الفائزون في رمضان


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه ليلة الإثنين الموافق للثامن والعشرين من الشهر التاسع شهر رمضان المبارك للعام (1415هـ)، وفي هذا المكان الطيب المبارك في مدينة الرس، نلتقي بهذه الوجوه في هذا المجلس، وعنوان هذا الموضوع: (الفائزون في رمضان).

يومٌ أو يومان ثم تعلن النتائج، وتوزع الجوائز، فيفرح الفائزون برمضان، سبق قومٌ ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، بعد غدٍ يفوز المحسنون، ويخسر المبطلون.

غداً توفى النفوس ما كسبت     ويحصد الزارعون ما زرعوا

إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم     وإن أساءوا فبئس ما صنعوا

من هذا الفائز منا فنهنيه؟ ومن هذا الخاسر فنعزيه؟

أيها الفائز برمضان! هنيئاً لك، أيها الخاسر! جبر الله مصيبتك، بعد غدٍ تعلن أسماء الفائزين برمضان في مصليات الأعياد، يوم رجعوا إلى بيوتهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، اللهم اجعلنا من الفائزين برمضان.

ولعلكم أيها الأخيار! تتساءلون عن هؤلاء الفائزين برمضان، من هم؟ وما صفاتهم؟ وما أعمالهم؟

تعالوا لنحلق اليوم وإياكم إلى عالم الفائزين برمضان، إلى عالم الحب والإخاء، عالم المجتهدين والمتهجدين والمستغفرين، عالم الرقة والخشوع، والذلة والخضوع، عالم الحرص والاستزادة، والتمرغ في أنواع العبادة.

كأني بك تقول: هذه صفاتٌ عرفناها في سلفنا الصالح، فنعم العالم عالمهم، ونعم الصفات صفاتهم، فأقول: إي والله فأنا معك؛ ولكن عالمنا اليوم هم فئةٌ من أهل زماننا، وأحباءٌ لنا، فبهم تفرح قلوبنا، وبالنظر إلى وجوههم تكتحل عيوننا، وبمجالستهم تأنس نفوسنا، وبالحديث معهم تحلو ساعاتنا، إنهم من آبائنا وإخواننا، وهم من أمهاتنا وأخواتنا، إنهم التالون لكتاب الله، الراكعون الساجدون، المتأثرون الباكون، المتصدقون المنفقون، المتحدثون الناصحون، العاملون المخلصون، وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26].

من قال أيها الأحبة: إن أعمال الخير والبر وقفٌ على السلف فقط؟

من قال: إن الرقة والبكاء حكرٌ على بشر الحافي ، ومالك بن دينار، ورابعة العدوية رحمة الله عليهم أجمعين؟

من قال: إن المتصدقين هم فقط أبو بكر وعمر ، وعائشة وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين؟

انظروا لبيوت الله! هذه الأيام صلاةٌ وقيام، وركوعٌ وسجود وإطعامٌ للطعام، وبذلٌ وإحسان، وتذكيٌر بأطيب الكلام، وتدبرٌ وترتيلٌ، وأزيزٌ وخنين، عندها تذكرت قول النبي صلى الله عليه آله وسلم في ذلك الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الطهارة من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد، فقالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: أرأيت لو أن رجلاً له خيلٌ غرٌ محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض -أي قائدهم- ألا ليذادن رجالٌ عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً، بعداً بعداً).

اللهم اجعلنا من إخوان نبيك الذين ذكرهم في هذا الحديث، اللهم اجعلنا ممن يرد حوضه، ويشرب منها شربةً هنيةً لانظمأ بعدها أبداً.

أيها الأحبة! إن الذي دعاني لمثل هذا الحديث مواقف وصور رأيتها بأم عيني هذه الأيام، وما لم أر أكثر، ومالا نعلمه لا يحصر، فأسوقها إليكم لأسباب منها:

أسباب ذكر هذه الصور والمواقف

لأعطر الأسماع، ولنعلم أن لصالحي زماننا سيرٌ ومواقف.

ومنها: تنبيه الأمة لعلو الهمة، وقوة الإرادة، وصدق العزيمة.

ومنها: ذكر الفضل لأهل الفضل والإحسان، فحرامٌ أن يبخس حقهم أو ينقص قدرهم..

