جاري العزيز


الحلقة مفرغة

لقد جاءت صفات الإثبات مفصلة في القرآن والسنة، أما النفي فلم يفصل إلا في نفي الصاحبة والشريك والوالد والولد، وقد كان منهج السلف في التعامل مع صفات الله تعالى إثباتها والوقوف عند النصوص الواردة بها من غير تشبيه ولا تعطيل.

الحمد لله الذي جعل الصلاة كتاباً موقوتا على المؤمنين، وأمر بإقامتها والمحافظة عليها وأدائها مع جماعة المسلمين، أحمده على نعمه، وأشكره على جزيل منه وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، توعد من تخلف عن صلاة الجماعة بأشد الوعيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تمسك بسنته وسار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس! اتقوا الله واعلموا أن مقام الصلاة عظيم، وقد نوه الله بشأنها في كتابه الكريم، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي الفارقة بين المسلم والكافر، وهي عمود الإسلام، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة.

أيها المسلمون! إن الشيطان يحرص كل الحرص على صرف المسلم عن هذه الصلاة؛ لعلمه أنه إذا انصرف عنها انصرف عن بقية أحكام الدين من باب أولى، فإنه لا دين لمن لا صلاة له، ولا حظ له في الإسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام : (آخر ما تفقدون من دينكم الصلاة).

وإن الشيطان يأتي لصرف المسلم عن هذه الصلاة من طرق كثيرة، فإن تمكن من منعه منها بالكلية، فإنه يبذل لذلك كل ممكن، وإن لم يتمكن من منعه منها احتال عليه بمنعه من الصلاة مع الجماعة، ثم بمنعه من أدائها في وقتها، فإن لم يستطع عن منعه عن الجماعة أغراه بالتكاسل والتأخر عن الحضور إلى المسجد حتى يفوته بعضها ويحرمه فضيلة السبق إلى المسجد، وحضور الصلاة من أولها.

وهذا هو الواقع اليوم من كثير من المسلمين، فمنهم أعداد كثيرة من جيران المساجد لا يدخلون المساجد للصلاة فيها، أو يدخلونها لبعض الصلوات ويتركون بعضها، وأعداد كثيرة تحضر إلى المساجد متأخرة لا تدرك إلا بعض الصلاة مع الإمام، أو لا تدرك منها شيئاً.

فما عذرك يا من تسمع النداء! وقد يكون المسجد إلى جانب بيتك وأنت صحيح البدن آمن من الخوف ثم لا تحضر لصلاة الجماعة؟! هل أنت ممن لم يسمع الآيات والأحاديث ؟ أو سمعتها وقلت: سمعنا وعصينا؟!

أيها الإخوة! إن حالتنا اليوم مع الصلاة حالة سيئة؛ خف ميزانها لدينا، وتساهلنا في شأنها، وصار التخلف عنها أمراً هيـناً، بل أمراً عادياً، فالأسرة الكبيرة في البيت لا يحضر منها إلا الأفراد، وبعض البيوت لا يحضر منها أحد، والذين يحضرون لا ينكرون على المتخلفين، وقد يكونوا من أولادهم الذين كـلفوا بأمرهم بها وضربهم عليها.

فأنت ترى البيوت والأسواق مكتظة بالناس، ولا يرتاد المساجد منهم إلا الأفراد، والغالبية رضوا بأن يكونوا مع الخوالف .. رضوا بالعقوبة .. رضوا بوصف النفاق؛ فإن من أبرز صفات المنافقين التي وصفهم الله بها في كتابه العظيم: التكاسل عن صلاة الجماعة، حيث قال الله تعالى في وصفهم: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ [النساء:142] وقال سبحانه: وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى [التوبة:54] وقال ابن مسعود رضي الله عنه : [ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها -أي صلاة الجماعة- إلا منافق معلوم النفاق].

فهل ترضى أخي الحبيب! أن تكون في زمرة المنافقين الذين هم أشد الناس عذاباً يوم القيامة؟!

إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً [النساء:145-146].

إن التخلف عن صلاة الجماعة دليل على ضعف الإيمان، وخواء القلب من تعظيم الله وتوقيره واحترامه، وإلا فكيف يليق بمسلم صحيح آمن يسمع منادي الله كل يوم خمس مرات وهو يناديه: (حي على الصلاة، حي على الفلاح) ثم لا يجيبه، ويسمع منادي الله وهو يقول: (الله أكبر) ثم يكون اللعب عنده أكبر، ومشاهدة الأفلام والمباريات أكبر، والبيع والشراء أكبر، ومشاغل الدنيا الفانية أكبر، ويسمعه وهو يقول: (الصلاة خير من النوم) ثم يكون النوم عنده خير من الصلاة.

يقول أحد مغسلي الموتى: جيء بميت يحمله أبوه وإخوانه، ودخلنا لغسله فبدأنا بتجريده من ملابسه، ها هو جثة نقلبها بأيدينا! لقد آتاه الله قوة في جسمه، وفتوة في عضلاته، وبياضاً ناصعاً في بشرته، وبينما نحن نقلب الجثة، وفجأة وبدون مقدمات انقلب لونه كأنه فحمة سوداء، فتجمدت يداي وشخصت عيناي خوفاً وفزعاً، فخرجت من مكان التغسيل وأنا خائف، فسألت أباه: ما شأن هذا الشاب؟ فقال: إنه كان لا يصلي، يقول المغسل: فقلت لهم: خذوا ميتكم فغسلوه.

فرفض المغسل أن يغسله، ورفض إمام المسجد أن يصلي عليه .. إنا لله وإنا إليه راجعون! لا إله إلا الله! لا يغسل ولا يصلي عليه المسلمون، ولا يدفن في مقابر المسلمين، هذا حكم الله فيه.

سئل الشيخ العلامة ابن عثيمين : ما حكم تارك الصلاة ؟

فأجاب -حفظه الله تعالى- بقوله: إن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، فالذي لا يصلي كافر خارج عن الملة، وإن كان له زوجة انفسخ نكاحه منها، ولا تحل ذبيحته، ولا يقبل منه صوم ولا صدقة، ولا يجوز أن يذهب إلى مكة فيدخل الحرم، وإذا مات فإنه لا يجوز أن يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، وإنما يخرج به إلى البر ويحفر له حفرة يرمس فيها، ومن مات له قريب وهو يعلم أنه لا يصلي فإنه لا يحل له أن يخدع الناس ويأتي به إليهم ليصلوا عليه؛ لأن الصلاة على الكافر محرمة لقوله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:84]. انتهى كلامه مختصراً حفظه الله.

وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هناك أناس لا يصلون الفرائض الخمس مطلقاً إلا صلاة الجمعة، فما حكم الميت منهم؟ وهل يجب على المسلمين دفنه والصلاة عليه؟

فأجابت اللجنة بقولها: إذا كان الواقع كما ذكر؛ فإن تركها جاحداً لوجوبها عليه فهو كافر بإجماع المسلمين، أما إن تركها كسلاً مع اعتقاد وجوبها فهو كافر على الصحيح من أقوال العلماء، للأدلة الثابتة الدالة على ذلك، وعلى هذا القول الصحيح: لا يغسل، ولا يصلي عليه المسلمون صلاة الجنازة، ولا يدفن في مقابر المسلمين. انتهى كلامهم.

فأي خاتمة سيئة لهذا العبد، وأي عار وفضيحة لأهله وإخوانه! هذا في الدنيا، وما عند الله أشد : فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5].

فيا أخي الحبيب! أيها المتهاون في الصلاة! يا تارك الجماعة! اسمع قبل ألا يصلى عليك.. اسمع قبل ألا يترحم عليك.. اسمع ما دمت تسمع، واستجب ما دمت في مهل، واسمع لهذه الكلمات، واستمع لهذه التوجيهات من قلب أحبك ويخشى عليك من غضب الجبار، فلا يغرنك حلم الله وإمهاله لك.

إن بعض الناس قد يسخر بالمصلين، ويستهزئ بهم ويلمزهم إن نصحوه وأمروه بالصلاة مع الجماعة، وقد يتفوه البعض بكلمات الفسق والفجور، كلمات تتزلزل لها الأرض والسماوات، وتتقطع لها قلوب المؤمنين والمؤمنات، فلا إله إلا الله ما أحلم الله على عباده! وما أوسعه وأصبره على أولئك! أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الملك:16-17].

يا من تتكلم بتلك الكلمات وتسخر بالصالحين الناصحين! ألم تحسب لغضب الله حساباً؟ أليس الله قادراً عليك؟ أو ليس الله قادراً أن يشل جسدك أو يوقف أركانك أو يخرس لسانك؟ ألم يكفك ترك الصلاة لتتفوه بهذه الكلمات وتبارز بها جبار الأرض والسماوات؟ ولكن صدق الله حيث قال: كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] .

أخي الكريم! أخي الحبيب! يا من فقدناه في مسجد حيناً! يا من تخلف عن صلاة الجماعة! ألم يأن لك أن تندم على سيئاتك وتقلع عنها؟! ألم يأن لقلبك أن يخشع لذكر الله وما نزل من الحق؟ إلى متى وأنت بعيد عنا؟ فلو مرضت أو مت ما علمنا؟ ألم تعلم أننا نحزن إذا فقدناك ونفرح والله إذا رأيناك؟ وليس لنا من الأمر شيء؛ من اهتدى فلنفسه ومن ضل فعليها.

إلى متى وأنت تحرم نفسك الراحة والسعادة والأمن والاطمئنان؟ إننا نسمع ونقرأ قصص التائبين والتائبات، وبعضهم يقول: لم نركع لله ركعة ولم نسجد لله سجدة -سبحان الله- أيعقل أن مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله وهو لا يصلي؟!

أيها الحبيب! كل شيء إلا الصلاة، أيها الأخ! اسمعها واحفظها: كل شيء إلا الصلاة، فإنها العهد الذي بيننا وبين الكافرين (وبين الرجل والكفر ترك الصلاة) أترضى أن يقال لك كافر؟! لا والله فإننا لا نرضاه لك، نعوذ بالله من حال الكافرين.

أخي الحبيب! إنك إن حافظت على الصلاة فأنت على خير مهما وقع منك، إنها الصلة بينك وبين الله، فهل استغنيت عن الله يوم أن قطعت الصلة بينك وبينه؟ إن لك رباً براً رحيماً يفرح بتوبتك، فأقبل عليه، إن حلم الله أوسع من إقرارك، ورحمته أعظم من ذنبك، فتب إلى الله.. تب إلى الله قبل أن يحال بينك وبين التوبة.

أسألك بالله العظيم؛ أيسرك أن تموت وأنت على هذه الحالة مع الصلاة ؟ اسأل نفسك، حاسب نفسك، كن عاقلاً، ارجع لنفسك، ألم تسمع المجرمين عندما يسألون : مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر:42] فأول الإجابة قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:43].

فكر بحالك يوم القيامة يوم تدعى إلى السجود فلا تستطيع: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم:42-43] كانوا يدعون بحي على الصلاة، حي على الفلاح، ويسمعون فلا يستجيبون.

وعيد النبي صلى الله عليه وسلم لتارك صلاة الجماعة

أخي الكريم! يا جارنا العزيز! يا من فقدناه في مسجدنا! ألم تسمع بهذا الوعد والوعيد والتهديد الشديد من النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما قال : (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار).

وفي رواية للإمام أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لولا ما في البيوت من النساء والذرية؛ أقمت صلاة العشاء، وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار).

إن الرسول همّ أن يحرق على هؤلاء المتخلفين عن صلاة الجماعة تلك البيوت التي تؤويهم عن أداء هذا الواجب العظيم، فيذهب الحريق بنفوسهم وأموالهم عقاباً لهم على ترك هذه الشعيرة، وهذه عقوبة غليظة لا تكون إلا على جريمة عظيمة، إنه لو أحرق بيتاً على من فيه بالنار لفزع الناس من ذلك فزعاً شديداً، ولو فعل ذلك بمن يترك الجماعة لكان هذا جزاؤه شرعاً.

وقد كان الصحابة يهتمون بصلاة الجماعة وينكرون بشدة على من تخلف عنها ويصفونه بالنفاق، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: [من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإنهن من سنن الهدى، وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف].

هذا ما قاله عبد الله بن مسعود عن مكانة صلاة الجماعة عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمهم على من تخلف عنها، إنه عندهم منافق معلوم النفاق ينبذونه ويهجرونه.

والمتخلف عن الصلاة اليوم أخ عزيز لدينا نكرمه ونخالطه ونعاشره، ما كأنه ارتكب جريمة، وما كأنه عصى الله ورسوله، وهذا مما يدل أن ميزان الصلاة لدينا خفيف، وأمرها هين.

وجوب مناصحة تارك الصلاة

تبين لنا من القرآن الكريم والسنة المطهرة والصحابة وعمل المسلمين إلى يومنا هذا وجوب صلاة الجماعة، ووجوب الإنكار على من تخلف عنها ومعاقبته، ويتعين ذلك على ولي أمره وإخوانه، وعلى إمام المسجد وجماعته، فإنهم يشتركون في الإثم إن سكتوا عنه.

فالله الله في تارك الصلاة بنصحه والإنكار عليه، فإن لم يستجب فالتضييق عليه وهجره، ورفع أمره للهيئات والمحاكم، وعدم قبوله في الحي حتى يرحل عنه أو يصلي مع جماعة المسلمين، ولا يجوز تركه بحال من الأحوال، وويل لأولئك الآباء الذين يرون أبناءهم على هذا المنكر العظيم فلا يحركون ساكناً، بل ويجلسون ويشربون ويأكلون معهم فلا ينصحون ولا يضربون ولا يهجرون؛ وكلها وسائل شرعية، فقد أمر صلى الله عليه وسلم بالنصح تارة، وبالضرب تارة، وبالهجر تارة، ويل لأولئك الآباء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة).

فتنبه يا ولي الأمر! انتبه لأبنائك وبناتك ونسائك، واهتم بأمر الصلاة فإن شأنها عظيم .

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

أخي الكريم! يا جارنا العزيز! يا من فقدناه في مسجدنا! ألم تسمع بهذا الوعد والوعيد والتهديد الشديد من النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما قال : (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار).

وفي رواية للإمام أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لولا ما في البيوت من النساء والذرية؛ أقمت صلاة العشاء، وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار).

إن الرسول همّ أن يحرق على هؤلاء المتخلفين عن صلاة الجماعة تلك البيوت التي تؤويهم عن أداء هذا الواجب العظيم، فيذهب الحريق بنفوسهم وأموالهم عقاباً لهم على ترك هذه الشعيرة، وهذه عقوبة غليظة لا تكون إلا على جريمة عظيمة، إنه لو أحرق بيتاً على من فيه بالنار لفزع الناس من ذلك فزعاً شديداً، ولو فعل ذلك بمن يترك الجماعة لكان هذا جزاؤه شرعاً.

وقد كان الصحابة يهتمون بصلاة الجماعة وينكرون بشدة على من تخلف عنها ويصفونه بالنفاق، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: [من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإنهن من سنن الهدى، وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف].

هذا ما قاله عبد الله بن مسعود عن مكانة صلاة الجماعة عند صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمهم على من تخلف عنها، إنه عندهم منافق معلوم النفاق ينبذونه ويهجرونه.

والمتخلف عن الصلاة اليوم أخ عزيز لدينا نكرمه ونخالطه ونعاشره، ما كأنه ارتكب جريمة، وما كأنه عصى الله ورسوله، وهذا مما يدل أن ميزان الصلاة لدينا خفيف، وأمرها هين.

تبين لنا من القرآن الكريم والسنة المطهرة والصحابة وعمل المسلمين إلى يومنا هذا وجوب صلاة الجماعة، ووجوب الإنكار على من تخلف عنها ومعاقبته، ويتعين ذلك على ولي أمره وإخوانه، وعلى إمام المسجد وجماعته، فإنهم يشتركون في الإثم إن سكتوا عنه.

فالله الله في تارك الصلاة بنصحه والإنكار عليه، فإن لم يستجب فالتضييق عليه وهجره، ورفع أمره للهيئات والمحاكم، وعدم قبوله في الحي حتى يرحل عنه أو يصلي مع جماعة المسلمين، ولا يجوز تركه بحال من الأحوال، وويل لأولئك الآباء الذين يرون أبناءهم على هذا المنكر العظيم فلا يحركون ساكناً، بل ويجلسون ويشربون ويأكلون معهم فلا ينصحون ولا يضربون ولا يهجرون؛ وكلها وسائل شرعية، فقد أمر صلى الله عليه وسلم بالنصح تارة، وبالضرب تارة، وبالهجر تارة، ويل لأولئك الآباء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة).

فتنبه يا ولي الأمر! انتبه لأبنائك وبناتك ونسائك، واهتم بأمر الصلاة فإن شأنها عظيم .

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.




استمع المزيد من الشيخ إبراهيم الدويش - عنوان الحلقة اسٌتمع
المحرومون 2927 استماع
سهام للصيد 2606 استماع
توبة صايم 2604 استماع
اذهبوا بنا نصلح بينهم 2600 استماع
من كنوز الحج ... 2473 استماع
موعظة السبع البواقى 2458 استماع
بحر الحب 2402 استماع
بشائر ومبشرات 2343 استماع
السحر الحلال 2341 استماع
أهمية أداء الزكاة 2333 استماع