أصول في تفسير السلف [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فالدخول في تفاصيل الصلاة، وكل ما يتعلق بها يدخل في التفسير؟

فإقامة الصلاة لها مدلول عام، بمعنى أداؤها بخشوع ... إلى آخره.

فالدخول في هذه التفاصيل لا يدخل في التفسير، وإن كان يدخل في البيان النبوي للقرآن؛ لأن البيان النبوي للقرآن واسع، لكن كمصطلح تفسيري لا يدخل.

المقدار الذي فسره النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن

وهذا النظر إلى مثل هذه التفاصيل، هو الذي جعل بعضهم يتكلم عن قضية هل فسر الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن كاملاً أو لم يفسره؟

فإذا نظرنا إلى التفسير المباشر سنعلم أنه قليل، لكن إذا كان المراد عموم البيان فلا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين القرآن هذا بلا إشكال، لكن إذا نظرنا إلى مصطلح التفسير الذي بين أيدينا فنقول: لم يفسر القرآن كاملاً.

أما البيان النبوي عموماً للقرآن فقد بينه.

أمثلة من القرآن تبين الحاجة إلى البيان النبوي

وهنا بعض الأحكام التي تدل على حاجتنا إلى البيان النبوي، فعلى سبيل المثال قوله سبحانه وتعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، فقوله: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، لو أخذنا هذه الآية على ظاهرها، فإننا نفهم منها عموم الاعتزال، في المأكل والمشرب والمنكح؛ لأن الآية عامة: اعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، ولم تقيد بشيء، لكن سبب النزول، وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم دل على أن الاعتزال إنما يكون في النكاح، فقال صلى الله عليه وسلم: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )، فهذا يدل على أننا بحاجة إلى البيان النبوي.

فالأحكام الفقهية بالذات لا يمكن أن نعرفها إلا من طريق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا أمر موكل به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن تعرف إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم.

ومن القضايا التي لا تعرف إلا من طريقه الرسول صلى الله عليه وسلم: بيان بعض المغيبات التي ترد في الآيات، فلا يمكن أن تعرف إلا من طريق النبي صلى الله عليه وسلم.

على سبيل المثال: في قوله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا [الأحزاب:69]، فهذه قضية غيبية وهي الأذية التي أوذي بها موسى، فإن موسى أوذي بأشياء كثيرة جداً، فالرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا بخبر عن إيذاء بني إسرائيل لموسى فقال: ( إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً، لا يرى من جلده شيء استحياء منه )، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل.. إلى آخر ما ذكروه بأنهم قالوا: إنه به برص أو غيره من الأمراض، فإنه أتى إلى النهر ليغتسل، فوضع ثوبه على حجر، فلما خرج ويريد أن يأخذ ثوبه انطلق الحجر بثوبه ودخل في سوق بني إسرائيل، ورآه بنو إسرائيل كأحسن ما خلق الله سبحانه وتعالى، فهذا الخبر الغيبي مع ما فيه من الغرابة، لو لم يكن مروياً في الصحيح لاستنكر، لكنه خبر صحيح، أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا الخبر الغيبي، فهذا لا يمكن أن يخترع وأن يذكر، وإنما يؤخذ عن طريق الرواية، فكون الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر به وبينه، فإننا نقبله لصحته كما هو وارد في صحيح البخاري وغيره.

أيضاً حياة الشهداء لما سأل عنها الصحابة، كما في قوله سبحانه وتعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، فنوع الحياة لا يمكن أن يعرف، كيف هم أموات ويوصفون بالحياة، إنما تعرف هذه القضية بالخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: ( أن أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح في الجنة حيث شاءت ) .

المقصد من هذا كله أن الغيبيات والأحكام العملية، إنما تؤخذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا هو الأصل فيها، وإن كان الغيبيات سيرد فيها شيء آخر، لكن مقصد التنبه إلى هذا.

كذلك أيضاً قد يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم بيان بعض المجملات، كأن يكون في الآية إجمال، فالرسول صلى الله عليه وسلم يبين هذا المجمل، مثل قوله سبحانه وتعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى [التوبة:108]، أي المساجد هو؟ فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، كما ورد قال: ( فأخذ كفاً من حصباء )؛ حين سئل عن هذا، قال: فضرب به الأرض ثم قال: ( هو مسجدكم هذا )، يقصد مسجد المدينة وليس مسجد قباء، فالمقصد أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى.

