خطب ومحاضرات
فلنرجع إلى عقيدتنا
الحلقة مفرغة
الحمد لله على نعمه التي تترا علينا متوالية: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34].
أما بعد:
عباد الله! لعل العقيدة التي دائماً ننادي بها فنقول: نحن أمة العقيدة. لطالما سمعناها رنانة من سلفنا رضي الله عنهم وأرضاهم.
إننا أمة عقيدة متى تمسكت بعقيدتها خافها أعداء الإسلام.
إننا أمة عقيدة متى تمسكت بعقيدتها هابها الكفر ومن كان من أعوانه، مهما كان عندهم من عتاد وعدة.
إننا أمة عقيدة متى تمسكت بها ثبتت عند الشدائد والمحن.
إننا أمة لطالما قلنا: نحن أمة العقيدة، أين عقيدتنا في خضم هذه الأحداث التي أحدقت بأمتنا المسلمة؟
إن الكلام عن الأحداث والأحاسيس حول هذه الأحداث يطول، ولطالما حدثتُ نفسي في الكلام حول هذا الموضوع، وآن الأوان أن نتكلم عن جزئية من ملاحظات حول هذه الأحداث.
إن هذه الأحداث التي نعيشها وبسببها سمينا عصرنا: عصر الفتن، فما تأتينا من فتنة إلا وأختها من بعدها، تأتي تلك الفتنة ترقق لأختها لتعلم الأمة: أنها إن لم ترجع إلى عقيدتها رجعة صادقة، وإلا فإن ما بعدها من الفتن أعظم وأعظم، إن هذه الفتنة التي أحدقت بأمتنا أعطتنا إفرازات معينة، وبينت لأمتنا منهجاً إن رجعت إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم انطلقت على المنهج المستقيم.
هذا الموضوع فلنرجع لعقيدتنا رتبته على سبعة عناصر:
الأول: حول الأحداث.
والثاني: حالة العرب قبل هذه العقيدة، أي: عقيدة الإسلام.
والثالث: مزايا عقيدة الإسلام.
والرابع: وقفة مع بعض أصول الإيمان.
والخامس: أثر العقيدة الإسلامية على المجتمعات المسلمة.
والسادس: أمثلة لرجال العقيدة.
والسابع: أمور تعين على الرجوع إلى العقيدة الصحيحة.
وأسأل الله أن ييسر الوقت لإكمال هذه العناصر.
أولاً: نقول: إن هذه الأحداث التي أحدقت بأمتنا بينت لنا أننا أمة في حاجة إلى الرجوع إلى علم الشرع، ونقصد بذلك علم الكتاب والسنة، لسنا في حاجة للعلوم الدنيوية؛ فإن العلوم الدنيوية أستطيع بأن آتي بأي شخص يفيدني فيها، أما علوم الشرع فلا أستطيع أن أستعين بقوى الكفر، أو بقوى الشرق والغرب حتى يبينوا أصول ديننا.
تركنا النبي صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولما أحدقت بنا الفتن أصبح الناس يتخبطون يمنة ويسرة. ما المخرج من هذه الفتنة؟ وإذا بهم نسوا ما ترك لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي) فصلى الله عليه وسلم.
إن الله قد ترك لنا هذا النور الذي أرسله على يدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فجعل من استضاء بنور الشرع مستضيئاً بنور الله تعالى، أما كثير من الناس فقد تنكبوا عن علوم الشرع، ونسوا علم الكتاب والسنة، فلما جاءتهم الفتنة التفتوا يمنة ويسرة فلم يجدوا لهم مخرجاً، فنقول: علينا بالرجوع الصادق للعلم الشرعي.
ثم نقول: إن الكلام حول العلم الشرعي وأهميته يحتاج إلى محاضرة مستقلة، ولكن نسرد بعض هذه الملاحظات حول هذه الأحداث.
ثانياً: تبين لنا بأننا في حاجة لعقيدة إسلامية صافية ناصعة بيضاء، يستضيء الناس بنورها، إن كثيراً من الناس قد أهملوا دروس العقيدة والاهتمام بالعلم الشرعي، ورأوا أنهم قد استغنوا عن العلم لما انطلقوا للأشياء المادية، وهذا من جهلهم؛ فإن أمتنا لطالما قلنا: إنها أمة العقيدة. إن العقيدة يجب أن تسري في جسد الإنسان كما يسري الدم في جسده، لذا يجب علينا أن نرجع إلى هذه العقيدة رجعة صادقة، وهذا ما سنتوسع فيه.
