خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/52"> الشيخ سعود الشريم . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/52?sub=59191"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
إياكم والجاهلية
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، له الحمد في الأُولى والآخرة، يحي ويميت وله اختلاف الليل والنهار، وهو يتولى الصالحين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة بها نحيا وبها نموت وعليها نُبعث يوم الدين.
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، الناصح الأمين، وقائد الغر المحجلين، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعـد:
فوصيتي لنفسي ولكم -عباد الله- هي تقوى الله سبحانه، في السر والعلن، والحضر والسفر، والفرح والحزن، في خلواتكم وجلواتكم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة:4].
أيها الناس! لقد اُبتليت المجتمعات الجاهلية في غابر الأزمان برجس الأصنام والوثنية، والخمر والميسر، والأنصاب والأزلام، يتخرج منها رجال ونساء في الشرك والتضليل، والجهالة والعِبِّـيَّة الجاهلية، حتى لقد أصبحت مقاصد الحج عندهم عبارة عن تجمعات مكثفة في سوق عكاظ ، يقصدها الناس من شتَّى أنحاء البلاد.
وكان يُقام فيها السوق في شهر ذي القعدة نحواً من نصف شهر.
ثم يأتون بعد ذلك موضعاً دونه إلى مكة ، يقال له: سوق مجنة ، فيُقام فيه السوق إلى آخر الشهر.
ثم يأتون موضعاً قريباً منه، يقال له: ذو المجاز ، فيقام فيه السوق إلى يوم التروية.
ثم بعد ذلك يَصْدُرون منه إلى منى .
كانت تجتمع في هذه الأسواق قبائل العرب، ووفود ملوكهم بالهدايا والقرابين إلى الأصنام، يتناشدون الأشعار، ويفتخرون بالسلب والنهب، وقتل الأنفس البريئة دون ما ذنب أو جريرة، ويمارسون وأد البنات إبَّان حياتهن، ويعدون ذلك من المكرمات التي تهون دونها الحُرُمات.
عباد الله! لقد كانت مواقف الجاهلية في الحج مواقف مخزية، إنما هي خليط ممزوج من الأضداد والمتناقضات، يظهر ذلك جلياً في بعض المواقف المتكررة، فمن ذلك -مثلاً-: تلبيتهم في الحج التي يخلطون معها الشرك، فيقولون: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما مَلَك كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً [الكهف:5].
وكانت قبيلة عَكٍ إذا خرجت حاجَّة قدمت أمامها غُلامين أسودين من غلمانهم، فكانا أمام ركبهم، فيقولان: نحن غرابا عَكٍّ، فتقول عَكٍّ من بعدهما:
عَكٌّ إليك عانية |
عبـادة يـمانية |
كيما نحجَّ الثانية |
هذه هي تلبيتهم.
ولقد كانت قريش ومَن دان بدينها، يقفون بـالمزدلفة ، وسائر العرب يقفون بـعرفات ، حتى أنزل الله على رسوله: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199].
ومن مظاهر الجاهلية في الحج عباد الله! ما ذكره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بقوله: [[كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم فيقول الرجل منهم: كان أبي يُطعم، ويحمل الحمالات ويحمل الديات.. ليس لهم ذكر غير فِعال آبائهم، فأنزل الله: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة:200] ]].
وفي خضم الجاهلية الجهلاء يمن الرب الرحيم القادر الحليم على عباده بالنبي الخاتم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم بالنفس الطاهرة، فأُنْزِلت آيات الكتاب المتلوة، وأبلغ الرسول دعوته، فسمع الأصم نبراته، وأبصر الأعمى آياته، جاء البشير النذير، والسراج المنير، فاقتلع الوثنية من جذورها، واستأصل شأفتها، بعد أن سفَّه أحلامهم، وعاب آلهتهم، في مدة من الزمن وجيزة هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الجمعة:2].
وَيمنَّ الله عليه بفتح مكة ، وتحطيم ما فيها من أصنام وأوثان، ثم يُرسل أبا بكر في السنة التاسعة حاجّاً، لينادي في الناس: (ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان ).
