البدار إلى دار الأبرار


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه.

أما بعــد:

البدار إلى دار الأبرار، ولعل العنوان يدل على عنوان المخيم المبارك إن شاء الله، ألا وهو مخيم: رياض الجنة، وسوف نتجول الليلة إن شاء الله في رياض الجنة، بأفكارنا وشعورنا، يحاول كل رجل منا وهو جالس أن يتخيلها، ومهما تخيلت ومهما تصورت فالجنة أعظم، حتى قال الله جل وعلا: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17] مهما تخيلت وتصورت ففيها: (ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).

عبد الله: اسمع إلى هذه الصفات، وأريد منك أن تشتاق إليها، كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه مرة، فقال لهم: (قوموا إلى جنة -فذكر صفة واحدة من صفاتها- قال: عرضها السموات والأرض، أو كعرض السماء والأرض، فقال أحدهم: بخٍ بخٍ، قال: ما حملك على قولك بخٍ بخٍ؟ قال: رجاء أن أكون من أهلها -سمع صفة واحدة- فدخل في المعركة فقاتل حتى قتل).

صفة واحدة، والآن سوف نسرد لكم صفات، ونحاول أن نجمع لكم شتات من أوصاف هذه الجنة، فهل لك أن تشتاق إليها؟

وهل لك أن تبادر وأنت في ليلة هي أول ليلة من ليالي رمضان؟

وبإذن الله جل وعلا في هذه الليلة فتحت أبواب الجنة التي سوف نتكلم عنها، وغُلِّقت أبواب النيران وفي كل ليلة -وهذه أولها- عتقاء من النار، فاحرص يا عبد الله أن تكون هذه الليلة من عتقاء النار، كل ليلة، وإذا أعتقك الله من أول ليلة فأنت الرابح، والله مهما فعلت إلى أن تموت فقد أعتقت من النار، لن تمسك النار.

عبد الله: احرص من أول ليلة، ففي هذه الليلة صفدت بإذن الله الشياطين، مردة الجن، فالأمر ميسر، ولله عتقاء (وينادي منادي: يا باغي الخير أقبل! ويا باغي الشر أقصر) فاسمع يا عبد الله إلى صفاتها، وتخيلها يا عبد الله، واعلم أنك إن لم تدخلها فإنك محروم.

أهل الجنة إذا جاءوا عند الله يوم القيامة، وإذا استقبلوا ربهم عند الله جل وعلا يوم القيامة فجاء العبد المؤمن إلى ربه، فيقول له الله جل وعلا: (عبدي! أتذكر ذنب كذا) تذكر تلك الليلة وذلك الموقف، تذكر عندما كلمت فلانة، تذكر عندما نمت عن الصلاة، تذكر عندما استمعت إلى الأغاني، تذكر لما أكلت الربا، تذكر يا عبدي! ولكنه تاب، ولكنه أناب، ولكنه استغفر فيقول له الله جل وعلا: (سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم، فيقول هذا الرجل: ذنوبي، يقول الله جل وعلا: أغفرها لك اليوم فيعطى الكتاب بيمينه، فيولي للناس يقول: هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:19-20]) أي: أيها الناس اقرءوا، انظروا ماذا عملت؟ انظروا إلى الصلاة والقيام والصيام والقرآن، انظروا: هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:19-20].

وفود عباد الرحمن إلى الجنان

فيذهب مع أصحابه، ومع زملائه، يتجمعون أفواجاً، زمرةً، فتساق هذه الزمرة إلى الجنة، إلى التي كان يسمع عنها في الدنيا، وكان يحدث عن أوصافها، القلب من شوقه يكاد يطير فرحاً، يشم رائحتها على بعد أربعين عاماً، ثم يساقون إلى الجنة وقد أغلقت أبوابها، في تلك اللحظة الأبواب كلها مغلقة، كل باب منها ما بين مصراعيه مسيرة أربعين سنة ما تصل إلى الطرف الآخر.

