الروض المربع - كتاب الصلاة [14]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم اجعلنا ممن رسخت في العلم قدمه، وجبل على اتباع الكتاب والسنة لحمه ودمه، يا رب العالمين! وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وتدرك الصلاة أداء بإدراك تكبيرة الإحرام في وقتها, فإذا كبر للإحرام قبل طلوع الشمس أو غروبها كانت كلها أداء، حتى ولو كان التأخير لغير عذر لكنه آثم, وكذا وقت الجمعة يدرك بتكبيرة الإحرام ويأتي ].

خلاف العلماء في معنى حديث: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)

قول المؤلف: (وتدرك الصلاة أداء بإدراك تكبيرة الإحرام في وقتها), معناه أنه إذا كبر للإحرام قبل طلوع الشمس أو غروبها كانت كلها أداء؛ لحديث: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ), وكلمة (فقد أدرك الصلاة) العلماء لهم معان في تفسيرها.

المعنى الأول: فقد أدرك وقت الصلاة, وعلى هذا، قالوا: إن معنى إدراك ركعة هو إدراك مقدار الركوع, وليست ركعة كاملة تامة, وهذا هو مذهب الحنابلة والشافعية وأبي حنيفة في المشهور عنه, بل قال بعض أصحاب الحنابلة هو إجماع, والواقع أنه ليس في المسألة إجماع, واستدلوا على ذلك بأن إدراك الركعة المقصود به مقدارها؛ قالوا: لحديث عائشة عند مسلم : ( من أدرك سجدة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ), قالوا: فهذا يدل على أن المقصود هو مقدار الركوع، وزمن الركوع هو مقدار زمن السجود, هذا دليلهم الأول.

دليلهم الثاني قالوا: ما رواه ابن عدي عن محمود بن جابر عن أبان بن طارق عن كثير بن شنظير عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك فضل الجماعة, ومن أدرك ركعة مع الإمام قبل أن يسلم فقد أدرك فضل الجماعة ) وقوله: ( قبل أن يسلم ), إشعار بالزمن, وهذا الحديث ضعيف فيه مجهولان، وهو أبان بن طارق و محمد بن جابر , والصحيح أنه من قول أبي هريرة كما رواه ابن علية عن كثير بن شنظير عن عطاء عن أبي هريرة من قوله.

المعنى الثاني: إدراك الركعة المقصود بالركعة تامة بركوعها وسجودها، وهذا هو مذهب مالك و زفر من الحنفية ونسبه إلى أبي حنيفة , وهو رواية عند الإمام أحمد نقلها أبو الفتح الحلواني عنه, وهذا القول لعله أظهر والله تبارك وتعالى أعلم.

ويؤيد ذلك أن في بعض الروايات: ( من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة ), والركعة ما تكون ركعة واحدة إلا بركوعها مع سجودها وغير ذلك.

المعنى الثالث: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الجماعة وهذه سوف تأتي, فالذي يدرك الجماعة يعني: يدرك فضل الجماعة وتضعيفها، فالحنابلة يقولون: يدركها بمقدار جزء يسير من الصلاة, كما قالوا في الوقت, قالوا: فكذلك الجماعة يدركها؛ للحديث الذي في سنده أبان بن طارق و محمد بن جابر ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك فضل الجماعة ), والحديث ضعيف, والصواب أنه من قول أبي هريرة بل قال عطاء : كان يقال: من أدرك ركعة مع الإمام قبل أن يسلم فقد أدرك الجماعة, ويؤيد هذا ما رواه أبو داود و النسائي وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تطهر فأحسن الطهور, ثم راح إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا كتب له أجر الجماعة ), فهم صلوا ومع ذلك كتب الله له أجر الجماعة, والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم أن إدراك الجماعة إنما يكون بإدراك الركعة بركوعها وسجودها لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في بعض الروايات: (من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة)؛ ولهذا قال: (إذا أتيتم ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً). وأما حديث أبي هريرة : ( من تطهر فأحسن الطهور، ثم راح إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا كتب له أجر الجماعة ), فمن المعلوم أن هناك للجماعة أجر وفضلٌ, فالأجر هو بحصول الصلاة مع الجماعة, أو بعذر لمن لم يدركها, وأما الفضل: فهو سبع وعشرون درجة أو خمس وعشرون درجة، ولا تتأتى إلا لمن أدرك الجماعة.