اهتم كثير من المسلمين بالعلوم المادية، ولم يفكر كثير من الناس بهذا الدين، ولذا قلصت علوم الإسلام في الدراسات والتعليم، وانحصرت اهتمامات الناس بعلوم الدنيا، وعلوم العقيدة تنشأ مع الإنسان وهو طفل ثم يتدرج بعد ذلك فتضأل ثم تضعف، حتى إذا بلغ مستوى الجامعة لم يدرس عقيدةً، ولم يدر ما هي العقيدة الصحيحة، ولا المنهج المستقيم، مما يدلنا على جهلنا بعقيدتنا الإسلامية.
عقيدتنا يجب أن تربطنا بكل شيء، إن المسلم بعقيدته يسمو ويعلو، وتصبح له العزة والتمكين، إن عقيدتنا تأمرنا بأن نرتبط برب يقول للشيء: كن فيكون، وعند ذلك نقوى، وننظر إلى عزتنا وقوتنا بقوة عقيدتنا.
ثالثاً: هناك أمر حول هذه الأحداث، وهو إننا في حاجة للتفتيش عما في المجتمع من المعاصي والذنوب التي سببت مثل هذه الفتنة، وسببت تسلط الأعداء يمنة ويسرة، والله يقول: وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً [الأنعام:129].
كم هم الذين ارتبطوا بدين الله مع هذه الأحداث؟!!
كم هم الذين بعد هذه الفتنة انطلقوا لصلاة الفجر يواظبون عليها أشد المواظبة؟!!
كم هم الذين استقاموا على دين الله لما أحدقت بهم الخطوب، ورأوا شرر الحرب يتَّقد فقالوا: لا مخرج لنا إلا برجوعنا إلى الله رجعةً صادقةً، برجوعنا إلى هذا الدين وتمسكنا به تمسكاً صادقاً، ليست مجرد دعوى ننادي بها دائماً، إنما بسلوكنا العملي؟!!
رابعاً: إننا في حاجة كاملة إلى قضية التناصح فيما بيننا، إن ذلك هو الذي يضعف هذه المنكرات التي أحدقت بكل بيت مسلم في الطريق والبيت والمدرسة، قلما تتجه إلى جزء من المجتمع إلا وتجد فيه من المنكرات والمعاصي ما لا يعلمه إلا الله.
ضعف التناصح بيننا، وعند ذلك سفينة الحياة تخرق ونحن ننظر إليها، إن لم نتآمر بالمعروف ونتناهى عن المنكر، وننطلق لرفع راية الإيمان في المجتمع خفاقة كما رفعها النبي صلى الله عليه وسلم، أصبحنا في ضعف وخور، وضعفت العقيدة في نفوسنا.
يجب أن نأمر بالمعروف جميعاً: حكاماً ومحكومين، شباباً وكباراً، رجالاً ونساءً، لا نترك هذا الأصل العظيم ثم بعد ذلك نقول: لم لا نستطيع أن نقف أمام هذه الفتن؟ نقول: لأن سفينة الحياة يخرقها بعض الناس، فلا بد من إبعادهم عن خرق هذه السفينة، وإلا غرقوا وغرقنا معهم جميعاً.
خامساً: يجب أن نعلم أن من الأمور التي أخرجت لنا هذه الأحداث ضعف قضية الولاء والبراء، ولطالما سمع أحبتي محاضرات حوله، إن لنا عقيدة في مسألة الولاء والبراء، نوالي لأي شيء؟ ألأنه عربي؟! ألأنه قريب لي؟! ألأنه من قبيلتي؟! ألأني أسكن معه في موطنٍ واحد؟! ذلك ولاء وبراء قد ألغاه الإسلام، إن الولاء والبراء عندنا هو على ضوء هذا الدين، لم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)؟ ليعطينا معلماً سامياً نسمو به على ضوء عقيدتنا، وتمسكنا بهذه العقيدة، فإن أحببنا الإنسان أحببناه لله، وإن أبغضناه أبغضناه في الله، وإن كان أخانا أو من أقرب الناس إلينا.
ثم نقول في هذه الأحداث: تساقطت القومية العربية ، وأصبحت بعد ذلك أشلاءً ضعيفة؛ لما رأينا أن العربي يقتل العربي، وكلكم يراه بأمِّ عينه.
سادساً: إن أمتنا بحاجة إلى إعداد عسكري عام ليس لفئة معينة -ولعل الله أن ييسر محاضرة مستقلة سميتها: الصحابة والجهاد- آن الأوان لأن نترك الزمر والطرب واللهو واللعب، آن الأوان لشد المئزر ولحمل المدفعية والسلاح؛ لننطلق إلى بلاد الكفر لنعلن راية التوحيد خفاقة (لا إله إلا الله).