ومنها: تنبيهٌ وتذكيرٌ لإخواني معلمي الخير، وصناع الحياة ألا يبخس حق المحسنين، فمن العدل أن نقول للمحسن أحسنت، كما نقول للمسيء أسأت.

ثم -أيضاً- من واجبنا أن نتلمس الخير في صفوف الناس، فينشر ويشهر، فهو نسمة الصباح الذي ننتظره، وبريق الأمل الذي نرجوه، بمثل هذا تكسب النفوس، فالتعامل مع النفوس فن يجب أن نتعلمه، لماذا ننسى خير الخيرين، وصلاة العابدين، وصدقة المنفقين، وبكاء المخبتين؟ لماذا نغفل عن جهد العاملين، وتضحية المصلحين، وصدق المخلصين، ودمعة التائبين؟ لماذا لا نذكر صلاح المؤمنات، وقيام القانتات، وصدق الصادقات، وصبر الصابرات؟ لماذا لا نتحدث عن عطاء المتصدقات، وعفاف الحافظات، ودعاء الذاكرات، وبكاء الخاشعات؟ لماذا ننسى الحديث عن هؤلاء وما أعد الله لهم من الأجر والثواب، وقد أعلن الرحيم الرحمن ذلك في القرآن، فقال جل وعز وهو الكريم المنان: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35] نسأل الله عز وجل أن نكون منهم.

أيها الأحبة! هذه الصور وهذه المواقف، وقفت عليها بأم عيني، فإلى هذه الصور:

الهمة العالية للصلاة والقيام

الصورة الأولى: في صلاة التراويح والقيام: كنت في طريقي لأحد المساجد لصلاة التراويح، وقبل الأذان بدقائق مررت بمسجد آخر، ورأيت ذلك الرجل الكبير يتكأ على عكازتين، ويدب على الأرض بمهل شديد، يسحب قدميه فتخط في الأرض خطاً، كان واضحاً أن المرض قد أنهكه، وأن التعب بلغ منه مبلغه، ومع ذلك خرج، لماذا؟ كل ذلك من أجل صلاة الجماعة، ومن أجل صلاة التراويح، فذكرت عندها قول ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عند مسلم وفيه: (ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين، حتى يقام في الصف).

ولا أنسى تلك العجوز محدودبة الظهر، متقاربة الخطى، متسارعة الأنفاس، وهي تزحف إلى المسجد زحفاً، والعجب أنها صلت واقفة، ورفضت الجلوس.

إيه أيتها النفوس! أليس لك بهذا معتبر؟! فما ملكت نفسي إلا ودمعةٌ تسيل على الخد، وأنا أردد: اللهم أعنها، اللهم يسر عليها، اللهم تقبل منها، اللهم إن لم يكن هؤلاء من الفائزين برمضان، فمن؟! نحن الكسالى؟! نحن الشباب أصحاب السواعد الفتية؟ أين أنت يا بن العشرين؟! أين أنت يا بن الثلاثين والأربعين من هؤلاء؟!

هذه صورة، وما أكثر صور تلك الآباء والأمهات الذين نعجب من حرصهم، على الرغم من الأيدي المرتعشة، والأقدام المهتزة، والعظام الواهنة، والله إن الإنسان ليحتقر نفسه وعمله، وهو يرى هؤلاء الكبار من رجال ونساء، وكيف يتحاملون على أنفسهم على عجز وثقل، ومرض ولأواء، وقد عذرهم الله، ومع ذلك قلوبهم متعلقة بالمساجد، فهم إن شاء الله (في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله) كما في حديث السبعة.

ربما أصاب الإنسان منا التعب والإرهاق في صلاة التراويح أو القيام، فإذا شاهد حال هؤلاء الآباء ونشاطهم على ما هم فيه، كأنما نشط من عقال. أفلا تسجل مواقفهم، وتسطر لتعيها الأجيال؟ اللهم تقبل منهم، واجعلهم من الفائزين برمضان.

