شرح كتاب الصيام من منار السبيل [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين.

قال الشيخ العلامة إبراهيم بن محمد بن سالم بن ضويان رحمه الله تعالى: [(كتاب الصيام).

وصوم رمضان أحد أركان الإسلام ومبانيه لحديث ابن عمر : ( بني الإسلام على خمس ) ، وقد سبق].

نتكلم بإذن الله عز وجل في عدة مجالس على كتاب الصيام من منار السبيل، وإنما كان تقديم ذلك لمناسبة الزمان، وأهمية هذا الباب، وكونه ركناً من أركان الإسلام.

معنى الكتاب لغة

والمصنف رحمه الله تعالى جمع شتات مسائل الصيام في هذا الكتاب، فقال عليه رحمة الله: كتاب الصيام، والكتاب من كتب يكتب كتاباً، وأصل هذه المادة الجمع، ولهذا تسمى الكتيبة كتيبة لاجتماع أفرادها، ويسمى الكتاب كتاباً لاجتماع أوراقه، وكذلك اجتماع الحروف فيه.

وكذلك أيضاً فإن أصل هذه اللفظة على أي وجه كان عند العرب المراد به الجمع، ولهذا يقول الشاعر:

لا تأمنن فزارياً خلوت به على قلوصك واكتبها بأسيار

يعني: واجمعها، ولهذا الكتيبة: جماعة من الأفراد، وكتاب الصيام أي: الجامع لمسائل الصيام وأحاديثه، وهذا ما جرى عليه العلماء عليهم رحمة الله تعالى في تسمية الكتب، ولهم مقاصد أخرى فيما دون ذلك من الأبواب، والفصول، والمسائل، وغير ذلك.

تعريف الصيام

والصيام هو: الإمساك في لغة العرب، سواء كان ذلك عن طعام، أو شراب، أو كان ذلك عن كلام، أو عن حركة، فإنه يسمى صياماً وإمساكاً، ومنه قول الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا [مريم:26]، يعني: إمساكاً عن الكلام.

وكذلك أيضاً في إمساك الإنسان عن الحركة إذا قام ثابتاً يقال: فلان صائم أو ممسك، ولهذا الخيل التي لا تصهل عند شدة الحرب يقال بأنها خيل صائمة، وعليه يقول الشاعر:

خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما

يعني: خيل تصهل وخيل لا تصهل وذلك لإمساكها عن الصهيل. وهذا المعنى الذي أراده المصنف رحمه الله تعالى هنا هو المعنى الفقهي الغالب في لفظ الشرع في قوله: كتاب الصيام، أي: الإمساك عن المفطرات.

ولهذا يعرف الفقهاء عليهم رحمة الله تعالى الصيام بقولهم: هو إمساك مخصوص من شخص مخصوص بنية مخصوصة.

وإنما ما قيل بزمن مخصوص باعتبار أن هذا المعنى معنى عام، سواء كان ذلك شاملاً لرمضان أو لغير رمضان, ولكنه لأمر معلوم مستقر من ساعات معلومة سواء كان ذلك في النهار أو كان ذلك من الليل؛ ولهذا العلماء عليهم رحمة الله تعالى يسمون من صام الليل صائماً ولكنه يواصل فيصوم الليل والنهار، وهذه من مواضع الخلاف التي يأتي الكلام عليها بإذن الله تعالى.

مراتب الصيام باعتبار حكمه

فالله عز وجل شرع لهذه الأمة الصيام وجعله على مراتب, منه ما كان فرضاً على الأعيان كصيام رمضان, وذلك أن الله عز وجل قد جعله ركناً من أركان الإسلام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر : ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، وصوم رمضان ) .

فصوم رمضان من أركان الإسلام, وهو ما أوجبه الله عز وجل على الأعيان ممن كان قادراً على أدائها من المكلفين، وأما ما دون ذلك من المراتب فهي على أحوال، فمنها ما هو متأكد ويختلف في درجة ومرتبة تأكيده، ومنها ما يوجب الإنسان من الصيام على نفسه وذلك كالنذر، أو كان ذلك من أمور الكفارات ككفارة الظهار والجماع في نهار رمضان, وغير ذلك من الأمور الواجبة على الإنسان، فأوجبها الإنسان بسبب خاص كفعل خاص أو قول خاص، فهذا أيضاً من الأمور الواجبة على الإنسان.