وعلى هذا فهذا دليل على أن هناك فرقاً بين الأجر وبين الفضل, ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم في حق الصحابة: ( فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ), هذا في الفضل, وأما الأجر فقد قال كما في حديث أبي ثعلبة الخشني : ( للعامل منهم أجر خمسين منكم, قالوا: بل منا أم منهم؟ قال: بل منكم، تجدون على الخير أعواناً ولا يجدون على الخير أعواناً ), فهذا يدل على أن الفضل أعظم من الأجر.

بعض المسائل التي استنبطها العلماء من حديث: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)

وهذه المسألة إدراك الجماعة بإدراك الركعة، جعلت بعض العلماء يستنبطون مسائل كثيرة, وقالوا فيمن وجد العذر في حقه أول الوقت: هل تجب عليه تلك الصلاة أم لا؟ كطاهر حاضت في أول الوقت, هل إذا طهرت وجب عليها أن تصليها أم لا؟

فلو أن امرأة دخل عليها وقت الظهر بمقدار دقيقتين أو دقيقة ثم حاضت, ما إن انتهى المؤذن من الأذان إلا وقد حاضت, هل يجب عليها أن تصلي هذه الصلاة أم لا؟

الجواب: ذهب الحنابلة في المشهور عندهم إلى أنها إذا أدركت جزءاً من الوقت ولو أقل من ركوعها وسجودها وجب عليها أن تقضيها وأن تصليها إذا طهرت.

وذهب الشافعي وهو رواية عند الإمام أحمد اختارها ابن بطة إلى أنها إن أدركت مقدار ما تفعل فيه الصلاة, يعني: مقدار أربع ركعات في أول الوقت وجب عليها إذا طهرت أن تصلي.

وذهب مالك رحمه الله وهو رواية عند الإمام أحمد إلى أنها إن حاضت ولم يبق من الوقت إلا ما يمكن أداء العبادة فيه أربع ركعات, فحينئذ يجب عليها؛ لأن الواجب في أداء الصلاة واجب موسع, وهذا هو اختيار ابن تيمية رحمه الله وهذا الذي يظهر والله أعلم, وهي رواية عند الإمام أحمد اختارها أبو الفتح الحلواني عن الإمام أحمد , وهذا القول أظهر والله أعلم؛ لأن الإنسان لم يجب عليه أن يؤديها أول الوقت, فإذا وجد المانع فوجد من قبل وجوبها عليه, هذا هو الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم.

أما آخر الوقت إذا زال المانع, مثل: امرأة حاضت ثم طهرت قبل غروب الشمس بدقيقة فعامة أهل العلم قالوا: يجب عليها الصلاة, وذهب الإمام مالك رحمه الله إلى أنه لا يجب عليها إلا أن تدرك مقدار ركعة بركوعها وسجودها وتكون تقريباً ثلاث دقائق؛ لأن الركعة دقيقتان ونصف أو ثلاث دقائق هذا في الصلاة العادية.

وعلى هذا فلو مثلاً أذن المؤذن, المؤذن يؤذن بدقيقة ونصف على الأذان الطبيعي ودعكم من الذي يطرب في أذانه, فعلى مذهب مالك لو طهرت قبل أن يؤذن المؤذن بدقيقة فإن مالكاً يقول: لا تجب, وأما إن كان قبل الأذان بأربع دقائق فتجب ..., وهذا القول قوي خلافاً لعامة أهل العلم والله أعلم.

وعلى هذا فالذي يظهر أن من أدرك جزءاً من تكبيرة الإحرام فلم يدرك الوقت, فلو أنه أخر صلاة العصر مثلاً حتى قبل غروب الشمس قال: الله أكبر, الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4], إلى قال: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7], آمين, ثم أذن, فيكون قد أدرك الصلاة أداء على مذهب الحنابلة والجمهور, ولم يدركها على مذهب مالك رحمه الله.

ولهذا قال المؤلف: (فإذا كبر للإحرام قبل طلوع الشمس أو غروبها كانت كلها أداء)؛ لأنهم يرون أن العبرة بإدراك جزء من الوقت، والصحيح أنه بإدراك مقدار الركعة بركوعها وسجودها.

ولهذا قال: (ولو كان التأخير لغير عذر)؛ لأنه أداها في وقتها وإن كان آثماً في التأخير.