رمضان والإنفاق

الصورة الثانية: رجلٌ وسع الله عليه بماله، وحسن سمته، ودماثة خلقه، فهو ينفق إنفاق من لا يخشى الفقر، بحثت عنه عصراً من رمضان، توجهت إلى محلاته فلم أجده، سألت عنه فلم أجد جواباً، غير أن أحد العاملين قال: ربما وجدته في الجامع، دخلت الجامع فوجدت العجب، وجدت الموائد ممدودةً بالطول والعرض، حتى أنك لا تجد مكاناً لموضع قدميك، وفيها ما لذ وطاب من أنواع المأكولات والمشروبات، بحثت عن صاحبي فوجدته يصول ويجول، لحظاتٌ قبل الغروب، فإذا بمئات العمالة تتوافد على الجامع من كل صوب.. ألفاً أو يزيدون، قلت: سبحان الله! في الوقت الذي انشغل أهل الأموال ببيعهم وشرائهم، فعصر رمضان موسمٌ تجاريٌ لا يعوض، أما هذا الرجل فهو في تجارة أخرى، تجارة مع الله، فلم يكفه أن دفع المال لتفطير الصائمين، بل وقف بنفسه وعمل بيده، ولم يعتذر يوم أن دعي للإنفاق في مشروع ثان، بل وفي مشروع ثالث، وربما في رابع وخامس وعاشر، مما لا نعلمه ولكن الله يعلمه.

عندها ذكرت حديث أبي كبشة عمرو بن سعد الأنماري ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاثةٌ أقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه؛ ما نقص مال عبد من صدقة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

حدثت صاحبي والأنس والبشر على محياه -يعلم الله- ما فقدت الابتسامة على وجهه يوماً من الأيام، الجميع يشهد له بالفضل والإحسان، والورع وحسن الخلق وكثرة العبادة، هكذا نحسبه ولا نزكي على الله أحداً، خرجت من الجامع بصعوبة بالغة لكثرة المتوافدين من الصائمين والمساكين، خرجت وأنا أردد عند الغروب: اللهم تقبل منه، اللهم وسع عليه بماله وولده، اللهم بارك له وزده، وأعطه ولا تحرمه.

فإن لم يكن هذا من الفائزين برمضان فمن أيها الأحبة؟! هل هم أولئك الذين يكنزون الأموال، ويقبضون أيديهم؟! عندها ذكرت قول الحبيب صلى الله عليه وسلم لـأسماء بنت أبي بكر : (لا توكي فيوكي الله عليك) -أي: لا تمنعي ما في يديك فيقطع الله عليك مادة الرزق، وذكرت قول الملكين اللذين ينزلان في كل صباح (فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً) كما في الحديث المتفق عليه، وذكرت قول الحق عز وجل كما في الحديث القدسي: (أنفق يا بن آدم ينفق عليك) وهو متفق عليه، فقلت في نفسي: الموفق من وفقه الله، مع علمي أن هناك من تذهب نفسه حسرات أن لو كان يملك لينفق ويتصدق، ولكنه لا يجد أو يجد القليل القليل فينفقه، مع أنه أحوج الناس إليه.

وبعضهم يسمع هذه الفضائل فلا يجد ما يتصدق به سوى الدمعة تسيل على الخدين أن لو كان ذا مال فيتصدق، عندها ذكرت قول الحق عز وجل: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ [التوبة:91-92] اللهم اجعلنا وإياهم من الفائزين برمضان، ومن عتقائك من النار برحمتك يا رحيم يا رحمن.

الخشوع والبكاء في صلاة التراويح والقيام

الصورة الثالثة: تصلي التراويح والقيام، فتسمع آيات القرآن، وتسمع الخنين والبكاء ينبعث في جنبات المسجد، فيسجد المصلون فإذا بأزيز كأزيز المرجل ينبعث من الصدور، غلبهم خوف الله وخشيته، فوجلت القلوب، وذرفت العيون، عندها ذكرت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يلج النار رجلٌ بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

في صلاة القيام وفي ثلث الليل الأخير يركعون، ويسجدون، ويدعون ويتضرعون، يبكون ويتأثرون، منكسرةً قلوبهم، دامعةً عيونهم، شاحبةً وجوههم، هجروا الفراش ولذة النوم، من أجل أي شيء؟ طلباً لمرضاة الله، طلباً لرحمة الله تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:16-17].

