خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/337"> الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/337?sub=60516"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الهوية الإسلامية [1]
الحلقة مفرغة
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، لاسيما عبده المصطفى، وآله المستكملين الشرف.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كلام الله، وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد:
فعن أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله تعالى عنها قالت: (كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ؛ لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذاني دونه، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء غدا عليه أبي وعمي مغلسين، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، فأتيا كالّين كسلانين ساقطين يمشيان الهوينى، فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله! ما التفت إلي واحد منهما؛ مع ما بهما من الغم، وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم، والله! قال عمي: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال: فما في نفسك منه؟ فأجاب: عداوته والله! ما بقي).
كان حيي بن أخطب وأبو ياسر كلاهما من كبار علماء وزعماء اليهود في المدينة، وحينما قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة ذهبا إليه مغلسين، والغلس هو: الوقت الذي بعد الفجر مباشرة حين يختلط الضوء بظلمة الليل، فذهبا في هذا الوقت المبكر، ومكثا يراقبان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، فأتيا كالّين ساقطين يمشيان الهوينى في غاية الإرهاق، قالت صفية رضي الله عنها: فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله! ما التفت إلي واحد منهما، مع ما بهما من الغم، وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: أهو هو؟ يعني: أهو النبي المبشر به في التوراة والموصوف في التوراة بالصفات والخصائص المعروفة؟ قال: نعم، والله! يعني: إنه لهو النبي الذي بشرت به التوراة، قال عمي: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال: فما في نفسك منه؟ أي: ماذا عن موقفك؟ قال: عداوته -والله- ما بقيت!
وهكذا هم اليهود.
والشاهد في هذا الحديث هو: كلمة (أهو هو؟) وإن كان علاقته بموضوعنا ليست علاقة مباشرة، لكن نحن نتخذه منطلقاً. فقوله: أهو هو؟ إشارة إلى هوية النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه هو الموصوف في التوراة. وحديثنا هو عن الهوُية، والهوُية هي: حقيقة الشيء أو حقيقة الشخص التي تميزه عن غيره؛ فهي ماهيته وما يوصف وما يعرف به، كما دل عليه هذا الحديث، فالهوية هي المفهوم الذي يكون عليه الفرد من فكره وسلوكه اللذين يصدران عنه، من حيث مرجعهما الاعتقادي والاجتماعي، وبهذه الهوية يتميز الفرد، ويكون له طابعه الخاص.
وهي -بعبارة أخرى-: تعريف الإنسان نفسه بفكر وثقافة وأسلوب حياة.
والإنسان يحمل ما نسميها ببطاقة الهوية أو البطاقة الشخصية التي فيها: اسم هذا الشخص، وأنه -مثلاً- مسلم، يعمل كذا، وسنه كذا، ومولود في كذا، ويعيش في بلدة كذا، وهكذا، وإن كانت البطاقة الشخصية تحتوي فقط على بعض البيانات المحددة، أما مجال الهوية فمجالها أوسع؛ فهي تعبر عن كل قيم الإنسان، وكل ما فيه من صفات عقلية وجسمية وخلقية ونفسية.
فمثلاً: حينما يقول الإنسان: أنا مسلم. فهذا انتماء لدائرة كبيرة جداً من دوائر الهوية ديانتها الإسلام، فإذا قال: أنا مسلم تعرف أنه مسلم، وإذا زاد وقال: أنا منهجي الإسلام الذي أحيا به فقد وضح أكثر، فإذا زاد أكثر حدد الدائرة بصورة أدق وأوضح، فإذا قال: أنا مؤمن ملتزم بالإسلام تميز أكثر عمن ينتسب إليه بالاسم، وإذا زاد وأوضح فقال: أنا مسلم سلفي عرفنا بمجرد كلمة (سلفي) أنه ليس خارجياً ولا معتزلياً ولا مبتدعاً، وأنه يعتقد في القضية الفلانية كذا وفي القضية الفلانية كذا، وأن هذه الصفة عبارة عن لافتة تعنون لجملة من الصفات الثابتة التي لا تتغير فيما بين الذين ينتمون إلى هذه الهوية.
فالفرد كما أن له هوية كذلك المجتمع والأمة لها هوية مستقلة تتميز بها عن غيرها، وإلا تشابهت الأمم كما يتشابه السمك في الماء.
