الروض المربع - كتاب الصلاة [33]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله: [وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه لعذر أو غيره، فلا استخلاف، أي: فليس للإمام أن يستخلف من يتم بهم إن سبقه الحدث، ولا تبطل صلاة إمام ببطلان صلاة مأموم، ويتمها منفرداً، وإن أحرم إمام الحي -أي: الراتب- بمن -أي: بمأمومين- أحرم بهم نائبه لغيبته، وبنى على صلاة نائبه].

بطلان صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام

قول المؤلف رحمه الله: (تبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه)، إذا بطلت صلاة الإمام؛ فقد بطلت صلاة المأموم، وعلى هذا فإذا أحدث الإمام في الصلاة فإن صلاة المأمومين باطلة، وعلى هذا: فلا استخلاف.

في المسألة خلاف، هل إذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم؟ المذهب يرون: أن الإمام إذا أحدث في الصلاة، أو صلى محدثاً ثم علم في أثناء الصلاة أنه محدث، فإن صلاة المأموم حينئذ باطلة، وإن لم يعلم حدثه حتى انتهت الصلاة؛ فإن صلاة المأمومين صحيحة.

والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم: أن صلاة المأموم صحيحة، ولو بطلت صلاة إمامه، لما روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة ، في قصة عثمان رضي الله عنه في قتله، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم ).

وهذا هو الراجح والله تبارك وتعالى أعلم، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث إن ابن المنذر في الأوسط روى أن عمر صلى بأصحابه صلاة الفجر، حتى إذا كان بالجرف وجد على ثوبه بللاً فاغتسل وأعاد الصلاة، ولم يأمر أصحابه بذلك، فقالوا: لا فرق بين أن يعلم بحدثه في أثناء الصلاة، وبين ألا يعلم إلا بعد انتهاء الصلاة.

وهو مذهب جمهور الفقهاء في الجملة، وهو مذهب أبي حنيفة و مالك و الشافعي ورواية عند الإمام أحمد.

إذا ثبت هذا: فإن المؤلف يقول: (إن بطلت صلاة الإمام؛ فلا استخلاف)، يعني: أنه لا يجوز أن يقدم الإمام أو يتقدم أحد المأمومين في الصلاة؛ لأن صلاة المأمومين قد بطلت.

صور استخلاف الإمام غيره عند بطلان صلاته

في الاستخلاف صور، وهذه الصور ليست على إطلاقها، فقد قسموا الاستخلاف أنواعاً، فقالوا: إذا حصل للإمام شيء يمنعه من استمرار الصلاة فلا يخلو من صور:

الصورة الأولى: أن ينفلت عن صلاته لعذر لم تبطل معه الصلاة، مثل: أن يخاف على ماله، أو يبتدره الحدث ولم يحدث، أو يحصره بول أو غائط، فهنا لم يقع منه حدث، لكنه يخشى مع الاستمرار وجود الحدث، فهنا لو استخلف الإمام أحد المأمومين فإن صلاتهم صحيحة؛ لأن صلاة الإمام لم تبطل، والبطلان بحصول الحدث، وليس بالخوف من الوقوع فيما يبطلها، فهنا يصح الاستخلاف في قول عامة أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة.

الصورة الثانية: أن ينفلت الإمام عن صلاته بسبب وقوع حدث في الصلاة، مثل أن يكون قد أحدث قبل أن يدخل في الصلاة فتذكر، أو يكون قد أحدث في أثناء الصلاة، فهنا ذهب الحنابلة إلى أنه لا يستخلف؛ لأن صلاة المأمومين تبطل ببطلان صلاة الإمام، فلا استخلاف.

وذهب الجمهور من المالكية والشافعية وبعض الحنفية: إلى أنه يصح الاستخلاف؛ لحديث أبي هريرة وحديث المسور بن مخرمة حينما طعن عمر رضي الله عنه، فأخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم، فأتمها خفيفة، والقاعدة دائماً: أن الصلاة دخلها المصلي بيقين، فلا تبطل إلا بيقين.

إن القائلين بمنع الاستخلاف إنما بنوه على أمرين:

الأمر الأول: أن صلاة المأموم تبطل ببطلان صلاة إمامه، وهذه المقدمة ليست بصحيحة على الراجح.

