خطب ومحاضرات
الروض المربع - كتاب الصلاة [28]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وفرض من قرب من القبلة أي: الكعبة وهو من أمكنه معاينتها أو الخبر عن يقين إصابة عينها ببدنه كله بحيث لا يخرج شيء منه عن الكعبة, ولا يضر علو ولا نزول, وفرض من بعد عن الكعبة استقبال جهتها، فلا يضر التيامن ولا التياسر اليسيران عرفاً إلا من كان بمسجده صلى الله عليه وسلم لأن قبلته متيقنة, فإن أخبره بالقبلة مكلف ثقة عدل ظاهراً وباطناً بيقين عمل به، حراً كان أو عبداً، رجلاً كان أو امرأة, أو وجد محاريب إسلامية عمل بها؛ لأن اتفاقهم عليها مع تكرار الأعصار إجماع عليها, فلا تجوز مخالفتها حيث علمها للمسلمين، ولا ينحرف].
كيفية استقبال الكعبة لمن كان قريباً منها
وهذه القدرة هل هي قدرة شرعية أم قدرة فقهية؟ المعروف من إطلاق المؤلف أنها قدرة فقهية، فلو أن الصفوف اتصلت ثم صلى هو في آخر الصفوف فمن المعلوم أن اتصال الصفوف له حكم غير حكم صلاة المنفرد.
ففي حال اتصال الصفوف لا يستطيع أن يقدر عليها شرعاً؛ لكنه يستطيع أن يقدر عليها حساً, فعلى كلام المؤلف فإنه يجب عليه أن يتخطى الصفوف حتى يتيقن أنه أصاب عين القبلة!
وأما دليل ذلك فإنهم قالوا: الإجماع على أن من استطاع رؤية البيت فإنه يجب عليه أن يستقبله, وهذا من حيث الجملة صحيح، أن من رأى البيت يجب عليه أن يصيب عينه.
وأما قولهم: إن أمكنه رؤيتها فلم يفعل لم تصح صلاته فإن هذا محل نظر، مثل: الذي يصلي في سطح البيت في العشر الأواخر من رمضان، صلاة الفروض فإنه لا يتيقن أنه أصاب عين القبلة؛ ومع ذلك هو متمكن من إصابة عينها, فهل إمكانية التمكن كافية في وجوب استقبال عين القبلة؟
الحنابلة يقولون: إمكانية ذلك كافية في إثبات الوجوب, والذي يظهر والله أعلم أنه إن رأى البيت أو قدر على رؤيته من غير مشقة ولا كلفة وجب عليه استقبال عين الكعبة، وأما من لم يمكنه رؤيته من مكانه كأن يكون بعيداً عن الكعبة، أو كان خارج المسجد ممن يعيش في بيوتات مكة فإن الذي يظهر والله أعلم أنه لا يجب عليه إصابة عينها, فالجهة كافية ولو لمن كان في مكة وما يليها.
ودليل هذا القول ما ثبت من حديث أبي هريرة عند الترمذي بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك مع أننا نجزم أن قبلة المسجد النبوي في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أصيب عينها؛ لأن اجتهاده يقر عليه بوحي, وهذا هو الذي يظهر, والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (أو الخبر عن يقين) كمن نشأ في مكة أو أقام فيها كثيراً بحيث يجزم أن هذا عين القبلة، فإنه على كلام المؤلف يجب عليه إصابة عينها, والراجح والله أعلم أنه لا يجب.
وهذه من المسائل التي لو قلنا بها لكان على الذين يصلون في المسجد الحرام مشقة وعناء، فعلى هذا فكل من رأى الكعبة أو أمكنه رؤيتها من غير مشقة ولا كلفة فإنه يجب عليه أن يصيب عينها، وأما من لم ير الكعبة وشق عليه رؤيتها من مكانه فإننا نقول: لا يجب عليه؛ لأنني في مكاني الذي أريد أن أصلي فيه غير مأمور ألا أصلي فيه حتى أرى عينها, وإنما يكفي اجتهادي في هذا المكان، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (إصابة عينها ببدنه كله بحيث لا يخرج شيء منه عن الكعبة)؛ قالوا: لأنه قادر على التوجه إلى عينها فلم يجز له التوجه إلى جزء منها, ولو قيل بهذا القول لكان في ذلك مشقة وحرج على المصلين ولأدت إلى ألا يصلي الناس بعيداً عن الصفوف الأولى في المسجد.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا يضر علو ولا نزول), يعني: لا يضر كونك أسفل مسامتة الكعبة أو أعلى من الكعبة؛ لأن العبرة باستقبال عينها أو هوائها أو قرارها؛ ولا يشترط المسامتة, فالذين يصلون في البدروم لم يستقبلوا عين الكعبة, لكنهم استقبلوا قرارها.
