصل أن الإنسان له أن يقصر ما دام مسافراً أقرب إلى الحق، ويشكل على هذا أنه يجلس ستة أشهر يقصر الصلاة! وهذا محل تأمل، وذلك لأن أكثر الآثار التي تروى عن الصحابة لا تذكر قضاياها ولا الأحوال التي كانت سبب فعل الصحابة بل تذكر اختصاراً، فيصعب في ظل التضارب في الأثر الواحد عن الصحابي أنه مرةً يقصر ومرةً يتم أن يستدل بكل واحد منها.

وقد ذكر ابن حزم رحمه الله آثاراً عن الصحابة كأنها عن صحابي واحد هو ابن عمر، ولهذا ينبغي حمل هذه الآثار بما لا يختلف في الغالب.

والذي يظهر والله أعلم: أن الأصل في الصلاة هو الإتمام ولا يخرج الإنسان عن هذا الأصل إلا لعارض، وإذا كان ثمة عارض؛ فلا حرج أن يقصر، أما أن يكون العارض هو الأصل فهذا محل نظر، مثل ما قلنا: إذا كان في العادة يومياً يسافر في الصباح مسافة مائة كيلو متر أو أكثر ثم يعود في آخر النهار، فهذا الأصل أنه يتم؛ لأن هذا مدعاة إلى أن تكون صلاة الظهر في حقه دائماً قصراً، وهذا خروج عن الأصل كما هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

والذين يعملون في السفارة خاصةً أنهم يعملون أحياناً مكرهين، وكل يوم يبحثون عن نقل فهؤلاء مثل من حبس دون الثلج فهل يقال: إنه لو يجلس سنتين ما زال ينوي الرجوع فله القصر؟ هذا محل نظر والله أعلم.

قصر الصلاة للأسير عند العدو

قال المؤلف رحمه الله: [ والأسير إذا علم أنه لا ينفك إلا بعد أيام لا يقصر ما أقام عند العدو ]، لماذا الأسير لا يقصر ما أقام عند العدو؟ لأنهم فرّقوا بين من حبس ظلماً وليس من عادته أن يعرف أنه سوف يخرج، وبين الأسير الذي من العادة أنه سوف يقيم أكثر من أربعة أيام، وكأن هذا نوع استدراك على ما فات، وهذا كما قلت لكم مشكلة، فهم يقولون: الأسير لا يقصر، ويقولون: ومن حبس ظلماً ولم ينو الإقامة قصر، فالأسير حبس ظلماً، لكن قالوا هنا: لأنه علم في العادة أنه سوف يقيم أكثر من أربعة أيام، نقول: كذلك الرسول صلى الله عليه وسلم علم في العادة أنه سوف يقيم في الحرب أكثر من أربعة أيام فما الفرق بينهما؟ وهذا مما يجعل أن القول بأربعة أيام محل توقف.

على كل حال قوله: (وإن حبس ظلماً) هو مثل الأسير، لكن النسخة التي عندي لا يقصر وهذا هو الإشكال.

ولهذا قلت أنا: ما الفرق بين من حبس ظلماً وبين الأسير؟ ولعل هذا خطأ في النسخة، والصواب: والأسير يقصر ما أقام عند العدو. وأنا لاحظت أن نسخة الشيخ ابن قاسم أصح من حيث الروض، وهي أصح من كثير من النسخ حتى من نسخة المشايخ الذين حققوا هذا، فإنه سبق أن وجدنا أخطاء كثيرة أربعة أو خمسة مما مر معنا، فهذا يدل على أن نسخة الشيخ ابن قاسم أصح، والله أعلم.

قصر الصلاة في حق المقيم لحاجة لا يعلم متى تنتهي

قال المؤلف رحمه الله: [ أو أقام لقضاء حاجة بلا نية إقامة لا يدري متى تنقضي قصر أبداً ].