وما كان واجباً على الأعيان عموماً هو أفضل من غيره ممن كان على آحاد الناس أو على جماعتهم؛ ولهذا الأصل في الشرائع أن ما أوجبه الله عز وجل على الأعيان فهو أفضل مما يوجبه الله عز وجل على الكفاية، وذلك أن الله إذا أوجب الشيء على العباد عيناً فإنه يريد منهم أن يستكثروا من ذلك العمل لتعظم منزلتهم عند الله فيعظم السبب بدخولهم الجنة والوقاية من النار، فإن الله عز وجل يوجب ذلك عيناً على العباد بخلاف ما يتعلق بأمور الكفايات فإنه يأتي مرتبة دون ذلك.

ويأتي بعد ذلك ما كان من أمور السنن والمستحبات من أمور الصيام، وذلك كصيام عاشوراء، وصيام عرفة، والإثنين والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وصيام يوم وإفطار يوم، وصيام شهر الله المحرم، وصيام شعبان، وغيرها مما جاء به النص من العبادات المحددة بزمان، فهذا من أمور النوافل.

صفة الصوم ومراتب تشريعه

والصيام قد شرعه الله عز وجل لهذه الأمة، وشرعه الله عز وجل وأوجبه على السابقين، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:183] .

فأما صفة الصيام على السابقين فهذا من مواضع الخلاف إلا أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب على الأمة صيام رمضان وهذا خاص، وأما ما يتعلق بالصيام المشترك بين الأمم من جهة طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهل صيامهم على هذا النحو وتعداد ذلك وأنواعه؟ فهذا من مواضع الخلاف التي كثر فيها كلام المفسرين عليهم رحمة الله تعالى في هذا الباب.

وقد جاء في غير ما خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أول صيامه النافلة كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث عائشة عليها رضوان الله، وجاء أيضاً في المسند وغيره من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل عليه رضوان الله: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول صومه يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ثم صام النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة عاشوراء، ثم شرع الله عز وجل له صيام رمضان فكان من أراد أن يصومه صامه، ومن شاء أن يطعم فليطعم ) . وكان صيامه يوم عاشوراء واجباً، ثم نسخ الله عز وجل وجوبه, وأوجب على الناس صيام رمضان.

ولهذا نقول: إن صيام يوم عاشوراء قبل فرض صيام رمضان أفضل من صيام رمضان؛ وذلك لأنه واجب وذاك مستحب، والواجب أعظم فضلاً وأثراً وأجراً من المستحب، ولكن لما أوجب الله عز وجل الصيام على الأعيان ثم نسخ عاشوراء من الوجوب إلى الاستحباب عظم صيام رمضان وجعله الله عز وجل بهذه المنزلة ركناً من أركان الإسلام، والله عز وجل ينسخ من أحكام دينه ما يشاء.

والركن هو ما يبنى عليه الشيء، ويسمى ركناً وكذلك أيضاً مبنى، وهذا مأخوذ على ما تقدم من حديث عبد الله بن عمر ، ومأخوذ أيضاً من حديث جبريل ، في حديث أبي هريرة في الصحيحين، وفي حديث ابن عمر عن أبيه في مسلم لما سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الإسلام قال: ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ) ، إلى آخر الخبر.

علل تسمية شهر الصوم برمضان

وقول المصنف رحمه الله أيضاً: (صوم رمضان)، رمضان سمي بهذا الاسم لعلل اختلف العلماء عليهم رحمة الله تعالى فيها، فمنهم من قال: إنه سمي بذلك لأجل شدة حرارة الأرض فيه، وذلك أن العرب لما نقلوا أسماء الشهور من الأسماء القديمة إلى الأسماء الثابتة لدى الناس اليوم كان ذلك في زمن شدة حر رمضان فسمي رمضان.

وقيل: إن المراد به أن شدة الصيام وحرارته على الأكباد فترمض القلوب.

وقيل: إنه يحرق الذنوب ويرمضها، أي: يطفئها فلا يبقي منها شيء فيحرقها، ومعلوم أن الأعمال الصالحة تطفئ السيئات وهذا أمر معلوم، ولهذا الله عز وجل يقول: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]، وذلك بإحراقهن وإزالتهن. قالوا: سمي بذلك لشدة أثره على الذنوب.

