خطب ومحاضرات
أي الغادين أنت
الحلقة مفرغة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وأسأل الله الذي جمعنا وإياكم في هذا المسجد أن يجمعنا وإياكم في هذه الحياة على الإيمان، ثم يجمعنا بكم أخرى سرمدية أبدية في جناتٍ ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
أيها الإخوة في الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً صالحة تُبيَّض وجوهنا يوم نلقى الله عز وجل: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:106-107].
الأمر جد وهو غير مزاح فاعمل لنفسك صالحاً يا صاح |
كيف البقاء مع اختلاف طبائع وكرور ليل دائم وصباح |
تجري بنا الدنيا على خطر كما تجري عليه سفينة الملاح |
تجري بنا في لج بحر ما له من ساحل أبداً ولا ضحضاح |
فاقضوا مآربكم عُجالى إنما أعماركم سفراً من الأسفار |
وتراكضوا خيل الشباب وحاذروا أن تُسترد فإنهن عوار |
شدة خوف الصحابة الكرام من الموت
الموت آت والنفوس نفائس والمستغر بما لديه الأحمق |
الموت باب وكل الناس سيدخلون من هذا الباب وما من باب إلا وبعده دار .
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها |
فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشرٍ خاب بانيها |
الموت باب وكل الناس داخله يا ليت شعري بعد الموت ما الدار |
الدار دار نعيم إن عملت بما يُرضي الإله وإن فرطت فالنار |
الموت.. صرخات وزفرات
أما والله لو حملنا جنازةً من الجنائز ثم سمعنا تلك الصرخات -يا ويلها أين تذهبون بها- لصعقنا، ولما تدافنا، ولما حملنا جنازة أبداً، ولقد خشي هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا كما في الصحيح يوم يقول: {والله لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع} وها هو صلى الله عليه وسلم كما في المسند من حديث البراء يرى أُناساً مجتمعين فيسأل عن سبب اجتماعهم؟ فقيل: على قبرٍ يحفرونه، على ذاك المصير الذي لابُدَّ لكل واحد منا أن يسكنه؛ كبر أم صغر، عزَّ أم ذل، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعاً مسرعاً حتى انتهى إلى القبر، فجثى على ركبتيه ثم بكى طويلاً، ثم رفع رأسه، فإذا دموعه تتحدر على لحيته قائلاً: {أي إخواني! لمثل هذا فأعدوا}.
إلى كم ذا التراخي والتمادي وحادي الموت بالأرواح حادي |
فلو كُنَّا جماداً لاتعظنا ولكنا أشد من الجماد |
تُنادينا المنية كل وقت وما نصغي إلى قول المنادي |
وأنفاس النفوس إلى انتقاصٍ ولكن الذنوب إلى ازدياد |
إذا ما الزرع قارنه اصفرار فليس دواؤه غير الحصاد |
كأنك بالمشيب وقد تبدَّى وبالأخرى مُناديها يُنادي |
وقالوا قد قضى فاقرأ عليه سلامكمُ إلى يوم التنادي |
في الصحيح عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أَطَّت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك ساجد أو راكع، والله لو تعلمون ما أعلم؛ لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله} وفي رواية المنذري {ولحثوتم على رءوسكم التراب} يوم روى هذا الحديث أبو ذر رضي الله عنه بكى وأبكى، وقال [[وددت -والله- أني شجرة تعضد]] ويقول عبد الله بن عمرو بن العاص : [[والله لو تعلمون حق العلم ما تلذذتم بلذيذة، ولقام أحدكم بين يدي ربه حتى ينكسر صلبه، ولصاح حتى ينقطع صوته]] فلا إله إلا الله!
الموت آت والنفوس نفائس والمستغر بما لديه الأحمق |
الموت باب وكل الناس سيدخلون من هذا الباب وما من باب إلا وبعده دار .