وأصناف البيان كثيرة جداً وليس المقام هنا محل ذكرها، لكن المقصود الإشارة إلى ذلك.

العلة من عدم بيان النبي صلى الله عليه وسلم المعاني اللغوية للآيات

ومما يلحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه في بيانه المباشر بيان شيء من المعاني اللغوية، إلا نادراً، للسبب الذي ذكرته سابقاً، وهو أن القرآن نزل عربياً على قوم عرب، فهم يفهمون عربيتهم، هذا هو الأصل، لكن إذا استشكلوا شيئاً منه سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عنه.

وهذا الملحظ تنبه له أبو عبيدة معمر بن المثنى وكتب كتابه مجاز القرآن، وكان أحد أسباب كتاباته له أن القرآن الذي كانوا يفهمون عربيته قد انتهوا، وجاء أقوام لا يفهمون عربيته، فهم بحاجة إلى فهم عربيته، فألف كتابه: مجاز القرآن من أجل هذا.

يقول أبو عبيدة معمر بن المثنى : قالوا: إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، ومصداق ذلك في آية من القرآن، وفي آية أخرى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ [إبراهيم:4]، فلم يحتج السلف ولا الذين أدركوا وحيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسألوا عن معانيه؛ لأنهم كانوا عرب الألسن، فاستغنوا بعلمهم به عن المسألة عن معانيه، وعما فيه من كلام العرب مثله من الوجوه والتلخيص، وفي القرآن مثل ما في الكلام العربي من وجوه الإعراب، ومن الغريب والمعاني.. إلى آخر الكلام.

فهذا يشير إلى هذه القضية وهي أن السلف وخصوصاً الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يحتاجون إلى البيان العربي؛ لأنهم كانوا عرباً، ولكن الذين جاءوا في عهد أبي عبيدة لا شك أنهم كانوا يحتاجون إلى بيان عربية، أكثر بكثير ممن كان يحتاجه قبلهم، ومن كان قبلهم لا شك أن من أدرك الوحي وهم الصحابة لم يكونوا بحاجة مثل كان من جاء بعدهم إلى هذا البيان.

ولنأخذ أمثلة من التفسير النبوي أو من الآثار التي تدل على المعنى الذي ذكره أبو عبيدة .

المثال الأول: قوله سبحانه تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82]، لما استشكل الصحابة هذه الآية قالوا: يا رسول الله! وأينا لم يظلم نفسه؟ لأنهم فهموا من قوله سبحانه وتعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82]، أن المراد به مطلق الظلم، فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن المراد به نوع من الظلم وهو الشرك، لقوله: ( ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13] ).

المثال الثاني: حديث عدي بن حاتم قال: ( لما نزلت: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ [البقرة:187]، قال: عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض )، ففهم عدي مرتبط بالبيان العربي فإنه فهم الخيط الأبيض والخيط الأسود أنه عقال أبيض وعقال أسود؛ لأن العقال الأبيض والعقال الأسود يتكونان من الخيوط، هكذا فهم، فإذاً فهمه من جهة اللغة سليم وفهم الصحابة قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82]، سليم من جهة اللغة، لكن ليس هو المراد بالآية، بل يجب أن نفرق بين هذا وهذا.

فلما ننظر إلى هذه الأحاديث نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم حين فهم هؤلاء هذا الفهم العربي لم ينههم أن يفهموا القرآن بلغتهم ألا يمكن فنستفيد من هذا أن فهم القرآن باللغة العربية مصدر من مصادر التفسير؛ لأنه لو كان منهجهم هذا خطأً لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم، ونبههم على خطئهم وإنما بين لهم أن فهمهم الذي فهموه خطأ، أما المنهج الذي سلكوه فليس بخطأ، فالآية محتملة فالاحتمال الذي فهموه هو الخطأ، لكن الأسلوب الذي سلكوه ليس بخطأ، فلو أنا بنينا من هذه الآثار أن اللغة العربية مصدر من مصادر التفسير لكان صواباً.

بداية التفسير بالرأي

وهناك قضية مهمة جداً نستطرد فيها قليلاً، وهي: لها: لو سأل سائل وقال: متى بدأ التفسير بالرأي؟ والمقصود بالرأي ليس بالرأي المحمود والمذموم، وإنما بالرأي من حيث هو رأي.

أما تقسيمه إلى محمود ومذموم فستأتي لاحقاً، لكن التفسير بالرأي، يعني: إعمال العقل في فهم النص.