وكلما توافقت هوية الفرد مع هوية المجتمع كلما تعمق إحساسه بالانتماء لهذا المجتمع واعتزازه به، أما إذا تصادمتا فهناك تكون أزمة الهوية وأزمة الاغتراب، وإلى معناها أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء) وفي بعض الروايات (قيل: من الغرباء؟ فقال: أناس قليل في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم).
الانتماء الوجداني والانتساب إلى الهوية ينبع عن إرادة النفس، فالنفس تكون راضية بهذا الانتماء، إلى هذه الهوية، قابلة لهذا الانتماء راضية عنه، معتزة به، فهذا الانتماء هو الزمام الذي يملك النفس ويقودها، ويحدد أهداف صاحب الهوية، وهو الذي يرتب أولوياته في الحياة، فتعتز النفس به، وتندمج فيه، وتنتصر له، وتوالي وتعادي فيه، وفي نفس الوقت تبرأ من الانتساب إلى أي هوية أخرى مضادة أو مزاحمة لهذه الهوية التي يعتز بالانتماء إليها.
إذاً: هذا التفاعل النفسي ينتج عنه بطبيعة الحال اقتناء حواجز نفسية بين الشخص وبين كل من يخالفه في هذه الهوية، وفي نفس الوقت يقع الاندماج والتوحد مع الذين يوافقونه في هذه الهوية.
والهوية لها علاقة أساسية بمعتقدات الفرد ومسلماته الفكرية، والهوية هي التي توجه لاختيار هذا الفرد عند تعدد البدائل، فأنت إذا عرفت أن هذا هويته -مثلاً- مسلم فالأصل أن هذا المسلم يجتنب لحم الخنزير، ويجتنب الخمر، ولا يفعل كذا وكذا، ويعتقد كذا وكذا، وإذا عرضت عليه عدة اختيارات في أي قضية فطبقاً لانتمائه الاعتقادي وطبقاً لهويته فهذه الهوية هي التي سوف توجه اختياره أمام البدائل المتعددة، وبعبارة أخرى: الهوية هي التي تقوم بتهذيب سلوكه، وسلوكه يكون محدداً في إطار هذه الهوية، حيث يصبح سلوكه له غاية، كما أنها تؤثر تأثيراً بليغاً في تحديد سمات شخصيته، وإطفاء صفة الرجولة والاستقرار والوحدة على هذه الشخصية، وبالتالي إذا تحققت له عناصر وأفكار لهذه الهوية ونتج عنها الانتماء الذي تحدثنا عنه، فلا يمكن أبداً أن يكون صاحبها ذا وجهين يقابل هؤلاء بوجه وهؤلاء وجه كما وصف الله تعالى المنافقين بقوله: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ [النساء:143].
فالشخص الذي حدد هويته لا يمكن أن يقع في هذا التذبذب، ولا يمكن أن تضطرب شخصيته، بل تكون ثابتة ومستقرة وشخصية واحدة، لا يمكن أن تتعدد وجوهه كما يحصل للمنافقين.
أما بالنسبة للمجتمع ككل فإن الهوية الواحدة أو المتحدة تصبح هي الواحة النفسية التي يلوذ بها أفراد الجماعة، وتكون هي الحصن الذي يتحصنون داخله، والنسيج أو المادة اللاصقة التي تربط بين لبناته، والتي إذا فقدت تشتت المجتمع، وتنازعته التناقضات.
الهوية لها أركان عدة، لكن أهم أركانها على الإطلاق هو العقيدة، يليها التاريخ واللغة، فإذا تحدثنا عن الهوية الإسلامية نجد أنها مستوفية لكل مقومات الهوية الذاتية المستقلة، بحيث إن الهوية الإسلامية -بضم الهاء- تستغني تماماً عن أي لقاح أجنبي عنها، وتستعلي عن أن تحتاج إلى لقاح أجنبي يخصبها؛ فهي هوية خصبة تنبثق عن عقيدة صحيحة وأصول ثابتة رصينة تجمع وتوحد تحت لوائها جميع المنتمين إليها، وتملك رصيداً تاريخياً عملاقاً لا تملكه أمة من الأمم، وتتكلم لغة عربية واحدة، وتشغل بقعة جغرافية متصلة ومتشابكة وممتدة، وتحيا لهدف واحد هو إعلاء كلمة الله، وتعبيد العباد لربهم، وتحريرهم من عبودية الأنذال إلى عبودية الله عز وجل، وأي واحد من جنود الجيش الإسلامي الذي كان يفتح البلاد ويبشر وينشر ضياء ونور الإسلام إذا سألته سيردد جواب ذلك الصحابي الذي سئل: ما جاء بكم؟ فقال: الله جاء بنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الأديان، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، أو كما قال رضي الله تعالى عنه.
