أصول في تفسير السلف [3]


الحلقة مفرغة

الدليل العقلي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

أما الدليل العقلي فلو أن شخصاً لم يلق أرسطو وشرح كتابه ولكنه في شرحه لهذا الكتاب خالف تلميذ أرسطو فإنه يقدم تلميذ أرسطو الذي شرح كتاب شيخه على هذا المتأخر من باب العقل.

كذلك نفس القضية القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قرأه على الصحابة، والصحابة اختصوا بأحوال؛ فهذه الأحوال التي اختصوا بها هم أدرى بالخطاب من غيرهم.

فإذا ورد عن الصحابي قول في التفسير فإنه يؤخذ به.

فهذا الدليل العقلي لأن كثيراً من الناس لا ينفع معه الأسلوب الخطابي، يعني مثلاً الأسلوب الخطابي لما تقرأ كتاب ابن رجب " فضل علم السلف على الخلف " هذا الكتاب كتاب إنشائي خطابي، ما فيه تحرير علمي على مسائل معينة، إنه انظر كيف فهم هؤلاء، وانظر كيف فهم هؤلاء، وهؤلاء فهمهم هو الصواب لكذا وكذا، وهذا نحتاجه ولكنه صعب؛ يحتاج إلى أن نبحث في تفسير السلف وتفسير الخلف، كيف فهم المتقدمون من السلف وكيف فهم المتأخرون، وأيهما أدق وأسلم وأولى مع السياق ومع اللغة؛ ودائماً سنجد إنه تفسير السلف أقرب بكثير من تفسيرات المتأخرين، لكن هذا نقوله خطبياً وإنشائياً، لكننا نحتاج إلى بحث علمي خاص في هذه المسألة، نأتي بآيات ونقول: هذه الآية قال فيها فلان كذا، وهكذا قال المتأخرون، ثم نناقش هذه القضية علمياً مباشرة.

فالاعتبار الأول الدليل العقلي.

معرفتهم بأحوال التنزيل

أما الاعتبار الثاني: فمعرفتهم بالأحوال التي ترتبط بالقرآن، فهناك أحوال خاصة بالصحابة لا يشاركهم فيها أحد؛ بسبب رؤيتهم للرسول صلى الله عليه وسلم ومشاهداتهم للتنزيل، فهذا يعطيهم قدرة على التفسير لا يمكن أن تكون لمن بعدهم إطلاقاً.

نذكر دليلاً عقلياً آخر: فمثلاً حين نأتي إلى بعض العلماء الذين لهم شروحات في الأشرطة ولم نقابلهم، ثم نأتي إلى طلاب هذا الشيخ؛ واحد تعلم على أشرطة وواحد تعلم بين يدي الشيخ، فإن أكثرهم فهماً وإدراكاً لمسائل الشيخ، لا شك أنه الذي تعلم مباشرة.

فالمقصد من هذا إن الذي يشاهد يدرك ما لا يدركه الغائب.

وقد أشار الشاطبي رحمه الله تعالى إلى هذه الحيثية، التي حيثية المشاهدة وهو يتكلم عن حجية بيان الصحابة للقرآن؛ فذكر في سبب حجية قولهم مباشرتهم للوقائع والنوازل، وتنزيل الوحي بالكتاب والسنة؛ فهم أعرف بفهم القرائن الحالية وأعرف بأسباب النزول ويدركون ما لا يدركه غيرهم بسبب ذلك، والشاهد يرى ما لا يراه الغائب؛ فمتى جاء عنهم تقييد بعض المطلقات أو تخصيص بعض العمومات؛ فالعمل عليه على الصواب، وهذا إن لم ينقل عن أحدهم خلاف في المسألة؛ فإن خالف بعضهم؛ فالمسألة اجتهادية، فالصحابة أدرى وأقرب إلى أحوال القرآن وقرائنه الحالية ممن جاء متأخراً بعده.

ومن الأحوال التي تحف بالخطاب:

أولاً: أسباب النزول؛ فإن أسباب النزول غابت عن المتأخر؛ وفي فهم التفسير يتأثر بها.

وهنا قاعدة وهي: كل مفسر يفسر القرآن دون أن يكون عنده علم بأسباب النزول؛ فإنه سيقع عنده خلل في التفسير لا محالة؛ لأنه إذا لم يعتمد على سبب النزول فلن يعتمد إلا على اللغة وإذا اعتمد على اللغة؛ فإنه سيذكر شيئاً من المحتملات قد يكون صحيحاً من جهة اللغة ولكن ليس المراد من جهة النص القرآني، وسنذكر مثلاً لذلك.