يعني: لو أنه أقام لإنهاء معاملة أو مهمة رسمية، ولا يدري متى يرجع فإنه يقول المؤلف: (قصر أبداً)، سواء غلب على ظنه أنه يقيم أربعة أيام فأكثر أو لم يغلب على ظنه، وكما قلت: نقل الإجماع ابن المنذر في هذه المسألة وهو يشكل عليه أنه كيف وقد غلب على ظنه؟

ولعل الفرق بينهما هو أن من أنشأ سفراً ينوي فيه إقامة أربعة أيام فأكثر أتم، وأما من أنشأ سفراً لا يدري أيقيم أربعة أيام أم لا فإنه يقصر أبداً، هذا الفرق بينهما، من حيث إنشاء السفر، فمن أنشأ سفراً ناوياً الإقامة أربعة أيام فأكثر فإنه يتم، وأما من أنشأ سفراً لا يدري متى ينقضي؛ فإنه يقصر ولو طالت المدة، فالفرق بينهما في نية إنشاء السفر ونية الإقامة، ولهذا قال المؤلف: (غلب على ظنه كثرة ذلك أو قلته)؛ لأنه حينما أنشأ السفر لا يدري أيقيم أربعة أيام فأقل، أم يقيم أربعة أيام فأكثر؟

قال المؤلف رحمه الله: [ لأنه صلى الله عليه وسلم أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة ]، وهذا الحديث ( أقام صلى الله عليه وسلم عشرين يوماً ) وفي رواية: ( تسعة عشر يوماً )، كما عند البخاري، يقول ابن عباس: ونحن إذا أقمنا تسعة عشر قصرنا، وإن أقمنا أكثر من ذلك أتممنا، وكأن إسحاق يذهب إليه وهو قول ابن المنذر، وهو قول ابن رشد في بداية المجتهد، وفي رواية: (أنه أقام بتبوك عشرين يوماً)، ولعل الجمع بين الروايتين هو أن منهم من جبر ومنهم من لم يجبره يعني تسعة عشر يوماً ونصف يوم. ولم يحفظ عن الرسول أنه سافر أكثر من تسعة عشر يوماً في مكان واحد إلا في تبوك، وهذا الذي جعل ابن المنذر يقول ذلك والله أعلم.

إذاً: حددت هنا بعشرين يوماً؛ لأنه ما حفظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم سافر أكثر من تسعة عشر يوماً أو عشرين يوماً فجعلوا هذا حداً لأكثر مدة القصر خوفاً من أن تكون غالب صلاته قصراً.

قال المؤلف رحمه الله: [ وإن ظن ألا تنقضي إلا فوق أربعة أيام أتم ]، هذا يشكل الذي مر معنا، (غلب على ظنه كثرة ذلك أو قلته)، ثم قال: (وإن ظن ألا تنقضي إلا فوق أربعة أيام أتم)، هذا هو المذهب، وكما قلت: إن المسألة ما زالت مشكلة في المذهب عند الأصحاب وغيرهم؛ لأنهم يقولون: إن أنشأ سفراً ولم ينو إقامة أربعة أيام قصر، غلب على ظنه كثرة ذلك أم قلته، لكنهم قالوا هنا: وإن ظن ألا تنقضي إلا فوق أربعة أيام أتم، وهل يعقل أن النبي صلى الله عليه وسلم سوف يحارب الروم وسوف يظهر الرعب في قلوبهم يمكن أن يحصل ذلك في أقل من أربعة أيام؟! ثم إن قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغلب على ظنه الإقامة تحكم أنى لهم ذلك من غير نص عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ولأجل هذا: فإن خلاصة المسألة أن الحنابلة رحمهم الله يقولون:

أولاً: من أنشأ سفراً ينوي فيه إقامة أربعة أيام فأكثر أتم الصلاة.

ثانياً: من أنشأ سفراً لا يدري متى يرجع ولم ينو إقامة أربعة أيام فأكثر فإنه يقصر.

ثالثاً: إن أنشأ سفراً لا يدري متى يرجع؛ فإن ظن أنها تنتهي بأكثر من أربعة أيام فعلى روايتين: قول يقول: إن غلب على ظنه أنه سوف يقيم أكثر من أربعة أيام أتم، والرواية الثانية: أنه غلب على ظنه أو لم يغلب على ظنه فإنه يقصر، هذه ثلاث أحوال في هذه المسألة.

حكم قصر الصلاة للمسافر سفر معصية

قال المؤلف رحمه الله: [ وإن نوى مسافر القصر حيث لم يبح، لم تنعقد ].