فالمسلم يعرف الهدف الذي يعيش له بمنتهى الوضوح، ويعرف الهدف المحدد الذي يحيا لأجله، وهذا ثمرة من ثمرات هذه الهوية، لكننا سنلقي أكثر الضوء على الركن الأعظم من أركان الهوية الإسلامية وهو ركن العقيدة، فجنسية المسلم هي عقيدته، ووطنه هو دينه الذي هو عصمة أمره، والهوية الإسلامية في المقام الأول تعني الانتماء للعقيدة انتماءًَ يترجم ظاهراً في مظاهر دالة على الولاء لها، والالتزام بمقتضياتها؛ فالعقيدة الإسلامية التوحيدية هي أهم الثوابت على الإطلاق في هوية المسلم وشخصيته، وهي أشرف وأعلى وأسمى هوية يمكن أن يتصف بها إنسان ينتمي إلى بني آدم؛ لأنها انتماء إلى أكمل دين، وأشرف كتاب نزل على أشرف نبي صلى الله عليه وسلم، وإلى أشرف أمة، وقد أرسل هذا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أشرف أمة بأشرف لغة وبسفارة أشرف الملائكة في أشرف بقاع الأرض في أشرف شهور السنة في أشرف لياليه وهي ليلة القدر، وبأشرف شريعة وأقوم هدي، ولذلك مدح الله القرآن العظيم وعظم هذه الهوية، كما قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].
وإن كانوا يذكرون هذه الآية في فضائل المؤذن، لكن هي في عمومها تشمل كل من ينتمي إلى الهوية الإسلامية، فالمؤذن تتجاوب معه كل المخلوقات، إذ لا يبلغ مدى صوت المؤذن شجر ولا حجر ولا أي مكان إلا وهو يصدقه فيما يقول، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، يقول الشجر والحجر وكل ما يسمع: صدقت. ويقره على افتخاره ودعوته إلى هذه الهوية.
ويقول الله سبحانه وتعالى مبيناً أنه لا أحسن ولا أكمل من الهوية الإسلامية: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [النساء:125]، وقال عز وجل: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].
وبين تعالى أن صبغة الله هي التوحيد والإسلام والعقيدة، فإذا كان النصارى يصبغون أولادهم لينصروهم بما يسمى بالتعميد فصبغة الله هي فطرة التوحيد وعقيدة التوحيد، قال تعالى: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ [البقرة:138].
كذب اليهود في ادعائهم أنهم شعب الله المختار
وقال عز وجل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران:110] ... الآية؛ ولذلك في ضوء هذه الآية الكريمة كان بعض المجاهدين الفلسطينيين يواجهون كاهانا بقوله: نحن شعب الله المختار، فإنه كان يردد مزاعم اليهود أنهم شعب الله المختار، فكان المجاهدون يردون عليه بقولهم: بل نحن المسلمين شعب الله المختار؛ لأن الله تعالى قال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). فهم يقولون: نحن شعب الله المختار، بصفة عنصرية، وأن ماعدا ذلك من الأمم فهم عبارة عن بهائم خلقت ليس فيها استعمال البشر، وإنما خلقت ليسخرها اليهود لعنهم الله تعالى، ولذلك لا نجد في العقيدة اليهودية تبشير باليهودية؛ لأنهم -كما قال بعض الظرفاء يعلل ذلك في ضوء أخلاق اليهود- يخافون أن الناس يشاركونهم في الجنة، فإذا دخلوا اليهودية واعتنقوها فسيشاركونهم في الجنة على زعمهم، وهم لشدة بخلهم وشحهم يخشون أن يدخل الناس معهم الجنة، وهذا قاله على سبيل المزاح، لكن هم يزعمون أنهم شعب الله المختار؛ لأنهم فئة مستقلة وعنصر معين، وهو هذا العنصر الإسرائيلي.
