خطب ومحاضرات
إقامة التوحيد
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعــد:
عمرو بن لحي وعبادة الأصنام
لقد أغراهم بذلك غيبة إنسانيتهم، وإفلاس عقولهم بعد طيشها، حتى انتحرت فطرتهم وبقوا هواءً في جثمان إنس، يقول حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما متحدثاً عن هذه الحقبة من الزمن: [[صارت الأوثان التي في قوم نوحٍ في العرب بعد، أما ودّ فكانت لكلَّبٍ بـدومة الجندل ، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيفٍ بالجرف عند سبأ ، وأما يعوق فكانت لـهمدان ، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجالٍ صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت ]] رواه البخاري .
عباد الله: لقد كانت العرب قبل هذا الأمر على ملة إبراهيم الخليل عليه السلام، فما فتئ الزمان يدور حتى قل العلم وهلك العلماء، لتحل الأصنام بين العرب من جديد، وتتبدل ملة إبراهيم عليه السلام وتتنسخ، وقد كان الذي تولى كبر هذه الشقوة والمعرة أبو خزاعة عمرو بن لحي ، فهو الذي سيب السوائب، وعبّد الأصنام: {وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف يجر أمعاءه في النار؛ لأنه أول من سيب السوائب، وبدل دين إبراهيم عليه السلام } رواه مسلم في صحيحه ، يقول ابن كثير رحمه الله: كان عمرو بن لحي أول من غير دين إبراهيم الخليل، فأدخل الأصنام إلى الحجاز ، ودعا الرعاع من الناس إلى عبادتها والتقرب بها.
أيها المسلمون: إنما خلق الله الثقلين الجن والإنس ليعبد وحده في الأرض، وأرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بالشريعة الغراء محاطة بقواعد قررها الشارع الحكيم متمثلةً في ضرورات خمس، أجمعت الأنبياء والرسل قاطبةً على حفظها ورعايتها، وهي: الدين، والنفس، والمال، والعرض، والعقل، فكل مفسدةٍ يخشى أن تؤتى من قبل ضرورة من هذه الضرورات فإنه يجب درؤها، ودفعها أولى من رفعها، وكان على المتسبب فيها من الإثم والوزر الذي يتجدد عليه انتشارها، ويتوالى تراكمه في صحيفة أعماله إبان حياته وبعد مماته، كمثل ما علا عمرو بن لحي حينما أدخل الأصنام وبدل دين إبراهيم، وعلى رأس هذه الضرورات الخمس ضرورة الدين والعقيدة وتوحيد الله.
قضاء الإسلام على عبادة الأوثان
يقول القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: فيها دليل على كسر نصب المشركين، وجميع الأوثان إذا غلب عليها.
يقول ابن المنذر رحمه الله: وفي معنى الأصنام الصور المتخذة من الدر والخشب وشبهها.
عباد الله: لقد حطم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأصنام حول الكعبة وبعض الصحابة كان يردد:
يا عزى! كفرانك لا غفرانك إني رأيت الله قد أهانك |
ويبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سراياه إلى الأصنام التي كانت حول مكة ، ونادى مناديه بـمكة قائلاً: [[من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره ]] فيبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى ليهدمها فهدمها، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {هل رأيت شيئاً؟ قال: لا. قال: فإنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها، فرجع
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى سواع وهو صنم لهذيل فاعترضه السادن فقال: لا تستطيع أن تقتله، فإنك ستمنع منه، فدنا منه رضي الله عنه فكسره فأسلم السادن بعد ذلك.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعيد بن زيد إلى مناةٍ فهدمها، ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم المسير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين ليهدمه فهدمه، وجعل يحشي النار في وجهه ويحرقه ويقول:
يا ذا الكفين! لست من عبادكا ميلادنا أقدم من ميلادكا |
إني حششت النار في فؤادكا |
ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى الفلس؛ وهو صنم لطيء، فهدمه هو ومن معه.
وكما بعث جرير بن عبد الله البجلي في سرية لكسر صنم ذي الخلصة بـاليمن .
بهذا كله -عباد الله- يجدد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملة أبيه إبراهيم وإخوانه الأنبياء، فلقد قال إبراهيم سائلاً ربه: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم:35] وقال لقومه: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ [الأنبياء:57].
ويجدد النبي صلى الله عليه وسلم فعل موسى مع السامري حين قال له: وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً [طه:97].