الأمر الثاني: أن انتقال نية الإمامة في أثناء الصلاة لا تصح، مبنية على أن انتقال النية من نية مؤتم إلى نية إمامة لا تصح، كما لا يصح انتقال نية فرض إلى نية فرض آخر، وهذه المقدمة الراجح خلافها؛ لأن انتقال النية من فرض إلى آخر ليس مثل انتقال نية انفراد إلى إمامة، أو نية ائتمام إلى إمامة، أو نية إمامة إلى ائتمام، تختلف تماماً؛ لأن الصلاة ونية الفرض لم تختلف. مثلاً: أنا إمام نويت أن أكون مؤتماً في صلاة الظهر، هل تغيرت صلاة الظهر؟ لا، فيختلف تماماً ما بين لو انتقل من الظهر إلى العصر.

إذاً الراجح: صحة الاستخلاف، سواء ابتدره الحدث أم انفلت قبل وجود الحدث.

بطلان صلاة الإمام إذا بطلت صلاة المأموم

قال المؤلف رحمه الله: (ولا تبطل صلاة إمام ببطلان صلاة المأموم، ويتمها منفرداً)، يعني: لو صلى إمام ومؤتم، فلما صلى الإمام ركعة قام إلى الركعة الثانية، فتذكر المأموم أنه محدث؛ فقطع صلاته، فالمأموم الآن صار محدثاً، فيقول المؤلف: (ولا تبطل صلاة إمام ببطلان صلاة المأموم)، فيجوز أن ينتقل من إمامة إلى انفراد، لكن عند الحنابلة لا يجوز أن ينتقل من انفراد إلى إمام، والصواب كما مر معنا جواز ذلك.

وقال بعض العلماء: ليس ثمة شيء تبطل به صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام إلا في صورة واحدة، وهي ما يقوم فيه الإمام مقام المأموم، يعني: ما يتحمل الإمام مقام المأموم، مثل السترة، فلو صلى الإمام إلى شيء يستره، فمرت أتان، يعني: حمار ما بينه وبين السترة، فعلى القول: بأن الحمار يقطع الصلاة تكون قد انقطعت صلاة الإمام، فيكون ذلك انقطاعاً لصلاة المأمومين، وهذه مبنية على الخلاف في قطع المار بين يدي الإمام للصلاة، وإلا فإذا قلنا: لا تقطع الصلاة، فإنه ليس شيء تبطل به صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه، والله أعلم.

قول المؤلف رحمه الله: (تبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه)، إذا بطلت صلاة الإمام؛ فقد بطلت صلاة المأموم، وعلى هذا فإذا أحدث الإمام في الصلاة فإن صلاة المأمومين باطلة، وعلى هذا: فلا استخلاف.

في المسألة خلاف، هل إذا بطلت صلاة الإمام بطلت صلاة المأموم؟ المذهب يرون: أن الإمام إذا أحدث في الصلاة، أو صلى محدثاً ثم علم في أثناء الصلاة أنه محدث، فإن صلاة المأموم حينئذ باطلة، وإن لم يعلم حدثه حتى انتهت الصلاة؛ فإن صلاة المأمومين صحيحة.

والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم: أن صلاة المأموم صحيحة، ولو بطلت صلاة إمامه، لما روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة ، في قصة عثمان رضي الله عنه في قتله، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم ).

وهذا هو الراجح والله تبارك وتعالى أعلم، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث إن ابن المنذر في الأوسط روى أن عمر صلى بأصحابه صلاة الفجر، حتى إذا كان بالجرف وجد على ثوبه بللاً فاغتسل وأعاد الصلاة، ولم يأمر أصحابه بذلك، فقالوا: لا فرق بين أن يعلم بحدثه في أثناء الصلاة، وبين ألا يعلم إلا بعد انتهاء الصلاة.

وهو مذهب جمهور الفقهاء في الجملة، وهو مذهب أبي حنيفة و مالك و الشافعي ورواية عند الإمام أحمد.

إذا ثبت هذا: فإن المؤلف يقول: (إن بطلت صلاة الإمام؛ فلا استخلاف)، يعني: أنه لا يجوز أن يقدم الإمام أو يتقدم أحد المأمومين في الصلاة؛ لأن صلاة المأمومين قد بطلت.