أما نحن فنحن بحق شعب الله المختار، لا بصفة قومية ولا عنصرية ولا عرقية، وإنما بصفة التوحيد الذي هو صبغة الله، وبصفة الهوية الإسلامية، وكيف لا تكون الهوية الإسلامية أشرف صبغة وأحسن دين وأعظم انتماء وهي في الحقيقة انتماء إلى الله عز وجل وانتماء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتماء إلى عباد الله الصالحين وأوليائه المتقين من كانوا ومتى كانوا وأين كانوا؟!
يقول تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:55-56].
أهمية الانضمام تحت لواء الهوية الإسلامية
أهمية الانطواء تحت لواء الهوية الإسلامية
وكل مسلم يقول في صلاته: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، انتماءً وانتظاماً في هذا النظام وهذا العرق الذي يضم كل من ينتسب إلى حزب الله عز وجل، يقول الشاعر:
ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبـادي وأن صيرت أحمد لي نبيا
صلى الله عليه وسلم، فالأمر مهم جداً، وينبغي أن نلتفت إليه؛ لأنه في غاية الأهمية، ونحن نناقش أن موضوع الانطواء تحت الهوية الإسلامية والاندماج في الهوية الإسلامية ليس أمراً اختيارياً، وهذا كلام ليس فقط للمسلمين، ولكن لجميع البشر ولكل الناس، فيجب على جميع بني آدم أن ينتموا إلى الهوية الإسلامية، فالهوية الإسلامية ليس الانتماء إليها أمراً مستحباً، ولا أمراً تكميلياً أو كمالياً، ولكنه فرض متعين على كل بني آدم المكلفين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يقول الله عز وجل: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]، والآيات كثيرة جداً في بيان أن دعوة الإسلام دعوة شاملة لجميع البشر، حتى يندمجوا في الهوية الإسلامية، ويشهدوا شهادتي التوحيد، وينقادوا لحكم الله سبحانه وتعالى، ويكونوا من المسلمين، قال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ [الأنعام:19] يعني: يا من أنتم حاضرون! وهم قريش (ومن بلغ) يعني: ومن يبلغه القرآن إلى أن تقوم الساعة أيضاً، كلكم أنا أنذره بذلك، ويقول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي وبما أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم .
إذاً: هذه الأمة محملة برسالة إدخال جميع البشر في الهوية الإسلامية، وهذا هو موقعها الطبيعي والقيادي، وذلك باعتبارها خير أمة أخرجت للناس، وباعتبارها الأمة الوحيدة المؤهلة لإنقاذ البشرية من الضياع في الدنيا ومن عذاب الآخرة.
فالسبيل الوحيد إلى النجاة في الآخرة لجميع الناس هو أن يذوبوا ويندمجوا في الهوية الإسلامية؛ لأن الهوية الإسلامية هوية تستوعب كل مظاهر الشخصية، وتحدد لصاحبها بكل دقة ووضوح هدفه ووظيفته وهوايته في هذه الحياة، قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].
وقال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108].
قال الله عز وجل مبيناً شرف هذه الهوية: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110] فأمة الإسلام وأمة التوحيد بشروطها هي خير أمة على الإطلاق؛ لأنها تجتمع على العقيدة وعلى التوحيد، لا على عرق ولا جنس ولا وطن ولا أرض ولا كلأ ومرعى كما تجتمع الحيوانات، وإنما تجتمع على هذه العقيدة وهذا التوحيد؛ ولذلك قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143] أي: عدولاً خياراً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143].
وقال عز وجل: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [آل عمران:110] ... الآية؛ ولذلك في ضوء هذه الآية الكريمة كان بعض المجاهدين الفلسطينيين يواجهون كاهانا بقوله: نحن شعب الله المختار، فإنه كان يردد مزاعم اليهود أنهم شعب الله المختار، فكان المجاهدون يردون عليه بقولهم: بل نحن المسلمين شعب الله المختار؛ لأن الله تعالى قال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). فهم يقولون: نحن شعب الله المختار، بصفة عنصرية، وأن ماعدا ذلك من الأمم فهم عبارة عن بهائم خلقت ليس فيها استعمال البشر، وإنما خلقت ليسخرها اليهود لعنهم الله تعالى، ولذلك لا نجد في العقيدة اليهودية تبشير باليهودية؛ لأنهم -كما قال بعض الظرفاء يعلل ذلك في ضوء أخلاق اليهود- يخافون أن الناس يشاركونهم في الجنة، فإذا دخلوا اليهودية واعتنقوها فسيشاركونهم في الجنة على زعمهم، وهم لشدة بخلهم وشحهم يخشون أن يدخل الناس معهم الجنة، وهذا قاله على سبيل المزاح، لكن هم يزعمون أنهم شعب الله المختار؛ لأنهم فئة مستقلة وعنصر معين، وهو هذا العنصر الإسرائيلي.