وقيل: إن كعب بن مرة من قريش هو الذي سمى الأشهر, وذلك أن العرب في الجاهلية كانت الأشهر لديهم شمسية وقمرية, فيجمعون بين هذا وهذا، فيقدمون تارة ويؤخرون تارة أخرى. ثم نقلت هذه الأشهر، ثم أحكم ذلك الأمر إلى أنها أصبحت قمرية، وأثبتت الشريعة هذا الأمر، وبقي الأمر على ما هو عليه.

وقيل: إنها في الخمسين سنة مما كان قبل الإسلام في أمر الجاهلية كانت قمرية, وتخلوا عن كونها قمرية شمسية, والله أعلم في ذلك، ولكن المحكم في هذا أن الأشهر في الإسلام إنما هي أشهر قمرية من جهة ثبوت العبادات، وكذلك أيضاً ثبوت الأحكام والنذور والعدد، وكذلك غيرها من الأحكام.

زمن فرضية صيام شهر رمضان

قال رحمه الله: [افترض في السنة الثانية من الهجرة, فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات إجماعاً].

هنا ذكر زمن فرضية الصيام في رمضان أنه في السنة الثانية من الهجرة، وهذا من مواضع الإجماع، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد من العلماء كـــابن جرير الطبري وغيره، ولكنهم قد اختلفوا في الشهر الذي فرض فيه مع اتفاقهم على أنه يكون في السنة الثانية من الهجرة، وكان ذلك قبل غزوة بدر، وقد صام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات، وهذا مما لا خلاف فيه.

وهنا مسألة وهي في قوله: (وافترض في السنة الثانية من الهجرة)، هنا حكم أو قرينة أن ما فرضه الله عز وجل قديماً من الأحكام آكد مما أخر الله عز وجل فرضه؛ ولهذا أول الفرائض على الأمم وآكدها هو التوحيد, وهو الذي لا يتنازل عنه، ولا يقتصد في بيانه وإنما يؤتى جملة واحدة لأن نقيضه الشرك، فإذا جاءت شعبة من شعب الشرك أزالت شعب الإيمان، ولهذا جاءت الصلاة سابقة للصيام، فما أوجب الله عز وجل أمره قبل غيره فهو آكد من غيره.

وهذه من القرائن التي يقول بها العلماء في أن الحج يأتي بعد الصيام مرتبة، ولهذا قد اختلف في هذه الرواية في حديث عبد الله بن عمر في قوله: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت ) ، جاء في رواية: ( حج البيت، وصوم رمضان ) ، وهذه الروايات في الصحيح.

بيان السبب الذي يجب به صيام رمضان

قال المصنف رحمه الله: [(يجب صوم رمضان برؤية هلاله على جميع الناس). لقوله تعالى: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)].

يقول هنا: (ويجب صوم رمضان برؤية هلاله على جميع الناس لقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185])، وقوله هنا: (على جميع الناس)، أي: أنه لا يفرق بين حر وعبد، ولا يفرق بين ذكر وأنثى، فكل مكلف يجب عليه صيام رمضان برؤية الهلال، وذلك لما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) . وقد جاء ذلك في حديث أبي هريرة عليه رضوان الله، وجاء أيضاً في حديث عبد الله بن عمر عليهما رضوان الله تعالى.

فالصيام ينعقد برؤية الهلال، وكذلك أيضاً ينقضي برؤية الهلال، فدخول الشهر يكون بأحد أمرين: إما بإتمام شعبان ثلاثين يوماً، وإما برؤية الهلال، فيثبت برؤية الهلال قصور شعبان عن الثلاثين إلى تسع وعشرين، فيدخل حينئذ شهر رمضان ويجب حينئذ الصيام.

ولهذا في قول الله جل وعلا: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، حمل ذلك بعض العلماء على أنه من كان حاضراً عند رؤية الهلال فيجب عليه أن يصوم، ومنهم من قال: من أظله الشهر وهو من أهل التكليف وجب عليه أن يتمه كاملاً، وهذا القول قول لبعض السلف، ولهذا بعض السلف لا يرون عذر من كان مقيماً عند دخول الشهر ثم سافر بعد ذلك، فلا يرون المسافر في نصف رمضان؛ أنه يترخص لأنه دخل عليه ووجب عليه ابتداء, فشهد الشهر، وحملوه على هذا المعنى، وهذا القول قول لبعض المفسرين من السلف الصالح من الصحابة وغيرهم, ولكنه قول ضعيف.

