أسماء الله الحسنى - الملك والمالك والمليك


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى جميع المرسلين.

أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين!

من أسماء ربنا الحسنى جل جلاله ثلاثة أسماء وهي: الملك والمالك والمليك.

أما اسمه الحسن (الملك) فقد ورد في القرآن خمس مرات, كما في قول الله عز وجل: فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الْحَقُّ[طه:114], وكما في قوله سبحانه: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ[الناس:1-2], وكما في قوله سبحانه: هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ[الحشر:22-23].

وأما اسمه (المالك) فقد ورد مرتين، في قوله سبحانه: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ[الفاتحة:4], على إحدى القراءتين, وفي قوله سبحانه: قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ[آل عمران:26].

وأما اسمه (المليك) فلم يرد إلا مرة واحدة في قوله سبحانه: إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ[القمر:54-55].

في قول الله عز وجل: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ[الفاتحة:4], في سورة الفاتحة قراءتان, مالك وملك, وقد اختلف أهل العلم أيهما أبلغ؟ فقيل: ملك أبلغ؛ لأن الملك هو المالك, فكل ملك مالك, وليس كل مالك ملك؛ ولأن أمر الملك نافذ على المالك فيما يملك.

وقال بعضهم: بل المالك أبلغ؛ لأنه يكون مالكاً للناس ولغيرهم, وتوسط آخرون فقالوا: المالك أبلغ في مدح الخالق جل جلاله, والملك أبلغ في مدح المخلوقين من (مالك).

قال الله عز وجل: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ[الفاتحة:4], وهو سبحانه مالك الأيام كلها, مالك الزمان, ومالك المكان, فلم خص يوم الدين بالذكر؟

قال أهل العلم: في ذلك معنيان:

المعنى الأول: أن في ذلك اليوم الملك مختلف؛ لأنه تبدل الأرض غير الأرض والسموات.

المعنى الثاني: أن البشر في الدنيا لهم شبهة ملك, فالواحد منهم كان يملك مالاً, أو يملك حكماً, أو جاهاً, لكنهم وهم في الدنيا مع ملكهم بين أمرين أحلاهما مر, إما أن يزول عنهم هذا الملك, وإما أن يزولوا عنه.

ولذلك بعض الملوك الكبار -وكان فعلاً ملكاً- وهو هارون الرشيد رحمه الله لما نزل به الموت ناجى ربه جل جلاله فقال: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه!

فالإنسان قد يزول عن الملك بالموت, وقد يكون حياً فيزول عنه الملك, لكن على كل الأحوال هم في يوم القيامة لا يملكون شيئاً؛ ولذلك ( الله عز وجل يقبض السموات بيد ويقبض الأرضين بيد, ثم ينادي أين الجبارون؟! أين المتكبرون؟! أين الملوك وأبناء الملوك؟! لمن الملك اليوم؟! فلا يجيبه أحد، وكلهم صرعى، فيجيب نفسه بنفسه يقول سبحانه: للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ[غافر:16-17] ). وقال سبحانه: المُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا[الفرقان:26] ، وقال سبحانه: قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ[الأنعام:73].

هذه الأسماء الثلاثة نحن نؤمن بها, نؤمن بأن الله ملك, وأن الله مالك وأن الله مليك, والإيمان بهذه الأسماء الثلاثة الحسنة, ينبغي أن ينتج آثاراً:

أولاً: أن نعتقد يقيناً أن الملك الحقيقي لله وحده, وكل ملك سوى ملك الله فإنما هو ملك مجازي, فالملك الحقيقي لله وحده, لا يشركه فيه شيء، قال تعالى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ[سبأ:22], كل من ملك شيئاً إنما هو بتمليك الله عز وجل إياه, وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا مالك إلا الله ).

ثانياً: من آثار ملكه جل جلاله أنه يتصرف في ملكه بما يشاء, كما قال سبحانه: يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ[الرحمن:29], يعز ذليلاً, ويذل عزيزاً, ويرفع وضيعاً, ويضع رفيعاً, ويغني فقيراً ويفقر غنياً.