أيها المسلمون: لقد كانت مواقف النبي صلى الله عليه وسلم من الأصنام والتماثيل بارزةً للعيان قولاً وفعلاً، بل إنه لم يقتصر كسره للأصنام على ما عبد من دون الله، أو على ما عظم كتعظيم الله فحسب، بل تعداه إلى التماثيل التي تتخذ في البيوت ونحوها، على هيئة الاقتناء والزينة ولو لم تعبد، فقد جاء عند أبي داود والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أتاني جبريل فقال: إني كنت أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إلا أنه على باب البيت تماثيل .... -الحديث وفيه:- أن جبريل أمره برءوس التماثيل أن تقطع فتصير كهيئة الشجر }.
ومعلوم -عباد الله- أنه لا يقول عاقل ألبتة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اتخذ هذا التمثال للعبادة أو للتعظيم، وإنما كان لمجرد الاقتناء، كيف لا، وقد سأله روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه: {ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً ألا سويته } والمقرر عند أهل العلم أن كلمة تمثال هنا نكرة في سياق النهي، فتعم كل تمثالٍ أيّن كان نوعه؛ سواء كان للعبادة أو لمجرد الاقتناء والزينة.
وذكر ابن إسحاق في مغازيه عن أبي العالية قال: [[لما فتحنا تستر وجدنا في بيت الهرمزان سريراً عليه رجلٌ ميت عند رأسه مصحفٌ له، فأخذناه فحملناه إلى عمر رضي الله عنه ... إلى أن قال: فماذا صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا له بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقةً، فلما كان الليل دفناه وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس لا ينبشونه، فقال رجل: وما يرجون منه؟ قال: كان يقال: إن السماء إذا حبست عنهم برزوا سريره فيمطرون ]] يقول ابن القيم رحمه الله معلقاً على هذه القصة: ففي هذه القصة ما فعله المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم من تعمية قبره لئلا يفتتن به، ولم يبرزوه للدعاء عنده، أو التبرك به، ولو ظفر به المتأخرون لجالدوا عليه بالسيوف.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر : أن ابن سعد روى بسندٍ صحيح: [[أن عمر رضي الله عنه بلغه أن قوماً يأتون شجرة بيعة الرضوان فيصلون عندها، فتوعدهم ثم أمر بقطعها فقطعت ]].
هكذا كانت مواقف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حماية جناب التوحيد، وسد الذرائع المفضية إلى الشرك بالله؛ لأن البدع إذا حدثت، وصارت صارفةً عن مقتضى القرآن والسنة، ولفقت لها شبه، وركب لها كلامٌ مؤلف، صارت تلك البدع في حكم الواقع من المسلمات التي لا يمكن درؤها إلا بعد نأي وشدائد، ويدل بذلك ما نقله الحافظ ابن حجر عن الفاكهي وغيره عن عبيد الله قال: أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح، وكانت الأبناء تبر الآباء، فمات رجلٌ منهم فجزع ولده عليه، فجعل لا يصبر عنه، فاتخذ مثالاً على صورته، فكلما اشتاق له نظر إليه، ثم مات ففعل به كما فعل، ثم تتابعوا على ذلك، فمات الآباء فقال الأبناء: ما اتخذ هذه آبائنا إلا أنها كانت آلهتهم فعبدوها.
يا أيها الناس! منذ غابر الأزمان، وقبل نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم، كان الناس على هذه البسيطة في جاهلية جهلاء، إبان فترة من الرسل قد انقطع الناس فيها عن المدد الروحي والنور الإلهي، فلأجل ذلك اعترتهم ظلمات العقائد والقوانين والأنفس؛ ظلماتٌ لا يجد فيها الحاذق بصيص نورٍ يهتدي به إلى هداية، أو يخلص به من ضلالة وينجو من غواية، بل هي ظلماتٌ بعضها فوق بعض، ظلماتٌ أودت بذويها إلى أن يتخبطوا في مهام الحياة ودروبها خبط العشراء، ظلماتٌ جعلت من عقول مشتمليها ودينهم أن يصنعوا معبوداتهم بأيديهم، فنحتوا ما يعبدون والله خلقهم وما يعملون، حتى عموا وصموا وضلوا وغووا، ثم انحط غيهم فعبدوا الأشجار والأحجار والستائر المنصوبة والتماثيل التي كانوا لها عاكفين.