وتخيل المؤمنين، الدفعة الأولى، الزمر الأولى، كلهم عند أبواب الجنة مصطفين لها ثمانية أبواب وليس باباً واحداً، ينتظرون أفضل البشر محمد عليه الصلاة والسلام، يتقدم الناس، والناس ينظرون ويتشوقون ويتلهفون، فيأتي إلى حلقة من حلقات أبواب الجنة، وللجنة حلقات، فيطرق باب الجنة، فيسأله رضوان خازن الجنة من أنت؟ فيقول: أنا محمد، انظر إلى التواضع، انظر إلى الأدب، أنا محمد عليه الصلاة والسلام فيقول الملك: أمرت ألا أفتح لأحد قبلك. ما يفتح الباب لغيره، وما يؤذن في دخول الجنة إلا بعده عليه الصلاة والسلام (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) أي: أبى دخول الجنة، فإذا بالباب يفتح، وتخيل أنك تنظر إلى هذا المنظر الباب يفتح، والرائحة تخرج، والنور يشع، والناس تدخل زمرة زمرة، وأول هذه الأمة دخولاً أبو بكر، فإذا بهم يدخلون الجنة، وإذا بك ينادى باسمك، أين فلان بن فلان ليدخل من باب الريان، كان يكثر من الصيام، أين فلان يدخل من باب الصلاة كان يكثر من الصلاة، أين فلان ليدخل من باب الجهاد كان مجاهداً في سبيل الله، أين فلان ليدخل من باب الصدقة، ومنهم من ينادى من بابين، ومنهم من ثلاثة أبواب، يختار أي باب يدخل، ومنهم من ينادى من ثمانية أبواب وأبو بكر منهم، أين فلان بن فلان؟ تخيل ينادى باسمك، فإذا بك تدخل، أتعرف كيف يدخلون أهل الجنة؟

يدخلون الزمرة الواحدة كل واحد ماسك بيد الآخر، صاحب العمل في الدنيا وزميله، ومن كان يحضر معه الدروس ويصلي ويصوم معه، يقبض على يديه، فلا يدخل واحد إلا ويدخل الآخر، ولا يدخل أولهم إلا ويدخل آخرهم، باب اتساعه مسيرة أربعين سنة.

استقبال الملائكة للمؤمنين

عند ذلك تستقبلهم الملائكة تقول لهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ [الرعد:24] صبرتم على ماذا؟ على قيام الليل.

هل صبرتم على التلفاز أو اللعب، أو اللهو، لا والله: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ [الرعد:24].

النساء في كل مكان، الأغاني بمتناول يده، الخمر، الربا، يستطيع أن يحصل عليه لكنه صبر، وترك كل هذا لله سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ [الرعد:24] تأتيه المصائب تلو المصائب، والآلام والحوادث لكنه صبر وما جزع، ورضي بقدر سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24] ويدخل بعض الناس مع ذريته وآبائه، وزوجاته، تدخل الجنة العائلة كلها، بعضهم مع بعض، تخيل يا عبد الله تدخل مع أبيك وأمك، تدخل مع زوجتك وأولادك، وأهل بيتك كلهم، تدخل معهم دفعة واحدة وزمرة واحدة.

عبد الله: هل يوجد نعيم أفضل من هذا النعيم؟ أول ما تدخل ماذا ترى؟ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً [الإنسان:20] إنه نعيم وملك كبير.

وصف أرض الجنة ومنازلها وقصورها

أما أرض الجنة فهي كالمرآة بيضاء، من اللؤلؤ، أو الزعفران، أو الياقوت. تطؤها رجلك.

تريد أن تسير إلى منزلك، أتعرف أين يكون منزلك في الجنة؟

أما منزلك يا عبد الله تعرف مكانه في الجنة كما تعرف بيتك في الدنيا، تهرول إلى بيتك فإذا بخيمة طولها ستون ميلاً عند باب القصر، هذه الخيمة كيف بالقصر يا عبد الله؟!