أما نحن فنحن بحق شعب الله المختار، لا بصفة قومية ولا عنصرية ولا عرقية، وإنما بصفة التوحيد الذي هو صبغة الله، وبصفة الهوية الإسلامية، وكيف لا تكون الهوية الإسلامية أشرف صبغة وأحسن دين وأعظم انتماء وهي في الحقيقة انتماء إلى الله عز وجل وانتماء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتماء إلى عباد الله الصالحين وأوليائه المتقين من كانوا ومتى كانوا وأين كانوا؟!
يقول تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:55-56].
قال الله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]. هذا هو الانتماء لأمة الإيمان وقال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105] يقول بعض المفسرين: إن عباد الله الصالحين هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ودعا الحواريون فقالوا: رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:53] وقال الذين آمنوا من النصارى: وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ [المائدة:84] يعني: أمل وغاية من أسلم منهم أنه يطمع ويسعى سعياً حثيثاً إلى الانطواء تحت لواء هذه الهوية الإسلامية، ولذا قالوا: (وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ). وكل مسلم يقول في صلاته: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، انتماءً وانتظاماً في هذا النظام وهذا العرق الذي يضم كل من ينتسب إلى حزب الله عز وجل، يقول الشاعر: ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبـادي وأن صيرت أحمد لي نبيا صلى الله عليه وسلم، فالأمر مهم جداً، وينبغي أن نلتفت إليه؛ لأنه في غاية الأهمية، ونحن نناقش أن موضوع الانطواء تحت الهوية الإسلامية والاندماج في الهوية الإسلامية ليس أمراً اختيارياً، وهذا كلام ليس فقط للمسلمين، ولكن لجميع البشر ولكل الناس، فيجب على جميع بني آدم أن ينتموا إلى الهوية الإسلامية، فالهوية الإسلامية ليس الانتماء إليها أمراً مستحباً، ولا أمراً تكميلياً أو كمالياً، ولكنه فرض متعين على كل بني آدم المكلفين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يقول الله عز وجل: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]، والآيات كثيرة جداً في بيان أن دعوة الإسلام دعوة شاملة لجميع البشر، حتى يندمجوا في الهوية الإسلامية، ويشهدوا شهادتي التوحيد، وينقادوا لحكم الله سبحانه وتعالى، ويكونوا من المسلمين، قال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ [الأنعام:19] يعني: يا من أنتم حاضرون! وهم قريش (ومن بلغ) يعني: ومن يبلغه القرآن إلى أن تقوم الساعة أيضاً، كلكم أنا أنذره بذلك، ويقول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي وبما أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم . إذاً: هذه الأمة محملة برسالة إدخال جميع البشر في الهوية الإسلامية، وهذا هو موقعها الطبيعي والقيادي، وذلك باعتبارها خير أمة أخرجت للناس، وباعتبارها الأمة الوحيدة المؤهلة لإنقاذ البشرية من الضياع في الدنيا ومن عذاب الآخرة. فالسبيل الوحيد إلى النجاة في الآخرة لجميع الناس هو أن يذوبوا ويندمجوا في الهوية الإسلامية؛ لأن الهوية الإسلامية هوية تستوعب كل مظاهر الشخصية، وتحدد لصاحبها بكل دقة ووضوح هدفه ووظيفته وهوايته في هذه الحياة، قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]. وقال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108].
قال الله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]. هذا هو الانتماء لأمة الإيمان وقال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105] يقول بعض المفسرين: إن عباد الله الصالحين هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ودعا الحواريون فقالوا: رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:53] وقال الذين آمنوا من النصارى: وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ [المائدة:84] يعني: أمل وغاية من أسلم منهم أنه يطمع ويسعى سعياً حثيثاً إلى الانطواء تحت لواء هذه الهوية الإسلامية، ولذا قالوا: (وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ).
