غثاء الألسنة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً .

أما بعد:

أحبتي في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه ليلة الجمعة الموافق للعاشر من شهر الله المحرم للعام السادس عشر بعد الأربعمائة والألف من الهجرة النبوية الشريفة، وفي هذا الجامع المبارك، جامع الراجحي بمدينة جدة ، نلتقي وإياكم مع موضوع بعنوان: (غثاء الألسنة).

والغثاء بالمد والضم: ما يجيء فوق السيل مما يحمله من الزبد والوسخ وغيره.

وغثاء الناس: أراذل الناس وسقطهم.

والغث: هو الرديء من كل شيء.

وغث حديث القوم: فسد وردأ.

وأغث فلان في حديثه: إذا جاء بكلام غث، لا معنى له.

وما أكثر الكلام الفاسد الذي يدور في مجالس المسلمين، أياً كانوا كباراً أو صغاراً، رجالاً أو نساءً.

إن غثاء الألسنة اليوم يزكم الأنوف، ويصم الآذان، ويصيبك بالغثيان والدوار، وأنت تسمع حديث المجالس اليوم، لا نقول ذلك في مجالس العامة ودهماء الناس فقط، بل -ويا للأسف، وأقولها بكل أسى- حتى في مجالس الصالحين، وفي مجالس المعلمين والمتعلمين.

غثاء الألسنة في الكذب والنفاق والغش والخداع.

غثاء الألسنة في الغيبة والنميمة والقيل والقال.

غثاء الألسنة في أعراض الصالحين والمصلحين والدعاة والعلماء، في الوقت الذي سلم فيه أعداء الإسلام من اليهود والنصارى، والرافضة والمنافقين.

غثاء الألسنة في التدليس والتلبيس، وتزييف الحقائق وتقليب الأمور.

غثاء الألسنة في التجريح والهمز واللمز وسوء الظن.

غثاء الألسنة في الدخول في المقاصد والنيات، وفقه الباطن.

غثاء الألسنة بكل ما تحمله هذه الكلمة من غثائية وغث، وغثيث وغثيان.

وما هي النتيجة؟! النتيجة بث الوهن والفرقة والخصام والنزاع بين المسلمين، وقطع الطريق على العاملين، وإخماد العزائم بالقيل والقال.

إنك ما إن ترى الرجل حسن المظهر وسيماه الخير، وقد تمسك بالسنة في ظاهره، إلا وتقع الهيبة في قلبك والاحترام والتقدير في نفسك، وما إن يتكلم فيجرح فلاناً ويعرض بعلان، وينتقص عمراً، ويصنف زيداً، إلا وتنزع المهابة من قلبك ويسقط من عينك، وإن كان حقاً ما يقول. نعم! وإن كان حقاً ما يقول، وإن كان صادقاً فيه فلا حاجة شرعية دعت لذلك، وإن دعت تلك الحاجة فبالضوابط الشرعية وبالقواعد الحديثية، فإن لم تعلمها أيها الأخ الحبيب! وإن لم تعلميها أيتها المسلمة! فما نستطيع أن نقول إلا: أمسك عليك لسانك.

إن المصنفات في الجرح والتعديل قد بلغت مئات المجلدات، لكن اقرأ فيها وتمعن، وكيف هو الجرح فيها، فشتان بين الجرحين، لقد كان خوف الله عز وجل ميزاناً دقيقاً لألسنتهم رحمهم الله تعالى، وكان هدفهم هو تمييز صحيح السنة من سقيمها.

ولكن ما هو الهدف اليوم؟! نعوذ بالله من الهوى، والحسد، والنفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق.

أيها الأخ الحبيب! أيتها الأخت المسلمة! إلى متى ونحن نجهل أو نتجاهل، أو نغفل أو نتغافل عن خطورة هذا اللسان؟ مهما كان صلاحك، ومهما كانت عبادتك، ومهما كان خيرك، ومهما كان علمك، ومهما كانت نيتك، ومهما كان قصدك.