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها |
فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشرٍ خاب بانيها |
الموت باب وكل الناس داخله يا ليت شعري بعد الموت ما الدار |
الدار دار نعيم إن عملت بما يُرضي الإله وإن فرطت فالنار |
فلا إله إلا الله كتب الموت على كل شيء واختص نفسه سبحانه بالبقاء كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27]. في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني! وإن كانت غير ذلك قالت -بصرخات تقض المضاجع-: يا ويلها أين تذهبون بها، لما ترى من العذاب، فيسمع صوتها كل شيء إلا الثقلين الإنس والجن} وتفزع البهائم فزعاً يلاحظه من يتابع سير البهائم بلا سبب، فلعل ذلك مما تسمعه ولا نسمعه نحن من صرخات المفرطين التي تقض المضاجع.
أما والله لو حملنا جنازةً من الجنائز ثم سمعنا تلك الصرخات -يا ويلها أين تذهبون بها- لصعقنا، ولما تدافنا، ولما حملنا جنازة أبداً، ولقد خشي هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا كما في الصحيح يوم يقول: {والله لولا ألا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع} وها هو صلى الله عليه وسلم كما في المسند من حديث البراء يرى أُناساً مجتمعين فيسأل عن سبب اجتماعهم؟ فقيل: على قبرٍ يحفرونه، على ذاك المصير الذي لابُدَّ لكل واحد منا أن يسكنه؛ كبر أم صغر، عزَّ أم ذل، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعاً مسرعاً حتى انتهى إلى القبر، فجثى على ركبتيه ثم بكى طويلاً، ثم رفع رأسه، فإذا دموعه تتحدر على لحيته قائلاً: {أي إخواني! لمثل هذا فأعدوا}.
إلى كم ذا التراخي والتمادي وحادي الموت بالأرواح حادي |
فلو كُنَّا جماداً لاتعظنا ولكنا أشد من الجماد |
تُنادينا المنية كل وقت وما نصغي إلى قول المنادي |
وأنفاس النفوس إلى انتقاصٍ ولكن الذنوب إلى ازدياد |
إذا ما الزرع قارنه اصفرار فليس دواؤه غير الحصاد |
كأنك بالمشيب وقد تبدَّى وبالأخرى مُناديها يُنادي |
وقالوا قد قضى فاقرأ عليه سلامكمُ إلى يوم التنادي |
أحبتي في الله! لماذا خُلقنا؟ ومن أين؟ وإلى أين؟ وما الهدف؟ وما الغاية؟ وما الحكمة من هذا الخلق؟
إن لكل شئ حكمة وضعها الله عز وجل؛ عرفها من عرفها، وجهلها من جهلها، الشمس من حكمها أنها تضيء للبشر، والمطر ينبت الأرض، والحيوانات لتركب ولتؤكل وزينة، ويخلق ما لا تعلمون وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ [النحل:7].
كل شئ في الوجود لحكمة من أصغر ذرة إلى أكبر مجرة.
فما الحكمة من خلقك أيها الإنسان؟!
ألتذبح الحيوانات لتأكلها؟
ألتلبس أبهى اللباس؟
ألتسكن أحسن الدور والقصور؟
ألتنكح أجمل الزوجات لتتمتع بهن؟
ألتنام على الوثير ولتتنعم؟
ألتركب أفخم السيارات؟
لا والذي رفع السماء بلا عمد! ما خُلِقْنَا إلا لعبادة الله الواحد الأحد القائل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ [الذاريات:56-57] والقائل سبحانه: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116].
القرآن كتاب هداية ونور
من التمس الهداية فيه هداه الله، ومن التمس الهدي في غيره أضله الله وأهانه: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج:18].
فما حالنا مع هذا القرآن؟! وما حال أبنائنا مع هذا القرآن؟ مع كلام الله جلّ وعلا، هل علَّمناه أبناءنا؟ هل دفعناهم إلى المساجد ليتعلموا كلام رب العزة والجلال؟
إن كُنَّا كذلك فأبشروا بالعزة والنصر في الحياة ،والسعادة يوم تلقون الله عز وجل. وإن كُنَّا غير ذلك فإنَّ من جعله خلف ظهره ساقه إلى النار، نسأل الله العافية من النار.