والترخص في ذلك شيء، وكراهة السفر شيء آخر، فكراهة السفر جاء عن جماعة كــعائشة عليها رضوان الله تعالى فإنها كانت تكره السفر في رمضان، بل إذا حل الشهر فإنه ينبغي للإنسان أن يكون مقيماً حتى يأتي بالركن على وجهه.

وبعض العلماء أخذ بهذه الآية في قوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة:185]، أي: إذا دخل هلاله وأظل الإنسان شهر رمضان فوجب عليه أن يصوم رمضان، ولو سافر فإنه يتم صيامه ولا يترخص في ذلك، ولكن جماهير العلماء وعامة السلف على خلاف ذلك، فإن الإنسان قد يحتاج إلى السفر في نهار رمضان, ولم يكن قد بيت سفره قبل ذلك، فدخل عليه شهر رمضان فقضى منه خمسة أو عشرة أيام أو نحو ذلك ثم احتاج إلى السفر بعد ذلك فله أن يسافر وله أن يفطر، بل ما هو أبعد من ذلك إذا دخل الفجر على الإنسان وهو مقيم ثم سافر من النهار فالأرجح أنه يجوز له أن يفطر، وهذه أيضاً من مسائل الخلاف التي ربما يأتي الكلام عليها بإذن الله تعالى.

ولا يشرع ذكر عند رؤية الهلال، والأحاديث الواردة في ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام لا تخلو من علة، وبعض العلماء يحسن بمجموع الطرق القول عند رؤية الهلال: ( اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام, ربي وربك الله ) ، وقد جاء هذا الحديث عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معلوم.

قال رحمه الله: [ وقوله صلى الله عليه وسلم: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته ) ، متفق عليه، وبإكمال شعبان. قال في الشرح: لا نعلم فيه خلافاً ].

وذلك أن صيام رمضان على ما تقدم يجب بشيئين:

أولهما: رؤية الهلال, فإذا رأى الهلال فإنه يجب عليهم أن يصوموا.

الثاني: بإكمال شعبان ثلاثين يوماً، ولو لم يروا الهلال كأن يحول دونهم ودونه غيم أو قتر أو لم يروه، فإذا دخلوا شعبان بيقين فإنهم يخرجون منه بيقين، واليقين بذلك في أن الأشهر القمرية لا تزيد عن ثلاثين، وحينئذ فإنه يجب عليهم أن يصوموا رمضان بإتمام شعبان ثلاثين يوماً، وهذا مما لا خلاف فيه عند السلف والخلف، نعم.

اعتبار الرؤية دون الحساب في إثبات الشهر وبيان الحكمة في ذلك

قال المصنف رحمه الله: [ (وعلى من حال دونهم ودون مطلعه غيم أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان احتياطاً بنية رمضان) لقوله في حديث ابن عمر : ( فإن غم عليكم فاقدروا له ) ، متفق عليه ].

الأمر يقيد بالرؤية ولا يقيد بالحساب، وهذا مقصد في الشريعة أن الله عز وجل أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يلتزم بالرؤية لا أن يلتزم بغيرها، لماذا الرؤية مع إمكان الحساب ودقته وانضباطه؟

نقول: الحساب ليس بجديد، وهو معلوم أيضاً حتى في الجاهلية، يعرفه آحاد وأفراد من الناس، ويعرفه أيضاً بعض الأمم من الروم وفارس واليونان والهند، وغير ذلك يدركون معاني الحساب، وعلم الحساب معلوم فيه، والنبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك, ولكنه أشار إلى هذا المعنى في قوله عليه الصلاة والسلام: ( إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ) ، فذكر الكتابة يعني: الكتابة معلومة، وذكر الحساب ونفاه عنهم مع أنه معلوم، يعني: أنه ليس بعلم جديد الحدوث، ولكن الأمة العربية لم يكن الأمر فيها من جهة الكتابة ولا الحساب.

إذاً: إذا قيل بإثباته أن الشارع تركه عن علم به، وما أمر الشارع بأن يتعلم الحساب لإثبات الهلال، كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام بتعلم الكتابة لتحقق بعض المصالح الشرعية من معرفة لغة الأقوام وغير ذلك، ولهذا الشارع ترك الحساب مع العلم به وليس هو بجديد، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته ) ، فقيد الأمر بالرؤية.