فرحم الله ابن القيم رحمةً واسعةً، يوم أن قال في الجواب الكافي : (من العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام، والظلم والسرقة وشرب الخمر، ومن النظر المحرم، وغير ذلك، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله، لا يلقي لها بالاً يزل بالكلمة الواحدة أبعد مما بين المشرق والمغرب والعياذ بالله.

وقال -أيضاً- في الكتاب نفسه: إن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله تعالى وما اتصل به).

وما أجمل هذا الكلام، ولذلك أقول أيها الأخ الحبيب! ويا أيتها الغالية! احذر لسانك، وانتبهي للسانك، واحبس لسانك، وأمسك عليك لسانك.

(أمسك عليك لسانك) هو جزء من حديث نبوي، أخرجه الترمذي في سننه وأحمد في مسنده وابن المبارك والطبراني وغيرهم من حديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه، قال: (قلت يا رسول الله! ما النجاة؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: املك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك) وفي لفظ: (أمسك عليك لسانك) والحديث صحيح بشواهده.

وأنا هنا لا أدعوك للعزلة، وإنما أقول: أمسك عليك لسانك إلا من خير، كما في الحديث الآخر: (فإن لم تطق فكف لسانك إلا من خير) والحديث رواه أحمد وابن حبان وغيرهما، وهو صحيح كما سيأتي إن شاء الله.

[وحفظ اللسان عن الناس أشد من حفظ الدنانير والدراهم] كما يقول محمد بن واسع رحمه الله تعالى.

ولأن كثرة الكلام تذهب بالوقار، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ولأننا نرى الناس أطلقوا العنان لألسنتهم، فأصبح ذلك اللسان سلاحاً لبثَّ الفرقة والنزاع والخصام والشتائم، وفي مجالات الحياة كلها، وبين الرجال والنساء بحد سواء، ولكثرة الجلسات والدوريات والاستراحات، ولأن الكلام فاكهة لهذه الجلسات، كان لا بد من وضع ضابط، ولا بد من تحذير وتذكير للناس في مثل هذه الجلسات، ولأنك ستسمع الكثير إن شاء الله تعالى من الأسباب التي جعلتني أختار مثل هذا الموضوع من خلال هذه العناصر وهي:

- أدلة خطر اللسان من الكتاب والسنة.

- السلف الصالح مع اللسان.

- صور من الواقع.

- النتيجة النهائية.

واسمع قبل ذلك كلاماً جميلاً جداً للإمام النووي رحمه الله تعالى، في كتاب الأذكار يوم أن قال: فصل: اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام، إلا كلاماً تظهر المصلحة فيه، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة - اسمع لفقههم رحمهم الله تعالى -ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة- يعني: كان قول الكلام أو تركه المصلحة واحدة- فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، بل هذا كثير أو غالب في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء) انتهى كلامه رحمه الله.

أدلة خطر اللسان من القرآن

هل قرأت القرآن ومر بك قول الحق عز وجل: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] هل تفكرت في هذه الآية؟! إنها الضابط الشرعي لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].

أسمعت أيها الإنسان؟! أسمعت أيها المسكين؟! إنها رقابة شديدة، دقيقة رهيبة، تطبق عليك إطباقاً كاملاً شاملاً، لا تغفل من أمرك دقيقاً ولا جليلاً، ولا تفارقك كثيراً ولا قليلاً، كل نفس معدود، وكل هاجسة معلومة، وكل لفظ مكتوب، وكل حركة محسوبة، في كل وقت وفي كل حال، وفي أي مكان.

عندها؛ قل ما شئت، وحدث بما شئت وتكلم بمن شئت، ولكن اعلم أن هناك من يراقب ويعد عليك هذه الألفاظ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:17-18].

إنها تعنيك أنت أيها الإنسان! إنها تعنيك أنت أيتها المسلمة! مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] هذه الآيات والله إنها لتهز النفس هزاً وترجها رجاً، وتثير فيها رعشة الخوف من الله عز وجل.

قال ابن عباس : مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] قال: [يكتب كل ما تكلموا به من خير وشر، حتى إنه ليكتب قولك: أكلت، شربت، ذهبت.. جئت رأيت.. حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر، وألقي سائره].

