خطب ومحاضرات
وقفة مع الجن [3]
الحلقة مفرغة
إفراط المعالجين في استخدام الوهم
خطر الانجرار وراء غيبيات عالم الجن
عالم الجن والشياطين في القرآن الكريم
القرآن الكريم تعرض لموضوع الجن ممثلاً بالشيطان بصفة أساسية، وفي كيد بني آدم، وفي شياطين الإنس والجن، وفصل تفصيلاً مهماً جداً، هذا هو الذي ينبغي أن ننشغل به، عداوة الشيطان لبني آدم، وأن الشيطان يقف وراء كل شرك وكل معصية، وأن جنوده يجتهدون في إضلال الناس، وفي الإفساد بينهم إلى غير ذلك، فنحن مطالبون بمحاربة كيد الشيطان بالاستقامة على طاعة الله: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ [الأعراف:27]، وهكذا نحن إذا فصلنا الكلام في هذه القضية هذا موضوع أساسي، لكن ليس هو موضوعنا الآن، عداوة الشيطان وكيف نواجه هذا العدو، كيف نكون على حذر، وكيف لا نقع في المعاصي، هكذا القرآن فصل الحذر من تلبيس الشيطان، وإضلاله إيانا سواء في العقيدة أو في العبادات أو في الأخلاق، أو في غير ذلك من المسالك، هذا هو الموضوع الذي فصل القرآن فيه تفصيلاً عجيباً جداً، وكذلك السنة.
أما موضوع الجن وحقائق عالم الجن، فكما أشرنا من قبل عرض القرآن لها بالتفصيل في سورة الجن، ثم في سورة الأحقاف بصورة عابرة، وما عهدنا أبداً لا من الصحابة ولا من السلف الانغماس في موضوع الجن بهذه الطريقة المرضية، وبهذه الطريقة الوبائية التي انتشرت وصرفت الناس عن الواقع الذي يعيشونه باعتبارهم من بني آدم إلى واقع من الخيال، وشيء غائب عنا، وأغلب المعلومات التي نتداولها ليس لها مصدر معصوم -الوحي كما ذكرنا- إلا ما هو أخبار الجن، أو من السحرة، أو ممن يزعمون أنهم قد تمرسوا وتدربوا في هذا المجال، لكن أين الخبر المعصوم الذي يجب ألا نتعداه؟ وتساهلنا كثيراً في أن نشرب كماً هائلاً من المعلومات دون أن نتمحص ونتحرى المنهج السلفي الذين نزعم أننا ننتمي إليه.
فمثلاً: إذا قلنا لأخ: نريد دليلاً معصوماً على أن الجني يحرق بالقرآن؟ قد يدهش لأن الخبر حقيقة مسلمة، لكن من أين لك هذا؟ من أين أتيتم أن القرآن الكريم يحرق الجن؟ أين الدليل؟ لن يجدوا دليلاً، إنما يتمسكون بعمومات من القرآن الكريم بعيدة تماماً عن تأييد ما ذهبوا إليه، نحن نريد احترام المنهج العلمي في مثل هذه القضية، أين الدليل على هذه الأشياء؟ أين الدليل على هذا الضرب المبرح بهذه الطريقة؟ هل الشريعة التي حرمت العدوان وحرمت الصول على بدن وروح المؤمن تبيح في نفس الوقت هذا العبث، وهذا الانتهاك لحرمات المسلمين بالصورة التي نراها والتي قد تصل إلى القتل في كثير من الحالات؟ أين العقول؟ أين منهج السلف الذي نزعم أننا ننتسب إليه؟
فإذاً: موضوع ولع الإنسان بمعرفة الغيوب كان المدخل الذي من خلاله راج هذا الموضوع؛ لأننا نسينا أننا لا نتلقى الأخبار إلا من الوحي المعصوم، أخبار الغيب، وفتحنا نافذة جديدة غير نافذة الوحي، أخبار تأتينا عن مجهول، عن عالم المجهول، هذا إن كان جنياً بالفعل، لا نعرف من هو ولا كيف هو، ونعيش في عالم من الوهم، ونصدق هذه الأشياء، وأن الجني يسلم، ثم بعد ذلك يُعرض عليه الإسلام، ويقال له: ما اسمك؟ يجيب أن اسمه جرجر، ثم يُسأل: من الذي بعثك؟ فيجيب شنودة الذي بعثني.. ونفتح خيالاً في خيال.