لقد أغراهم بذلك غيبة إنسانيتهم، وإفلاس عقولهم بعد طيشها، حتى انتحرت فطرتهم وبقوا هواءً في جثمان إنس، يقول حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما متحدثاً عن هذه الحقبة من الزمن: [[صارت الأوثان التي في قوم نوحٍ في العرب بعد، أما ودّ فكانت لكلَّبٍ بـدومة الجندل ، وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيفٍ بالجرف عند سبأ ، وأما يعوق فكانت لـهمدان ، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجالٍ صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت ]] رواه البخاري .
عباد الله: لقد كانت العرب قبل هذا الأمر على ملة إبراهيم الخليل عليه السلام، فما فتئ الزمان يدور حتى قل العلم وهلك العلماء، لتحل الأصنام بين العرب من جديد، وتتبدل ملة إبراهيم عليه السلام وتتنسخ، وقد كان الذي تولى كبر هذه الشقوة والمعرة أبو خزاعة عمرو بن لحي ، فهو الذي سيب السوائب، وعبّد الأصنام: {وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف يجر أمعاءه في النار؛ لأنه أول من سيب السوائب، وبدل دين إبراهيم عليه السلام } رواه مسلم في صحيحه ، يقول ابن كثير رحمه الله: كان عمرو بن لحي أول من غير دين إبراهيم الخليل، فأدخل الأصنام إلى الحجاز ، ودعا الرعاع من الناس إلى عبادتها والتقرب بها.
أيها المسلمون: إنما خلق الله الثقلين الجن والإنس ليعبد وحده في الأرض، وأرسل رسوله صلى الله عليه وسلم بالشريعة الغراء محاطة بقواعد قررها الشارع الحكيم متمثلةً في ضرورات خمس، أجمعت الأنبياء والرسل قاطبةً على حفظها ورعايتها، وهي: الدين، والنفس، والمال، والعرض، والعقل، فكل مفسدةٍ يخشى أن تؤتى من قبل ضرورة من هذه الضرورات فإنه يجب درؤها، ودفعها أولى من رفعها، وكان على المتسبب فيها من الإثم والوزر الذي يتجدد عليه انتشارها، ويتوالى تراكمه في صحيفة أعماله إبان حياته وبعد مماته، كمثل ما علا عمرو بن لحي حينما أدخل الأصنام وبدل دين إبراهيم، وعلى رأس هذه الضرورات الخمس ضرورة الدين والعقيدة وتوحيد الله.
لقد أضاء النبي صلى الله عليه وسلم الطريق وأوضح السبيل، وطهر الله به جزيرة العرب من رجس الوثنية ، وهيمنة الأصنام والتماثيل، وكان كبير هذه الأصنام هبل وهو بأعلى مكة وحوله ثلاثمائة وستون صنماً كلها من الحجارة، فطعن فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة حين دخوله الكعبة يوم الفتح وهو يردد قول الله: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [الإسراء:81].
يقول القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: فيها دليل على كسر نصب المشركين، وجميع الأوثان إذا غلب عليها.
يقول ابن المنذر رحمه الله: وفي معنى الأصنام الصور المتخذة من الدر والخشب وشبهها.
عباد الله: لقد حطم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأصنام حول الكعبة وبعض الصحابة كان يردد:
يا عزى! كفرانك لا غفرانك إني رأيت الله قد أهانك |
ويبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سراياه إلى الأصنام التي كانت حول مكة ، ونادى مناديه بـمكة قائلاً: [[من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع في بيته صنماً إلا كسره ]] فيبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى ليهدمها فهدمها، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {هل رأيت شيئاً؟ قال: لا. قال: فإنك لم تهدمها، فارجع إليها فاهدمها، فرجع
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى سواع وهو صنم لهذيل فاعترضه السادن فقال: لا تستطيع أن تقتله، فإنك ستمنع منه، فدنا منه رضي الله عنه فكسره فأسلم السادن بعد ذلك.
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعيد بن زيد إلى مناةٍ فهدمها، ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم المسير إلى الطائف بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين ليهدمه فهدمه، وجعل يحشي النار في وجهه ويحرقه ويقول:
يا ذا الكفين! لست من عبادكا ميلادنا أقدم من ميلادكا |
إني حششت النار في فؤادكا |
ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى الفلس؛ وهو صنم لطيء، فهدمه هو ومن معه.
وكما بعث جرير بن عبد الله البجلي في سرية لكسر صنم ذي الخلصة بـاليمن .