واسمع للآيات من كتاب الله، تقرع سمعك، وتهز قلبك؛ إن كان قلباً مؤمناً يخاف من الله عز وجل:

وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12].

وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58].

وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36].

إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:23-24].

وأخيراً: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14] فربك راصد ومسجل لكلماتك، ولا يضيع عند الله شيء.

أما أنت أيها المؤمن! أما أنت يا من يقال عنك ويدور عنك الحديث في المجالس! أما أنت أيها المظلوم! فإن لك بهذه الآية تطميناً، فلا تخف ولا تجزع فـإِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ، لبالمرصاد لمن أطلقوا لألسنتهم العنان في أعراض العباد، لبالمرصاد للطغيان والشر والفساد، فلا تجزع بعد ذلك أيها الأخ الحبيب!

أدلة خطر اللسان من السنة

ولتزدد بينةً في خطر هذا اللسان الذي بين لحييك، فاسمع لهذه الأحاديث باختصار:

فعن بلال بن الحارث المزني رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت؛ يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت؛ يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة) والعياذ بالله، والحديث أخرجه البخاري في صحيحه .

وكان علقمة يقول: [كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث ] أي: هذا الحديث.

اسمع لحرصهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم: [كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث ] كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره.

فأين أنت يا علقمة من أولئك الذين يلقون الكلمات على عواهنها فلا يحسبون لها حساباً؟!

كم نلقي أيها الأحبة! وكم نلقي أيتها المسلمة! من الكلمات نظن أنها ذهبت أدراج الرياح، وهي عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى؟ احسب لهذا الأمر حسابه، حتى تعلم أن كل كلمة مسجلة عليك أيها الأخ الحبيب!.

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها؛ يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) والحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

وفي رواية لـمسلم : (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب).

أسألك العفو يا إلهي! إن شغلنا الشاغل اليوم في مجالسنا أيها الأحبة! هو بث الكلمات ونشر الشائعات، وكم من كلمة قصمت ظهر صاحبها وهو لا يعلم، ولا شك أن فساد المجالس اليوم بسبب قلة العلم والاطلاع، إذ لو وجد هذا العلم لاستغلت المجالس أحسن استغلال، ولسمعت النكت العلمية، والفوائد الشرعية والمسائل الفقهية، بدلاً عن القيل والقال والغرائب والعجائب؛ ولكن فاقد الشيء لا يعطيه، وهذا أثر من آثار الجهل الذي يتفشى اليوم بين كثير من الناس، إسهال فكري، وإسهال كلامي أصاب كثيراً من مجالس المسلمين اليوم.

إنك تجلس المجالس الكثيرة، بل ربما لم يمر عليك يوم من الأيام ولا ليلة من الليالي إلا وجلست مجلساً، فبماذا خرجت من هذه المجالس؟ ما هي النتيجة وما هي الثمرة من هذه المجالس التي جلستها أيها الأخ الحبيب؟!

لا شك أن هذا أثر من آثار الجهل الذي يتفشى في صفوف المسلمين اليوم، وقلة البركة حيث أصبح العلم مصدر رزق لكثير من الناس، ولذلك تجد في المجلس الواحد عشرات من المدرسين والمتعلمين، ومع ذلك يذهب المجلس هباءً بدون فائدة، بل ربما ذهب -والعياذ بالله- بالآثام وجمع السيئات.

وفي حديث معاذ الطويل قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال معاذ : قلت: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسانه ثم قال: كف عليك هذا، قال: قلت: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! -بعض الناس قد يجهل أنه سيؤاخذ بكل كلمة تكلمها كانت خيراً أو شراً- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟!) والحديث أخرجه الترمذي في سننه ، وقال: حديث حسن صحيح .

وفي حديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) والحديث أخرجه البخاري في صحيحه .

