الروض المربع - كتاب الصلاة [54]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل. وبعد:

فقد ذكرنا فيمن سبح به ثقتان أنه إن كان جازماً صحة نفسه فلا يلزمه قبول خبرهما أو رأيهما، أما إن كان على المذهب وغلب على ظنه صدق نفسه أو تيقن بطلان صلاته، فإنه لا تصح صلاته كما سبق، إلا أننا ذكرنا أنه إن غلب على ظنه صدق نفسه فالمذهب أنه يجب أن يتبع الثقتين، ولكننا قلنا: الأقرب -والله أعلم- أنه لا تبطل الصلاة بذلك؛ لأن غلبة الظن تجري مجرى اليقين في كثير من الأحكام.

قال المؤلف رحمه الله: [وبطلت صلاة من تبعه أي: تبع إماماً أبى أن يرجع حيث يلزمه الرجوع ].

معنى هذه الصورة: لو أن إماماً قام إلى خامسة فسبح به ثقتان فأبى أن يرجع، فالمذهب يقول: إن المأموم الذي تبع إمامه بعد سماعه الثقتين بطلت صلاته؛ لأن حكمه كحكم الإمام، والغريب أن هذا على الإطلاق مشكل؛ لأنهم قالوا: إن سبح به ثقتان وجزم يقين نفسه لا يلزمه الرجوع، فكذلك المأموم فإن الإطلاق -ولا أظنه مقصوداً عند المؤلف- محل نظر، ولهذا لو قيل: وبطلت صلاة من تبعه من المأمومين، إن كان المأموم يغلب على ظنه أو يجزم بطلان إمامه.

أما إن كان يغلب على ظنه صدق إمامه أو لم يترجح لديه ثقة الخبرين، أو غلب على ظنه خطأ الخبرين، فإن ذلك لا تبطل صلاته، ومن ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود : حينما قام الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خامسة، فهم حينما قاموا إلى خامسة، يحتمل أنهم يجزمون بخطأ الإمام، أو يعتقدون نسخ الصلاة، وعلى هذا فالإطلاق بأن المأموم تبطل صلاته إن تبع الإمام محل نظر، خاصة وأن الحنابلة وكذا المالكية يقولون: في إمام قام إلى خامسة إذا كان قد ترك ركعة، أو إذا كان ترك قراءة الفاتحة في إحدى الركعات، ثم ركع فتذكر أنه لم يقرأها، أو حينما تشهد تذكر أنه لم يقرأ الفاتحة، فلابد على مذهب الحنابلة أن يقوم فيقرأها، فهذا لقيامه للخامسة قيام صحيح.

فلو سبح به ثقتان وهو يعلم صدق خبرهما فإنه لا يلزم بطلان صلاته؛ لأنه يعلم من خبرهم أن هذه الزيادة زيادة، لكن الزيادة مقصودة لتصحيح شيء مضى، ولأجل هذا نقول: إن المأموم ربما لا تبطل صلاته إن تبع إمامه إلا إذا تيقن بطلان صلاة إمامه، أما إن قام الإمام أو أشار إليهم أن قوموا، وأشار إلى أنه ترك الفاتحة مثل أن يقول: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [المزمل:20]، أو قرأ: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]، ليبين للمأموم أنه لم يقرأ فهذا حسن والله أعلم.

واشترط المؤلف لبطلان صلاة المأموم الذي تبع إمامه وهو يعلم أنه زاد، قال: أن يكون عالماً، وهنا لا بد أن نقول: عالماً بالحكم عالماً بالحال، أما قولنا عالماً بالحكم فيعني أن يعلم أن الزيادة في الصلاة باطلة، هذا علم بالحكم، وأما عالماً بالحال، فيعني: عالماً أن الإمام قد زاد ركعة، وأما إن كان لا يعلم فهذا لا يصح أن نقول: إن صلاته باطلة؛ لأن الصحابة تبعوا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وتبعوه في السلام من ركعتين في إحدى صلاتي العشي كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة .

من تبع إمامه جاهلاً أو ناسياً للحكم أو للحال

قال المؤلف رحمه الله: [لا من تبعه جاهلاً أو ناسياً]، وهذه من المسائل التي يرى الحنابلة أن الجهل والنسيان يعذر به صاحبه، وإن كنا قد قلنا مراراً في شرحنا للقواعد لـابن اللحام ، وفي شرحنا للروض أن الحنابلة يرون العذر في النسيان لا في الجهل، إلا في مسألة واحد لا يرون فيها عذراً في النسيان وهي المجامع في نهار رمضان لا يعذرونه ولو ادعى النسيان، قالوا: لأن هذا لا يتصور، ولكن الراجح أنه لا فرق بين الجهل والنسيان، وكذا في جميع المحظورات والله أعلم.

مفارقة المأموم لإمام زاد في صلاته

قال المؤلف رحمه الله: (ولا من فارقه)، يعني: لو أن مأموماً علم أن إمامه زاد خامسة، ففارقه في ذلك، فإن صلاة المأموم حينئذٍ لا تبطل.

أولاً: لأن مفارقته حينئذ هي المشروعة، وهذه إحدى مسائل المفارقة المشروعة، فإن العلماء رحمهم الله يقولون: إن مفارقة المأموم إمامه تحرم، ومنها ما يجوز ومنها ما يجب، أما ما يحرم فإذا لم يخل الإمام بالصلاة ولا في نظمها فإن المفارقة حينئذٍ تكون محرمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ).

وأما الجائزة فكما لو أن إماماً أطال الصلاة فتضرر المأموم بالبقاء معه، فلا بأس بالمفارقة حينئذٍ، أو أن امرأة سمعت بكاء صبيها ففارقت إمامها لأجل الصبي، أو أن شخصاً قد خشي على شيء من ماله، فلا بأس أن يفارق إمامه، هذه الصورة الجائزة.

وأما الواجبة فمثل أن يزيد الإمام في صلاة الظهر خامسة، أو الفجر ثالثة، فإن المأموم حينئذٍ يجب أن يفارق إمامه.

وهنا صورة ثانية في وجوب المفارقة مثل لو زاد الإمام خامسة في الظهر ولو تيقن بطلان صلاة إمامه كأن علم أن الإمام أكل لحم جزور فلا يصح متابعته حينئذٍ وهو يعلم.

صورة ثالثة: أو كان الإمام يخل بأركان الصلاة مثل الطمأنينة، فإنه يجب حينئذٍ على المأموم أن يفارق إمامه لمصلحة الصلاة، والله أعلم.

نأتي إلى كيفية المفارقة، مفارقة المأموم إمامه المفارقة معناها أنه لا يتابع الإمام، ومن المفارقة أن يتركه وحده، لكن نحن لو قلنا: إن مفارقة المأموم إمامه جائزة، فإذا فارقه هل ينتظره في التشهد الأخير بحيث إذا سلم الإمام سلم المأموم معه؟ أم يفارقه مطلقاً؟

ذكر الحنابلة ذلك فقالوا بجواز المفارقة للعذر ويسلم لنفسه، يعني: أنه إذا فارق المأموم إمامه، بأن زاد الإمام خامسة فجلس المأموم فإن للمأموم أن يسلم لنفسه، وهذا على سبيل الجواز, ولأجل هذا فإن الأولى -وهذه هي الحالة الثانية- أن ينتظر المأموم إمامه حتى إذا جلس في التشهد الأخير فسلم الإمام سلم المأموم معه، وهذا أولى؛ لما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر في صلاة الخوف فإن من إحدى الفريقين من انتظر الإمام حتى إذا صلى الإمام الصلاة فجلس للتشهد سلموا جميعاً، وهذا هو اختيار أبي العباس ابن تيمية رحمه الله: أن المأموم إذا فارق إمامه لمصلحة الصلاة، فإن الأفضل في حق المأموم أن ينتظر إمامه، ولو لم ينتظر جاز ذلك.