ونقول للناس جميعاً: لسنا في إعداد لمجرد دفاع عن وطن أو قومية أو غير ذلك، إنا لا ندافع عن التراب، ولئن دافعنا عن ترابنا لأنا نقول: إنه بلد إسلامي، لأن من هذا البلد انطلقت راية التوحيد خفاقة لتعلن للناس: يجب أن تدخلوا في دين الله أفواجاً، لسنا نربي الناس ليدافعوا عن مبادئ هدامة أو غير ذلك، بل نقول لهم: انطلقوا للدفاع عن راية التوحيد، حتى لا يقف أمامها أحد من الناس، هكذا علمنا ديننا، وهذه هي عقيدتنا، أوليس الصحابة الأخيار خرجوا من مكة وهي موطنهم ورجعوا مع المصطفى يرفعون سيوفهم على أهل مكة وهو موطنهم، ليعودوا وليدخلوا في دين الله أفواجاً، لم يدافعوا عن تراب بل جاءوا بسيوفهم ووضعوها في رقاب الكفار، لأنهم لم يذعنوا لراية التوحيد والعقيدة.
إن بعض الناس يظنون أننا في حاجة للقوى العسكرية فقط، وينظرون إلى قضية الأشياء المادية، وهذا من الجهل والخطأ، لسنا في حاجة للإعداد العسكري بكامله، أوليس الله يقول: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60] .. لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286] نعد ما استطعنا من قوة، ونتمسك بعقيدتنا وينصرنا رب السماوات والأرض.
سابعاً: هكذا يجب أن نعمل، أما أن تكون نظرة الناس تحليلات، كما تبثه إذاعات الغرب يمنة ويسرة، ويقارنون قواتنا بقوات الكفار فيرون عددهم أكبر، أين ارتباطنا بالرب الذي يقول للشيء: كن فيكون؟!! أين إيماننا بعقيدتنا أن ربنا يدبر السماوات والأرض: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ [فاطر:44] .. أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ [الملك:16] أين إيماننا بعقيدتنا نحن؟!!
ونقول كذلك: إن الله قد قال لرسوله: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] والله لو جاءت جميع القوى ولم يرد الله نصرنا ما استطعنا أن ننتصر على أي أحد، لم يقول ربنا: إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160] .. وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً [التوبة:25]؟
نظر الصحابة إلى عتادهم وما عندهم من القوة، ويهزم الصحابة الأخيار لما اعتمدوا على قواهم المادية، فليعلم كل أحد: أن أمة الإسلام لا تنتصر بعددها وعدتها، إنما تنتصر بقوة تمسكها بهذه العقيدة.
ثامناً: إن أمتنا في حاجة إلى معرفة قضية التوكل: فإن كثيراً من الناس لا يعرفون معالم التوكل، انطلق الناس في قضاياهم لما حدث، وإذا بهم ينظرون إلى الأشياء المادية فكان همّ الإنسان منا أن يكنز من الأرز والسكر وغير ذلك من الأطعمة، أين ربنا الذي يقول: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]؟ الله هو الرازق ولن يضيع خلقه سبحانه.
ونقول: اهتم كثير من الناس بغلاء الطماطم وغير ذلك، وهذا مما يدل على ضعف التوكل عندهم، نحن أمة أُمرنا أن نرتبط برب السماوات والأرض، ونتوكل على الله حق توكله، لمَّا قال النبي صلى الله عليه وسلم موجهاً لأولئك الأخيار: (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير) الطائر يطير من الشجر ليس معه شيء من الطعام، فيجوب في الدنيا، ويأكل من رزق الله تعالى، الرازق هو الله فهو متوكل على الله حق توكله.
تاسعاً: وأمر أخير أنبه عليه: إن أمتنا في حاجة لدراسة مخططات الأعداء الذين أحدقوا بنا، كفانا غفلة وتناسياً وضياعاً ولهواً وطرباً وغير ذلك، إذا كان الأعداء يخططون لأمتنا لهدم ديننا فلا نسكت ونقول: نتوكل على الله ولا نعمل، بل نحن أمة يجب أن تكون فاحصة في نظرتها للمجتمع، إن كثيراً من الناس لا يفقهون ما يحدق بأمتهم، ولا ينظرون إلى المعاصي والمنكرات، ولا يفتشون في مجتمعهم عما أحدق فيهم من الخير، وبعض الناس في غيبوبة، فهم في حاجة إلى أن يشتروا نظارات إسلامية ليبصروا المجتمع وليروا ما فيه من المعاصي، والأخطار التي أحدقت بأمتهم، هذه أحاسيس حول الأحداث.