وفي آخر حديث سفيان بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، قال في آخره: قلت: (يا رسول الله! ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: هـذا) والحديث أخرجه مسلم في صحيحه ، وأحمد في مسنده ، والترمذي في سننه ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

ثم يوجه المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته تلك القاعدة الشرعية، والمعيار الدقيق، ولمن اختلطت عليه الأوراق، وليقطع الشك باليقين وليسلم من الحيرة والتردد، فيقول كما في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

هذه قاعدة شرعية، تربوية، منهجية، نبوية، ميزان ومعيار دقيق لك أيها المسلم! ولك أيتها المسلمة! يوم أن تجلس مجلساً (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر..) انظر للتربية ولربط هذه القلوب باليوم الآخر (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ولأن النفوس اليوم غفلت عن اليوم الآخر، وتعلقت بالدنيا وشهواتها ولذاتها، غفلت عن هذه القاعدة الشرعية النبوية، ونسيت الحساب والعذاب باليوم الآخر، ونسيت الجنة والنار أو غفلت عنها، وبالتالي انطلق اللسان يفري في لحوم العباد فرياً بدون ضوابط، وبدون خوف ولا وجل.

لماذا هذه القاعدة؟

لأنه لا يصح أبداً أن يؤذي المسلم إخوانه بلسانه، ولأن المسلم الصادق والمحب الناصح هو (من سلم المسلمون من لسانه ويده) كما في حديث أبي موسى الأشعري المتفق عليه، والأحاديث في الباب كثيرة مستفيضة، وكم نحن بحاجة إلى من يردد هذه الأحاديث على مسامع الناس.

كم نحن بحاجة أيها الأخيار! يا طلبة العلم! أيها الصالحون! كم نحن بحاجة يا أيتها الصالحات! يا أيتها الخائفات القانتات العابدات الساجدات! كم نحن بحاجة إلى من يردد على المسلمين والمسلمات أمثال هذه الأحاديث ليتذكروها وليعوها، وليفهموها جيداً، حتى تتذكر النفس كلما أراد اللسان أن ينطلق في كلمة يحسب لها حسابها، قبل أن يخرج لسانه بهذه الكلمات؟

واسمع لرواة هذه الأحاديث من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، يوم أن سمعوها علماً وعملاً، وامتثالاً للمصادر الشرعية الكتاب والسنة، وإليك الأدلة من حياتهم العملية رضوان الله تعالى عليهم.

هل قرأت القرآن ومر بك قول الحق عز وجل: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] هل تفكرت في هذه الآية؟! إنها الضابط الشرعي لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].

أسمعت أيها الإنسان؟! أسمعت أيها المسكين؟! إنها رقابة شديدة، دقيقة رهيبة، تطبق عليك إطباقاً كاملاً شاملاً، لا تغفل من أمرك دقيقاً ولا جليلاً، ولا تفارقك كثيراً ولا قليلاً، كل نفس معدود، وكل هاجسة معلومة، وكل لفظ مكتوب، وكل حركة محسوبة، في كل وقت وفي كل حال، وفي أي مكان.

عندها؛ قل ما شئت، وحدث بما شئت وتكلم بمن شئت، ولكن اعلم أن هناك من يراقب ويعد عليك هذه الألفاظ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:17-18].

إنها تعنيك أنت أيها الإنسان! إنها تعنيك أنت أيتها المسلمة! مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] هذه الآيات والله إنها لتهز النفس هزاً وترجها رجاً، وتثير فيها رعشة الخوف من الله عز وجل.

قال ابن عباس : مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18] قال: [يكتب كل ما تكلموا به من خير وشر، حتى إنه ليكتب قولك: أكلت، شربت، ذهبت.. جئت رأيت.. حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر، وألقي سائره].

واسمع للآيات من كتاب الله، تقرع سمعك، وتهز قلبك؛ إن كان قلباً مؤمناً يخاف من الله عز وجل:

وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ [الانفطار:10-12].

وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58].

وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36].

إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النور:23-24].

وأخيراً: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14] فربك راصد ومسجل لكلماتك، ولا يضيع عند الله شيء.

