أرشيف المقالات

خاطرة: أردت يوما...! - سارة بنت محمد حسن

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .

أردت يوما أن أبلغ الكمال والدرجات العلى، وأن أمَسّ..
بل أعانق عظائم ما تصل إليه النفوس من بر وعلم، فيجتمع في قلبي ما يحب ربي من عمل القلب الصالح، وأنزع عنه كل سقم وطالح، ويجتمع على لساني السداد والحكمة، مواطئا لما في القلب من الفكرة.

كذا كانت همتي ولذا ارتفع بصري، فما عدت أرى غيره وما أصبحتُ ولا أمسيتُ إلا في طلبه، فعملتُ أعمالا وطلبتُ علوما، وهكذا ينبغي أن يفعل من علت همته وسمت، فلا يكتفي بالفكر والبكا.
فأين الخلل؟!

شعرت أنني على الطريق، قد اقتربت من الفوز بالسبق العتيق، ورأيت الناس إليّ ينظرون ولعلمي يمدحون، وبما حزت من الفنون يكْبرون، بل ولما عندي يغبطون! فرأيتُ أنني هُديتُ الصراط بما عندي من بديع الصفات، وبما أنا عليه من قوة في الحق، وقدم الصدق ، وثباتي في السبق، واستعلائي على الخلق..

ورأيت أن ذلك إنما كان لاستحقاقي وجدارتي {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} [ الفجر :15].
فكُشف لي من الغيب قطرة، هي الأقرب لي من حبل الوريد: ما خبأه قلبي وما طواه من مرض قريب!
فلجأتُ إلى (حولي، وعلمي، وجهدي، وقيامي، وقرآني) لأرفع عن نفسي المرض المعيب، فما ألفيتُ إلا أنني أزدادُ منه كما يزداد الثملُ الماء فما يزيده غير تخسير..

وعجزتُ بكل ذا عن نفض الوهن عني، وكذا رأيت الطاعة تنفضّ مني.
فما كان بالأمس القريب يسيرًا أقوم إليه بقلب سعيد، صار اليوم ثقيلا كثقل الجبال الراسيات فما أستطيع!
فغضبتُ من نفسي أنها لم تستطع رفع البلاء عني، وازددت من الغي غيا..

وسائلتُ ربي بلا افتقار لِم لا تغثني يا غفار؟! {فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} [الفجر:16].
ثم ملأت الدنيا صراخا..
أغيثوني يا قوم فإنني أنكرتُ نفسي وقلبي! ورفعت يدي لأطالب ربي بحقي! {..ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40].
فكانت الصفعة الفاصلة، كالقشة القاصمة أنني لستُ ذي حق عند الحق الحكيم، فإنه سبحانه إن شاء أعطى ومنّ بالإحسان، وإن شاء رفع إحسانه فلا يلام: {..وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} [محمد:37].

فأسقط في يدي وعلمتُ أنني أهلكتُ نفسي بنفسي، وأوثقتُ نفسي بنفسي قبل أن يعدو عليّ عدو الله وعدوي! كبلني سوء خلقي ولهوي بما منحتُ بكرم الله أثناء الطريق، وظننتُ أنني مستحق للكرم والعفو والجود والإحسان من المنان الشكور لأني (أنا) أنا ولستُ غيري!

ورفعت يدي في وهن أدافع عن نفسي فسقطت اليدان عجزا وأظلم قلبي فعلمت أنني ضللت الطريق، وعندها بلغ اليأس مني مبلغه، وعلمت أن ما طويت في الصدر من مرض قد بدا، وعلمت قدري وعجزي وهواني: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [ التوبة :118].

ولاح لي في الأفق البعيد نورًا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15].
فشكوت بثي وحزني إلى ربي، وعرفت جحودي وعصياني وعجزي، فأي كرم هذا الذي أكرمنيه وأي جحد هذا الذي أنا واقع فيه!

فلك الحمد ربي على نعمك وآلائك ورحمتك، ولك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، ولك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك.
 

شارك الخبر

المرئيات-١