تخيل الآن: القصر من ذهب وفضة، ملاطها أي: ممسوحة بالمسك يا عبد الله! هذا ظاهره، كيف بباطنه يا عبد الله؟!

نعيم ما تتصوره: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17]

وصف غرف الجنة وأشجارها

عبد الله: إذا دخلت تلك الغرف فإنك ترى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ [الزمر:20] إذا دخلت داخل الغرفة، في القصر ترى خارج القصر وأنت داخل القصر.

عبد الله! تخيل منظر هذه الغرفة، بل تخيل تلك القصور، بعض الناس إذا دخل بيوتاً في الدنيا ينسى الدنيا وما فيها من حسنها وجمالها، كيف بقصر بناه الله جل وعلا؟!

كيف بجنة أنشأها الرحمن جل وعلا؟!

عبد الله: إذا خرجت من قصرك ماذا ترى؟

ترى أشجاراً موزعة في الجنة، وتخيل وتصور، الأشجار ما من شجرة إلا ساقها من ذهب، عليها ثمار، إذا اشتهيت الثمر لا ترفع يديك، وتتعب نفسك بل ينزل لك الثمر حتى تقطفه بيدك وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً [الإنسان:14] ليس في الجنة شجرة إلا ساقها ذهب.

أخي الكريم: في الجنة شجرة طول ظلها مسيرة مائة عام، للراكب السريع، على الجواد السريع مائة سنة، لا يصل إلى طرف الظل، مائة عام كم مرة يقطع الأرض ويدور حول الأرض؟

هذا ظل الشجرة يا عبد الله! كيف بصفتها؟!

كيف بلونها؟!

كيف بشكلها يا عبد الله؟!

وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [الواقعة:27-28] السدر في الدنيا فيه شوك، أما سدر الجنة فهو مخضود قد زيل عنه الشوك، وفي مكان كل شوك ثمرة، تفتق الثمرة عن اثنتين وسبعين لوناً، ما من لون يشبه الآخر.

وصف أنهار الجنة وعيونها

طعام لأهل الجنة فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة:28-30] يجلسون تحت الأشجار، ويأكلون من الثمار، وهم على الأنهار، وتخيل أنك تجلس على حافة نهر، صفة النهر ليس كالدنيا، أنهار الدنيا تجري في أخاديد، يحفر الأرض النهر فيجري فيها، أما في الجنة فلا، يسير نهر الجنة بغير أخاديد، يسير على أرضها: وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ [الواقعة:31] تخيل أنك تجلس على حافة النهر، وعندك، وبجنبك، أصحابك وإخوانك، ولعلهم أبناؤك يا عبد الله، ولعله أبوك وأمك، تجلسون على حافة النهر، أما حافة النهر، فإنها قباب اللؤلؤ والياقوت، أتظن يا عبد الله أنها أنهار من ماء فقط؟

لا. فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ [محمد:15] تصور الآن، نهر يجري من لبن: وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [محمد:15] تخيل هذا النهر يجري من خمر، وأي خمر؟

وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [محمد:15] وتخيل النهر الرابع: وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً [محمد:15] تخيل النهر من عسل وهو يجري وتشرب منه ما شئت، وتجلس على حافته ما شئت يا عبد الله!

أما العيون في الجنة فإنها تفجر، يقول الله جل وعلا: إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً [الإنسان:5-6].

طعام أهل الجنة وشرابهم

عبد الله: يأكلون ويشتهون بغير جوع ولا عطش فيأكلون ويشربون، أتعرف ماذا يأكلون وماذا يشربون؟

قال تعالى: وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:20-21] أي فاكهة يتخيرونها، بل أي لحم يشتهونه، يجلس في مكانه يأتيه ولا يتعب ولا يقوم من مجلسه، بل يطوف عليه الغلمان، بالصحائف، وبالأكواب، وبالأباريق، ماذا تشتهي خمر؟ لبن؟ ماء؟ عسل؟

كل ما تشتهي من شراب، وما تشتهي من طعام، يمشي عليك وأنت تجلس على الأريكة.