أما أنت أيها المؤمن! أما أنت يا من يقال عنك ويدور عنك الحديث في المجالس! أما أنت أيها المظلوم! فإن لك بهذه الآية تطميناً، فلا تخف ولا تجزع فـإِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ، لبالمرصاد لمن أطلقوا لألسنتهم العنان في أعراض العباد، لبالمرصاد للطغيان والشر والفساد، فلا تجزع بعد ذلك أيها الأخ الحبيب!

ولتزدد بينةً في خطر هذا اللسان الذي بين لحييك، فاسمع لهذه الأحاديث باختصار:

فعن بلال بن الحارث المزني رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت؛ يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت؛ يكتب الله له بها سخطه إلى يوم القيامة) والعياذ بالله، والحديث أخرجه البخاري في صحيحه .

وكان علقمة يقول: [كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث ] أي: هذا الحديث.

اسمع لحرصهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم: [كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث ] كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره.

فأين أنت يا علقمة من أولئك الذين يلقون الكلمات على عواهنها فلا يحسبون لها حساباً؟!

كم نلقي أيها الأحبة! وكم نلقي أيتها المسلمة! من الكلمات نظن أنها ذهبت أدراج الرياح، وهي عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى؟ احسب لهذا الأمر حسابه، حتى تعلم أن كل كلمة مسجلة عليك أيها الأخ الحبيب!.

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها؛ يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) والحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

وفي رواية لـمسلم : (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب).

أسألك العفو يا إلهي! إن شغلنا الشاغل اليوم في مجالسنا أيها الأحبة! هو بث الكلمات ونشر الشائعات، وكم من كلمة قصمت ظهر صاحبها وهو لا يعلم، ولا شك أن فساد المجالس اليوم بسبب قلة العلم والاطلاع، إذ لو وجد هذا العلم لاستغلت المجالس أحسن استغلال، ولسمعت النكت العلمية، والفوائد الشرعية والمسائل الفقهية، بدلاً عن القيل والقال والغرائب والعجائب؛ ولكن فاقد الشيء لا يعطيه، وهذا أثر من آثار الجهل الذي يتفشى اليوم بين كثير من الناس، إسهال فكري، وإسهال كلامي أصاب كثيراً من مجالس المسلمين اليوم.

إنك تجلس المجالس الكثيرة، بل ربما لم يمر عليك يوم من الأيام ولا ليلة من الليالي إلا وجلست مجلساً، فبماذا خرجت من هذه المجالس؟ ما هي النتيجة وما هي الثمرة من هذه المجالس التي جلستها أيها الأخ الحبيب؟!

لا شك أن هذا أثر من آثار الجهل الذي يتفشى في صفوف المسلمين اليوم، وقلة البركة حيث أصبح العلم مصدر رزق لكثير من الناس، ولذلك تجد في المجلس الواحد عشرات من المدرسين والمتعلمين، ومع ذلك يذهب المجلس هباءً بدون فائدة، بل ربما ذهب -والعياذ بالله- بالآثام وجمع السيئات.

وفي حديث معاذ الطويل قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال معاذ : قلت: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسانه ثم قال: كف عليك هذا، قال: قلت: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! -بعض الناس قد يجهل أنه سيؤاخذ بكل كلمة تكلمها كانت خيراً أو شراً- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟!) والحديث أخرجه الترمذي في سننه ، وقال: حديث حسن صحيح .

وفي حديث سهل بن سعد رضي الله تعالى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) والحديث أخرجه البخاري في صحيحه .

وفي آخر حديث سفيان بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، قال في آخره: قلت: (يا رسول الله! ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: هـذا) والحديث أخرجه مسلم في صحيحه ، وأحمد في مسنده ، والترمذي في سننه ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

ثم يوجه المصطفى صلى الله عليه وسلم لأمته تلك القاعدة الشرعية، والمعيار الدقيق، ولمن اختلطت عليه الأوراق، وليقطع الشك باليقين وليسلم من الحيرة والتردد، فيقول كما في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

هذه قاعدة شرعية، تربوية، منهجية، نبوية، ميزان ومعيار دقيق لك أيها المسلم! ولك أيتها المسلمة! يوم أن تجلس مجلساً (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر..) انظر للتربية ولربط هذه القلوب باليوم الآخر (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) ولأن النفوس اليوم غفلت عن اليوم الآخر، وتعلقت بالدنيا وشهواتها ولذاتها، غفلت عن هذه القاعدة الشرعية النبوية، ونسيت الحساب والعذاب باليوم الآخر، ونسيت الجنة والنار أو غفلت عنها، وبالتالي انطلق اللسان يفري في لحوم العباد فرياً بدون ضوابط، وبدون خوف ولا وجل.

