خطب ومحاضرات
الروض المربع - كتاب الطهارة [34]
الحلقة مفرغة
ميتة الآدمي
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
قال المؤلف رحمه الله: [ولا ينجس الآدمي بالموت؛ لحديث: ( المؤمن لا ينجس )، متفق عليه].
وهذا قول عامة أهل العلم؛ على أن المؤمن لا ينجس؛ لحديث أبي هريرة كما روى البخاري و مسلم قال: ( سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس )، حياً وميتاً، لفظة: (حياً وميتاً) من عندي؛ وليست من الحديث، وإلا فالحديث: (إن المؤمن لا ينجس ).
ميتة ما لا نفس له سائلة
المؤلف حكم على ما لا نفس له سائلة أنه يكون طاهراً بأمرين:
أولاً: ألا يكون له نفس سائلة.
ثانياً: أن يكون متولداً من طاهر.
فإن كان متولداً من نجس، مثل: الصراصير التي تولد في الحش، وكالدود الذي يولد من العذرة ونحو ذلك، فإن المؤلف يقول: إن هذا نجس، والقول الثاني: أن الصراصير وما تولد من نجاسة -على القول بأن النجاسة إذا استحالت طهرت-فإنها نجسة واختيار ابن تيمية رحمه الله: أن الحشرات المتولدة من نجاسة إذا لم تعلق النجاسة بها فإنها طاهرة ومن المعلوم أن بني آدم يخلق من نطفة، والنطفة الراجح أنها نجسة؛ لأنها لم تتحول، فإذا استحالت إلى إنسان فهو طاهر بلا شك.
وأما اشتراط أن يكون متولداً من طاهر فهذا قول الحنابلة، والراجح أنه لا يشترط ذلك، وعلى هذا فكل ما لا نفس له سائلة سواء تولد من طاهر أو غير طاهر؛ فإنه والحالة هذه يكون طاهراً، وقلنا: إن هذا بإجماع أهل العلم، كما حكاه ابن المنذر وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
بول وروث ومني ما يؤكل لحمه
أيضاً كل ما يؤكل لحمه فبوله ومنيه وعرقه طاهر؛ لما جاء في الصحيحين من حديث أنس : ( أن العرنيين الذين أسلموا وهم من قحطان، قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تخرجون مع راعينا فتشربون من ألبانها وأبوالها؟ قال: فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا )، وكون النبي صلى الله عليه وسلم يأمرهم بشرب البول دليل على طهارته، ومن قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بذلك دواءً لقلنا: أولاً: إن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان أمرهم بذلك للتداوي لأمرهم أن يغسلوا أفواههم، فدل ذلك على طهارته.
ثانياً: أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل شفاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالنجاسة، فإذا حرم الله شيئاً حرم شربه، والقول بنجاسة بول ما يؤكل لحمه، كما يقول ابن تيمية: قول محدث لا سلف له من الصحابة.
قال المؤلف رحمه الله: [لأنه صلى الله عليه وسلم (أمر العرنيين أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها)، والنجس لا يباح شربه، ولو أبيح للضرورة لأمرهم بغسل أثره إذا أرادوا الصلاة.
ومني الآدمي طاهر؛ لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: ( كنت أفرك المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يذهب فيصلي فيه ) متفق عليه].
مني الآدمي
ومما يدل على طهارته: كون النبي صلى الله عليه وسلم يتركه حتى ييبس دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتوقى منه كتوقي النجاسة، وأما قولها: (كنت أغسل المني من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهذا يدل على نظافة النبي صلى الله عليه وسلم لأثوابه، وإلا فإنه بمنزلة المخاط، كما روى البيهقي عن ابن عباس ، وكذا روي عن سعد بن أبي وقاص أنهما سئلا عن مني الرجل؟ فقالا: إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق، وإنما يكفيك أن تميطه عنك ولو بإذخرة.
ودعوى أن هذا المني خرج من القبل فهو كالبول، محل نظر، والله تبارك وتعالى أعلم؛ لأنه ليس كل ما خرج من مخرج البول يكون نجساً، كرطوبة فرج المرأة، فالراجح والله أعلم أنه طاهر، وكذلك مني الرجل.
قال المؤلف رحمه الله: [ فعلى هذا يستحب فرك يابسه وغسل رطبه ].
والأولى غسل جميعه تنظفاً، وكون عائشة تحكه يابساً دليل على جوازه، والله أعلم.