ثانياً: فهم عادات من نزل فيهم الخطاب فإنه له أثراً في التفسير ولا يعرف عادات القوم سوى نفسهم فالصحابة والتابعون عاصروا شيئاً مما بقي من هذه العادات.

ثالثاً: مصطلح الشارع، ومن هو الأقرب إلى معرفة مصطلح الشارع؛ المتقدم الذي عاصر التنزيل أدرى وأقرب إلى مصطلحات الشارع.

علمهم باللغة

قضية ثالثة وهي: علمهم بلغة القرآن، فالصحابة والتابعون وأتباع التابعين لا شك أنهم أعلم باللغة ممن بعدهم فلو نظرنا إلى الصحابة، فهم أصحاب اللغة، ويؤخذ كلامهم علامة وحجة لغوية، فلو أردنا أن نثبت قضية معنى أو لفظ إنه عربي، وقلنا: قال ابن عباس كذا، فكلامه بذاته حجة من جهة العربية كذلك التابعون؛ كثير من التابعين أصولهم عربية، والموالي دخلوا في العرب من هذا الباب، فلا يذكر لأحد منهم أنه فسر القرآن بعجمه ولو كان أعجمياً؛ فعلى سبيل المثال: عكرمة مولى ابن عباس، أصله ولكن لم يثبت أن عكرمة فسر لفظاً من العربية بغير لغة العرب وكذلك عطاء بن أبي رباح لم يفسر لفظاً من القرآن بغير لغة العرب فصار هؤلاء وإن كانت أصولهم غير عربية لكنهم صاروا عرباً بالمخالطة، ولا يوجد أبداً في تفسيراتهم تأثيرات لغوية من غير اللغة العربية فنقبل تفسيرهم ونقبل الحجة على أنه أيضاً عربي.

وكذلك أتباع التابعين مثل التابعين في هذا المجال؛ لأنه لا يذكر لأحد منهم أنه فسر القرآن بغير اللغة أو اعتمد لغة غير لغة العرب في تفسيره للقرآن.

فكل ما ورد في هذه الطبقات الثلاث فإنه يعتبر حجة ويعتمد عليه.

وحين ننظر إلى جيل أتباع التابعين؛ بخلاف أهل البدع، فعلى سبيل المثال المعتزلة لما جاءوا إلى قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]؛ اخترعوا معنى جديداً فقالوا: (استوى) بمعنى "استولى" ولهذا ابن أبي دؤاد لما سأل ابن الأعرابي اللغوي هل تجد في لغة العرب استوى بمعنى استولى فقال: لا.

إذاً فتفسير استوى بمعنى استولى تفسير حادث ليس من اللغة؛ وإنما هو عند أهل البدع، لكن في هذه الطبقات الثلاث لا يمكن أن نجد أن واحداً منهم فسر القرآن بغير لغة العرب.

قضية ثانية تحتاج إلى تأمل؛ وهي أن أصحاب الطبقات الثلاث حين يفسرون بلغة العرب، فإنه يفسر بلغته فلا يحتاج إلى أن يتعلم اللغة لكي يفسر بها لأنها عنده ولهذا فمثلاً ابن عباس رضي الله عنه لما سئل عن قوله سبحانه وتعالى: أَتَدْعُونَ بَعْلًا [الصافات:125]، ما البعل؟ وكان رجل من أهل اليمن يقود بقرة فقال: من بعل هذه البقرة؟ فناداه؛ قال: ممن الرجل؟ قال: من اليمن؛ قال: أجابك هذا الرجل؛ والمراد من سيدها وصاحبها؟

فقوله تعالى: أَتَدْعُونَ بَعْلًا [الصافات:125]؛ أي: أتدعون رباً غير الله، وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ [الصافات:125].

فالمقصد أن أصحاب القرون الثلاثة لم يكونوا بحاجة إلى تعليم اللغة بل كانوا يأخذونها من خلال المخالطة.

أما بالنسبة للمتأخرين فإن اللغة تتعلم أو يبحث عنها، وهذا فرق واضح بين هذه الطبقات وبين من جاء بعدهم.