وكل مسلم يقول في صلاته: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، انتماءً وانتظاماً في هذا النظام وهذا العرق الذي يضم كل من ينتسب إلى حزب الله عز وجل، يقول الشاعر:
ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبـادي وأن صيرت أحمد لي نبيا
صلى الله عليه وسلم، فالأمر مهم جداً، وينبغي أن نلتفت إليه؛ لأنه في غاية الأهمية، ونحن نناقش أن موضوع الانطواء تحت الهوية الإسلامية والاندماج في الهوية الإسلامية ليس أمراً اختيارياً، وهذا كلام ليس فقط للمسلمين، ولكن لجميع البشر ولكل الناس، فيجب على جميع بني آدم أن ينتموا إلى الهوية الإسلامية، فالهوية الإسلامية ليس الانتماء إليها أمراً مستحباً، ولا أمراً تكميلياً أو كمالياً، ولكنه فرض متعين على كل بني آدم المكلفين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يقول الله عز وجل: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]، والآيات كثيرة جداً في بيان أن دعوة الإسلام دعوة شاملة لجميع البشر، حتى يندمجوا في الهوية الإسلامية، ويشهدوا شهادتي التوحيد، وينقادوا لحكم الله سبحانه وتعالى، ويكونوا من المسلمين، قال تعالى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ [الأنعام:19] يعني: يا من أنتم حاضرون! وهم قريش (ومن بلغ) يعني: ومن يبلغه القرآن إلى أن تقوم الساعة أيضاً، كلكم أنا أنذره بذلك، ويقول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي وبما أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم .
إذاً: هذه الأمة محملة برسالة إدخال جميع البشر في الهوية الإسلامية، وهذا هو موقعها الطبيعي والقيادي، وذلك باعتبارها خير أمة أخرجت للناس، وباعتبارها الأمة الوحيدة المؤهلة لإنقاذ البشرية من الضياع في الدنيا ومن عذاب الآخرة.
فالسبيل الوحيد إلى النجاة في الآخرة لجميع الناس هو أن يذوبوا ويندمجوا في الهوية الإسلامية؛ لأن الهوية الإسلامية هوية تستوعب كل مظاهر الشخصية، وتحدد لصاحبها بكل دقة ووضوح هدفه ووظيفته وهوايته في هذه الحياة، قال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163].
وقال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108].
الهوية الإسلامية هي مصدر العزة والكرامة، قال تعالى: لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:10]، وقال عز وجل: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون:8] قال عمر رضي الله عنه: ( إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله ).
وهي هوية متميزة عما عداها؛ حيث إنها هوية في غاية الوضوح، ولا يمكن أبداً أن تختلط أو تلتبس بغيرها من الهويات، وهذا هو مبدأ البراءة من الشرك والمشركين، ويدل عليه قوله تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) والخطاب للكافرين: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ [الكافرون:1-2] حالياً مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ [الكافرون:2-3] الآن عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا [الكافرون:3-4] في المستقبل عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنْتُمْ [الكافرون:5] في المستقبل عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ [الكافرون:5-6] الباطل الذي أنا بريء منه وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6] الحق.
هذا التميز بين الهوية الإسلامية وما خالفها من الهويات ثابت في كل حين، وقد فرض الله سبحانه وتعالى علينا معشر المسلمين في كل يوم وليلة أن ندعوه سبع عشرة مرة أن يهدينا الصراط المستقيم؛ حيث إن كلنا يقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] ثم يزيد هذا الصراط وضوحاً فيقول: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] الذي نحن ننتمي إليهم غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] وهذا من أركان الهوية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من عمل بسنة غيرنا).
وعرف اليهود ذلك، وشعروا أنه صلى الله عليه وسلم كان يتحرى أن يخالفهم في كل شئونهم الخاصة بهم، حتى ضجر اليهود من ذلك، وقالوا: ما يريد هذا الرجل -أي: رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه، وذلك حرصاً منه على تميز الهوية الإسلامية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم). وقد صحت كثير من الأحاديث التي تفصل هذه المخالفة وتحض عليها في كثير من أبواب الدين، وهناك أحاديث كثيرة جداً في الصلاة وفي النكاح وفي الصيام وفي العادات وفي الأكل والشرب واللبس وفي سائر الأعمال حض النبي صلى الله عليه وسلم فيها على التميز عن المشركين وعدم موافقتهم.