ثم يأتي -صلوات الله وسلامه عليه- حاجاً في السنة العاشرة، ليختم دعوته بلقاءٍ حاسم مع جموع المسلمين في عرفات المشاعر المقدسة، ويقول لهم: (خذوا عني مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد يومي هذا ).
وفي يوم عرفة.. في اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأنزل فيه قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] في يوم عرفة -عباد الله- يرى الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه أن هذا الجمع العظيم، وهذه القلوب الصافية الخاشعة فرصة عظمى لأن تعي ما سيقول لها من قواعد عظيمة، ربما عدُّوها وصية مودع مشفق، فيقف على راحلته، ويخطب الناس خطبته المشهورة، كما جاء في سنن أبي داود وسنن ابن ماجة ، وغيرهما، فكان مما قال فيها: (ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمانا: دم
إن هذه الكلمات المنبعثة من مشكاة النبوة ليؤكد بها المصطفى صلى الله عليه وسلم حتمية المخالفة لما كان عليه أهل الجاهلية، ويبين بذلك أنَّ مسمَّى الجاهلية يعني: أن يكون الأمر إسلاماً أو لا إسلام.
فالجاهلية والإسلام أمران نقيضان، لا يمكن أن يجتمعا في نفس واحدة البتة.
إن كلمة الجاهلية لم تكن نشازاً من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، لا وكلا! بل هي كلمات مطروقة، تكرر ذكرها في غيرما موضع من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال سبحانه: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، وقال عزَّ وجلَّ: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ [آل عمران:154]، ويقول جل شأنه: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33]، ويقول سبحانه: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ [الفتح:26].
ولقد بوَّب الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه باباً فقال: (باب المعاصي من أمر الجاهلية) وذكر فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي ذر رضي الله عنه لما عيَّر رجلاً بأمه: (إنك امرؤ فيك جاهلية ).
قال الحافظ ابن حجر : " إن كل معصية تؤخذ من ترك واجب أو فعل محرم فهي من أخلاق الجاهلية ".
وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: ( قال رجل: يا رسول الله! أنؤاخَذ بما عملنا في الجاهـلية؟ قال: من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أُخذ بالأول والآخر ) رواه البخاري ومسلم .
وقد قال ثابت بن الضحاك رضي الله تعالى عنه: (ينذر رجل أن ينحر إِبِلاً بـبوانة ، فسأل النبيُّ صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟ قالوا: لا. قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوفِ بنذرك ) الحديث. رواه أبو داود .
فيؤخذ من هذا الحديث وغيره -عباد الله- التحذير الشديد من أمور الجاهلية، أو مشابهة أهلها في أي لون من ألوانها.
كيف لا! ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا إن كل شيء من أمور الجاهلية تحت قدمي موضوع ) ؟!
ولو لم يكن من ازدرائها، وشناعة قبحها، إلا حكم النبي صلى الله عليه وسلم عليها بأنها تحت قدميه لكفى.
لقد أكدَّ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه مخالفة ما عليه أهل الجاهلية من الكتابيين والأميين، مما لا غنى للمسلم في أن ينبذها وينأى بنفسه عن الوقوع في هُوَّتها، وأن ينسلَّ بنفسه عن أشدها خطراً، وأكثرها ضرراً، وهو عدم إيمان القلب بما جاء به الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه، ناهيكم عما ينضاف إلى ذلك من استحسان ما عليه أهل الجاهلية الذي تتم به الخسارة والبوار، كما قال جل شأنه: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [العنكبوت:52]، أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَـرْهاً وَإِلَيْـهِ يُرْجَعُـونَ [آل عمران:83].
وإن من أعظم التشبه بما كان عليه أهل الجاهلية، وأكثرها إيقاعاً للخلل في دين الناس ودنياهم أموراً ثلاثة:
إشراك الصالحين في الدعاء والعبادة
وهذه عباد الله! هي أعظم مسألة خالف فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان عليه أهل الجاهلية، وعندها بدت بينه وبينهم العداوة والبغضاء أبداً حتى يؤمنوا بالله وحده.