والجواب أنه بدأ في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

فالصحابة رضي الله عنهم لما جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هم فهموا فهماً بعقولهم اجتهدوا في فهم النص.

فجاءوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا الفهم والرسول صلى الله عليه وسلم لم ينههم عن أن يجتهدوا في هذا الفهم، ولكن بين لهم ما هو الصواب من المحتملات.

فلو قال قائل: إن التفسير بالرأي الذي هو فهم النص من غير الرسول صلى الله عليه وسلم، بدأ في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بدلالة هذين النصين وغيرهما من النصوص التي تدل على أن الصحابة فهموا شيئاً، وعرضوه على الرسول صلى الله عليه وسلم، مثلما حصل لـعمرو بن العاص لما صلى بأصحابه وهو محتلم، واستدل بالقرآن، وأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على فهمه.

والمقصد من هذا فقط هو الإشارة إلى هذه المسألة؟

وهناك قضية مهمة وهي أن الآثار أكثر من فائدة في مسائل التفسير أو علوم القرآن، ولا ننتبه لها؛ لأننا لا نعمل النظر وندقق في هذه الآثار، فعلى سبيل المثال: هذا الأثر: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [الأنعام:82]، لو أردنا أن نستخرج منه مجموعة من المسائل المتعلقة بعلوم القرآن وأصول التفسير، فهل يمكن أن نستخرج منه غير هاتين الفائدتين وهما: صحة الرجوع إلى لغة العرب، وبداية التفسير بالرأي، فيمكن أن نأخذ منها معلومات أخرى مثل:

تفسير القرآن بالقرآن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الأثر فسر آية بآية.

كذلك أيضاً الرجوع في التفسير إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

كذلك الإجمال والتبيين فالمقصد أننا حين نعمل الذهن سنجد فوائد كثيرة.

اهتمام السلف بالتفسير

كذلك أثر عدي بن حاتم سنجد فيه إشارة إلى مسائل أخرى غير المسائل المذكرة.

ولما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم نجد أن علماء الصحابة الكبار بعضهم انشغل بالإمارة، وبعضهم انشغل بتعليم الناس.

فمثلاً: أبو بكر رضي الله عنه لما أخذ الخلافة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان عمر بجانبه دائماً وزيراً له، لا نجد أن أبا بكر أو عمر انشغلا بتعليم الناس كثيراً، لكن لما ننظر إلى أبي بن كعب أو زيد بن ثابت في المدينة على سبيل المثال، نجد أنهم انشغلوا بتعليم الناس، فـمعاذ بن جبل ذهب إلى الشام يعلم الناس، وابن مسعود في عهد عمر ذهب إلى الكوفة ليعلم الناس.

والمقصد من هذا أن الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وانشغال بعض علمائهم بالخلافة أو ما يتعلق بها، كان هناك جملة من فقهاء الصحابة وعلمائهم انتشروا في الأمصار يعلمون الناس، وكان منهم بعض هؤلاء الذين ذكرت.

وفي عهد الصحابة عهد الخلفاء الراشدين، بدأ علم التفسير يظهر ويبرز، فنجد مثلاً علي بن أبي طالب رضي الله عنه ورد عنه روايات في التفسير، و ابن مسعود المتوفي سنة اثنتين وثلاثين أو في خمس وثلاثين أيضاً ورد عنه روايات في التفسير، واستمر الحال هكذا حتى نهاية عهد الخلفاء الراشدين عام أربعين، وبعد انتهاء عهد الراشدين نجد بروز حبر الأمة، عبد الله بن عباس الذي يمكن أن يقال: إنه نشأ وترعرع على يديه علم التفسير، حتى إنه صار ينسب إليه، ولهذا قال عنه ابن مسعود حبر الأمة وترجمان القرآن، ونحن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له بالفقه في الدين وبعلم الكتاب، وفي رواية قال: ( وعلمه التأويل ).

فـابن عباس رضي الله عنه صار هو المتصدر لعلم التفسير بعد انتهاء هؤلاء الطبقة من علماء الصحابة، بمعنى: أنك لو نظرت في عهد ابن عباس مَن من الصحابة كان مشهوراً بالتفسير يعني فيما بعد الأربعين لم تجد أحداً مثله.

فـعائشة ليس لها تفسير، وتفسيراتها قليلة جداً، و زيد بن ثابت ليس له تفسير، بل تصدى للإقراء، وتفسير قليل للإقراء.