القانتون المخبتون لربهم     الناطقون بأصدق الأقوال

يحيون ليلهم بطاعة ربهم     بتلاوة وتضرع وسؤال

وعيونهم تجري بفيض دموعهـم     مثل انهمار الوابل الهطال

بوجوههم أثر السجود لربهم     وبها أشعة نوره المتلالي

إن لم يكن هؤلاء من الفائزين برمضان، فمن؟! الذين ينامون، أو يذهبون ويجيئون؟ أم أولئك الذين يلعبون ويلهون؟!

اللهم لا تحرمنا أجر الصيام والقيام، واجعلنا ممن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، اللهم اجعلنا من الفائزين المقبولين يا رحمن يا رحيم.

النساء وحالهن في رمضان

الصورة الرابعة.. رأينا وسمعنا حرص بعض النساء على الصدقة، ورمضان الخير يشهد للنساء بحسن السخاء، والبذل والعطاء، سمعت عن تلك التي جمعت رواتبها فتصدقت بها دفعةً واحدةً، وسمعت عن تلك التي كفلت يتيماً، وأعطت مسكيناً، ووزعت شريطاً، وفطرت صائماً، حتى قلت في نفسي: ماذا بقي لها؟ فأجابت بلسان حالها تقول: وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى [القصص:60] فذكرت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا معشر النساء! تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار).

فقلت: أبشرن أيتها الصالحات، فإن هذا لمن أكثرت السب واللعن، ونسيت نعمة الله عز وجل عليها، أما أنت فإني أحسبك إن شاء الله من الفائزين برمضان.

ثلة فتيات عرفت فيهن الخير كله، الهاجس في نفوسهن إصلاح الأُخريات ودعوتهن، يسألن وبكثرة عن المواضيع، والعناصر، والمسائل الرمضانية المناسبة للطرح في مثل هذا الشهر، يسألن وبإلحاح عن المناسب من الأشرطة والرسائل للإهداء والتوزيع، ولما انتهت المكافأة الشهرية اقترضن حتى لا ينقطع هذا الخير.

يا سبحان الله! تركن اللباس والموديلات وآخر الصيحات وأدوات الزينة، لا لعدم الرغبة فهي جبلة المرأة، بل لأن همّ الإصلاح والغيرة على الدين كان أكبر، ولسان حالهن يقول: رمضان فرصة لا تعوض، فالقلوب منكسرة، والشياطين مصفدة، والإيمان يزيد.

وعلمت أنهن يجتمعن لقراءة القرآن، وبحث بعض مسائل الصيام، ويحرصن على النوافل والسنن الرواتب، وصلاة القيام، ويقمن ببر الوالدين وصلة الأرحام، وخدمة الأهل والإخوان وإعداد الطعام، هذا كله بعد صلاة الفرض في وقتها، والقيام بحق زوجها، فنالت رضا ربها وفازت في شهرها، فهنيئاً لها، ثم هنيئاً لها.

الحياة يبنيها صناع، كل منهم يؤثر في جانب منها، ومن جد وجد، وإما أنا وإما الفاسق، فإن الفاسق يصنع الحياة على طريقته، وكلٌ منا له موهبةٌ يحبها فيحب أن ينميها، ويبرع فيها ويبتكر لها، لكي يستطيع أن يجمع الناس حوله في تخصصه ومهارته.

الدعوة إلى الله وأهميتها في رمضان

الصورة الخامسة: في رمضان هذا العام رأيت إقبال الشباب والفتيات من صناع الحياة، ودُلَّال الخير، ودعاة الهدى، وكلٌ منهم على خير، هؤلاء يصولون ويجولون من حي إلى حي، ومن مسجد إلى مسجد لإرشاد الناس وتذكيرهم، حرموا أنفسهم لذة العبادة خلف إمام واحد، تذهب أنفسهم حسرات لختم القرآن مرات ومرات، لكن هيهات هيهات، فالوقت ينصرف في البحث والاطلاع في تفسير آية، أو شرح حديث، أو بحث مسألة، فلسان حالهم يقول: رمضان فرصةٌ للتوبة، وموسمٌ للإقبال على الله والندم على ما فات، فكم من ضال فرح بكلمته؟ أو جاهل اهتدى بعبارته؟ أو تائب نور الله به بصيرته؟!