جاء صلى الله عليه وسلم بالقرآن ليقطع الطريق على كل مبتدع وكذاب وأفاك ومُدعٍ للنبوة من بعده صلى الله عليه وسلم، فلا نبي بعده؛ فخلَّد الله دعوته، وخلَّد الله رسالته، وجاء المدعون للنبوة في عهده ومن بعده فما جعل الله لدعوتهم أثراً؛ لأنها دعوة باطل، والباطل ساعة والحق إلى قيام الساعة.
جاء المدعون للنبوة من بعده فاندحروا بالقرآن، جاء مسيلمة فبم لُقِّب؟ لقب بالكذاب إلى اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وجاء الأسود العنسي فباد هؤلاء وسادت رسالته صلى الله عليه وسلم بالحق، فما على وجه الأرض أحد يقول: أشهد أن مسيلمة رسول الله، لكن على وجه الأرض ألف مليون مسلم في الجملة كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل فوق ذلك أجرى أحد العلماء دراسة على خطوط الطول والعرض على الأرض، فأثبت أنه ما من دقيقةٍ تمر الآن إلا ومئذنة على وجه الأرض يسمع عليها "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله": فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17] فلا إله إلا الله!
أيد الله رسوله بالقرآن، وبما يزيد على مئات المعجزات الظاهرات القاهرات.
اقتربت الساعة ..فالعمل العمل
ليس هذا فحسب، فقد روى البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: { أن أهل مكة سألوه آية على قدرة الله عز وجل ليؤمنوا كما ادعوا، فسأل ربه آية، فانفلق القمر فلقتين، فلقة على جبل وفلقة على جبل آخر، فقالوا سحر أعيننا محمد -واستكبروا وصدوا وندوا- وقال المنصف منهم: نذهب إلى أهل البوادي فنسألهم هل رأوا ما رأينا، فذهبوا إلى البادية وسألوهم، قالوا: إي والله! قد انفلق فلقتين في تلك الليلة، فقالوا مصدين ومعرضين: سحرٌ عمَّ البادية والحاضرة، فأنزل الله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر:1-2] }.
وها هو صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم لا يمر على شجرة قبل أن يبعث إلا وقالت: السلام عليك يا رسول الله! ولا يمر على حجرٍ إلا قال: السلام عليك يا رسول الله! جماد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبشرٌ صدوا وندوا عنه صلى الله عليه وسلم، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم بعد أن أصبح بـالمدينة : {والله! إني لأعرف حجراً بـمكة كان يسلّم عليَّ قبل أن أُبعث}.
ليس هذا فحسب؛ فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً من الأيام في فلاة ليقضي حاجته، قال: فتبعته بماءٍ له، قال: وإذا به يأتي إلى واد على شاطئيه شجرتان، قال: فلم يجد ما يستتر به، فذهب إلى إحدى الشجر وأمسك بأغصانها، وقال: انقادي بإذن الله، قال: فوالله! لقد انقادت وراءه كما ينقاد البعير المخشوش -الذي في أنفه رباط يسحب به- ثم ذهب إلى الثانية فوضع يده عليها وقال: انقادي بإذن الله. فانقادت معه، حتى جاءت وأصبح بينها فقال: التئما عليَّ بإذن الله. فالتأما عليه حتى لا يرى صلى الله عليه وسلم وهو يقضي حاجته، قال: ثم ذهبت مولياً لئلا يبتعد المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا رآني وإذ به ينتهي من قضاء حاجته، ثم يقول للشجرة الأولى: ارجعي فترجع بأمر الله إلى مكانها، وترجع الثانية إلى مكانها} آيات ومعجزات ظاهرات بينات، لكن -يا أيها الأحبة- صدق قوم بذلك وآمنوا، فأطاعوا الله ورسوله، فكان لهم ما قاله الله جلَّ وعلا: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً [النساء:69-70].
وصنف آخر! كذَّب وصد واستكبر بعقل جامد، وقلب فارغ، ساه لاه لا يفقه، عين لا تبصر، وأذن لا تسمع، بهيمة في مسلاخ بشر، عصى الله وتعدى حدوده؛ فكان له ما قال الله جلَّ وعلا: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:14].