والذين يصلون في سطح المسجد لم يستقبلوا عينها وإنما استقبلوا هواءها, وهذا هو معروف بإجماعهم؛ لأن الواجب ليس المسامتة, ولكن الواجب إصابة عينها أو قرارها أو هوائها.
كيفية استقبال الكعبة لمن كان بعيداً عنها
مثل الآن: نحن نصلي بصف معتدل وعرض الكعبة ليس مثل عرض هذا المسجد, ومع ذلك نجزم أننا لم نصب عينها؛ ولهذا يقول ابن تيمية: ولهذا كانت جميع مساجد أهل الشام والكوفة تصح الصلاة فيها باتفاقهم, ولو خط خط من هذه المساجد إلى عين الكعبة لم يصب عينها, وهذا معروف.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أصحابه الذين صلوا خلفه أن يصلوا في صف مستقيم, ومن المعلوم أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه أكبر من عرض الكعبة, ولو كان المقصود إصابة عينها لوجد تقوس الصف ولا قائل به، والله أعلم.
وأما من قال من الفقهاء: من قدر على إصابة عينها وجب عليه أن يصيب عينها ولو كان بعيداً، فقوله مخالف لإجماع العلماء؛ لأننا الآن نستطيع أن نصيب عين الكعبة بالأقمار الصناعية أو أجهزة ماجلان أو وغيره, فنستطيع أن نجزم بواسطتها أننا أصبنا عين الكعبة, وكانوا في السابق يعرفون ذلك بالنجوم؛ ولهذا قالوا: إن الشامي إذا وضع القطب ما بين أذنه ونقرة القفا فقد أصاب ما بين الركن الشامي والميزاب, ومع ذلك لم يؤمر الذي يقدر على ذلك أن يفعله.
التيامن والتياسر في استقبال القبلة
قال المؤلف رحمه الله: (إلا من كان بمسجده صلى الله عليه وسلم لأن قبلته متيقنة), أي: إلا الذين في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يضر وجود تيامن أو وجود تياسر؛ لأن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وضعه قد أصاب عين الكعبة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ.
وعلى هذا فيشترط في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم إصابة العين ببدنه؛ لأنه لا يقر على خطأ, وفي هذا القول نظر؛ لأن صلاة الصف الطويل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم صحيحة بالإجماع, ومن المعلوم أن عرض مسجد رسول الله أكبر من عرض الكعبة, فهذا انحراف كبير.
فالذين في أطراف الصف قطعاً لم يصيبوا عينها, فلو كان المقصود إصابة عينها في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجعلوا الصف مقوساً ولا قائل به.
قول المؤلف رحمه الله: (فرض من قرب من القبلة أي: الكعبة وهو من أمكنه معاينتها), من كان قريباً وهو يقدر على رؤيتها ومعاينتها فإنه على كلام المؤلف يجب عليه إصابة عينها, وهذا متصور إذا كان في صحن المسجد الحرام, وأما لو كان في المصابيح أو كان في التوسعة الجديدة بحيث يكون بينه وبين القبلة بعض الأعمدة الكبيرة فإنه على كلام المؤلف إذا لم يصب عينها فإن صلاته لا تصح.
وهذه القدرة هل هي قدرة شرعية أم قدرة فقهية؟ المعروف من إطلاق المؤلف أنها قدرة فقهية، فلو أن الصفوف اتصلت ثم صلى هو في آخر الصفوف فمن المعلوم أن اتصال الصفوف له حكم غير حكم صلاة المنفرد.
ففي حال اتصال الصفوف لا يستطيع أن يقدر عليها شرعاً؛ لكنه يستطيع أن يقدر عليها حساً, فعلى كلام المؤلف فإنه يجب عليه أن يتخطى الصفوف حتى يتيقن أنه أصاب عين القبلة!
وأما دليل ذلك فإنهم قالوا: الإجماع على أن من استطاع رؤية البيت فإنه يجب عليه أن يستقبله, وهذا من حيث الجملة صحيح، أن من رأى البيت يجب عليه أن يصيب عينه.
وأما قولهم: إن أمكنه رؤيتها فلم يفعل لم تصح صلاته فإن هذا محل نظر، مثل: الذي يصلي في سطح البيت في العشر الأواخر من رمضان، صلاة الفروض فإنه لا يتيقن أنه أصاب عين القبلة؛ ومع ذلك هو متمكن من إصابة عينها, فهل إمكانية التمكن كافية في وجوب استقبال عين القبلة؟
الحنابلة يقولون: إمكانية ذلك كافية في إثبات الوجوب, والذي يظهر والله أعلم أنه إن رأى البيت أو قدر على رؤيته من غير مشقة ولا كلفة وجب عليه استقبال عين الكعبة، وأما من لم يمكنه رؤيته من مكانه كأن يكون بعيداً عن الكعبة، أو كان خارج المسجد ممن يعيش في بيوتات مكة فإن الذي يظهر والله أعلم أنه لا يجب عليه إصابة عينها, فالجهة كافية ولو لمن كان في مكة وما يليها.