لماذا هذه القاعدة؟

لأنه لا يصح أبداً أن يؤذي المسلم إخوانه بلسانه، ولأن المسلم الصادق والمحب الناصح هو (من سلم المسلمون من لسانه ويده) كما في حديث أبي موسى الأشعري المتفق عليه، والأحاديث في الباب كثيرة مستفيضة، وكم نحن بحاجة إلى من يردد هذه الأحاديث على مسامع الناس.

كم نحن بحاجة أيها الأخيار! يا طلبة العلم! أيها الصالحون! كم نحن بحاجة يا أيتها الصالحات! يا أيتها الخائفات القانتات العابدات الساجدات! كم نحن بحاجة إلى من يردد على المسلمين والمسلمات أمثال هذه الأحاديث ليتذكروها وليعوها، وليفهموها جيداً، حتى تتذكر النفس كلما أراد اللسان أن ينطلق في كلمة يحسب لها حسابها، قبل أن يخرج لسانه بهذه الكلمات؟

واسمع لرواة هذه الأحاديث من السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، يوم أن سمعوها علماً وعملاً، وامتثالاً للمصادر الشرعية الكتاب والسنة، وإليك الأدلة من حياتهم العملية رضوان الله تعالى عليهم.

أسوق إليك أيها الأخ الحبيب! مواقف قليلةً جداً، كيف كان حال السلف الصالح مع ألسنتهم:

ذكر الإمام مالك في الموطأ : [عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أنه دخل على أبي بكر الصديق وهو يجبذ لسانه -أي: يجره بشدة- فقال له عمر : مه! غفر الله لك، فقال أبو بكر : إن هذا أوردني الموارد].

من القائل؟! إنه الرجل الأول بعد الأنبياء والرسل، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، القائل هو أبو بكر ، فانظر لحرصه على لسانه رضي الله عنه وأرضاه.

قال رجل: [رأيت ابن عباس آخذاً بثمرة لسانه -يعني: ممسكاً به- وهو يقول: ويحك قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم، قال: فقال له رجل: يا بن عباس ! ما لي أراك آخذاً بثمرة لسانك تقول: كذا وكذا؟! قال ابن عباس : بلغني أن العبد يوم القيامة ليس هو على شيء أحنق منه على لسانه] يعني: لا يغضب على شيء من جوارحه أشد من غضبه على لسانه، والأثر أخرجه ابن المبارك وأحمد وأبو نُعيم ، وأيضاً أخرجه أحمد في كتاب الزهد ، والمتن بمجموع طرقه حسن، والله أعلم.

وقال عبد الله بن أبي زكريا : [عالجت الصمت عشرين سنة -انظر للحساب، انظر لحساب النفس- فلم أقدر منه على ما أريد. وكان لا يدع أحداً يغتاب في مجلسه، ويقول: إن ذكرتم الله أعنّاكم، وإن ذكرتم الناس تركناكم]. انظر للضابط: إن ذكرتم الله أعنّاكم، وإن ذكرتم الناس تركناكم. والأثر ذكره أبو نُعيم في الحلية .

وكان طاوس بن كيسان رضي الله تعالى عنه يعتذر من طول السكوت ويقول: [إني جربت لساني فوجدته لئيماً راضعاً] هؤلاء هم رضي الله تعالى عنهم، فماذا نقول نحن عن ألسنتنا؟!

وذكر هناد بن السري في كتابه الزهد بسنده إلى الحسن أنه قال: [يخشى أن يكون قولنا: حُميد الطويل غيبة] لأنهم بينوه أو نسبوه أنه طويل، يخشون أن يكون غيبةً رحمة الله عليهم أجمعين.