يعني: لو أن رجلاً سافر سفر معصية، وقلنا على مذهب الحنابلة والجمهور: إنه لا يقصر في سفر المعصية، فنوى القصر، يقول المؤلف: (لم تنعقد)، يعني: (لم تنعقد صلاته)،كما لو نوى مقيم القصر لم تصح صلاته ولو أتم؛ لأنه نواها قصراً فلو أتم عند الحنابلة لا يصح، لأنهم يرون أن من دخل بنية القصر مع أنه لا يباح له ذلك لم تنعقد صلاته، وكذا لو نواها إتماماً ثم قصر؛ فعلى المذهب أيضاً لا يصح لأن من شروط القصر نية القصر من ابتداء الصلاة.

وعلى القول الراجح وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عند الإمام أحمد واختارها أبو العباس بن تيمية أن سفر المعصية تقصر معه الصلاة، وعلى القول الراجح في المسألة الأخرى وهو أن نية القصر لا حرج أن تنشأ أثناء الصلاة، فإنه لو نوى مسافر القصر حيث لم يبح له هذا السفر؛ فإن صلاته تنعقد؛ لأن القصر والإتمام لا يخالفان أصل الصلاة، وإنما ذلك من صفتها، والله أعلم.

فقد قال المؤلف رحمه الله: [ وإن كان له طريقان بعيد وقريب فسلك أبعدهما قصر؛ لأنه مسافر سفراً بعيداً، أو ذكر صلاة سفر في سفر آخر، قصر؛ لأن وجوبها وفعلها وجدا في السفر كما لو قضاها فيه نفسه. قال ابن تميم وغيره: وقضاء بعض الصلاة في ذلك كقضاء جميعها. اقتصر عليه في المبدع وفيه شيء ].

قول المؤلف رحمه الله: (وإن كان له طريقان بعيد وقريب فسلك أبعدهما قصر لأنه مسافر سفراً بعيداً)، صورة المسألة: أن يكون بين البلدتين طريقان يسلكهما الناس في العادة، أحدهما بعيد والآخر قريب، ولا حرج أن يسلك الأبعد ليقصر؛ لأنه قطع المسافة، والعبرة هو السفر وقطع المسافة.

واعلم أن صورة هذه المسألة هي أن ينشئ سفراً له طريقان يسلكهما الناس في العادة، أما أن يدور على البلد ليقطع بذلك المسافة وليس هذا طريقاً للسفر يقطعه الناس عادة إلى البلد الآخر فليس هذا قاطعاً.

صورتها: لو أن شخصاً في جهة شرق البلاد، ويريد أن يذهب إلى مدينة في غرب البلاد، وبين البلدتين من جهة الغرب لهذه البلدة الذي سوف ينشئ السفر منها إلى البلدة الأخرى مسيرة أربعين كيلو فهنا ليست مسافة قصر، لكنه حينما يُنشئ السفر لها من جهة الشرق؛ فسوف يدور على البلد ولا يقطعها من وسطها مثل العادة، فيدور على البلد حتى يبدأ وقد قطع أربعين كيلو، ثم ينشئ المسافة التي بين البلدتين فتكون ثمانين كيلو فلا يعد هذا قاطعاً للمسافة من طريق أبعد.

فالذين مثلاً في شرق الرياض يريدون المزاحمية مثلاً، فبدلاً من أن يأتوها كالطريق العتاد يأخذون نصف دورة على محيط الرياض خارج الرياض، ثم يصلون إلى مثلاً محطة أو نقطة التفتيش في جهة جرار، ثم يذهبون إلى المزاحمية وقد قطعوا ثمانين كيلو، لكن هذا لا يعد أخذ الطريق الأبعد، والمقصود بالطريق الأبعد هو من جهة السفر لهذا البلد الآخر؛ لأنه بلغني أن بعض الإخوة أخذ مثل هذه الدورة وقال: نحن قطعنا ثمانين كيلو فنقصر! وهذا ليس المقصود.

ولكن المقصود في هذا هو: أن يكون بين البلدتين طريقان من جهة السفر الذي ينشئ الناس لها في العادة، إذا ثبت هذا فإذا قطع المسافة من الجهة التي ينشئ الناس السفر إليها في العادة؛ فلا حرج أن يسلك الطريق الأبعد لأنه قاطع للمسافة والله أعلم.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] 2631 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] 2589 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] 2549 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] 2544 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] 2527 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [22] 2452 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] 2387 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [20] 2375 استماع
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] 2358 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] 2355 استماع