وهؤلاء قاموا على تفطير العمالة في مسجدهم، حرموا أنفسهم فرحة الإفطار مع أهلهم وأزواجهم، ضاعت اللغات، وتلاشت الجنسيات، لا كفيلٌ ولا مكفول إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] إخوةٌ في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم.

وقل ساعدي يا نفس بالصبر ساعة     فعند اللقاء بالكد يصبح زائلا

فما هي إلا ساعة ثم تنقضي     ويصبح ذو الأحزان فرحان جاذلا

وأولئك يجمعون المال لشراء الأشرطة والرسائل والمطويات، وتوزيعها على المصلين والمصليات، وآخرون حملوا الطعام والأرزاق، وقطعوا الفيافي والمسافات، وهم صيامٌ تحت حرارة الشمس المحرقة، والرمال الملتهبة، ليقفوا مع المحتاجين والمساكين والأرامل واليتامى، فيطعموا الطعام، ويلبسوا اللباس، مع كلمة طيبة، وشريط نافع.

من كان حين تصيب الشمس جبهته     أو الغبار يخاف الشين والشعثا

ويألف الظل كـي تبقى بشاشته     فسوف يسكن يوماً راغماً جدثا

في ظل مقفرة غبراء مظلمة     يطيل تحت الثرى في غيها اللبثا

تجهزي بجهاز تبلغين به     يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا

أما حراس الفضيلة وأعداء الرذيلة.. رجال الحسبة الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر. فحدث ولا حرج! فنحن في صلاة وقيام وتدبر وقرآن، أما هم ففي معظم الأيام تبرجٌ وسفور، ومشكلاتٌ ومعاكسات، ومنكراتٌ وسيئات، وكأني بهم والألم يعصر قلوبهم على ليالي رمضان، ولكن أبشر أيها الأخ الحبيب! فأنت على خير عظيم.

إن لم تكن للحق أنت فمن يكون     والناس في محراب لذات الدنايا عاكفونا

أيها الأخ الحبيب! أبشر فأنت على خير، ولن يضيع الله جهدك أبداً، فإن شاء الله أنت من الفائزين برمضان.

ذكرت حينها بعد هذه الصور حديث أبي ذر رضي الله عنه عند ابن حبان في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس من نفس ابن آدم إلا عليها صدقةٌ في كل يوم طلعت فيه الشمس، قيل: يا رسول الله ومن أين لنا صدقة نتصدق بها؟ قال: إن أبواب الخير لكثيرة، التسبيح والتحميد، والتكبير والتهليل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتميط الأذى عن الطريق، وتسمع الأصم، وتهدي الأعمى، وتدل المستدل على حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف، فهذا كله صدقة منك على نفسك).

فأبواب الخير كثيرة، فلله در شبابنا وفتياتنا، فلسان حالهم يردد في كل لحظة: أنا مسلمٌ، أنا مسلمةٌ، فلم لا أكون محور حق، ومركز إشعاع، ومشعل هداية؟

عندها قلت: إن لم يكن أمثال هؤلاء من الفائزين برمضان، فمن إذاً؟ ذلك الذي لا يفكر إلا في نفسه ووظيفته وماله وولده؟ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].

وقفة مع حال الناس في العشر الأواخر

الصورة السادسة: في العشر الأواخر، وفي صلاة القيام في آخر الليل، وفي جلسة الاستراحة، أنظر للمصلين وأحوالهم، هذا يقرأ القرآن، وهذا لسانه يلهج بالذكر والاستغفار، وذاك رفع يديه بالدعاء وعلامات الانكسار والتذلل على محياه، ورابعٌ قد سالت دموعه على خديه، وخامسٌ يركع ويسجد، وسادسٌ يغالب النوم، هجر فراشه، وحرم عينيه.

أرواحهـم خشعت لله في أدب     قلوبهم من جلال الله في وجل

نجواهم ربنا جئناك طائعة     نفوسنا وعصينا خادع الأمل

إذا سجى الليل قاموه وأعينهـم     من خشية الله مثل الجائد الهطل

هم الرجال فلا يلهيهم لعب     عن الصلاة ولا أكذوبة الكسل

رياح الأسحار تحمل أنين المذنبين، وأنفاس المحبين، وقصص التائبين.