ها أنت -أخي الحبيب- رأيت صنفين لا ثالث لهما، وسمعت بغاديين لا ثالث لهما، غاد غدا لإعتاق نفسه من النار فهو الفائز، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يغدو ويروح في طاعة الله جلَّ وعلا.
وغادٍ آخر غدا ليوبق نفسه ويهلكها بالفسق والفجور فهو الخاسر، فأيَّ الغاديين أنت؟ فكلٌّ يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها.
لقد جعل الله لنا طريقاً مستقيماً، فقال سبحانه: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام:153] ليس هذا فحسب؛ بل أرسل إلينا رسولاً هو خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، صاحب اللواء يوم العرض، وأول من تنشق عنه الأرض، فجاء صلى الله عليه وسلم بأعظم معجزة عرفتها الأمم، ألا وهي القرآن، من استنار بنوره قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار.
من التمس الهداية فيه هداه الله، ومن التمس الهدي في غيره أضله الله وأهانه: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج:18].
فما حالنا مع هذا القرآن؟! وما حال أبنائنا مع هذا القرآن؟ مع كلام الله جلّ وعلا، هل علَّمناه أبناءنا؟ هل دفعناهم إلى المساجد ليتعلموا كلام رب العزة والجلال؟
إن كُنَّا كذلك فأبشروا بالعزة والنصر في الحياة ،والسعادة يوم تلقون الله عز وجل. وإن كُنَّا غير ذلك فإنَّ من جعله خلف ظهره ساقه إلى النار، نسأل الله العافية من النار.
جاء صلى الله عليه وسلم بالقرآن ليقطع الطريق على كل مبتدع وكذاب وأفاك ومُدعٍ للنبوة من بعده صلى الله عليه وسلم، فلا نبي بعده؛ فخلَّد الله دعوته، وخلَّد الله رسالته، وجاء المدعون للنبوة في عهده ومن بعده فما جعل الله لدعوتهم أثراً؛ لأنها دعوة باطل، والباطل ساعة والحق إلى قيام الساعة.
جاء المدعون للنبوة من بعده فاندحروا بالقرآن، جاء مسيلمة فبم لُقِّب؟ لقب بالكذاب إلى اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وجاء الأسود العنسي فباد هؤلاء وسادت رسالته صلى الله عليه وسلم بالحق، فما على وجه الأرض أحد يقول: أشهد أن مسيلمة رسول الله، لكن على وجه الأرض ألف مليون مسلم في الجملة كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل فوق ذلك أجرى أحد العلماء دراسة على خطوط الطول والعرض على الأرض، فأثبت أنه ما من دقيقةٍ تمر الآن إلا ومئذنة على وجه الأرض يسمع عليها "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله": فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17] فلا إله إلا الله!
أيد الله رسوله بالقرآن، وبما يزيد على مئات المعجزات الظاهرات القاهرات.
ها هو الإمام أحمد في مسنده يروي: {أن راعياً خرج بغنمه إلى الفلاة في يومٍ من الأيام، وجاء ذئبٌ فعدى على شاةٍ، فانقضَّ عليه الراعي وأمسك بالشاة وأخذها من فم الذئب، فما كان من الذئب إلا أن تأخر وأقعى على ذنبه، وتكلم كلام الإنس وقال: أما تتقي الله تأخذ رزقاً ساقه الله إليّ، فقال الراعي: يا عجبي! ذئبٌ يتكلم، قال الذئب: وأعجب من ذلك محمد بشر يُخبرك بأنباء من سبق، فما كان من هذا الراعي إلا أن أخذ غنمه وانطلق بها إلى مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم، ليدخل إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم ويخبره الخبر، فيُنادي النبي صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة -لاجتماع الناس- فيجتمع الناس، فيقول صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس} ولقد كلمت السباع الإنس على عهد محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال: {بعثت أنا والساعة كهاتين} وأشار بإصبعيه صلى الله عليه وسلم، فماذا يقول من كان بعده بأربعة عشر قرناً، نسأل الله أن يحسن الحال.