فأهل اللغة نجد أنهم قعدوا قواعد اللغة وذكروا المفردات؛ بناءً على ما تنوقل وسمع عن العرب، ثم من جاء بعدهم بفترة صاروا يعتمدون على المنقول من اللغة عن هؤلاء.

رابعاً: سلامتهم من آفات الاعتقاد الخاطئة؛ لأن هذه الطبقات الثلاث بالذات لا نجد عندهم انحرافاً وإن كان وجد من الأفراد لكن من حيث جمهورهم لا نجد عندهم الاعتقادات أثرت على التفسير وحرفت المعاني، فلا يوجد اعتقادات مسبقة وإنما يأخذون من النص.

قد يقول قائل: إننا نجد في تفسير السلف قضايا مرتبطة بالاعتقاد وفيها خلاف؟! فنقول: هذا الاختلاف الوارد في تفسير السلف، ليس مبنياً على اعتقاد سابق وإنما هو مأخوذ من النص لنأخذ مثالاً عن ذلك:

ابن عباس رضي الله عنه كان يقول: بأن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه في المعراج، وجمهور الصحابة على خلافه؛ فـابن عباس حين قال بهذا القول لم يكن معتقداً اعتقاداً سابقاً وإنما اعتمد على النص.

وهو قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى [النجم:13]، والصحيح أن الذي رؤي هو جبريل و ابن عباس رضي الله عنه كان يرى أنه الرب سبحانه وتعالى، والسلف يرون أنه جبريل.

فـابن عباس أخذ قوله من النص مباشرة.

مثال آخر لـابن عباس وتلاميذه: في قوله سبحانه وتعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ [القلم:42]، ابن عباس فسر الساق هنا بأن المراد به الشدة والكربة، وكذلك فسرها تلاميذه، فهم فسروا هذا وليس عندهم اعتقاد بنفي الساق عن الرب أصلاً بل حملوا هذه الآية على هذا المعنى؛ لأنهم نظروا إلى اللفظة من جهة لغوية وسياقية.

بخلاف المتأخرين، فإنهم لا يثبتون الساق للرب سبحانه وتعالى لا في الحديث ولا في الآيات؛ فمن فسر مثل ما فسر ابن عباس نقول له: حرفت، فسيقول: أنا فسرت مثل تفسير ابن عباس ؛ فنقول: أنت فسرت مثله في السورة ومخالف له في الحقيقة؛ لأن هؤلاء يثبتون الساق وأنت لا تثبتها أصلاً، وهذا مما ينبغي التنبه له وهو أن العبارات التي يتفق فيها أهل التأويل من المتأخرين مع عبارات السلف في التفسير؛ لا يلزم منه أنهم يتفقون في الأصل؛ لأن أصل السلف على الإثبات وأصل أهل التأويل على النفي؛ وهذا يعني حل هذه الإشكالية في الآية، لا نحتاج فيها إلى أنه يعمل فيها كتاب أو ينبه على ضعف الآثار عن ابن عباس في هذا نقول ابن عباس نفى الساق هنا ولكنه من حيث الأصل يثبته؛ فلذا بعض من جهل أسلوب السلف أو جهل التعامل مع السلف قال: ابن عباس يؤول، فنقول: لا، لا يؤول؛ لأنه لا يؤول إلا من نفى، ينفي ثم يؤول، أما ابن عباس لم يؤول أصلاً، وقس على هذا غيره من الأمثلة.

المقصد من هذا إنا ننتبه إلى مسألة نظرهم إلى اللغة، أن النظر هنا إلى اللغة وأنه لم يكن لديهم اعتقادات مسبقة ثم يذهبون للقرآن ويبحثون عن أدلته، وإنما كانوا ينطلقون من النص القرآني ويفسرونه مباشرة.

حسن فهمهم للقرآن

آخر مسألة نأخذها: حسن فهمهم للقرآن، لنذكر مثالاً واحداً وستأتي الإشارة إليه:

قوله سبحانه وتعالى: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ [البقرة:49]، ابن جريج رحمه الله تعالى لما جاء يفسر هذه الآية؛ قال: وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ [البقرة:49]، قال: يسترقون نساءكم، فجعل الاستحياء بمعنى الاسترقاق، يعني يجعلوهن رقيقاً.