والعلة من ذلك جملة من المصالح:

أولها: أن في هذا تيسير للناس, وذلك أن الرؤية يحسنها كل أحد البري والبحري، والبادي والحاضر، والصغير والكبير، وغير ذلك يدركها الإنسان برؤيته، فإذا كان الإنسان في البحر أو في البر بادي أو حاضر فإنه يدرك الهلال برؤيته ويقع التكليف عليه، والشريعة جاءت بالتيسير, وكذلك أيضاً بخطاب الناس بما يستطيعونه لا بما يشق عليهم، أو بما يمكنهم أن يفعلونه في زمن دون زمن؛ ولهذا الشريعة جاءت لكل زمان، ما جاءت لزمن يشتهر فيه العلم ثم ربما ينطفئ، أو كان قبل ذلك ليس بمعلوم.

الأمر الثاني: أن الشريعة جاءت بأمر الرؤية في مسألة الهلال لأجل جماعة المسلمين لا على اختلاف الحساب، وذلك أن جماعة المسلمين يتفقون على الرؤية لا يتفقون على الحساب، وذلك أن الحساب علم دقيق، وإدراك الناس واستيعابهم له من الأمور الشاقة، فإذا أراد الإنسان مثلاً أن يعلم غيره علم الحساب حتى يدرك أن الليلة رمضان شق عليه أن يبين للأفراد بخلاف الترائي، فإنه يستطيع أن يري الشخص الهلال لأنه رآه في موضع كذا في الأفق، فيستطيع الإنسان أن يجمع الناس في حال وقع النزاع في مثل هذا بخلاف الحساب.

ولهذا الشريعة تجمع وتيسر، وهذا شبيه بما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام في السنن -وقد اختلف فيه رفعاً ووقفاً- من قوله عليه الصلاة والسلام: ( ما بين المشرق والمغرب قبلة )،مع أن النبي عليه الصلاة والسلام قبلته في المدينة هي صوب الكعبة، حتى فيما بعد ذلك بعد ظهور العلم الدقيق في معرفة خطوط الطول والعرض، ومعرفة أمور التصويب والبوصلة وغير ذلك، وعرف أن قبلة النبي عليه الصلاة والسلام على هذا الأمر، وهي توقيفية قطعية.

فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: ( ما بين المشرق والمغرب قبلة ) ، تيسيراً للناس، مع أنهم قد يهتدون بالنجوم ويعرفون الصواب، ولهذا الإمام أحمد رحمه الله يكره الاهتداء بالنجم لتحديد القبلة؛ لماذا؟ لأنه ينافي مبدأ التيسير، وهذا ما يغفل عنه كثير من أهل الحساب أنهم يظنون أن الشريعة تشوفت إلى باب الدقة بعينها، في حين أن الشريعة ما تشوفت لباب الدقة بعينها، وإنما غلبت عليها التيسير مع الرغبة بإصابة الحق، ولهذا كانوا يتنكبون الحساب مع ظهوره وجلائه حتى في اتساع دولة الإسلام، حتى أنه لما ظهر الحساب في زمن الفتوحات في العراق والشام، وكذلك أيضاً في الأندلس وشاع ذلك كانوا ينكرون على من استعمله مع وجوده ودقته عندهم.

ولهذا قد حكى الإجماع على أنه لا عبرة بالحساب في دخول الشهر وانصرامه جماعة من العلماء كــابن المنذر ، و ابن عبد البر ، و النووي ، و ابن قدامة وغيرهم من الأئمة، ولا أعلم أحداً من السالفين يقول بالحساب، وإنما يروى هذا عن مطرف بن الشخير ، وقال بشذوذه غير واحد كــابن عبد البر رحمه الله في الاستذكار. وجاء أيضاً عن ابن قتيبة فإنه كان يقول به وليس أيضاً ممن يحفل بقوله في مسائل الخلاف في حال ورود الإجماع وثبوته، وجاء أيضاً هذا القول عن أبي العباس بن سريج وهو من فقهاء الشافعية، وقد أنكره عليه غير واحد من العلماء، ولهذا أبو بكر بن العربي عليه رحمة الله وهو من أئمة المالكية ذكر أنه يقول: بلغني عن بعض الفقهاء من الشافعية أنه يقول بالحساب فتتبعت ذلك فلم أجده حتى وجدت أن أبا العباس بن سريج يقول بذلك, وهي زلة قدم لا قوام معها، مع انتشار ذلك في زمنه وهو من أهل الأندلس, ويدركون معنى الحساب ويعرفونه وليسوا بأمة أمية يكتبون ويحسبون ويعرفون, وذلك لأن الشريعة تشوفت إلى هذا المقصد، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته ) , لأنه من أمر التيسير.