ليس هذا فحسب، فقد روى البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: { أن أهل مكة سألوه آية على قدرة الله عز وجل ليؤمنوا كما ادعوا، فسأل ربه آية، فانفلق القمر فلقتين، فلقة على جبل وفلقة على جبل آخر، فقالوا سحر أعيننا محمد -واستكبروا وصدوا وندوا- وقال المنصف منهم: نذهب إلى أهل البوادي فنسألهم هل رأوا ما رأينا، فذهبوا إلى البادية وسألوهم، قالوا: إي والله! قد انفلق فلقتين في تلك الليلة، فقالوا مصدين ومعرضين: سحرٌ عمَّ البادية والحاضرة، فأنزل الله: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر:1-2] }.
وها هو صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم لا يمر على شجرة قبل أن يبعث إلا وقالت: السلام عليك يا رسول الله! ولا يمر على حجرٍ إلا قال: السلام عليك يا رسول الله! جماد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبشرٌ صدوا وندوا عنه صلى الله عليه وسلم، ولذا يقول صلى الله عليه وسلم بعد أن أصبح بـالمدينة : {والله! إني لأعرف حجراً بـمكة كان يسلّم عليَّ قبل أن أُبعث}.
ليس هذا فحسب؛ فقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه: {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً من الأيام في فلاة ليقضي حاجته، قال: فتبعته بماءٍ له، قال: وإذا به يأتي إلى واد على شاطئيه شجرتان، قال: فلم يجد ما يستتر به، فذهب إلى إحدى الشجر وأمسك بأغصانها، وقال: انقادي بإذن الله، قال: فوالله! لقد انقادت وراءه كما ينقاد البعير المخشوش -الذي في أنفه رباط يسحب به- ثم ذهب إلى الثانية فوضع يده عليها وقال: انقادي بإذن الله. فانقادت معه، حتى جاءت وأصبح بينها فقال: التئما عليَّ بإذن الله. فالتأما عليه حتى لا يرى صلى الله عليه وسلم وهو يقضي حاجته، قال: ثم ذهبت مولياً لئلا يبتعد المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا رآني وإذ به ينتهي من قضاء حاجته، ثم يقول للشجرة الأولى: ارجعي فترجع بأمر الله إلى مكانها، وترجع الثانية إلى مكانها} آيات ومعجزات ظاهرات بينات، لكن -يا أيها الأحبة- صدق قوم بذلك وآمنوا، فأطاعوا الله ورسوله، فكان لهم ما قاله الله جلَّ وعلا: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً [النساء:69-70].
وصنف آخر! كذَّب وصد واستكبر بعقل جامد، وقلب فارغ، ساه لاه لا يفقه، عين لا تبصر، وأذن لا تسمع، بهيمة في مسلاخ بشر، عصى الله وتعدى حدوده؛ فكان له ما قال الله جلَّ وعلا: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:14].
ها أنت -أخي الحبيب- رأيت صنفين لا ثالث لهما، وسمعت بغاديين لا ثالث لهما، غاد غدا لإعتاق نفسه من النار فهو الفائز، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يغدو ويروح في طاعة الله جلَّ وعلا.
وغادٍ آخر غدا ليوبق نفسه ويهلكها بالفسق والفجور فهو الخاسر، فأيَّ الغاديين أنت؟ فكلٌّ يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها.
استمع المزيد من الشيخ علي بن عبد الخالق القرني - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
صور وعبر | 2806 استماع |
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا | 2686 استماع |
هلموا إلى القرآن | 2503 استماع |
الإكليل في حق الخليل | 2501 استماع |
أرعد وأبرق يا سخيف | 2417 استماع |
هكذا علمتني الحياة [2] | 2412 استماع |
أين المفر | 2332 استماع |
اسألوا التاريخ | 2282 استماع |
حقيقة الكلمة | 2250 استماع |
الأمر بالمعروف | 2208 استماع |