وصف سوق أهل الجنة

في كل أسبوع لهم سوق يخرجون إليه في كل جمعة، فإذا بهم يجلسون على كثبان من الرمل، يجلسون فتأتي ريح تحثوا على وجههم، ثم يرجعون إلى البيوت والخيام، والقصور والحور العين، يرجعون فيقول لهم أهلوهم قالوا: والله، لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيقول هؤلاء الرجال: وأنتم والله قد لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً.

وصف فرش أهل الجنة

يجلسون على فرش، وعلى آرائك، تعرف ما صفتها؟

فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ [الغاشية:13-14] فالسرر مرفوعة حتى قال بعضهم: مرفوعة إلى قدر السماء قال تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [الرحمن:54] بطائن هذه الفرش داخلها من إستبرق، ما تكلم الله عن ظاهرها، تركه الله جل وعلا.

صفة نساء الجنة

عبد الله: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

واستعد الآن وتخيل صفات نساء الجنة، واعتبر واستمع! واعلم أن ما سوف أذكره لك حق، لا مرية فيه، واعلم أنه مهما وصفنا، فحور الجنة أعظم مما نصف.

تأتيه الحورية من أهل الجنة، فيعانقها فيرى وجهه في صفحة خدها؛ من حسنها، وجمالها، ونعومتها.

يا عبد الله! عليها تاج على رأسها، فيه لؤلؤ واللؤلؤة الواحدة لو كشفها الله؛ لأضاءت ما بين المشرق والمغرب، اللؤلؤة الواحدة يا عبد الله! في بعض الروايات إن صحت: (أن الرجل في الجنة يعانقها أربعين سنة لا يتركها ولا يمل منها) قال تعالى: وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ [الواقعة:22-23] صفة الحورية كاللؤلؤة يا عبد الله! في حسنها وجمالها، لو أن امرأة من أهل الجنة طلعت فقط ونظرت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بين السماء والأرض، تخيل يا عبد الله! كيف بمن يعانقها؟!

كيف بمن يعاشرها؟!

يعطى الرجل قوة مائة رجل، كم مرة تجامع في الليلة الواحدة، مرة مرتين، مائة مرة لا تتعب يا عبد الله: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً [الواقعة:35] من الذي أنشأهن؟ إنه الرحمن جل وعلا.

نصيفها -خمارها- على رأسها خير من الدنيا وما فيها، يا من تتكالب على الدنيا! يا من ألهتك الدنيا عن الصلاة وعن الذكر وعن القرآن! يا من تمتع بالدنيا، ونسي أمر الله جل وعلا خمار الحورية على رأسها خير من الدنيا وما فيها يا عبد الله! إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً [الواقعة:35-36] لو تطؤها مائة مرة فإنها بكر: فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً [الواقعة:36-37] في سن واحد وفي عام واحد، لا يكبر سنها، ولا تبلى ولا تشيب ولا تنتن، ولا يأتيها الحيض.

لا ترى غيرك: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56]. عبد الله لا ترى غيرك، ولا تحب سواك، ولا تعلم سواك قابعة في قصرك، أو في خيمتك، كم مرة تجامعها، بل ليست واحدة يا عبد الله! لك في القصر حور، ولك في الخيام حور، ولك ما تشتهي من الحور العين يا عبد الله! وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الواقعة:22-24].

أدنى أهل الجنة منزلة

عبد الله: إن أدنى أهل الجنة منزلة، -يقول بعض السلف- لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم، كل واحد بيده صفحتان واحدة من ذهب والأخرى من فضة، وصح في الحديث عن أدنى أهل الجنة منزلة: (أن له مثل الدنيا وعشرة أمثالها) اسمع إلى الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (لو أن مما يقل ظفر) تخيل يا عبد الله! لو تحمل شيئاً من الجنة بظفرك، وتخرجه من الجنة، أتعرف ماذا يحصل؟ (لتزخرفت خوافق السموات والأرض) هذا لو تحمله بظفرك (مناديل سعد في الجنة خير من الدنيا وما فيها) (موضع سوط أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس).