من آثار تصرفه جل جلاله: أنه قد يُمرض صحيحاً ويصح سقيماً, يحيي ميتاً ويميت حياً, كل يوم هو في شأن.

ومن شأنه جل جلاله أن يغفر ذنباً, ويفرج كرباً, ويرفع قوماً ويخفض آخرين يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ))[البقرة:247].

ومن لوازم كونه ملكاً جل جلاله أن يكون قادراً على كل شيء, لا يعجزه شيء, ولا يمتنع عليه شيء؛ ولذلك هو سبحانه يقبض ويبسط, يخفض ويرفع, يعطي ويمنع, يعز ويذل, ويقهر ويحكم جل جلاله.

إذاً: من عبد غير الله فإنما عبد من لا يملك, عبد مملوكاً مثله, قال الله عز وجل: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ[النحل:73]، وقال سبحانه: قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[المائدة:76]، وقال سبحانه: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ[فاطر:13].

ومن الناس من يطغى ويظن أنه المالك الحقيقي, وينسى أنه عبد مربوب مستخلف؛ ولذلك حكى الله عز وجل لنا عن ذلك الملك الظالم فرعون الذي قال: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ [الزخرف:51], ثم سخر من نبي الله فقال: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ[الزخرف:52], فالله عز وجل أجرى هذه الأنهار من فوقه, فأغرقه وأذله، قال تعالى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً[يونس:92].

وكذلك النمرود بن كنعان الذي قال: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ[البقرة:258], فالله عز وجل جعله آية.

لا يجوز لإنسان أن يتسمى ملك الملوك, ولا ملك الأملاك, وبالتحديد في هذه الأيام فقد تسمى أحدهم ملك الملوك, سبحان الله!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أخنع الأسماء عند الله رجل تسمى ملك الأملاك ), قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ويلحق به ما كان في معناه, مثل سلطان السلاطين, وأحكم الحاكمين, وأمير الأمراء, قال ابن القيم رحمه الله: وألحق بعض أهل العلم بهذا قاضي القضاة, قال: وليس قاضي القضاة إلا من يقضي بالحق وهو خير الفاصلين, وهو رب العالمين الذي إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون. وَلَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ[الأنعام:73].

أسأل الله أن يزيدنا إيماناً! وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أسماء الله: (الملك والمالك والمليك) مشتق من الملك, والملك هو: احتواء الشيء والقدرة على الاستبداد به, فملك الله عز وجل معناه: سلطانه وعظمته وجبروته وعزته.

وكلمة (الملكوت) مختصة بملك الله عز وجل، قال تعالى: قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ[المؤمنون:88], وهي مبالغة من الملك, وأدخلت فيه التاء، كما يقال في: جبروت ورهبوت ورحموت.

قال تعالى: أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ[الأعراف:185].

ويقول ابن كثير رحمه الله: الملك أي المالك لجميع الأشياء, والمتصرف فيها بلا ممانعة ولا مدافعة.

وحقيقة الملك ما يقول ابن القيم رحمه الله: إنما تتم بالإعطاء والمنع, والإثابة والعقوبة, والغضب والرضا, والإكرام والإهانة, والتولية والعزل, وإعزاز من يليق به العز وإذلال من يليق به الذل, وهذا لا يتأتى على وجه الكمال إلا لرب العزة جل جلاله, فهو الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء, يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء, يثيب من يشاء ويعاقب من يشاء, يغضب على من يشاء ويرضى على من يشاء, سبحانه وتعالى.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
أسماء الله الحسنى - الفتاح 2427 استماع
أسماء الله الحسنى - القاهر والقهار 2143 استماع
أسماء الله الحسنى - الرحمن الرحيم 2120 استماع
أسماء الله الحسنى - العزيز 2024 استماع
أسماء الله الحسنى - الاسم العلم الله 1996 استماع
أسماء الله الحسنى - الحكم والحاكم والحكيم 1988 استماع
أسماء الله الحسنى - السميع 1980 استماع
أسماء الله الحسنى - اللطيف 1959 استماع
أسماء الله الحسنى - القدوس 1935 استماع
أسماء الله الحسنى - الرازق والرزاق 1747 استماع