ودليل هذا القول ما ثبت من حديث أبي هريرة عند الترمذي بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك مع أننا نجزم أن قبلة المسجد النبوي في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أصيب عينها؛ لأن اجتهاده يقر عليه بوحي, وهذا هو الذي يظهر, والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (أو الخبر عن يقين) كمن نشأ في مكة أو أقام فيها كثيراً بحيث يجزم أن هذا عين القبلة، فإنه على كلام المؤلف يجب عليه إصابة عينها, والراجح والله أعلم أنه لا يجب.
وهذه من المسائل التي لو قلنا بها لكان على الذين يصلون في المسجد الحرام مشقة وعناء، فعلى هذا فكل من رأى الكعبة أو أمكنه رؤيتها من غير مشقة ولا كلفة فإنه يجب عليه أن يصيب عينها، وأما من لم ير الكعبة وشق عليه رؤيتها من مكانه فإننا نقول: لا يجب عليه؛ لأنني في مكاني الذي أريد أن أصلي فيه غير مأمور ألا أصلي فيه حتى أرى عينها, وإنما يكفي اجتهادي في هذا المكان، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: (إصابة عينها ببدنه كله بحيث لا يخرج شيء منه عن الكعبة)؛ قالوا: لأنه قادر على التوجه إلى عينها فلم يجز له التوجه إلى جزء منها, ولو قيل بهذا القول لكان في ذلك مشقة وحرج على المصلين ولأدت إلى ألا يصلي الناس بعيداً عن الصفوف الأولى في المسجد.
قال المؤلف رحمه الله: (ولا يضر علو ولا نزول), يعني: لا يضر كونك أسفل مسامتة الكعبة أو أعلى من الكعبة؛ لأن العبرة باستقبال عينها أو هوائها أو قرارها؛ ولا يشترط المسامتة, فالذين يصلون في البدروم لم يستقبلوا عين الكعبة, لكنهم استقبلوا قرارها.
والذين يصلون في سطح المسجد لم يستقبلوا عينها وإنما استقبلوا هواءها, وهذا هو معروف بإجماعهم؛ لأن الواجب ليس المسامتة, ولكن الواجب إصابة عينها أو قرارها أو هوائها.
قال المؤلف رحمه الله: (وفرض من بعد عن الكعبة استقبال جهتها) وهذا بالإجماع, وقد حكى ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله, إذاً هو ثابت في الكتاب والسنة وإجماع الأمة حيث أن الأمة، أجمعت على أن الناس لو صلوا خلف إمام ولو طال الصف إطالةً أكبر من أرض الكعبة, وكان هذا الصف مستقيماً فإن صلاتهم صحيحة باتفاقهم.
مثل الآن: نحن نصلي بصف معتدل وعرض الكعبة ليس مثل عرض هذا المسجد, ومع ذلك نجزم أننا لم نصب عينها؛ ولهذا يقول ابن تيمية: ولهذا كانت جميع مساجد أهل الشام والكوفة تصح الصلاة فيها باتفاقهم, ولو خط خط من هذه المساجد إلى عين الكعبة لم يصب عينها, وهذا معروف.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أصحابه الذين صلوا خلفه أن يصلوا في صف مستقيم, ومن المعلوم أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه أكبر من عرض الكعبة, ولو كان المقصود إصابة عينها لوجد تقوس الصف ولا قائل به، والله أعلم.
وأما من قال من الفقهاء: من قدر على إصابة عينها وجب عليه أن يصيب عينها ولو كان بعيداً، فقوله مخالف لإجماع العلماء؛ لأننا الآن نستطيع أن نصيب عين الكعبة بالأقمار الصناعية أو أجهزة ماجلان أو وغيره, فنستطيع أن نجزم بواسطتها أننا أصبنا عين الكعبة, وكانوا في السابق يعرفون ذلك بالنجوم؛ ولهذا قالوا: إن الشامي إذا وضع القطب ما بين أذنه ونقرة القفا فقد أصاب ما بين الركن الشامي والميزاب, ومع ذلك لم يؤمر الذي يقدر على ذلك أن يفعله.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] | 2629 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] | 2587 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] | 2546 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] | 2543 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] | 2522 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [22] | 2451 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] | 2386 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [20] | 2373 استماع |
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] | 2357 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] | 2354 استماع |