وأخرج وكيع في الزهد، وأبو نُعيم في الحلية، من طريق جرير بن حازم قال: ذكر ابن سيرين رجلاً فقال: [ذلك الرجل الأسود -يريد أن يعرفه- ثم قال: أستغفر الله، إني أراني قد اغتبته].

وكان عبد الله بن وهب رحمه الله يقول: [نذرت أني كلما اغتبت إنساناً -انظر للمحاسبة مرة أخرى- أن أصوم يوماً فأجهدني، فكنت أغتاب وأصوم، فنويت أني كلما اغتبت إنساناً أن أتصدق بدرهم، فمن حب الدراهم تركت الغيبة].

جرب هذا، كلما اغتبتَ إنساناً أو ذكرته بسوء، ادفع ولو ريالاً واحداً، الله العالم في حالنا الآن، سنجد أنه في آخر الشهر لم يبق من الراتب ريال واحد؛ لأننا أعرف بأنفسنا أيها الأحبة في مجالسنا والله المستعان.

قال الذهبي معلقاً في السير على قول عبد الله بن وهب، قال: هكذا والله كان العلماء، وهذا هو ثمرة العلم النافع.

قال النووي في الأذكار: بلغنا أن قس بن ساعدة، وأكثم بن صيفي اجتمعا فقال أحدهما لصاحبه: [كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟! فقال: هي أكثر من أن تحصى، والذي أحصيته: ثمانية آلاف عيب، فوجدت خصلةً إن استعملتها سترت العيوب كلها، قال ما هي؟ قال: حفظ اللسان].

قال إبراهيم التيمي : أخبرني من صحب الربيع بن خثيم عشرين عاماً ما سمع منه كلمةً تعاب، الله المستعان! عشرين عاماً ما سمع منه كلمةً تعاب، والأثر ذكره ابن سعد في الطبقات .

وقيل له -أي للربيع -: [يا أبا يزيد ، ألا تذم الناس؟! فقال: والله ما أنا عن نفسي براض فأذم الناس، إن الناس خافوا الله على ذنوب الناس وأمنوه على ذنوبهم].

وصدق رحمه الله، ألا ترون أيها الأحبة! أننا في مجالسنا نقول: نخشى عذاب الله من فعل فلان، ونخاف من عذاب الله عز وجل من قول علان، ولا نخشى من عذاب الله من أفعالنا وأقوالنا؟! هذا ظاهر في مجالسنا، نتحدث ونقول: والله نخشى من عذاب الله من أفعال فلان وعلان! ولكننا ننسى أن نخاف على أنفسنا من عذاب الله من ذنوبنا وأفعالنا وأقوالنا، ارجع لنفسك وانظر لعيوبها قبل أن تنظر لعيوب الآخرين وتتكلم فيهم.

وقال حماد بن زيد : بلغني أن محمد بن واسع كان في مجلس، فتكلم رجل فأكثر الكلام، فقال له محمد : ما على أحدهم لو سكت، فتنقى وتوقى، أي: اختار كلماته ولحسب لها حسابها.

وقال بكر بن المنير : سمعت أبا عبد الله البخاري ، أمير المؤمنين صاحب الصحيح رضي الله تعالى عنه وأرضاه يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً. اسمع للثقة: أرجو أن ألقى الله لا يحاسبني أني اغتبت أحداً، والبخاري له مؤلفات في الجرح والتعديل.

ويقول الذهبي في السير -أيضاً- معلقاً على قول البخاري هذا: صدق رحمه الله ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس، وإنصافه فيمن يضعفه، فإن أكثر ما يقول -يعني أشد ما يقول البخاري إذا أراد أن يجرح رجلاً- يقول: منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر.. ونحو هذا، وقل أن يقول: فلان كذاب، أو كان يضع الحديث، حتى إنه قال: إذا قلت فلان في حديثه نظر؛ فهو متهم واهم، وهذا معنى قوله: لا يحاسبني الله أني اغتبت أحداً، وهذا هو والله غاية الورع. انتهى كلام الذهبي.

هذه مواقف للسلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم مع اللسان.