إذا قلنا: إن وطن المسلم أو وطن المسلم هي عقيدته، وجنسيته هي دين الإسلام، فما علاقة الهوية الإسلامية بالوطنية القومية؟ وهل هي علاقة تعارف؟
نقول: إن الهوية الإسلامية ابتداءً لا تعارض الشعور الفطري بحب الوطن الذي ينتمي إليه المسلم، ولا تعارض حب الخير لهذا الوطن، بل في الحقيقة إن المسلمين الصادقين هم أصدق الناس وطنيةً، وهم أنفع الناس لوطنهم؛ لأنهم يريدون لوطنهم سعادة الدنيا والآخرة، وذلك بتطبيق الإسلام وتبني عقيدته؛ لإنقاذ مواطنيهم من النار، كما قال مؤمن آل فرعون:يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ [غافر:29] وأدخل نفسه في جملة القوم، قال: فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا [غافر:29].
أيضاً هؤلاء هم الذين يدأبون ويجتهدون في حماية أمتهم من التبعية لأعدائهم الذين يكيدون لأوطانهم، وقد تجلى هذا المفهوم واضحاً في قصة مؤمن آل فرعون المذكورة في سورة (غافر)، ويتجلى ذلك في كل مواقف وجهاد رموز الدعوة الإسلامية في كافة البلاد الإسلامية.
والوطن الحقيقي في مفهوم الهوية الإسلامية هو الجنة؛ لأن هذا هو الوطن الأصلي للمؤمنين؛ حيث كان فيه أبونا آدم عليه السلام.
ونحن في الدنيا في حالة نفي عن الوطن، وفي معسكر اعتقال عدونا الشيطان، فنحن في حالة نفي عن ذلك الوطن الحقيقي، ونحن في هذا المنفى ساعون في العودة إلى هذا الوطن، والمنهج الإسلامي والهوية الإسلامية هي الخريطة التي ترسم لنا طريق العودة إلى الوطن الأم، وهذا المعنى عبر عنه الإمام المحقق ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى بقوله:
فحيَّ على جنات عدنٍ فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم
فالجنة هي دار السعادة التي لا يبغي أهلها عنها حولاً، لا كما قال من سفه نفسه:
وطني لو سئلت بالخلد عنه نزعتني إليه في الخلد نفسي
أما في الدنيا فأيضاً الهوية الإسلامية تتحكم حتى في قلوبنا وفي عواطفنا، فنحن نحب جميع الأنبياء، ثم هناك مكانة خاصة للرسل، وأولهم أولو العزم من الرسل، وأفضلهم أشرف المرسلين وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد الأنبياء الأولياء، وأعظم الأولياء على الإطلاق الصحابة، وأعظم الصحابة على الإطلاق أبو بكر رضي الله عنه، ويليه عمر .
إن السمع والبصر والفؤاد والعواطف والحب كل ذلك ليس متروكاً لاختيارك، بل الهوية الإسلامية تحدد بقعة المحبة لكل شخص في قلبك، وأوليات هذه المحبة، وترتيب ذلك.
وكذلك بالنسبة للأوطان، فأحب الأرض إلى المؤمن في هذه الدنيا هي أولاً مكة المكرمة، ثم المدينة النبوية، ثم بيت المقدس، وقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن محبته مكة المكرمة مبنية على أنها أحب بلاد الله إلى الله، وبعض الناس الذين يتبنون المفهوم الوثني للوطنية يحاولون أن يستدلوا بالحديث على ما يدعون إليه، حيث يحاولون أن يغذوا مفهوم الوطنية الوثنية بالحديث، ويقولون هذا دليل على حب الوطن، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حنَّ إلى مكة وقال: (لولا أن قومكِ أخرجوني منكِ ما خرجت).
وهذا ليس دليلاً على حب الوطن، وإنما هو دليل على حب مكة؛ لأن مكة أحب بلاد الله إلى الله، فلذلك كل مسلم يحب مكة المكرمة قبل أي مكان آخر على وجه الأرض، وكذلك المدينة النبوية الطيبة، وكذلك بيت المقدس الذي بارك الله حوله؛ فمحبتنا لهذه البقاع التي اختارها الله وباركها وأحبها فوق محبتنا لمسقط رءوسنا، ومحضر الطفولة، ومرتع الشباب.