قول المؤلف: (وتدرك الصلاة أداء بإدراك تكبيرة الإحرام في وقتها), معناه أنه إذا كبر للإحرام قبل طلوع الشمس أو غروبها كانت كلها أداء؛ لحديث: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ), وكلمة (فقد أدرك الصلاة) العلماء لهم معان في تفسيرها.

المعنى الأول: فقد أدرك وقت الصلاة, وعلى هذا، قالوا: إن معنى إدراك ركعة هو إدراك مقدار الركوع, وليست ركعة كاملة تامة, وهذا هو مذهب الحنابلة والشافعية وأبي حنيفة في المشهور عنه, بل قال بعض أصحاب الحنابلة هو إجماع, والواقع أنه ليس في المسألة إجماع, واستدلوا على ذلك بأن إدراك الركعة المقصود به مقدارها؛ قالوا: لحديث عائشة عند مسلم : ( من أدرك سجدة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ), قالوا: فهذا يدل على أن المقصود هو مقدار الركوع، وزمن الركوع هو مقدار زمن السجود, هذا دليلهم الأول.

دليلهم الثاني قالوا: ما رواه ابن عدي عن محمود بن جابر عن أبان بن طارق عن كثير بن شنظير عن عطاء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك فضل الجماعة, ومن أدرك ركعة مع الإمام قبل أن يسلم فقد أدرك فضل الجماعة ) وقوله: ( قبل أن يسلم ), إشعار بالزمن, وهذا الحديث ضعيف فيه مجهولان، وهو أبان بن طارق و محمد بن جابر , والصحيح أنه من قول أبي هريرة كما رواه ابن علية عن كثير بن شنظير عن عطاء عن أبي هريرة من قوله.

المعنى الثاني: إدراك الركعة المقصود بالركعة تامة بركوعها وسجودها، وهذا هو مذهب مالك و زفر من الحنفية ونسبه إلى أبي حنيفة , وهو رواية عند الإمام أحمد نقلها أبو الفتح الحلواني عنه, وهذا القول لعله أظهر والله تبارك وتعالى أعلم.

ويؤيد ذلك أن في بعض الروايات: ( من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة ), والركعة ما تكون ركعة واحدة إلا بركوعها مع سجودها وغير ذلك.

المعنى الثالث: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الجماعة وهذه سوف تأتي, فالذي يدرك الجماعة يعني: يدرك فضل الجماعة وتضعيفها، فالحنابلة يقولون: يدركها بمقدار جزء يسير من الصلاة, كما قالوا في الوقت, قالوا: فكذلك الجماعة يدركها؛ للحديث الذي في سنده أبان بن طارق و محمد بن جابر ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك فضل الجماعة ), والحديث ضعيف, والصواب أنه من قول أبي هريرة بل قال عطاء : كان يقال: من أدرك ركعة مع الإمام قبل أن يسلم فقد أدرك الجماعة, ويؤيد هذا ما رواه أبو داود و النسائي وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من تطهر فأحسن الطهور, ثم راح إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا كتب له أجر الجماعة ), فهم صلوا ومع ذلك كتب الله له أجر الجماعة, والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم أن إدراك الجماعة إنما يكون بإدراك الركعة بركوعها وسجودها لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في بعض الروايات: (من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة)؛ ولهذا قال: (إذا أتيتم ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئاً). وأما حديث أبي هريرة : ( من تطهر فأحسن الطهور، ثم راح إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا كتب له أجر الجماعة ), فمن المعلوم أن هناك للجماعة أجر وفضلٌ, فالأجر هو بحصول الصلاة مع الجماعة, أو بعذر لمن لم يدركها, وأما الفضل: فهو سبع وعشرون درجة أو خمس وعشرون درجة، ولا تتأتى إلا لمن أدرك الجماعة.

وعلى هذا فهذا دليل على أن هناك فرقاً بين الأجر وبين الفضل, ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم في حق الصحابة: ( فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ), هذا في الفضل, وأما الأجر فقد قال كما في حديث أبي ثعلبة الخشني : ( للعامل منهم أجر خمسين منكم, قالوا: بل منا أم منهم؟ قال: بل منكم، تجدون على الخير أعواناً ولا يجدون على الخير أعواناً ), فهذا يدل على أن الفضل أعظم من الأجر.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] 2631 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] 2589 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] 2548 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] 2545 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] 2525 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [22] 2453 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] 2388 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [20] 2375 استماع
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] 2359 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] 2357 استماع