ومن الأدلة التي تؤكد ذلك: أن الشريعة أيضاً ضبطت أمر الصلوات وهي آكد من الصيام برؤية الشمس تطلع ثم تغرب، وهذا ارتباط بالرؤية ولم يربطك الشارع بالحساب، وذلك أن الفلكيين وأهل الحساب يقطعون بأن ما يراه الإنسان من ضوء الشمس والقمر أن هذه الاستدارة من القرص أو القطر ليس هو الفلك الحقيقي، وإنما هذا انعكاسه.

رؤية أهل الفلك في كيفية حساب الشهر

ولهذا حينما يتكلم مثلاً الفيزيائيون على مسألة انعكاس الضوء سواء في كأس الماء أو في الغلاف الجوي أو نحو ذلك، يقولون: إن هذا القطر الذي تراه ليس هو القطر الأصلي وإنما انعكاسه، فالذي ترى أنه في هذه الدائرة هو القمر ليس الجرم الأصلي وإنما انعكاسه، فما بين الضوء في وصوله إلى الإنسان من نحو ثمان دقائق وثلاثين ثانية أو أقل من ذلك بيسير، هل هذا الحساب معتبر؟ ما الذي تعتبره حركة القرص الأصلي أم الانعكاس الذي يكون في الجو؟

إذا كان على الحساب فعليك بالقرص الأصلي لا بالانعكاس؛ لأنك ترى القرص الأصلي أو ترى الانعكاس؟ ترى الانعكاس لا ترى القرص الأصلي؛ لماذا؟ لأنه يحجبك عنه انعكاس في غلاف الجو, وأنت داخل هذه الدائرة فترى ذلك الانعكاس، لو كان بمنازل القمر ومنازل الشمس لكان الحساب في ذلك مختلفاً؛ لأنك لا تحسب على ذلك الذي تراه وإنما على الجرم الأصلي لفارق الزمن.

ولهذا كثير من النجوم والكواكب التي نراها هي تجاوزت مكانها وربما انفجرت وزالت من مكانها, وإنما هذا الضوء جاءنا بعد ملايين السنين وهي التي نراها، إذاً: نحن معلقون بالجرم الأصلي ومنازله أو معلقون بما نرى؟ معلقون ومحكومون بما نرى.

ولهذا الشمس قد تغيب وهي ظاهرة من جهة الحقيقة، فيبقى قرصها وهي غائبة، وكذلك العكس، فهل نقول بعدم صحة الصلاة حال أدائها أو بوقت النهي بزواله وقدومه؟ لا. ولهذا نقول: إن الشريعة ربطت ذلك بما يراه الإنسان في الصلاة وهي آكد من الصيام، ولهذا أطبق السلف على ذلك، وأطبقوا على المنع من الاعتماد على الحساب.

وهنا مسألة لأحد أن يقولها، وهي: أن أهل الفلك لهم إصابة ودقة في هذا، نقول: الإصابة والدقة معلومة, والشريعة لم تفوت مثل هذه الإصابة والعلم بها، فهل يعطل علم الفلك بالإطلاق من جهة دخول الشهر وانصرامه؟ نقول: إن الفلكيين يمكن أن يستفاد منهم في النفي لا في الإثبات، فلا يعتد بقولهم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته ) ، من جهة إثبات الشهر لا في بقاء شعبان، وإنما في دخول رمضان، نقول: في حال النفي لا في حال الإثبات، وحال النفي على حالين عند الفلكيين:

الحالة الأولى: أنهم ينفون وجود الهلال في الفضاء، ويقولون: إنه غير موجود، بمعنى: أنه من جهة أخرى من الأرض، ويتفقون ويطبقون على هذا، فهل هذا يؤخذ به أو لا يؤخذ به؟ لا حرج من الأخذ به؛ لأنه يقابله الاستحالة, وذلك مثلاً حتى في باب الرؤية لو جاءنا رجل في نصف شعبان وقال: رأيت الهلال في يوم خمسة عشر من شعبان، هل يقبل منه هذا؟ لا يقبل منه هذا؛ لماذا؟ لاستحالة هذا الأمر ولو كان عدلاً واتهمناه في رأيه، لهذا نقول: إن الفلكيين في النفي على حالين:

الحالة الأولى: نفي وجود الهلال في الفضاء، فهذا يؤخذ بقولهم إذا اتفقوا.