رطوبة فرج المرأة
الرطوبة التي تخرج من فرج المرأة اختلف العلماء فيها، فبعضهم يقول: نجس، ولا شك أن القول بنجاسته فيه من الحرج والمشقة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة القول بنجاسته، مع أن هذا مما تعم به البلوى عند النساء، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا الصحابيات ولا أمهات المؤمنين القول بنجاسته.
وأما حديث معاوية حينما سأل أخته أم حبيبة : ( هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يغسل؟ قالت: كان يغسل ما أصابه من الأذى ثم يتوضأ )، فهذا ليس دليلاً على أن رطوبة فرج المرأة نجس؛ لأنه في أول الإسلام كان الرجل إذا أتى أهله لا يغتسل؛ ولكنه يتنظف مما أصابه من الأذى، وهذا ليس دليلاً على أن رطوبة فرج المرأة نجس؛ لأنا لو قلنا بذلك، قلنا: لا يحصل الرطوبة من الرجل إلا بالإيلاج، وهذا بلا شك يوجب الغسل، فدل على أن حديث أم حبيبة في أول الإسلام.
والقول بأن رطوبة فرج المرأة طاهر، هو الأسعد بالدليل، وهو الأقرب لرفع الحرج، وأقرب دليل على طهارته هو أن هذا في الغالب مما تعم به البلوى عند النساء، وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين من النساء من بنات آدم، فلما كان هذا الأمر مما يغلب خروجه من النساء ولم ينقل عن أحد من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حكماً في ذلك دل على طهارته، والمسألة فيها تفاصيل لن أذكرها، لكن الأقرب: أن رطوبة فرج المرأة طاهر.
وأما التفصيل بين ما يخرج من مسلك الذكر وبين ما يخرج من مسلك البول، هذا مما يشق التحرز منه، ويشق التفصيل فيه، فالمرأة لا تعلم هل هذا خرج من مخرج البول أو خرج من مسلك الذكر، خاصةً إذا كانت عذراء صغيرة لم تتزوج بعد، فالتفصيل في مثل هذا مما يشق، وقد يؤدي إلى الوسوسة.
فالذي يظهر والله أعلم: أن رطوبة فرج المرأة طاهر، ومن الأخطاء أن نجد كبار السن من النساء، ما إن تصلي إلا وتخلع سراويلها الداخلية؛ والسبب في هذا: لأنهم يرون أن رطوبة فرج المرأة نجس، والصحيح: أن رطوبة فرج المرأة طاهر، وما علق منه بالثياب الداخلية كالسراويل فإنه يكون طاهراً، هذا هو الراجح؛ وأما القول بأنه وإن كان طاهراً إلا أنه ينقض الوضوء، فهذا مذهب الحنابلة، والغريب أنهم لم يذكروه في النواقض، والذي يظهر والله أعلم، وهو قول ابن حزم : أن رطوبة فرج المرأة طاهر، ولا ينقض الوضوء، خاصةً إذا كثر، ولا يكون حكمه حكم سلس البول.
لكن الإفرازات المهبلية غير رطوبة فرج المرأة، فهذه نجسة ويجب الوضوء منها، ومعلوم أن الإفرازات المهبلية غير رطوبة فرج المرأة، وتعرف النساء ذلك، والله أعلم.
ما سال من الفم وقت النوم
الذي يسيل من الفم وقت النوم طاهر؛ لأنه في حكم البلغم، وفي حكم المخاط ونحو ذلك، ومعلوم أن المخاط والبلغم طاهر، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري : ( البصاق في المسجد خطيئة وكفارته دفنها )، ومعلوم أن دفن البصاق لا يزيل النجاسة لو كان نجساً، فدل على أنه طاهر، ولكنه مأمور أن يجتنبه المصلي في المسجد؛ تنظفاً وتطهيراً.
سؤر الهرة وما دونها في الخلقة سوى الجلّالة
السؤر كما سوف يعرفه المؤلف: (هو بضم السين مهموز، بقية طعام الحيوان وشرابه)، يعني: اللعاب الذي يخرج منه، وهذا هو معنى السؤر: (بقية طعام الحيوان وشرابه)، فإن المؤلف يقول: (سؤر الهرة وما دونها في الخلقة طاهر)، ما دون الهرة في الخلقة -مثل: الفأرة- فإنه يكون طاهراً، ودليل ذلك: ما جاء عند أهل السنن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنها -يعني: الهرة- ليست بنجس؛ إنها من الطوافين عليكم والطوافات )، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنها من الطوافين ) هذا تعليل لعدم النجاسة، فدل ذلك على أن كل ما يطوف علينا ويشق التحرز منه فهو طاهر، إلا الكلب خاصة، كما سوف يأتي بيانه في سؤر الحمار والبغل.