فلو جئنا نبحث الآية بحثاً لغوياً، فلا نجد في لغة العرب استحياء المرأة بمعنى استرقاقها؛ ولهذا الطبري رحمه الله تعالى اعترض على ابن جريج فقال: وهذا لا يعلم، لا في اللغة العربية ولا العجمية أن استحيا بمعنى استرق، وما قاله الطبري رحمه الله تعالى صحيح، ولكن أراد ابن جريج أن يفسر الاستحياء هنا من جهة المعنى لأنه لو نظرنا ما هي نتيجة استحياء فرعون النساء. فالنتيجة النهائية الاسترقاق.

فـابن جريج عبر عن النتيجة التي تؤول إليها هذه القضية التي هي استحياء النساء، واللفظ القرآني يساعده؛ فإنه قال: يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ [البقرة:49]، ولما جاء المقابل؛ ما قال: ويستحيون فتياتكم أو بناتكم.. وإنما قال: وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ [البقرة:49]؛ إشارة إلى أنهم يريدوهن لهذا المآل؛ إنه يكن كبيرات ثم يستخدمن رقيقاً، إذا تأملناه بهذه الصورة، فهذا يدل على حسن فهم فهذا يدل على أننا نحتاج بالفعل إلى أن نتفهم أقوال هؤلاء السلف، الذين هم طبقة الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، فهذه خمس حيثيات وإن كان البحث يمكن أن يزاد على ذلك، لكن هذه خمس حيثيات تجعلنا نرجع إلى تفسير هؤلاء وأن نعتني به، وسيأتينا إن شاء الله حيثيات في بعض القضايا اللاحقة.

كذلك أيضاً منها تفسير ابن عباس و عمر لقوله: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] وهي دالة على حسن الفهم.

أمثلة على ما سبق من السبب في الرجوع إلى تفسير السلف

نأخذ بعض الأمثلة في بعض القضايا المرتبطة بما سبق؛ نأخذ مثالاً على سبب النزول، وهو مثال مشهور نذكره؛ لأنه يبين لنا بالفعل هذه القضية، لأنها مرتبطة بسبب النزول ومرتبطة بعادات العرب؛ ففي قوله سبحانه وتعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]، فلو أننا أخذنا بظاهر النص في قوله: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]؛ فهمنا مثلما فهم عروة ، فـعروة يقول: فما أرى على أحد شيئاً ألا يطوف بهما؛ لقوله تعالى: فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البقرة:158]؛ فكأنه قال: سواء تطوف أو لم يتطوف فالمسألة واحدة، وهذا ظاهر النص، ونفهم خلاف هذا الفهم بسبب النزول، فـعائشة قالت له: ( كلا، لو كان كما تقول؛ لكانت: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما قال: إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد وكانوا يتحرجون بين الصفا والمروة؛ فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية ) فهذا كلام للحال التي سأل عنها الأنصار؛ وأنكم إن تطوفتم فإنها داخلة في الشعائر وليس كما تظنون.

فعندنا في هذا سبب نزول ومعرفة بعادات العرب، و عروة مع قربه من هذه العادة، قد يكون ما سمع بها، لكنه واضح إنه وقع عنده الخلل في هذه المسألة من هذه الجهة.

مثال آخر فيما يتعلق باللغة وراجع أيضاً إلى قضية معرفة قصص الآي:

أبو عبيدة معمر بن المثنى ذكر في مجازه تفسير قوله سبحانه وتعالى: وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ [الأنفال:11] يقول عنه الطبري : وقد زعم بعض أهل العلم بالغليب من أهل البصرة أن مجاز قوله: وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ [الأنفال:11]: ويفرغ عليهم الصبر.

فلو أخذناه من جهة اللغة، لو إن إنسان سأل الله سبحانه وتعالى بقوله: اللهم ثبت قدمي، بمعنى: أفرغ علي الصبر، فهذه المعنى من جهة صحيح، لكن في قوله: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ [الأنفال:11]، فالمطر لتثبيت الأقدام بالمطر ولا يتناسب تفسير تثبيت الأقدام بإفراغ الصبر هنا لأنه لو رجعنا إلى قصة الآية لتبين لنا.

ولهذا قال الطبري : "وذلك قول خلاف لقول جميع أهل التأويل من الصحابة والتابعين، وحسب قول خطأً أن يكون خلافاً لقول من ذكرنا وقد بينا أقوالهم فيه، وأن معناه: ويثبت أقدام المؤمنين بتلبيد المطر الرمل حتى لا تسوخ فيه أقدامهم وحوافر دوابهم" إذاً المراد بالأقدام: الأقدام التي يمشى عليها.