الحالة الثانية: نفي الولادة مع وجوده في الفضاء أو نفي الرؤية، ومعنى نفي الرؤية أو الولادة، أن نقول: هو مولود لكن لا يمكن أن يرى بالعين المجردة، أو أنه موجود لكنه لم يولد وذلك لاختبائه، فنقول حينئذ لا يعتد بذلك، وذلك أنه حتى من جهة الرؤية وحسمها بالعين المجردة تختلف الرؤية في زمن الشتاء عن زمن الصيف، وتختلف أيضاً منازل القمر، وتختلف أيضاً قدرة الناس في رؤيته من عدمها.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (فاقدروا له)

قال رحمه الله: [ لقوله في حديث ابن عمر : ( فإن غم عليكم فاقدروا له ) ، متفق عليه، يعني: ضيقوا له العدة، من قوله: وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ [الطلاق:7]، أي: ضيق عليه، وتضييق العدة له أن يحسب شعبان تسعة وعشرين يوماً، وكان ابن عمر إذ حال دون ].

وهذا من مواضع الخلاف عند العلماء، وهنا في قوله: (لقوله في حديث ابن عمر : ( فإن غم عليكم فاقدروا له ) )، هذا جاء في حديث عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: ( فإن غم عليكم فاقدروا له ) .

واختلف العلماء في هذا المعنى, فمنهم من قال: فاقدروا له بمعنى: ضيقوا عليه، وهذا جاء تفسيره عن عبد الله بن عمر ، وقال به الإمام أحمد رحمه الله، وجمهور العلماء على أن المراد بذلك فاقدروا له من جهة إكمال شعبان ثلاثين، والمراد به: فاقدروا له من جهة العدد والتقدير لا من جهة التضييق، ومن قال بهذا وهذا له حجة من جهة اللغة، وله حجة من جهة السلف.

وجمهور العلماء على أنه في حال الغيم لا يصام, وإنما يكمل شعبان ثلاثين، ولكن ينبغي أن نبين مسألة قبل ذلك، وهي أن العلماء عليهم رحمة الله يفرقون بين صيام يوم الشك وبين صوم يوم الغيم، ما الفرق بين صيام يوم الشيك وصوم يوم الغيم؟

الفرق بين يوم الشك ويوم الغيم

صوم يوم الشك أن تكون السماء صحواً ولا يرى الهلال، فالثلاثون هو صوم يوم الشك وهو منهي عنه بالاتفاق، والنص في ذلك صريح، ( من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصا أبا القاسم )، وأما إذا كان ليلة الثلاثين حال غيم أو قتر عن رؤية الإنسان للهلال، فإنه يوم غيم يخرجه الحنابلة وبعض السلف من حكم يوم الشك، وجمهور العلماء يجعلونه يوم شك سواء كان حال دونه الغيم أو لم يحل دونه الغيم.

وعبد الله بن عمر عليه رضوان الله الذي كان يصوم يوم الغيم يفرق بينه وبين الشك، ويقول كما صح عنه عليه رضوان الله: لئن صمت العام أو الدهر كله لأفطرت اليوم الذي يشك فيه، مع أنه يصوم يوم الغيم، وصح ذلك عنه.

ولهذا نقول: إن يوم الغيم قد وقع فيه الخلاف، وأما يوم الشك في زمن الصحو فالسلف يتفقون على كراهة ذلك، وكذلك الأئمة الأربعة عليهم رحمة الله يتفقون على النهي عن صوم يوم الشك.

صوم يوم الغيم.. رؤية فقهية حديثية

أما صوم يوم الغيم, وهو الذي ذكره المصنف رحمه الله هنا بقوله: وعلى من حال دونهم ودون مطلعه غيم أو قتر، يعني: ليلة الثلاثين، فذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى استحباب صيامه, ويستدل على ذلك ببعض النصوص التي جاءت عن جماعة من السلف، وذلك أنه قد جاء عن عمر و عبد الله بن عمر ، وجاء أيضاً عن عائشة ، وجاء عن أسماء و معاوية ، وعن أبي هريرة ، وعن أنس بن مالك وغيره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صوم يوم الغيم في يوم الثلاثين.

وقد نقل عن الإمام أحمد عليه رحمة الله روايات ثلاث في صوم يوم الغيم، لكن الأشهر عنه والأصح هو الاستحباب، وجاء عنه الجواز، وجاء عنه الوجوب، والقول بالوجوب لا تثبت عنه عليه رحمة الله، ولا عن أحد أيضاً من تلامذته عليه رحمة الله.