النبي صلى الله عليه وسلم في لعاب الهرة مع أنها نجسة أجزاؤها: ( إنها ليست بنجس؛ إنها من الطوافين عليكم والطوافات )، ومعلوم أن الفئران مما يطوف على الناس في بيوتهم، فدل على أن أكل الفأرة من بعض المطعومات لا ينجسه والله أعلم، وكذلك الهرة؛ لحديث: ( إنها ليست بنجس ).
قال المؤلف رحمه الله: (غير دجاجة مخلاة). والدجاجة المخلاة: هي التي تأكل النجاسة، وهي اللي يسموها: الجلالة، فهذه تحبس ثلاث ليال حتى يطهر لحمها؛ لأن المخلاة -المتروكة في الخلاء- تأكل النجاسات ونحو ذلك، ولكن إذا لم يعلم نجاستها أو أكلها للنجاسات ولو كانت مخلاة فالأصل أنها طاهرة، وإنما قالوا بعدمها من باب الاحتياط والله أعلم، فعلى هذا فالدجاجة المخلاة الأقرب أنها طاهرة؛ ولكن احتياطاً خوفاً من أكلها النجاسات.
ولكن نقول: إذا تيقنا أنها تأكل النجاسات فإنا نحبسها ثلاثة أيام، ونطعمها الطاهر؛ عل لحمها يطيب، والله أعلم.
قال المؤلف رحمه الله: [ والسؤر -بضم السين مهموز- بقية طعام الحيوان وشرابه، والهر: القط، وإن أكل هو أو طفل ونحوهما نجاسة ثم شرب ولو قبل أن يغيب من مائع لم يؤثر لعموم البلوى ].
يقول لك: إن الهرة لو أكلت فأرة، أو طفلاً أكل نجاسة، ثم شربت الهرة من هذا الماء، أو أن الطفل شرب منه ولو قبل أن يغيب المأكول؛ فإنه لا يؤثر بما وقع، إلا إذا بقيت أجزاء من النجاسة في هذا الماء، فإن بقيت أجزاء فإنه ينجس بلا شك؛ لكن إذا لم تبق أجزاء فإننا نرى طهارة ذلك؛ لأجل الحاجة، وهذا هو المذهب واختيار ابن تيمية رحمه الله؛ لأن الحاجة تقتضي ذلك؛ ولأن حديث: ( ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات )، لم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم فيما لو أكلت الهرة الفأرة، ومعلوم أن القط يعشق الفئران، ويحب أكلها، فلو كانت نجسة لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنها ليست بنجس )، مع أن الغالب أنها تأكل الفئران، فدل ذلك على أنه إن غاب أو لم يغب فالأصل فيه الطهارة.
قال المؤلف رحمه الله: [ لا عن نجاسة بيدها أو رجلها ].
أما النجاسة التي تعلق بيد الفأرة، أو بيد القطة أو برجلها فإنها نجس، كما أن ما يعلق من النجاسة في ثوب الطفل أو في يده نجس، لكننا نقول في سؤرهما: يخفف من باب عموم البلوى.
قال المؤلف رحمه الله: [ ولو وقع ما ينضم دبره في مائع ثم خرج حياً لم يؤثر ].
يقول المؤلف: لو وقعت الفأرة أو القطة مما دبره ينضم، فإننا نرى طهارة ذلك، وقيل: كل الحيوانات ينضم دبرها إلا البعير، وعلى هذا فوقوع كل الحيوانات سواءً كان من السباع أو الحمار وغير ذلك مما ينضح دبره طاهر لم يؤثر.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:
قال المؤلف رحمه الله: [ولا ينجس الآدمي بالموت؛ لحديث: ( المؤمن لا ينجس )، متفق عليه].
وهذا قول عامة أهل العلم؛ على أن المؤمن لا ينجس؛ لحديث أبي هريرة كما روى البخاري و مسلم قال: ( سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس )، حياً وميتاً، لفظة: (حياً وميتاً) من عندي؛ وليست من الحديث، وإلا فالحديث: (إن المؤمن لا ينجس ).
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] | 2631 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] | 2589 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] | 2548 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] | 2545 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] | 2525 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [22] | 2453 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] | 2388 استماع |
الروض المربع - كتاب البيع [20] | 2375 استماع |
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] | 2359 استماع |
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] | 2357 استماع |