عبد الله: هل فكرت في غيرها؟

قال تعالى: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ [الواقعة:27].

عبد الله: أتعرف من هم أعظم من أصحاب اليمين، وأعلى من أصحاب اليمين؟

قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [الواقعة:10] أهل قيام الليل، أهل الصدقة، أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ [الواقعة:11-14].

النظر إلى وجه الله

عبد الله: واسمع إليهم وهم يتمتعون، وهم يلهون عند الأنهار تحت الأشجار في القصور في الخيام، يجامعون الحور العين، في لحظة واحدة يناديهم الرب، فيقول: (يا أهل الجنة! يا أهل الجنة! يا أهل الجنة! فيستمعون، فيقول لهم الرب: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: يا رب! ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ وأي نعيم أعظم من هذا؟ فيقول: فيكشف الرب عن الحجاب، فينظرون إليه جل وعلا فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى وجهه جل وعلا: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]) فينسون بعد هذا النظر نعيم الجنة وما فيها.

عبد الله: إذا كانت هذه بعض صفات الجنة، فهلا شمرنا.

فيذهب مع أصحابه، ومع زملائه، يتجمعون أفواجاً، زمرةً، فتساق هذه الزمرة إلى الجنة، إلى التي كان يسمع عنها في الدنيا، وكان يحدث عن أوصافها، القلب من شوقه يكاد يطير فرحاً، يشم رائحتها على بعد أربعين عاماً، ثم يساقون إلى الجنة وقد أغلقت أبوابها، في تلك اللحظة الأبواب كلها مغلقة، كل باب منها ما بين مصراعيه مسيرة أربعين سنة ما تصل إلى الطرف الآخر.

وتخيل المؤمنين، الدفعة الأولى، الزمر الأولى، كلهم عند أبواب الجنة مصطفين لها ثمانية أبواب وليس باباً واحداً، ينتظرون أفضل البشر محمد عليه الصلاة والسلام، يتقدم الناس، والناس ينظرون ويتشوقون ويتلهفون، فيأتي إلى حلقة من حلقات أبواب الجنة، وللجنة حلقات، فيطرق باب الجنة، فيسأله رضوان خازن الجنة من أنت؟ فيقول: أنا محمد، انظر إلى التواضع، انظر إلى الأدب، أنا محمد عليه الصلاة والسلام فيقول الملك: أمرت ألا أفتح لأحد قبلك. ما يفتح الباب لغيره، وما يؤذن في دخول الجنة إلا بعده عليه الصلاة والسلام (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) أي: أبى دخول الجنة، فإذا بالباب يفتح، وتخيل أنك تنظر إلى هذا المنظر الباب يفتح، والرائحة تخرج، والنور يشع، والناس تدخل زمرة زمرة، وأول هذه الأمة دخولاً أبو بكر، فإذا بهم يدخلون الجنة، وإذا بك ينادى باسمك، أين فلان بن فلان ليدخل من باب الريان، كان يكثر من الصيام، أين فلان يدخل من باب الصلاة كان يكثر من الصلاة، أين فلان ليدخل من باب الجهاد كان مجاهداً في سبيل الله، أين فلان ليدخل من باب الصدقة، ومنهم من ينادى من بابين، ومنهم من ثلاثة أبواب، يختار أي باب يدخل، ومنهم من ينادى من ثمانية أبواب وأبو بكر منهم، أين فلان بن فلان؟ تخيل ينادى باسمك، فإذا بك تدخل، أتعرف كيف يدخلون أهل الجنة؟

يدخلون الزمرة الواحدة كل واحد ماسك بيد الآخر، صاحب العمل في الدنيا وزميله، ومن كان يحضر معه الدروس ويصلي ويصوم معه، يقبض على يديه، فلا يدخل واحد إلا ويدخل الآخر، ولا يدخل أولهم إلا ويدخل آخرهم، باب اتساعه مسيرة أربعين سنة.