وأصل الخلاف في ذلك الخلاف في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( فإن غم عليكم فاقدروا له ) ، فبعض العلماء حمل هذا المعنى على التضييق، أي: يضيق عليه فيجعله تسعاً وعشرين ويغلب جانب الثلاثين أنه من رمضان، وهذا قول عبد الله بن عمر .

ومن المرجحات عند من قال بهذا القول: أن ابن عمر هو راوي الخبر وهو أدرى بمعناه، وقد وافقه على ذلك جماعة من الصحابة عليهم رضوان الله تعالى على هذا المعنى، وهذا له حظ من النظر, وذلك أنه قد قال به جماعة من السلف كما تقدم، ويأتي الكلام عليه بإذن الله تعالى.

وجمهور العلماء على أنهم يقولون: ( فاقدروا له ) يعني: أكملوا شعبان ثلاثين يوماً، وهذا الذي ذهب إليه الجماهير.

وقد جاءت بعض الروايات التي تعضد قول عبد الله بن عمر والرواية عن الإمام أحمد عليه رحمة الله في هذا، وذلك أنه جاء عند الإمام مسلم رحمه الله من حديث عبيد الله عن نافع عن عبد الله بن عمر: ( فاقدروا له ثلاثين ) ، قالوا: إن رمضان إذا أراد الإنسان أن يجعله ثلاثين يوماً فإنه يبكر بصيامه، أو يجعل شعبان تاماً؟ يبكر به، قالوا: وهذه قرينة.

ومنهم من حملها على العكس، قالوا: ( فاقدروا له ) أي: اقدروا لشعبان لا لرمضان، ولكن ظاهر الخبر أنه فاقدروا لرمضان؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته ) ، فمنهم من حمل الضمير على رمضان، ومنهم من حمل الضمير على شعبان.

وقد جاء ما يؤيد هذه الرواية التي يرويها عبيد الله عن نافع عن عبد الله بن عمر عند البخاري رحمه الله في كتابه الصحيح قال: ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ) ، فهذه تحمل المعنى على التقدير, أي: بالزيادة بالإكمال على قول جمهور العلماء لا على قول عبد الله بن عمر ، جاء ذلك في صحيح البخاري من حديث آدم بن أبي إياس يرويه عن شعبة بن الحجاج عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ) ، وهذا رواه البخاري في الصحيح. وجاء في الصحيح من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: ( فأكملوا العدة ثلاثين ) ، ولم يذكر شعبان.

وأما ما جاء في رواية عبد الله بن عمر عند الإمام مسلم من حديث عبيد الله عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: ( فاقدروا له ثلاثين ) ، جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر قال: ( فاقدروا له ) ، ولم يذكر الثلاثين.

وهذا من مواضع الخلاف عند العلماء, فمنهم من يقول بثبوت ذكر شعبان، ومنهم من يقول بأن ذكر شعبان غير محفوظ وشاذ، وكذلك منهم من يقول إن الثلاثين أيضاً غير محفوظة، وأن الثابت في الخبر هو فاقدروا له, وهذا أيضاً من القرائن التي منهم من يحتج بها على هذا القول، ومنهم من لا يحتج بها على هذا القول.

وأما الإمام أحمد رحمه الله فعمدته في صوم يوم الغيم ما جاء في المرويات عن السلف, والإمام أحمد رحمه الله في ترجيحه دائماً ما ينزع في مسائل الخلاف إلى أقوال الصحابة عليهم رضوان الله تعالى، وهذا من مفاريد مذهب الإمام أحمد في مخالفة جمهور الفقهاء، وذهب جماعة من أصحابه إلى الدفاع عنه في ذلك، وصنف جماعة من الحنابلة في هذه المسألة, فصنف أبو الفرج ابن الجوزي رسالة سماها كشف اللوم والضيم في حكم صوم يوم الغيم، وكذلك ابن عبد الهادي رحمه الله له رسالة في حكم صوم يوم الغيم والشك، ويميلون إلى ترجيح قول الإمام أحمد رحمه الله.

ونقول: إنه إذا حال دون ذلك غيم أو قتر فإنه يصام لظواهر ما جاء عن السلف, وهو شبيه بقول جمهورهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي في ذلك أنه جاء عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى، وجاء عن غيره كما يأتي.

الخلاف في صوم يوم الغيم