شناعة ادعاء تأييد قرين النبي صلى الله عليه وسلم
دور الدعاة والمعالجين بالقرآن في نشر الظاهرة المرضية
حقيقة المس
توجد حالات مس والمس حقيقة لا ننكرها: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ [البقرة:275]، أما الطب الغربي فهو طب إلحادي من ناحية الإيمان، ولا يؤمن بالله، ولا يؤمن بالقرآن، الطب الغربي لا يعترف مثلاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)، فنحن لا نستغرب إذا أنكر، مع أن الطب الغربي في الحقيقة لو احترم الحقيقة العلمية لحكم على نفسه كما يسمي في الاصطلاح الطبي: (إديوفاتك) يعني: غير معلومة السبب، أغلب حالات الجن غير معلومة السبب، فيقفوا عند حدهم، ويعترفوا قائلين: هذا شيء نحن نجهله، فالجان هنا حالة نسبية، لكن ليس من حقه أن ينكر، هذا هو المنهج العلمي، فهذا ليس مجاله، هو مجاله التعامل التجريبي مع الحالات المباشرة، أما أن يغتر الإنسان بما وصل إليه من العلم حتى يصل إلى حد التمادي وينكر حقائق غيبية، فهذا ليس مجاله، وليس تخصصه.
التوهم من طرق الإصابة بالمس
عودة الأفاضل إلى الطريق المستقيم
بُعد السلف عن الاحتراف بالقرآن
سمعت من سائق يعيش في الساحل الشمالي أن امرأته اشتكت من مرض ما بعدما تزوجا بشهر تقريباً، فذهب بها إلى الطبيبة، فصرفت لها دواءً، وقبل أن تستكمل العلاج الذي وصفته لها الطبيبة إذا بشخص يتطوع ويقول: دعك من الطب، فهناك إخوة معالجون يعالجونها فلعل بها مساً من الجن، هكذا بمنتهى البساطة مع أنه مرض عضوي عادي جداً، فاذهب إلى الجماعة المعالجين للجن، فذهب إلى أحدهم وقرأ عليها ولم ينطق على لسانها جني، فقال: يظهر أن الجني أخرس، أو لعل الجني موجود، لكنه يتعمد ألا ينطق تماماً كما فعل آخرون في جريمة قتل مماثلة، أو لعله لا يوجد جني أصلاً ما دام أن المسألة مبنية على (لعل، وعسى) ولا نملك دليلاً نجزم به فما هو المسوغ للتمادي في الظنون.. نرجع إلى ما فعله هذا المعالج، ويكرره غيره من المعالجين الذين يزعمون أنهم تخصصوا وتفوقوا وتدربوا وتمرسوا في هذا المجال، ومع ذلك فهم يرتكبون مثل هذه الأخطاء التي ينبني عليها الإقدام بجهل على انتهاك حرمات الناس. فقال له: أحضر لي عوداً متيناً كي أضرب هذا الجني الأخرس الذي يرفض أن يتكلم، فيقول: فذهبت إلى شجرة الزيتون -ويبدو أن الذين يعيشون في الصحراء، يعلمون أن عود شجرة الزيتون عود قوي ومؤلم- وانتقيت عوداً طويلاً يلسع لسعاً مريراً، فأخذ يضرب المرأة على ظهرها ضرباً مبرحاً دون جدوى، ولم ينطق الجني الأخرس. المهم أنه حينما عاد إلى البيت وجد ظهر المرأة أخضر تماماً من كثرة الضرب، فقال لها: هذا يدل على أن الضرب وقع عليك أنت لا على الجني؟ قالت: نعم، قال: ما منعك من أن تتكلمي؟ قالت: أنا كنت منتظرة أن الجني يتكلم، أوهموها أن فيها جنياً، وسيطر عليهم هذا الوهم وكأن الوهم صار حقيقة لا تقبل الجدال، حتى إنه يستحل الضرب وهذا العدوان. وهذه الحالة ينبغي أن يقتص فيها من أمثال هؤلاء ويضرب بجهله وعدوانه، وإلا صار الأمر فوضى بهذه الطريقة. كما نجد آخرين متخصصين في كسر الإصبع الكبير، عالم من الجهل والجهلة، ومن المعتدين على حرمات المسلمين بهذه البدعة التي ابتدعوها، حتى أن المرأة اقتنعت أن فيها جنياً، فهي تعي وتتحمل الضرب ولا تريد أن تتكلم منتظرةً أن ينطق الجني الذي يلبسها. أنا أعتقد أنني لو فتحت حواراً مفتوحاً وكل واحد يحكي ما لديه من القصص، بل من المآسي؛ أظن أن عندكم رصيداً كبيراً من هذه المآسي، لكننا نكتفي فقط بضرب الأمثلة التي تغنينا عن التفاصيل.
عالم الجن له حقيقة، ونحن لا ننكر مس الجني، وهي حقيقة شوهتها هذه الشعوذة، وهذا الدجل، وهذا الانحراف، والحالات التي فيها مس جني حقيقي هي حالات قليلة جداً جداً بالنسبة لما يحكى من الحالات الوهمية، ومن أسباب شيوع هذا الوهم فيما مضى. ولما الإنسان لديه ولع به كان ذلك من أسباب انتشار هذه الظاهرة، فحينما يسمع بهذا الموضوع شخص يراه موضوعاً شيقاً، وجذاباً ومغرياً، فتدفعه الغريزة والفطرة وحب الاستطلاع والفضول والولع إلى استكشاف ما غيب عنه؛ لأن الإنسان عنده تعطش دائماً لأن يعلم شيئاً عن العوالم الغيبية وعما يحدث في المستقبل، وعما غاب من المخلوقات أو حقائق هذا الوجود، فالإسلام أشبع هذه الفطرة بأن وسع رقعة العقيدة، ومد مساحتها بإخبارنا عن كثير من الأمور الغيبية؛ لتشبع هذا الميل في الإنسان. وقد يكون هذا السبب -وهو حب الاستطلاع والفضول- دافعاً لاستطلاع هذا العالم الغامض بالنسبة إلينا مما قد يؤدي إلى شيوع هذه الظاهرة المرضية التي بصددها. وعلاجاً لهذه الظاهرة لا بد من كبح جماح هذا التطلع، وأن يحد بحدود الشرع، فأنت إذا أردت أن تشبع هذا الفضول والاستطلاع إلى هذه العوالم الغيبية فلا توجد نافذة يمكن أن نطلع من خلالها على الغيوب إلا نافذة الوحي فقط، ولا يمكن أبداً أن نطلع على الغيوب، ونقطع بصدق هذه المعلومات إلا من خلال نافذة الوحي المعصوم، أما ما عدا ذلك فلا أمل قطعاً في التطلع إلى الأخبار الغيبية إلا عن طريق الوحي الشريف.
القرآن الكريم تعرض لموضوع الجن ممثلاً بالشيطان بصفة أساسية، وفي كيد بني آدم، وفي شياطين الإنس والجن، وفصل تفصيلاً مهماً جداً، هذا هو الذي ينبغي أن ننشغل به، عداوة الشيطان لبني آدم، وأن الشيطان يقف وراء كل شرك وكل معصية، وأن جنوده يجتهدون في إضلال الناس، وفي الإفساد بينهم إلى غير ذلك، فنحن مطالبون بمحاربة كيد الشيطان بالاستقامة على طاعة الله: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ [الأعراف:27]، وهكذا نحن إذا فصلنا الكلام في هذه القضية هذا موضوع أساسي، لكن ليس هو موضوعنا الآن، عداوة الشيطان وكيف نواجه هذا العدو، كيف نكون على حذر، وكيف لا نقع في المعاصي، هكذا القرآن فصل الحذر من تلبيس الشيطان، وإضلاله إيانا سواء في العقيدة أو في العبادات أو في الأخلاق، أو في غير ذلك من المسالك، هذا هو الموضوع الذي فصل القرآن فيه تفصيلاً عجيباً جداً، وكذلك السنة.
أما موضوع الجن وحقائق عالم الجن، فكما أشرنا من قبل عرض القرآن لها بالتفصيل في سورة الجن، ثم في سورة الأحقاف بصورة عابرة، وما عهدنا أبداً لا من الصحابة ولا من السلف الانغماس في موضوع الجن بهذه الطريقة المرضية، وبهذه الطريقة الوبائية التي انتشرت وصرفت الناس عن الواقع الذي يعيشونه باعتبارهم من بني آدم إلى واقع من الخيال، وشيء غائب عنا، وأغلب المعلومات التي نتداولها ليس لها مصدر معصوم -الوحي كما ذكرنا- إلا ما هو أخبار الجن، أو من السحرة، أو ممن يزعمون أنهم قد تمرسوا وتدربوا في هذا المجال، لكن أين الخبر المعصوم الذي يجب ألا نتعداه؟ وتساهلنا كثيراً في أن نشرب كماً هائلاً من المعلومات دون أن نتمحص ونتحرى المنهج السلفي الذين نزعم أننا ننتمي إليه.
فمثلاً: إذا قلنا لأخ: نريد دليلاً معصوماً على أن الجني يحرق بالقرآن؟ قد يدهش لأن الخبر حقيقة مسلمة، لكن من أين لك هذا؟ من أين أتيتم أن القرآن الكريم يحرق الجن؟ أين الدليل؟ لن يجدوا دليلاً، إنما يتمسكون بعمومات من القرآن الكريم بعيدة تماماً عن تأييد ما ذهبوا إليه، نحن نريد احترام المنهج العلمي في مثل هذه القضية، أين الدليل على هذه الأشياء؟ أين الدليل على هذا الضرب المبرح بهذه الطريقة؟ هل الشريعة التي حرمت العدوان وحرمت الصول على بدن وروح المؤمن تبيح في نفس الوقت هذا العبث، وهذا الانتهاك لحرمات المسلمين بالصورة التي نراها والتي قد تصل إلى القتل في كثير من الحالات؟ أين العقول؟ أين منهج السلف الذي نزعم أننا ننتسب إليه؟
فإذاً: موضوع ولع الإنسان بمعرفة الغيوب كان المدخل الذي من خلاله راج هذا الموضوع؛ لأننا نسينا أننا لا نتلقى الأخبار إلا من الوحي المعصوم، أخبار الغيب، وفتحنا نافذة جديدة غير نافذة الوحي، أخبار تأتينا عن مجهول، عن عالم المجهول، هذا إن كان جنياً بالفعل، لا نعرف من هو ولا كيف هو، ونعيش في عالم من الوهم، ونصدق هذه الأشياء، وأن الجني يسلم، ثم بعد ذلك يُعرض عليه الإسلام، ويقال له: ما اسمك؟ يجيب أن اسمه جرجر، ثم يُسأل: من الذي بعثك؟ فيجيب شنودة الذي بعثني.. ونفتح خيالاً في خيال.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
قصتنا مع اليهود | 2627 استماع |
دعوى الجاهلية | 2562 استماع |
شروط الحجاب الشرعي | 2560 استماع |
التجديد في الإسلام | 2514 استماع |
تكفير المعين وتكفير الجنس | 2505 استماع |
محنة فلسطين [2] | 2466 استماع |
انتحار أم استشهاد | 2438 استماع |
تفسير آية الكرسي | 2404 استماع |
الموت خاتمتك أيها الإنسان | 2396 استماع |
وإن عدتم عدنا | 2395 استماع |