في الاستخلاف صور، وهذه الصور ليست على إطلاقها، فقد قسموا الاستخلاف أنواعاً، فقالوا: إذا حصل للإمام شيء يمنعه من استمرار الصلاة فلا يخلو من صور:

الصورة الأولى: أن ينفلت عن صلاته لعذر لم تبطل معه الصلاة، مثل: أن يخاف على ماله، أو يبتدره الحدث ولم يحدث، أو يحصره بول أو غائط، فهنا لم يقع منه حدث، لكنه يخشى مع الاستمرار وجود الحدث، فهنا لو استخلف الإمام أحد المأمومين فإن صلاتهم صحيحة؛ لأن صلاة الإمام لم تبطل، والبطلان بحصول الحدث، وليس بالخوف من الوقوع فيما يبطلها، فهنا يصح الاستخلاف في قول عامة أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة.

الصورة الثانية: أن ينفلت الإمام عن صلاته بسبب وقوع حدث في الصلاة، مثل أن يكون قد أحدث قبل أن يدخل في الصلاة فتذكر، أو يكون قد أحدث في أثناء الصلاة، فهنا ذهب الحنابلة إلى أنه لا يستخلف؛ لأن صلاة المأمومين تبطل ببطلان صلاة الإمام، فلا استخلاف.

وذهب الجمهور من المالكية والشافعية وبعض الحنفية: إلى أنه يصح الاستخلاف؛ لحديث أبي هريرة وحديث المسور بن مخرمة حينما طعن عمر رضي الله عنه، فأخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم، فأتمها خفيفة، والقاعدة دائماً: أن الصلاة دخلها المصلي بيقين، فلا تبطل إلا بيقين.

إن القائلين بمنع الاستخلاف إنما بنوه على أمرين:

الأمر الأول: أن صلاة المأموم تبطل ببطلان صلاة إمامه، وهذه المقدمة ليست بصحيحة على الراجح.

الأمر الثاني: أن انتقال نية الإمامة في أثناء الصلاة لا تصح، مبنية على أن انتقال النية من نية مؤتم إلى نية إمامة لا تصح، كما لا يصح انتقال نية فرض إلى نية فرض آخر، وهذه المقدمة الراجح خلافها؛ لأن انتقال النية من فرض إلى آخر ليس مثل انتقال نية انفراد إلى إمامة، أو نية ائتمام إلى إمامة، أو نية إمامة إلى ائتمام، تختلف تماماً؛ لأن الصلاة ونية الفرض لم تختلف. مثلاً: أنا إمام نويت أن أكون مؤتماً في صلاة الظهر، هل تغيرت صلاة الظهر؟ لا، فيختلف تماماً ما بين لو انتقل من الظهر إلى العصر.

إذاً الراجح: صحة الاستخلاف، سواء ابتدره الحدث أم انفلت قبل وجود الحدث.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا تبطل صلاة إمام ببطلان صلاة المأموم، ويتمها منفرداً)، يعني: لو صلى إمام ومؤتم، فلما صلى الإمام ركعة قام إلى الركعة الثانية، فتذكر المأموم أنه محدث؛ فقطع صلاته، فالمأموم الآن صار محدثاً، فيقول المؤلف: (ولا تبطل صلاة إمام ببطلان صلاة المأموم)، فيجوز أن ينتقل من إمامة إلى انفراد، لكن عند الحنابلة لا يجوز أن ينتقل من انفراد إلى إمام، والصواب كما مر معنا جواز ذلك.

وقال بعض العلماء: ليس ثمة شيء تبطل به صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام إلا في صورة واحدة، وهي ما يقوم فيه الإمام مقام المأموم، يعني: ما يتحمل الإمام مقام المأموم، مثل السترة، فلو صلى الإمام إلى شيء يستره، فمرت أتان، يعني: حمار ما بينه وبين السترة، فعلى القول: بأن الحمار يقطع الصلاة تكون قد انقطعت صلاة الإمام، فيكون ذلك انقطاعاً لصلاة المأمومين، وهذه مبنية على الخلاف في قطع المار بين يدي الإمام للصلاة، وإلا فإذا قلنا: لا تقطع الصلاة، فإنه ليس شيء تبطل به صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه، والله أعلم.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] 2626 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] 2584 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] 2542 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] 2541 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] 2517 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [22] 2449 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] 2384 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [20] 2370 استماع
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] 2351 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] 2349 استماع