ومن هنا افترق الناس إلى مسلم وكافر.
ولأجل هذه القضية العُظمى شُرِع الجهاد في سبيل الله، قال تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة:193].
الفرقة والاختلاف
فجاء الإسلام، ودعا إلى الأخوة الدينية، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قول ربه عزَّ وجلَّ: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ [الشورى:13]، وتلا قول خالقه: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ [الأنعام:159].
ويعلن المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه قولته المشهورة: {مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر } رواه مسلم .
ويكون بذلك مؤكداً أخوة الدين التي تفرض تناصر المؤمنين المفلحين، لا تناصر العِبِّـيَّة العمياء، والجاهلية الجهلاء؛ لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، وإجارة المهضوم، وإرشاد الضال، وحد المتطاول.
وهذا كله هو ثمرة قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: {انصر أخاك ظالِماً أو مظلوماً } رواه البخاري .
إن الله سبحانه ردَّ أنساب الناس وأجناسهم إلى أبَوَين اثنين، فهم جميعاً,.
الناس من جهة التمثال أكْفَاءُ أبوهمُ آدم والأم حواءُ |
وإن يكن لهم من أصلهم نسبٌ يفاخرون به فالطين والماءُ |
ليجعل الله من هذه الرحم ملتقى تتشابك عنده الصلات، وتُسْتَوثَق العُرى يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13].
إنه التعارف لا التفاخر، والتعاون لا التخاذل، وأما الشرف والرفعة فإنما هو في قوة الدين، وتمكَّن التقوى من قلب العبد في إزالة الفوارق البشرية.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من أشراف قريش يقف مع الناس، ويقول لقومه: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ [البقرة:199] تحقيقاً للمساواة بين المسلمين، وكان الرجل من أشراف قريش يأنف أن يُزوج ابنته أو أخته من الرجل من عامة الناس، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزوج ابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية من مولاه زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهما.
ويقول صلوات الله وسلامه عليه: {يا بني بياضة! أنكحوا
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
مخالفة ولي الأمر
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، سيد البشر، والشافع المشفع في المحشر، صلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه السادة الغُرَر.
أما بعــد:
فاتقوا الله عباد الله! واعلموا أن ثالثة الأثافي من أمور الجاهلية هي: دَيْدَن الجاهلية المتمثل في ظنهم المقلوب: أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة ورفعة، وأن السمع والطاعة والانقياد ذلٌّ ومهانة، ونقص في الرجولة والعلم، فخالفهم المصطفى في ذلك في السمع والطاعة في المنشط والمكره للولاة الشرعيين، بالبيعة الشرعية، وأمر بالصبر على جَور الولاة، وعدم الخروج عليهم، مع بذل النصح والإرشاد لهم، فغلَّظ في ذلك وأبدى وأعاد، بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه، حيث يقول: {من كره من أميره شيئاً فليصبر؛ فإن من خرج عن السلطان شبراً مات ميتة جاهلية } رواه البخاري ومسلم .
فهذه الأمور الثلاثة التي مضت جَمَعَها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {إن الله يرضى لكم ثلاثاً: ألا تعبدوا إلا الله، ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولَّاه الله أمركم }. رواه البخاري ومسلم .
الأمر الأول: أن كثيراً من الناس يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله وعبادته، يُريدون شفاعتهم عند الله، في حين أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، بل إنهم في الوقت نفسه لأحوج إلى عفو الله ورحمته من أولئك الذين يدعونهم، كما قال سبحانه: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً [الإسراء:57].
وهذه عباد الله! هي أعظم مسألة خالف فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان عليه أهل الجاهلية، وعندها بدت بينه وبينهم العداوة والبغضاء أبداً حتى يؤمنوا بالله وحده.
ومن هنا افترق الناس إلى مسلم وكافر.
ولأجل هذه القضية العُظمى شُرِع الجهاد في سبيل الله، قال تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة:193].