ننطلق إلى الجزئية الثانية: كيف كانت حالة العرب قبل هذه العقيدة التي ننعم نحن بها؟
كان العرب في الجاهلية يدينون لعدة آلهة، لا يعبدون إلهاً واحداً. حصين لما جاء للنبي قال له صلى الله عليه وسلم: (كم تعبد؟ قال: أعبد سبعة؛ ستة في الأرض وواحداً في السماء، قال: إذا أصابتك الشدائد أين تلتجئ؟ قال: للذي في السماء، قال: فاعبد الذي في السماء واترك التي في الأرض).
كان حول هذه الكعبة المشرفة من الأصنام التي تعبدها العرب ثلاثمائة وستون صنماً، يطوفون حولها، ويذبحون لها وينذرون.. إلى غير ذلك.
كانوا لا يلتزمون بالشرع، يحلون ما شاءوا ويحرمون ما شاءوا، وينسبون لله الولد، ويجعلون البنات لله سبحانه وتعالى.
كانت حياتهم مليئة بالمنكرات كانوا يقتلون أولادهم خشية إملاق، كانوا يئدون البنات مخافةً من العار، كان يغزو بعضهم بعضاً، ويفتك بعضهم ببعض، تقوم الحرب وتبقى سنوات طويلة لأتفه الأسباب؛ لأن جملاً ورد على حوض أناس فلطموه ثم قامت الحرب ويقتل الرجال، ويسبى النساء والأولاد، ويقول شاعرهم:
وهل أنا إلا مـن غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد |
أي: تبعاً لقبيلته.
وكذلك يقول الآخر:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يُظلم |
وكانت الشعوب المجاورة أيام الجاهلية، بعضها قد دخلت تحت ألوية كافرة؛ فالمناذرة تحت الفرس، والغساسنة تحت الروم، وأهل اليمن كانوا تحت حكم الحبشة، ولم يكن لهم دين ولا عز ولا تمكين.
ثم جاءتهم هذه العقيدة فنشروا دين الله في أصقاع الدنيا، وأصبح لهم تأثير عظيم في تاريخ الأمة إلى قيام الساعة، بمقتضى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم) ويبينها النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم (الذين يصلحون ما أفسد الناس) (أو أنهم يصلحون إذا فسد الناس) وانطلقوا من هذه الجزيرة ليشعوا للناس نور الله الذي أنزله الله عليهم.
جاءتهم هذه العقيدة وتميزت بمزايا:
عقيدة تلائم فطرة الناس
عقيدة ثابتة لا تقبل الزيادة والنقصان
إذاً: عقائدنا لا تتطور أبداً، بل تكون أصيلة عميقة، لا زيادة فيها ولا نقصان، ومن هنا من درس العقائد الأخرى وجد أنها تتطور في عصر من العصور؛ لتناسب الأقوام، اقرءوا تاريخ الكنيسة، فما بين مرور مائة أو مائتين سنة يجدون فيها تطويراً في أصول إيمانهم، نحن إذا جاءنا الرجل المسلم في عصرنا في القرن العشرين قلنا له: قل لا إله إلا الله. والنبي كان يقوله للصحابة أول ما يدخل أحدهم في الإسلام: قل لا إله إلا الله، إلى قيام الساعة لا تغيير في عقيدتنا ولا أصولنا الإيمانية.
عقيدة قائمة على الحجة البالغة والدليل الواضح
عقيدة وسط بين العقائد
وهكذا عقيدتنا وسط بين العقائد الأخرى، حتى في المذاهب الإسلامية نحن وسط في باب الإيمان والصحابة؛ لا نغلو في الصحابة حتى نجعلهم في مرتبة الألوهية، ولا نقصر فيهم حتى نسبهم، بل ننزلهم المنزلة التي نزلت أو جاءتنا في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
عقيدة سهلة واضحة ليس فيها غموض ولا تعقيد
عقيدة ليست محتكرة على طائفة دون أخرى
عقيدة ثمينة غالية ليست مهانة كغيرها من العقائد
انطلق الصحابة الأخيار بأنفسهم يدافعون عن هذه العقيدة، فمنهم من مات في أثناء الطريق، ومنهم من أمد الله بعمره حتى وقفت هذه العقيدة في وجوه أهل الكفر، وقمع الله أهل الإلحاد فانتشر دين الله، ودخل الناس في دين الله أفواجاً.