والخلل الذي وقع فيه أبو عبيدة هنا هو أن أحد الأحوال مرتبط بالآية لم يكن عنده؛ فذهب إلى مصدر صحيح معتبر، ولكنه ليس هو المراد هنا؛ ففي نقص في المصادر فوقع فيه إشكال، عنده مصدر صحيح معتبر، ولكنه ليس المراد في هذا المكان؛ فاختل التفسير.

مثال آخر قريب من هذا:

في قوله سبحانه وتعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، فقوله: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189] الوارد عن السلف مثل ما ذكر البراء قال: كان الأنصار إذا حجوا ورجعوا لم يدخلوا البيوت إلا من ظهورها.. قال: فجاء رجل من الأنصار فدخل من باب؛ فقيل له في ذلك؛ فنزلت هذه الآية: وَلَيْسَ الْبِرُّ [البقرة:189].

فعندنا عادة من عادات العرب أو صار بشأنها سبب نزول، فسبب النزول مرتبط بعادة من عادات العرب، لكن أبو عبيدة معمر بن المثنى لما جاء إلى هذه الآية ذهب إلى أنه مثل ضرب لهم، قال: ليس البر بأن تسألوا الجهال ولكن اتقوا الله واسألوا العلماء فـأبو عبيدة قال بهذا لقوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189] فلقضية عنده مرتبطة بالسؤال؛ فكأنه يشير إلى هذا أنه اسألوا العلماء ولا تسألوا الجهال، وقول أبي عبيدة من جهة السياق محتمل، لكن سبب النزول يرده.

وأبعد من قول أبي عبيدة قول آخر في نفس الآية وهو منسوب إلى ابن الأنباري ، أنه قال: إن الآية مثل في جماع النساء، في الأمر بإتيانهن في القبل لا في الدبر، قال: وسمى النساء بيوتاً للإيواء إليهن كالإيواء إلى البيوت.

فهذا المعنى لو أننا ركبناه مع الآية فإنه بعيد جداً لا علاقة له بالآية، فالآية مرتبطة بالحج؛ فلا علاقة لجماع النساء بهذه الآية؛ ولهذا قال ابن عطية : وهذا بعيد مغير نمط الكلام يعني مخالف للسياق إطلاقاً؛ فالخلل جاء في مثل هذا التفسير؛ لأن شيئاً من الملابسات لم يكن عند من فسر به، فاجتزها الآية وفسر هذا المقطع بما يتناسب مع هذا المقطع فيما لو لم يكن في هذا المكان لقبل، ولكنه في هذا السياق لا يمكن أن يكون هو المراد.

ولو قلنا بأنه تفسير إشاري فهذا يبني عليه معنى لا يصلح ولا يتناسق مع الآية إطلاقاً، فالتفسير الإشاري يكون بعد بيان المعنى للآية، فصورة التفسير الإشاري ليس هذا محلها؛ وهذا خطابي يعني إنشائي قد لا يقبله كل أحد، لكن لأننا مقتنعون بفضل السلف، فلما نسمع هذا الكلام فلا إشكال فيه، لكن المخالف لو تقول له هذا الكلام لا يتأثر به؛ فيحتاج إلى قضايا علمية.

مقولة مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم

آخر قضية نشير إليها سريعاً قضية مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم، سواء في التفسير أو في الزهد أو في العبادة أو في الفقه.. إلخ؛ فإنه يؤخذ عنهم، وهناك شبهة مقولة: مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أحكم، وهذه غريبة جداً ومتناقضة في ذاتها، وأتعجب كيف يقول بها بعض من وهبه الله سبحانه وتعالى علماً، والصحيح بالفعل هو مذهب السلف في التفسير أو غيره، أسلم وأعلم وأحكم، وكل هذه الأوصاف إنما هي لعلم السلف، فكثير مع الأسف ممن يقرأ في تفسير السلف لا يفهمه، ولهذا يعرض عنه ويرى أنه كلام فيه شيء من السذاجة، وأحسنهم حالاً، يذكر قولهم من باب الفضل فقط، ثم يترك أقوالهم ويبدأ بالتحريرات المتأخرة.

وقد أشار الراغب الأصفهاني إلى شيء من هذه المسألة فيقول: ومن حق من تصدى للتفسير أن يكون مستشعراً لتقوى الله، مستعيذاً من شرور نفسه والإعجاب بها؛ فالإعجاب أس كل فساد، وأن يكون اتهامه لفهمه أكثر من اتهامه لفهم أسلافه الذين عاشروا الرسول صلى الله عليه وسلم، وشاهدوا التنزيل.