وقفة مع غافل عن الله

الصورة السابعة: شابٌ في زاوية من المسجد، وقد عرفته بفسقه وشدة غفلته، وضع وجهه بين يديه، والدمع يسيل على خديه، وقد أجهش بالبكاء، لعله تلطخ بمعصية، أو تذكر ما سلف من الذنوب والمعاصي.

أثار التذكر أحزانه     فثار وأبدى لنا شانه

وقام وستر الدجى مسبل     فأسبل بالدمع أجفانه

وبكى ذنوباً له قد مضت     فأبكى عداه وخلانه

ومن لم يكن قلبه جمرة     فهذا لعمرك قد كان هو

ومن ذا أحق بها من     جهول تحقق لله عصيانه

وأخلق في اللهو جثمانه     كما أخلق الذنب إيمانه

فلولا تفضل مـن فضله     عرفناه قدماً وعرفانه

لعنى -أي ظهر- على وجهه آية     تكون على الخزي عنوانه

شدني إليه شدة مناجاته لربه، علم أن له رباً يغفر الذنب فاستغفره، سارع يقرع الباب لعلمه أن الله سريع الحساب، فذل وانكسر لغافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، تمنيت لو ضممته فقلت له: هنيئاً لك بالتوبة والاستغفار، هنيئاً لك بعينيك اللتين ذرفت الدموع من خشية الله، هنيئاً لك بصيامك وقيامك، وأسأله وهو صاحب الفضل والمن أن يلحقك بركاب الفائزين برمضان.

تمنيت لو ذكرته قول الحق عز وجل: قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

يا رب عبدك قـد أتاك     وقد أساء وقد هفا

يكفيه منه حياؤه مـن     سوء ما قد أسلفا

حمل الذنوب على الذنوب     الموبقات وأسرفا

وقد استجار بذيل عفوك     من عقابك ملحفا

يا رب فاعف وعافه     فلأنت أولى من عفا

حال بعض النساء مع صلاة القيام

الصورة الثامنة: حريصةٌ على صغارها، فهي معهم ترقبهم وتلحظهم، تعلم هذا، وتوجه ذاك، ومع هذا فقلبها يهفو لصلاة التراويح مع المسلمين، لكن هيهات هيهات .. فتصلي في بيتها، تريد أن تخشع، أن يرق قلبها، أن تشعر بلذة المناجاة لربها، لكن الأصوات والضحكات، والتعلق بثوبها من صغارها، حرمها كل ذلك، فما ملكت سوى الدمعات والعبرات على ليالي رمضان، ثم جاءت العشر الأخيرة، فإذا بها تهدهد صبيانها، وتخادع صغارها، حتى ناموا، ثم قامت فانسلت بهدوء وحذر، فجهزت سحورها، ورتبت أمورها، ثم توضأت وتلحفت بجلبابها، ثم سارت إلى مسجد حيها والظلام يلفها، فركعت وسجدت، وقامت فبكت وخشعت، وربما تذكرت صغارها، فخافت عليهم ووجلت، فلا تدري قلبها لصلاتها أو على صغارها، فرجعت وصلت في بيتها بجوار صغارها، وهي تسمع صوت الإمام يردد: أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:61] فانخرطت في البكاء أن لو كانت من السابقين.

فقلت لها: أبشري أيتها الصالحة! فأنت على خير، لكن احرصي وأخلصي واحتسبي الأجر على الله، ولن يخيب ظنك وهو أعلم بحالك، ثم إني أهمس إليك بهذا الحديث المتفق عليه: (من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن، كن له ستراً من النار).

فأسأل الله اللطيف المنان أن يجعلك من الفائزين برمضان، فإن لم تكوني أنت فمن؟ تلك الولاجة الخراجة، الجوالة في الأسواق، التي لم ترع حق ولد ولا تلد عن تلك السافرة الساهرة أمام الأفلام والمسلسلات العاهرة؟