أوليس الصحابة ضحوا بأنفسهم وبأموالهم؟ صهيب لما انطلق من مكة إلى المدينة وترك ماله قال: [أعطيكم مالي وتتركوني أهاجر -حتى يدافع عن هذه العقيدة- قالوا: نعم] ويقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له: (ربح البيع
لم شرعت الهجرة في ديننا نحن؟!
أليست شرعت حماية لهذه العقيدة؟ كم سافر من الأصحاب رضي الله عنهم وتركوا الأهل والأقرباء والأولاد والذرية، انطلقوا فراراً بدينهم علهم أن ينشروا هذا الدين، وفتح الله ما فتح عليهم من هذه الأمصار.
أولاً: من مزايا هذه العقيدة: أنها تلائم الفطر وتنميها ولا تصادمها أبداً بمقتضى قول الله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:30] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه) وفي رواية: (أو يمجسانه) ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: أو يسلمانه؛ لأنه فُطر على الإسلام وقبوله، وهذا يبين لنا أن عقيدتنا تناسب الفطر، تسأل الإنسان: أين ربك؟ وهو طفل صغير، وننشأ نحن ويعلم الإنسان بفطرته بأن ربه في السماء؛ لأن هذه هي فطرة الله التي فطر الناس عليها.
ثانياً: هي عقيدة ثابتة لا تقبل الزيادة ولا النقصان، ولا تقبل التغيير ولا التطور بمرور الأزمان والأعصار، وتعاقب الأجيال، فلذا نقول: ليس لحاكم من الحكام، ولا لمؤتمر من المؤتمرات، ولا لعالم من العلماء أن يزيد في العقيدة أو ينقص منها، بل إنه متى نقص أو زاد قلنا له قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).
إذاً: عقائدنا لا تتطور أبداً، بل تكون أصيلة عميقة، لا زيادة فيها ولا نقصان، ومن هنا من درس العقائد الأخرى وجد أنها تتطور في عصر من العصور؛ لتناسب الأقوام، اقرءوا تاريخ الكنيسة، فما بين مرور مائة أو مائتين سنة يجدون فيها تطويراً في أصول إيمانهم، نحن إذا جاءنا الرجل المسلم في عصرنا في القرن العشرين قلنا له: قل لا إله إلا الله. والنبي كان يقوله للصحابة أول ما يدخل أحدهم في الإسلام: قل لا إله إلا الله، إلى قيام الساعة لا تغيير في عقيدتنا ولا أصولنا الإيمانية.
ثالثاً: عقيدتنا مبرهنة، ففي كل جزئية من جزئياتها تتبعها الحجة الدامغة، والدليل الناصع، ونجد كل مسألة من مسائلها، لا بد أن تتبع بدليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نقول للناس: اعتقد وأنت أعمى، لا نقول للناس: انطلق معنا ونحن ندلك على الطريق. بل نقول: هذا دليلنا من كتاب الله وسنة رسوله، فالتزم بهذه العقيدة وتمسك بها، لسنا نقول للناس: اتبعونا وقلدونا. لما قال اليهود والنصارى كما حكى الله عنهم في سورة البقرة: وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ [البقرة:111] قال الله: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:111] أعطونا دليلاً على هذه القضية من قضايا الاعتقاد.
رابعاً: من مزايا عقيدة الإسلام أنها عقيدة وسطية، فلا إفراط فيها ولا تفريط، فهي وسط بين العقائد على وجه العموم، يوجد من أصحاب العقائد من ينكرون وجود الله بالكلية كحال الشيوعيين وغيرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون، ويوجد من العقائد من يثبت عدة آلهة، فجاءت عقيدة الإسلام لتثبت الألوهية للرب الذي يقول للشيء: كن فيكون، للرب الذي خلق السماوات السبع والأرضين السبع.
وهكذا عقيدتنا وسط بين العقائد الأخرى، حتى في المذاهب الإسلامية نحن وسط في باب الإيمان والصحابة؛ لا نغلو في الصحابة حتى نجعلهم في مرتبة الألوهية، ولا نقصر فيهم حتى نسبهم، بل ننزلهم المنزلة التي نزلت أو جاءتنا في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عمر سعود العيد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
دروس من سورة الحجرات | 2588 استماع |
المواقيت - الإحرام - الطواف | 2579 استماع |
خطر الشرك | 2554 استماع |
معركة الفرقان | 2543 استماع |
وأمر أهلك بالصلاة | 2502 استماع |
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم | 2453 استماع |
أحوال المرأة في رمضان | 2233 استماع |
لا يزال الخير في أمتي | 2206 استماع |
وعمره فيما أفناه | 2177 استماع |
من هدي النبي | 2170 استماع |