أما قولنا: أن ينتظر إمامه فلحديث ابن عمر في صلاة الخوف، وأما قولنا: إنه يجوز أن يسلم لنفسه كما هو المذهب عند الحنابلة، فإننا نقول: لأنه لما جاز أن يفارقه في أول الصلاة جاز أن يفارقه مطلقاً؛ والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [لا من تبعه جاهلاً أو ناسياً]، وهذه من المسائل التي يرى الحنابلة أن الجهل والنسيان يعذر به صاحبه، وإن كنا قد قلنا مراراً في شرحنا للقواعد لـابن اللحام ، وفي شرحنا للروض أن الحنابلة يرون العذر في النسيان لا في الجهل، إلا في مسألة واحد لا يرون فيها عذراً في النسيان وهي المجامع في نهار رمضان لا يعذرونه ولو ادعى النسيان، قالوا: لأن هذا لا يتصور، ولكن الراجح أنه لا فرق بين الجهل والنسيان، وكذا في جميع المحظورات والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا من فارقه)، يعني: لو أن مأموماً علم أن إمامه زاد خامسة، ففارقه في ذلك، فإن صلاة المأموم حينئذٍ لا تبطل.

أولاً: لأن مفارقته حينئذ هي المشروعة، وهذه إحدى مسائل المفارقة المشروعة، فإن العلماء رحمهم الله يقولون: إن مفارقة المأموم إمامه تحرم، ومنها ما يجوز ومنها ما يجب، أما ما يحرم فإذا لم يخل الإمام بالصلاة ولا في نظمها فإن المفارقة حينئذٍ تكون محرمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ).

وأما الجائزة فكما لو أن إماماً أطال الصلاة فتضرر المأموم بالبقاء معه، فلا بأس بالمفارقة حينئذٍ، أو أن امرأة سمعت بكاء صبيها ففارقت إمامها لأجل الصبي، أو أن شخصاً قد خشي على شيء من ماله، فلا بأس أن يفارق إمامه، هذه الصورة الجائزة.

وأما الواجبة فمثل أن يزيد الإمام في صلاة الظهر خامسة، أو الفجر ثالثة، فإن المأموم حينئذٍ يجب أن يفارق إمامه.

وهنا صورة ثانية في وجوب المفارقة مثل لو زاد الإمام خامسة في الظهر ولو تيقن بطلان صلاة إمامه كأن علم أن الإمام أكل لحم جزور فلا يصح متابعته حينئذٍ وهو يعلم.

صورة ثالثة: أو كان الإمام يخل بأركان الصلاة مثل الطمأنينة، فإنه يجب حينئذٍ على المأموم أن يفارق إمامه لمصلحة الصلاة، والله أعلم.

نأتي إلى كيفية المفارقة، مفارقة المأموم إمامه المفارقة معناها أنه لا يتابع الإمام، ومن المفارقة أن يتركه وحده، لكن نحن لو قلنا: إن مفارقة المأموم إمامه جائزة، فإذا فارقه هل ينتظره في التشهد الأخير بحيث إذا سلم الإمام سلم المأموم معه؟ أم يفارقه مطلقاً؟

ذكر الحنابلة ذلك فقالوا بجواز المفارقة للعذر ويسلم لنفسه، يعني: أنه إذا فارق المأموم إمامه، بأن زاد الإمام خامسة فجلس المأموم فإن للمأموم أن يسلم لنفسه، وهذا على سبيل الجواز, ولأجل هذا فإن الأولى -وهذه هي الحالة الثانية- أن ينتظر المأموم إمامه حتى إذا جلس في التشهد الأخير فسلم الإمام سلم المأموم معه، وهذا أولى؛ لما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر في صلاة الخوف فإن من إحدى الفريقين من انتظر الإمام حتى إذا صلى الإمام الصلاة فجلس للتشهد سلموا جميعاً، وهذا هو اختيار أبي العباس ابن تيمية رحمه الله: أن المأموم إذا فارق إمامه لمصلحة الصلاة، فإن الأفضل في حق المأموم أن ينتظر إمامه، ولو لم ينتظر جاز ذلك.

أما قولنا: أن ينتظر إمامه فلحديث ابن عمر في صلاة الخوف، وأما قولنا: إنه يجوز أن يسلم لنفسه كما هو المذهب عند الحنابلة، فإننا نقول: لأنه لما جاز أن يفارقه في أول الصلاة جاز أن يفارقه مطلقاً؛ والله أعلم.

إذا ثبت هذا فإن المؤلف رحمه الله يقول: [ ولا يعتد مسبوق بالركعة الزائدة إذا تابعه فيها جاهلاً ]، مثلما لو صلى المغرب خلف إمام يصلي العشاء، فإن الإمام إذا قام إلى الرابعة يجب عليه أن يفارقه بالخيار إما أن ينتظره في التشهد وهذا أفضل وإما أن يسلم لوحده.

