تفسير آية - الأعراف [146]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى المهاجرين والأنصار، أما بعد:

ففي الآية السادسة والأربعين بعد المائة من سورة الأعراف يقول ربنا جل جلاله: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف:146].

قرأ حمزة والكسائي وخلف العاشر: (الرشد) بفتح الراء والشين، وقرأ الباقون بضم الراء وسكون الشين، وهما لغتان في المصدر، نحو: البخل والبَخل، والرُشد والرَشد خلاف الغي.

وردت هذه الآية في سياق الحديث عن فرعون وأمثاله من المتكبرين الذين عتوا عن أمر ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد.

فيخبر ربنا تبارك وتعالى أنه يجزيهم على كبرهم بصرفهم عن أدلة عظمته وحجب قلوبهم عن فهم آياته وتدبر معانيها.

وبين صفات هؤلاء الخاسرين أنهم لا تغني عنهم الآيات والنذر وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا[الأعراف:146]، وأنهم بعيدون عن أسباب الهداية والرشاد، مسارعون في اتخاذ سبل الغواية والضلال، ومرد هذا كله إلى التكذيب والغفلة التي تمادوا فيها، فكان الجزاء من جنس العمل: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ[الصف:5]، فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً[البقرة:10].

جزاء المتكبرين في القرآن الكريم

وفي الآية لطائف:

اللطيفة الأولى: بين سبحانه في هذه الآية أن جزاء المتكبرين صرفهم عن الهدى، وبين في آيات أخرى أنواعاً من الجزاء الذي يحيق بمن تكبر على الله ورسله، من ذلك:

أولاً: الطبع على القلب: كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر:35].

ثانياً: البغض من الله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ [النحل:23].

ثالثاً: الخيبة والخسران: وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ [إبراهيم:15].

رابعاً: الذل والصغار في النار: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].

ذكر بعض المتكبرين في القرآن الكريم

اللطيفة الثانية: أن القرآن الكريم ذكر بعض المتكبرين ممن ساءت عاقبتهم وغضب الله عليهم ولعنهم:

منهم إبليس: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ[البقرة:34].

ومنهم فرعون وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ[القصص:39].

ومنهم قارون الذي قال: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي[القصص:78].

ومنهم الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي ، قال تعالى في شأنهما: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا[مريم:77-78].

قال الحسن البصري رحمه الله: إن من الكفار من يبالغ في كفره وينتهي إلى حد إذا وصل إليه مات قلبه.

وقال بعض السلف: لا ينال العلم حيي ولا مستكبر.

وقال آخر: من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في الجهل أبداً.

وفي الآية لطائف:

اللطيفة الأولى: بين سبحانه في هذه الآية أن جزاء المتكبرين صرفهم عن الهدى، وبين في آيات أخرى أنواعاً من الجزاء الذي يحيق بمن تكبر على الله ورسله، من ذلك:

أولاً: الطبع على القلب: كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر:35].

ثانياً: البغض من الله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ [النحل:23].

ثالثاً: الخيبة والخسران: وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ [إبراهيم:15].

رابعاً: الذل والصغار في النار: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].

اللطيفة الثانية: أن القرآن الكريم ذكر بعض المتكبرين ممن ساءت عاقبتهم وغضب الله عليهم ولعنهم:

منهم إبليس: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ[البقرة:34].

ومنهم فرعون وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ[القصص:39].

ومنهم قارون الذي قال: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي[القصص:78].

ومنهم الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل السهمي ، قال تعالى في شأنهما: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا[مريم:77-78].

قال الحسن البصري رحمه الله: إن من الكفار من يبالغ في كفره وينتهي إلى حد إذا وصل إليه مات قلبه.

وقال بعض السلف: لا ينال العلم حيي ولا مستكبر.

وقال آخر: من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في الجهل أبداً.

في الآية الكريمة فوائد:

الأولى: أن حصول الإيمان في قلب العبد إنما يكون بمشيئة الله وحده.

الثانية: أن فهم آيات الله وحسن النظر فيها نعمة من الله على العبد، كما أن عدم فهمها وتدبرها عقوبة من الله للعبد.

الثالثة: أن الكبر من أقوى عوامل الصرف عن آيات الله، قال سفيان بن عيينة رحمه الله: أنزع عنهم فهم القرآن وأصرفهم عن آياتي.

الرابعة: أن التكذيب بآيات الله والغفلة عنها هما سبب كل ضلال وشر وظلم وفساد.

الكبر على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: التكبر على الله، وذلك أفحش أنواع الكبر، ومثله حال النمرود الذي قال: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ[البقرة:258]، وحال فرعون الذي قال: أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى [النازعات:24]، وقال: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي[القصص:38]، وكذلك كفار قريش، كما قال تعالى: لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ[النساء:172]، وقال سبحانه عن كفار قريش كذلك: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً [الفرقان:60].

القسم الثاني: التكبر على الرسل، من حيث ترفع النفس عن الانقياد لبشر مثل سائر الناس، قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدْ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً [الفرقان:21]، وقال حاكياً مقالة الكفار: أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ [المؤمنون:47].

القسم الثالث: التكبر على العباد، وذلك بأن يستعظم نفسه ويستحقر غيره.