أما ما عدا هذه البلاد المقدسة فإن الإسلام هو وطننا، وهو أهلنا، وهو عشيرتنا؛ وحيث تكون شريعة الإسلام حاكمة وكلمة الله ظاهرة فثمَّ وطننا الحبيب الذي نفديه بالنفس والنفيس، ونذود عنه بالدم والولد والمال، يقول الشاعر:
ولست أدري سوى الإسلام لي وطناً الشام فيه ووادي النيل سيان
وحيثما ذكر اسم الله في بلد عددت أرجاءه من لب أوطاني
الوطنية بمعناها المحصور في قطعة أرض إذا سألنا من الذي وضع هذه الحدود الوهمية التي لا نراها إلا على الخرائط، نجد أن الاستعمار هو الذي قسم هذه الحدود، وهو الذي شطرنا بهذه الطريقة؛ في حين أننا إذا رأينا الحدود بين دولهم في أوروبا نجدها بخلاف ذلك، وأنا رأيت الحدود بين هولندا وألمانيا عبارة عن شارع في وسطه رصيف ارتفاعه حوالى نصف متر أو أقل، يعني: ممكن أن تكون أحدى رجليك في هولندا والأخرى في ألمانيا، والناس يتحركون بمنتهى الحرية، هذه هي الحدود بينهم، والآن هم ساعون في إزالة هذه الحدود، بل فعلوا ذلك بالفعل عن طريق الوحدة الأوروبية التي تحققت بالفعل، فهم بقدر ما اجتهدوا في تمزيقنا كما تمزق الجبنة الرومي هم أيضاً يندمجون ويتوحدون ويلغون الحواجز بينهم، فهذه الحدود ليست في القرآن ولا في السنة، بل هذه الحدود إنما رسمها أعداؤنا، فالوطنية بمعناها المحصور في هذه الحدود أو في عرق أو لون أو جنس خاطئة، وهذا المفهوم مفهوم دخيل، لم يعرفه السلف ولا الخلف، وأول من أدخل مفهوم الوطنية الوثنية في بلاد المسلمين أو في مصر على الأقل هو رفاعة الطهطاوي لما أرسله محمد علي إلى فرنسا ورجع ملوثاً ببعض الأفكار من فرنسا منها فكرة الوطنية، وهو أول من بدأ ينشر روح الوطنية بالمعنى الوثني، والارتباط بالتراب وبالأرض ونحو هذا الكلام الذي استورده من الأفكار التي تأثر بها في فرنسا، فطرأ علينا هذا المفهوم المحدود الضيق ضمن ركام المفاهيم المخربة التي زرعها الغربيون وأذنابهم لمزاحمة الانتماء الإسلامي، وتوهين الهوية الإسلامية التي ذوبت قوميات الأمم، والتي فتحتها في قومية واحدة هي القومية الإسلامية، والوطنية الإسلامية، ودمجتها جميعاً في أمة التوحيد.
وهاكم شهادة شاهد من أهلها، وهو المؤرخ اليهودي برنارد لويد ، حيث يقول هذا المؤرخ اليهودي: كل باحث في التاريخ الإسلامي يعرف قصة الإسلام الرائعة في محاربته لعبادة الأوثان منذ بدء دعوة النبي، وكيف انتصر النبي وصحبه وأقاموا عبادة الإله الواحد التي حلت محل الديانات الوثنية لعرب الجاهلية، وفي أيامنا هذه تقوم معركة مماثلة أخرى، ولكنها ليست ضد اللات والعزى وبقية آلهة الجاهليين، بل ضد مجموعة جديدة من الأصنام اسمها الدولة والعنصر والقومية، وفي هذه المرة يظهر أن النصر حتى الآن هو حليف الأصنام، فإدخال هرطقة القومية العلمانية أو عبادة الذات الجماعية كان أرسخ المظالم التي أوقعها الغرب على الشرق الأوسط، ولكنها مع كل ذلك كانت أقل المظالم ذكراً وإعلاناً. وهذا اعتراف صريح من هذا اليهودي بأن الغرب هو الذي زرع ظلماً وعدواناً مفاهيم القومية والعلمانية ليوهن ويضعف الهوية الإسلامية.
ويقرر هذا المؤرخ نفسه حقيقة ناصعة فيقول: فالليبرالية والفاشية والوطنية والقومية والشيوعية والاشتراكية كلها أوروبية الأصل مهما أقلمها وعدلها أتباعها في الشرق الأوسط، والمنظمات الإسلامية هي الوحيدة التي تنبع من تراب المنطقة، وتعبر عن كتل المشاعر الجماهيرية، وبالرغم من أن كل الحركات الإسلامية قد هزمت حتى الآن غير أنها لم تقل بعد كلمتها الأخيرة. انتهى كلام هذا اليهودي.