لكن لو أن الإمام قام إلى خامسة، ومأموم قد صلى مع إمامه وقد فاته مع الإمام ركعة واحدة، فهل يعتد المسبوق بهذه الركعة فيصلي مع إمامه؟

الحنابلة قالوا: إن كان قد قام المسبوق فتبع إمامه وهو يعلم بهذه الزيادة لا تصح وهذا بالإجماع، إذا كان المأموم كما قلنا يعلم أن هذه زائدة، ويعلم أن الإمام أخطأ في ذلك، ويعلم بطلان صلاة الإمام، فإنه لا يصح كما قلنا.

لكن الإشكال لو أن المأموم قام مع الإمام وتبعه في هذه الصلاة، فلما جلس الإمام للتشهد سبح المأمومون به، فعلم المأموم المسبوق أن الإمام قد زاد، بعد الانتهاء، فإن الحنابلة يقولون في المذهب: لا تصح هذه الصلاة التي تبع المأموم فيها إمامه، فحينئذٍ يلزم المأموم أن يأتي بركعة خامسة، قالوا: لأن هذه الزيادة من الإمام باطلة، وإذا كانت باطلة فلا تصح الصلاة خلفه، كما لو صلى خلف إمام قد أحدث في أثناء الصلاة فلا تصح متابعته.

لذلك الحنابلة يقولون: لو أن مأموماً صلى خلف إمام محدث، فإن قطع الإمام صلاته أثناء الصلاة فيجب على المأموم أن يقطع صلاته، يعني: لو أن إماماً صلى بنا الظهر فلما صار في الركعة الثانية قام فتذكر أنه محدث، فالمأمومون على المذهب تبطل صلاتهم.

القول الثاني: يتقدم إمام آخر أو يصلون وحدهم، أما الحنابلة فيقولون: تبطل صلاتهم؛ لأن المأموم لو تقدم إماماً لهم لم تصح؛ لأنه لم يكن قد نوى الإمامة من أول الصلاة، وهم يشترطون نية الإمامة من أول الصلاة؛ ولأن صلاة الإمام في أول الصلاة باطلة، فتكون صلاة المأموم باطلة: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به )، هذا المذهب.

القول الثالث: وهو الراجح وهو اختيار ابن تيمية وهو مذهب الشافعية: وهو أن الصلاة صحيحة، وأن الإمام لو أخطأ فإن المأموم يتحمل صوابه ولا يتحمل خطأه، كما جاء عند البخاري من حديث عثمان : ( يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم )، هذا المذهب في الزيادة.

أما القول الرابع في المسألة: وقد ذكره ابن قدامة رحمه الله وقواه، وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي وهو إن تابع المأموم إمامه جاهلاً في ذلك فإن صلاته صحيحة؛ لأن الراجح أن المأموم لو تبع إماماً قد أكل لحم جزور وهو يعلم بطلان أكل لحم الجزور في الطهارة، فإن الصلاة حينئذٍ تكون صحيحة كما قلنا في حديث عثمان : ( يصلون لكم )، وقد صلى عمر كما روى ابن المنذر في الأوسط، و ابن أبي شيبة أن عمر صلى بأصحابه صلاة الفجر ثم خرج إلى الجرف، والجرف قريبة إلى المدينة، فتذكر بللاً في ثيابه فاغتسل فأعاد الصلاة، ولم يأمر أصحابه بذلك، فهذا يدل على أن الإمام لو نقض صلاته أو بطلت صلاته، فإن المأموم لا تبطل صلاته إلا إذا كان عالماً، وأما إذا لم يكن عالماً فلا، وهذا هو الراجح والله أعلم.

كما أننا نقول على الراجح: لو أن إماماً تبع إمامه في الصلاة، وقد أحدث الإمام ولم يعلم المأموم فإن صلاة المأموم حينئذٍ صحيحة، فكذلك لو زاد الإمام خامسة ولم يعلم المأموم فإن صلاة المأموم حينئذٍ صحيحة، ومما يقوي هذا أننا نقول للمأموم: إنه يلزمك أن تأتي بركعة خامسة، فنضطر إلى أن نوجب عليه زيادة الخامسة، فنخالف في ذلك نسق الصلاة ونظمها، وهذا باطل بإجماع العلماء والله أعلم.