وابن عباس رضي الله عنه تصدى للتفسير وجلس له، حتى صار مشهوراً به، ولهذا كثر تلاميذه، وكان في عهده بعض التابعين الذين أخذوا عن بعض الصحابة، لكن من الصحابة من لم يكن موجوداً في ذلك الوقت.

أما زيد بن ثابت ، فلو رجعنا إلى المرويات في التفسير، لوجدناها قليلة جداً، و زيد رضي الله عنه إنما اشتهر بعلم الإقراء، فكان يقرئ القرآن، وإن كان من ترجم له يترجم له في جملة المفسرين، لكن لا يوجد بين يدينا شيء من هذه الروايات.

ثم بعد جيل الصحابة جاء جيل التابعين وأخذ التابعون عن الصحابة، سواء أخذوا عن ابن عباس أو عن غيره من الصحابة، مثل: ابن مسعود أو زيد أو أبي ، فاشتهر مجموعة منهم، ونذكر على سبيل المثال: سعيد بن جبير و مجاهد بن جبر و عكرمة مولى ابن عباس و محمد بن كعب القرظي و زيد بن أسلم و الحسن و أبو العالية ، ومجموعة من التابعين تلقوا التفسير عن الصحابة.

ثم جاء بعدهم أتباع التابعين، وفي طبقة أتباع التابعين انقسم التفسير إلى قسمين من جهة الرواية والدراية، فجملة من أتباع التابعين كانوا نقلة، يعني: ينقلون التفسير، يعني: كثر في جيل أتباع التابعين نقلة التفسير، وقلة منهم كان لهم آراء مستقلة، بعكس جيل التابعين، فكان أهل الدراية كثيرين والنقلة أقل.

على سبيل المثال: لو نظرنا إلى أربدة التميمي راوي التفسير عن ابن عباس ، هذا أربدة لا يمكن أن تجد له قولاً مستقلاً في التفسير، إنما هو ناقل.

بخلاف أبي مالك غزوان الغفاري فهو أيضاً روى التفسير عن ابن عباس ، ومع ذلك نجد له أقوالاً مستقلة.

إذاً: في طبقة التابعين كان هناك رواية ودراية، يعني: كانوا يروون وكان يظهر أيضاً لهم أقوال مستقلة في التفسير.

وفي جيل أتباع التابعين كثر النقل وقلّت الدراية، فلو نظرنا إلى طبقة التابعين سنجد كثرة في المفسرين ووفرة، وفي جيل أتباع التابعين قلّ المفسرون.

نذكر منهم على سبيل المثال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم و ابن جريج و مقاتل بن حيان و مقاتل بن سليمان و الكلبي و محمد بن إسحاق وغيرهم في طبقة أتباع التابعين، لكن الرواية كانت كثيرة جداً، أهل الرواية كانوا كثيرين وهؤلاء بعض أهل الدراية لهم أقوال مستقلة ولهم اختيارات خاصة في التفسير.

وفي هذا الجيل نلاحظ أنه في جيل أتباع التابعين توقفت الدراية من جهة ما يتعلق بأهل السنة، ولا زلت أقول: إنه لم يبرز من أهل السنة فيما بعد جيل أتباع التابعين إنسان تصدى للتفسير وإنما غلب جانب الرواية على أهل السنة في هذا الباب، فصاروا يتناقلون ما روي عن الصحابة وعن التابعين وعن أتباع التابعين، ولا يوجد في هذه الفترة إلى ما بعد أتباع التابعين تقريباً بروز ابن جرير الطبري ، لا يوجد من يوصف بأنه كان متصدياً للتفسير في طبقة أهل السنة والجماعة.

وهذا النظر إلى مثل هذه التفاصيل، هو الذي جعل بعضهم يتكلم عن قضية هل فسر الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن كاملاً أو لم يفسره؟

فإذا نظرنا إلى التفسير المباشر سنعلم أنه قليل، لكن إذا كان المراد عموم البيان فلا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين القرآن هذا بلا إشكال، لكن إذا نظرنا إلى مصطلح التفسير الذي بين أيدينا فنقول: لم يفسر القرآن كاملاً.

أما البيان النبوي عموماً للقرآن فقد بينه.




استمع المزيد من صفحة د. مساعد الطيار - عنوان الحلقة اسٌتمع
أصول في تفسير السلف [1] 3725 استماع
أصول في تفسير السلف [3] 3351 استماع
أصول في تفسير السلف [4] 2513 استماع