ولهذا مع الأسف نحن أحياناً ندخل في الذين قال الله سبحانه وتعالى عنهم: فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا [الأنعام:44] من العلم، وبالفعل فبعض الأحيان لما تقرأ لبعض المتأخرين خصوصاً بعض المعاصرين وهو يعرض بعض القضايا المرتبطة بالتفسير ويعرض كلام السلف، ثم يتركه جانباً ويعرض ما يرى أنه هو الصحيح من التفسير؛ تحس بالفعل أنه دخلته هذه الآفة، آفة العجب والفرح بما أوتي؛ مع أنه في التحرير العلمي الدقيق تجد أن قوله بعيد كل البعد عن التفسير الصحيح.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

أما الدليل العقلي فلو أن شخصاً لم يلق أرسطو وشرح كتابه ولكنه في شرحه لهذا الكتاب خالف تلميذ أرسطو فإنه يقدم تلميذ أرسطو الذي شرح كتاب شيخه على هذا المتأخر من باب العقل.

كذلك نفس القضية القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قرأه على الصحابة، والصحابة اختصوا بأحوال؛ فهذه الأحوال التي اختصوا بها هم أدرى بالخطاب من غيرهم.

فإذا ورد عن الصحابي قول في التفسير فإنه يؤخذ به.

فهذا الدليل العقلي لأن كثيراً من الناس لا ينفع معه الأسلوب الخطابي، يعني مثلاً الأسلوب الخطابي لما تقرأ كتاب ابن رجب " فضل علم السلف على الخلف " هذا الكتاب كتاب إنشائي خطابي، ما فيه تحرير علمي على مسائل معينة، إنه انظر كيف فهم هؤلاء، وانظر كيف فهم هؤلاء، وهؤلاء فهمهم هو الصواب لكذا وكذا، وهذا نحتاجه ولكنه صعب؛ يحتاج إلى أن نبحث في تفسير السلف وتفسير الخلف، كيف فهم المتقدمون من السلف وكيف فهم المتأخرون، وأيهما أدق وأسلم وأولى مع السياق ومع اللغة؛ ودائماً سنجد إنه تفسير السلف أقرب بكثير من تفسيرات المتأخرين، لكن هذا نقوله خطبياً وإنشائياً، لكننا نحتاج إلى بحث علمي خاص في هذه المسألة، نأتي بآيات ونقول: هذه الآية قال فيها فلان كذا، وهكذا قال المتأخرون، ثم نناقش هذه القضية علمياً مباشرة.

فالاعتبار الأول الدليل العقلي.

أما الاعتبار الثاني: فمعرفتهم بالأحوال التي ترتبط بالقرآن، فهناك أحوال خاصة بالصحابة لا يشاركهم فيها أحد؛ بسبب رؤيتهم للرسول صلى الله عليه وسلم ومشاهداتهم للتنزيل، فهذا يعطيهم قدرة على التفسير لا يمكن أن تكون لمن بعدهم إطلاقاً.

نذكر دليلاً عقلياً آخر: فمثلاً حين نأتي إلى بعض العلماء الذين لهم شروحات في الأشرطة ولم نقابلهم، ثم نأتي إلى طلاب هذا الشيخ؛ واحد تعلم على أشرطة وواحد تعلم بين يدي الشيخ، فإن أكثرهم فهماً وإدراكاً لمسائل الشيخ، لا شك أنه الذي تعلم مباشرة.

فالمقصد من هذا إن الذي يشاهد يدرك ما لا يدركه الغائب.

وقد أشار الشاطبي رحمه الله تعالى إلى هذه الحيثية، التي حيثية المشاهدة وهو يتكلم عن حجية بيان الصحابة للقرآن؛ فذكر في سبب حجية قولهم مباشرتهم للوقائع والنوازل، وتنزيل الوحي بالكتاب والسنة؛ فهم أعرف بفهم القرائن الحالية وأعرف بأسباب النزول ويدركون ما لا يدركه غيرهم بسبب ذلك، والشاهد يرى ما لا يراه الغائب؛ فمتى جاء عنهم تقييد بعض المطلقات أو تخصيص بعض العمومات؛ فالعمل عليه على الصواب، وهذا إن لم ينقل عن أحدهم خلاف في المسألة؛ فإن خالف بعضهم؛ فالمسألة اجتهادية، فالصحابة أدرى وأقرب إلى أحوال القرآن وقرائنه الحالية ممن جاء متأخراً بعده.

ومن الأحوال التي تحف بالخطاب:

أولاً: أسباب النزول؛ فإن أسباب النزول غابت عن المتأخر؛ وفي فهم التفسير يتأثر بها.

وهنا قاعدة وهي: كل مفسر يفسر القرآن دون أن يكون عنده علم بأسباب النزول؛ فإنه سيقع عنده خلل في التفسير لا محالة؛ لأنه إذا لم يعتمد على سبب النزول فلن يعتمد إلا على اللغة وإذا اعتمد على اللغة؛ فإنه سيذكر شيئاً من المحتملات قد يكون صحيحاً من جهة اللغة ولكن ليس المراد من جهة النص القرآني، وسنذكر مثلاً لذلك.

ثانياً: فهم عادات من نزل فيهم الخطاب فإنه له أثراً في التفسير ولا يعرف عادات القوم سوى نفسهم فالصحابة والتابعون عاصروا شيئاً مما بقي من هذه العادات.

ثالثاً: مصطلح الشارع، ومن هو الأقرب إلى معرفة مصطلح الشارع؛ المتقدم الذي عاصر التنزيل أدرى وأقرب إلى مصطلحات الشارع.

قضية ثالثة وهي: علمهم بلغة القرآن، فالصحابة والتابعون وأتباع التابعين لا شك أنهم أعلم باللغة ممن بعدهم فلو نظرنا إلى الصحابة، فهم أصحاب اللغة، ويؤخذ كلامهم علامة وحجة لغوية، فلو أردنا أن نثبت قضية معنى أو لفظ إنه عربي، وقلنا: قال ابن عباس كذا، فكلامه بذاته حجة من جهة العربية كذلك التابعون؛ كثير من التابعين أصولهم عربية، والموالي دخلوا في العرب من هذا الباب، فلا يذكر لأحد منهم أنه فسر القرآن بعجمه ولو كان أعجمياً؛ فعلى سبيل المثال: عكرمة مولى ابن عباس، أصله ولكن لم يثبت أن عكرمة فسر لفظاً من العربية بغير لغة العرب وكذلك عطاء بن أبي رباح لم يفسر لفظاً من القرآن بغير لغة العرب فصار هؤلاء وإن كانت أصولهم غير عربية لكنهم صاروا عرباً بالمخالطة، ولا يوجد أبداً في تفسيراتهم تأثيرات لغوية من غير اللغة العربية فنقبل تفسيرهم ونقبل الحجة على أنه أيضاً عربي.

وكذلك أتباع التابعين مثل التابعين في هذا المجال؛ لأنه لا يذكر لأحد منهم أنه فسر القرآن بغير اللغة أو اعتمد لغة غير لغة العرب في تفسيره للقرآن.

فكل ما ورد في هذه الطبقات الثلاث فإنه يعتبر حجة ويعتمد عليه.

وحين ننظر إلى جيل أتباع التابعين؛ بخلاف أهل البدع، فعلى سبيل المثال المعتزلة لما جاءوا إلى قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]؛ اخترعوا معنى جديداً فقالوا: (استوى) بمعنى "استولى" ولهذا ابن أبي دؤاد لما سأل ابن الأعرابي اللغوي هل تجد في لغة العرب استوى بمعنى استولى فقال: لا.

إذاً فتفسير استوى بمعنى استولى تفسير حادث ليس من اللغة؛ وإنما هو عند أهل البدع، لكن في هذه الطبقات الثلاث لا يمكن أن نجد أن واحداً منهم فسر القرآن بغير لغة العرب.

قضية ثانية تحتاج إلى تأمل؛ وهي أن أصحاب الطبقات الثلاث حين يفسرون بلغة العرب، فإنه يفسر بلغته فلا يحتاج إلى أن يتعلم اللغة لكي يفسر بها لأنها عنده ولهذا فمثلاً ابن عباس رضي الله عنه لما سئل عن قوله سبحانه وتعالى: أَتَدْعُونَ بَعْلًا [الصافات:125]، ما البعل؟ وكان رجل من أهل اليمن يقود بقرة فقال: من بعل هذه البقرة؟ فناداه؛ قال: ممن الرجل؟ قال: من اليمن؛ قال: أجابك هذا الرجل؛ والمراد من سيدها وصاحبها؟

فقوله تعالى: أَتَدْعُونَ بَعْلًا [الصافات:125]؛ أي: أتدعون رباً غير الله، وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ [الصافات:125].

فالمقصد أن أصحاب القرون الثلاثة لم يكونوا بحاجة إلى تعليم اللغة بل كانوا يأخذونها من خلال المخالطة.

أما بالنسبة للمتأخرين فإن اللغة تتعلم أو يبحث عنها، وهذا فرق واضح بين هذه الطبقات وبين من جاء بعدهم.

فأهل اللغة نجد أنهم قعدوا قواعد اللغة وذكروا المفردات؛ بناءً على ما تنوقل وسمع عن العرب، ثم من جاء بعدهم بفترة صاروا يعتمدون على المنقول من اللغة عن هؤلاء.

رابعاً: سلامتهم من آفات الاعتقاد الخاطئة؛ لأن هذه الطبقات الثلاث بالذات لا نجد عندهم انحرافاً وإن كان وجد من الأفراد لكن من حيث جمهورهم لا نجد عندهم الاعتقادات أثرت على التفسير وحرفت المعاني، فلا يوجد اعتقادات مسبقة وإنما يأخذون من النص.

قد يقول قائل: إننا نجد في تفسير السلف قضايا مرتبطة بالاعتقاد وفيها خلاف؟! فنقول: هذا الاختلاف الوارد في تفسير السلف، ليس مبنياً على اعتقاد سابق وإنما هو مأخوذ من النص لنأخذ مثالاً عن ذلك:

ابن عباس رضي الله عنه كان يقول: بأن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ربه في المعراج، وجمهور الصحابة على خلافه؛ فـابن عباس حين قال بهذا القول لم يكن معتقداً اعتقاداً سابقاً وإنما اعتمد على النص.

وهو قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى [النجم:13]، والصحيح أن الذي رؤي هو جبريل و ابن عباس رضي الله عنه كان يرى أنه الرب سبحانه وتعالى، والسلف يرون أنه جبريل.

فـابن عباس أخذ قوله من النص مباشرة.

مثال آخر لـابن عباس وتلاميذه: في قوله سبحانه وتعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ [القلم:42]، ابن عباس فسر الساق هنا بأن المراد به الشدة والكربة، وكذلك فسرها تلاميذه، فهم فسروا هذا وليس عندهم اعتقاد بنفي الساق عن الرب أصلاً بل حملوا هذه الآية على هذا المعنى؛ لأنهم نظروا إلى اللفظة من جهة لغوية وسياقية.

بخلاف المتأخرين، فإنهم لا يثبتون الساق للرب سبحانه وتعالى لا في الحديث ولا في الآيات؛ فمن فسر مثل ما فسر ابن عباس نقول له: حرفت، فسيقول: أنا فسرت مثل تفسير ابن عباس ؛ فنقول: أنت فسرت مثله في السورة ومخالف له في الحقيقة؛ لأن هؤلاء يثبتون الساق وأنت لا تثبتها أصلاً، وهذا مما ينبغي التنبه له وهو أن العبارات التي يتفق فيها أهل التأويل من المتأخرين مع عبارات السلف في التفسير؛ لا يلزم منه أنهم يتفقون في الأصل؛ لأن أصل السلف على الإثبات وأصل أهل التأويل على النفي؛ وهذا يعني حل هذه الإشكالية في الآية، لا نحتاج فيها إلى أنه يعمل فيها كتاب أو ينبه على ضعف الآثار عن ابن عباس في هذا نقول ابن عباس نفى الساق هنا ولكنه من حيث الأصل يثبته؛ فلذا بعض من جهل أسلوب السلف أو جهل التعامل مع السلف قال: ابن عباس يؤول، فنقول: لا، لا يؤول؛ لأنه لا يؤول إلا من نفى، ينفي ثم يؤول، أما ابن عباس لم يؤول أصلاً، وقس على هذا غيره من الأمثلة.

المقصد من هذا إنا ننتبه إلى مسألة نظرهم إلى اللغة، أن النظر هنا إلى اللغة وأنه لم يكن لديهم اعتقادات مسبقة ثم يذهبون للقرآن ويبحثون عن أدلته، وإنما كانوا ينطلقون من النص القرآني ويفسرونه مباشرة.