بهذا كله -عباد الله- يجدد رسول الله صلى الله عليه وسلم ملة أبيه إبراهيم وإخوانه الأنبياء، فلقد قال إبراهيم سائلاً ربه: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم:35] وقال لقومه: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ [الأنبياء:57].
ويجدد النبي صلى الله عليه وسلم فعل موسى مع السامري حين قال له: وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً [طه:97].
أيها المسلمون: لقد كانت مواقف النبي صلى الله عليه وسلم من الأصنام والتماثيل بارزةً للعيان قولاً وفعلاً، بل إنه لم يقتصر كسره للأصنام على ما عبد من دون الله، أو على ما عظم كتعظيم الله فحسب، بل تعداه إلى التماثيل التي تتخذ في البيوت ونحوها، على هيئة الاقتناء والزينة ولو لم تعبد، فقد جاء عند أبي داود والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أتاني جبريل فقال: إني كنت أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت عليك البيت الذي كنت فيه إلا أنه على باب البيت تماثيل .... -الحديث وفيه:- أن جبريل أمره برءوس التماثيل أن تقطع فتصير كهيئة الشجر }.
ومعلوم -عباد الله- أنه لا يقول عاقل ألبتة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد اتخذ هذا التمثال للعبادة أو للتعظيم، وإنما كان لمجرد الاقتناء، كيف لا، وقد سأله روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه: {ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً ألا سويته } والمقرر عند أهل العلم أن كلمة تمثال هنا نكرة في سياق النهي، فتعم كل تمثالٍ أيّن كان نوعه؛ سواء كان للعبادة أو لمجرد الاقتناء والزينة.
وذكر ابن إسحاق في مغازيه عن أبي العالية قال: [[لما فتحنا تستر وجدنا في بيت الهرمزان سريراً عليه رجلٌ ميت عند رأسه مصحفٌ له، فأخذناه فحملناه إلى عمر رضي الله عنه ... إلى أن قال: فماذا صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا له بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقةً، فلما كان الليل دفناه وسوينا القبور كلها لنعميه على الناس لا ينبشونه، فقال رجل: وما يرجون منه؟ قال: كان يقال: إن السماء إذا حبست عنهم برزوا سريره فيمطرون ]] يقول ابن القيم رحمه الله معلقاً على هذه القصة: ففي هذه القصة ما فعله المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم من تعمية قبره لئلا يفتتن به، ولم يبرزوه للدعاء عنده، أو التبرك به، ولو ظفر به المتأخرون لجالدوا عليه بالسيوف.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر : أن ابن سعد روى بسندٍ صحيح: [[أن عمر رضي الله عنه بلغه أن قوماً يأتون شجرة بيعة الرضوان فيصلون عندها، فتوعدهم ثم أمر بقطعها فقطعت ]].
هكذا كانت مواقف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حماية جناب التوحيد، وسد الذرائع المفضية إلى الشرك بالله؛ لأن البدع إذا حدثت، وصارت صارفةً عن مقتضى القرآن والسنة، ولفقت لها شبه، وركب لها كلامٌ مؤلف، صارت تلك البدع في حكم الواقع من المسلمات التي لا يمكن درؤها إلا بعد نأي وشدائد، ويدل بذلك ما نقله الحافظ ابن حجر عن الفاكهي وغيره عن عبيد الله قال: أول ما حدثت الأصنام على عهد نوح، وكانت الأبناء تبر الآباء، فمات رجلٌ منهم فجزع ولده عليه، فجعل لا يصبر عنه، فاتخذ مثالاً على صورته، فكلما اشتاق له نظر إليه، ثم مات ففعل به كما فعل، ثم تتابعوا على ذلك، فمات الآباء فقال الأبناء: ما اتخذ هذه آبائنا إلا أنها كانت آلهتهم فعبدوها.
استمع المزيد من الشيخ سعود الشريم - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
ربما تصح الأجسام بالعلل | 2776 استماع |
السياحة من منظور إسلامي | 2560 استماع |
لا أمن إلا في الإيمان!! | 2477 استماع |
حاسبوا أنفسكم | 2429 استماع |
العين حق | 2389 استماع |
كيف نفرح؟ | 2357 استماع |
مفهوم السياحة ومخاطرها [1] | 2306 استماع |
رحيل رمضان | 2249 استماع |
مخاصمة السنة | 2179 استماع |
مفاهيم رمضانية | 2176 استماع |