فكم بين مشغول بطاعة ربه     وآخر بالذنب الثقيل مقيد

فهذا سعيد بالجنان منعم     وذاك شقي في الجحيم مخلد

كأني بنفسي في القيامـة واقف     وقد فاض دمعي والمفاصل ترعد

المرأة الصالحة ووفاؤها وإخلاصها

الصورة التاسعة: ثناءٌ لتلك المرأة الصالحة التي عرفت فضائل هذا الشهر، فحرصت على استغلال ساعاته، فهي محافظةٌ على الصلوات في أوقاتها، جالسةٌ بعد الصلوات في مصلاها تقرأ القرآن، وقد تنتقل إلى الذكر والتسبيح، والتحميد والتهليل والتكبير، وتقديرٌ لها يوم أن كانت خلف كل عمل صالح في بيتها، فهي خلف أولادها وإخوانها بالمحافظة على الصلوات، فتوقظ هذا، وتنبه ذاك، وهي خلفهم بدفعهم وتشجيعهم لقراءة القرآن، وصلاة القيام، واستغلال رمضان، تلهب الحماس، وتقوي العزائم، بالكلمة الطيبة تارة، وبالشريط النافع وبالهدية المشجعة تارةً أخرى.

ووفاء لتلك الزوجة الوفية يوم أن كانت لزوجها حقاً وفية، أصبحت وجه سعد على زوجها، أنارت جنبات بيتها، فهي وراء زوجها بالتذكير والتنبيه إن نام أو غفل، وهي معينةٌ له إن ذكر، فلا تقطع عليه ساعات الطاعة في الشهر بكثرة طلباتها، ولا تعرضه لفتن المتبرجات السافرات في شهر الفضل والإحسان، وفي أعظم الأيام العشر الأواخر بكثرة دخولها وخروجها للأسواق، وهي وفيةٌ لزوجها يوم أن قالت: إن الذكر، وقراءة القرآن، واستغلال رمضان، لا يجتمعان أبداً في بيت مع ملاهي الشيطان، فقم وتوكل على الله وطهر البيت لتحل علينا ملائكة الرحمن، ويرحل مردة الجان، وما هي إلا عزيمة وإرادة، وخوفٌ وتوبة، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.

إعجابٌ وإكبارٌ لك أيتها الصالحة! وأنت في المدرسة والعمل، فها أنت قد حرصت كل الحرص على إتقان العمل وإخلاصه لله ليتم صومك، فأنت تخافين من خيانة الأمانة التي وكلها الله لك، فكلنا إعجابٌ وإكبارٌ يوم أن جاءت بناتنا وأخواتنا ليحدثن أنك تكلمت عن فضائل هذا الشهر، وكيفية استغلاله والحرص عليه، وأنك قمت بوضع مسابقة رمضانية لتفقيه الطالبات بأحكام الصيام، وأنك أهديت لكل واحدة منهن شريطاً لتعليم آداب الصيام وأحكامه، وأنك ما تفتئين تذكرين بثمرة الصيام وسره العظيم، تقوى الله ومراقبته في السر والعلن، وأنها العبادة الوحيدة التي خصها الله لنفسه، لأنها عبادة خفية بينك وبينه، فلا أحدٌ يعلم عن حقيقة صومك.

إنك أيتها المخلصة! لا تتصورين عظيم فرحتي وأنا أسمع هذه الكلمات، إعجابٌ أسطره لك أيتها المعلمة! وأنا أرى أختي وابنتي وقد حرصن على رمضان، وعلى الصلاة والقيام وكثرة الأعمال، فيحضرني قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدال على الخير كفاعله) وقوله صلى الله عليه وسلم: (ولئن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خيرٌ لك من حمر النعم) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنةً حسنةً كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) فما أملك إلا أن أرفع يدي إلى السماء قائلاً: اللهم لا تحرم تلك المعلمة أجر تلك الأعمال.

فتتوارد الأدعية لك أنت أيتها الصادقة! وتفيض تلك الدمعة لحسن رعايتك للأمانة، وحملك هم إصلاح الأُخريات.. فشكر الله سعيك، وبارك فيك، وأجزل الأجر والمثوبة لك، فأنت أهلٌ لذلك. فأبشري بالقبول بإذن الله، قبول الصيام والقيام، والعتق من النيران ودخول الجنان والفوز برمضان، كل ذلك بفضل ورحمة من الكريم المنان، ثم بفضل ما فعلت وقدمت ابتغاء وجه الله، وهكذا فلتكن المرأة المسلمة في رمضان.

الحزن على انتهاء رمضان

الصورة العاشرة والأخيرة: رأيته وسلمت عليه، وفجأةً أجهش بالبكاء، وفاضت عيناه بالدمع، أوجست في نفسي خيفة، قلت: ابتلي بموت قريب، أو حبيب له أصيب، فقال بصوت كئيب: جبر الله مصيبتك بخروج رمضان.

انكسر قلبه، وهطل دمعه، وانتحب صوته، فقلت: يا سبحان الله! لكل محب حبيب، ورمضان حبيب الصالحين. يا شهر رمضان ترفق، دموع المحبين تدفق، قلوبهم من ألم الفراق تشقق.

بين الجوانح في الأعمـاق سكناه     فكيف أنسى ومن في الناس ينساه

في كل عام لنا لقيا محببة     يهتز كل كياني حين ألقاه

بالعين والقلب بالآذان أرقبه     وكيف لا وأنا بالروح أحياه

ألقاه شهراً ولكن في نهايته     يمضي كطيف خيال قد لمحناه

في موسم الطهر في رمضـان الخير تجمعنا     محبة الله لا مال ولا جاه

من كل ذي خشية لله ذي ولـع     في الخير تعرفه دوماً بسيماه

قد قدروا موسم الخيرات فاستبقوا     والاستباق هنا المحمود عقباه

صاموه قاموه إيماناً ومحتسباً     أحيوه طوعاً وما في الخير إكراه

فالأذن سامعة والعين دامعة     والروح خاشعة والقلب أواه

وكلهم بات بالقرآن مندمجاً     كأنه الدم يسري في خلاياه

فوداعاً يا رمضان! وإلى أن نلقاك في عام قادم إن شاء الله، اللهم تقبل منا رمضان، واجعلنا من الفائزين برمضان.

هذه صورٌ ومواقف للفائزين برمضان، ولعلها تكفي لضيق الوقت، وخشية الإملال، وإنما هي على سبيل المثال، والحصر يصعب، وهي غيضٌ من فيض، فمحبو الخير كثر، وأبواب الخير كثيرة، ولكنها مشاهد ومواقف لبعض الصالحين والصالحات ذكرناها لأسباب سبقت.

فيا باغي الخير أقبل! فرمضان فرصةٌ قد لا تتكرر، وموسمٌ قد لا يعوض، فالبدار البدار قبل فجأة موت أو مصيبة مرض، وعندها لا ينفع الندم سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21].

أيها الأحبة! السعيد من أدرك رمضان فغُفر له وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:133-134].

لأعطر الأسماع، ولنعلم أن لصالحي زماننا سيرٌ ومواقف.

ومنها: تنبيه الأمة لعلو الهمة، وقوة الإرادة، وصدق العزيمة.

ومنها: ذكر الفضل لأهل الفضل والإحسان، فحرامٌ أن يبخس حقهم أو ينقص قدرهم..

ومنها: تنبيهٌ وتذكيرٌ لإخواني معلمي الخير، وصناع الحياة ألا يبخس حق المحسنين، فمن العدل أن نقول للمحسن أحسنت، كما نقول للمسيء أسأت.

ثم -أيضاً- من واجبنا أن نتلمس الخير في صفوف الناس، فينشر ويشهر، فهو نسمة الصباح الذي ننتظره، وبريق الأمل الذي نرجوه، بمثل هذا تكسب النفوس، فالتعامل مع النفوس فن يجب أن نتعلمه، لماذا ننسى خير الخيرين، وصلاة العابدين، وصدقة المنفقين، وبكاء المخبتين؟ لماذا نغفل عن جهد العاملين، وتضحية المصلحين، وصدق المخلصين، ودمعة التائبين؟ لماذا لا نذكر صلاح المؤمنات، وقيام القانتات، وصدق الصادقات، وصبر الصابرات؟ لماذا لا نتحدث عن عطاء المتصدقات، وعفاف الحافظات، ودعاء الذاكرات، وبكاء الخاشعات؟ لماذا ننسى الحديث عن هؤلاء وما أعد الله لهم من الأجر والثواب، وقد أعلن الرحيم الرحمن ذلك في القرآن، فقال جل وعز وهو الكريم المنان: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الأحزاب:35] نسأل الله عز وجل أن نكون منهم.

أيها الأحبة! هذه الصور وهذه المواقف، وقفت عليها بأم عيني، فإلى هذه الصور: