سلوكيات خاطئة في الأذان


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

تعلمون بارك الله فيكم أنني ابتدأت في هذا المسجد درساً آخر كما كنا اتفقنا في أول الفصل السابق من أول العام الهجري وأن هذا الدرس هو درس علمي عام غير مخصص في موضوع معين؛ بل سيتناول موضوعات عدة، في جميع ألوان العلوم والفنون التي يحتاجها الناس، ولذلك فإن ذلك الوقت الذي بين الأذان والإقامة في درس بلوغ المرام، سوف أجعله غالباً للحديث عن بعض الأخطاء التي يقع فيها الناس، فيما يتعلق بالباب الذي أشرحه من كتاب بلوغ المرام، فإذا كنت الآن أشرح -مثلاً- باب الأذان من كتاب الصلاة، فسأجعل ما بعد الأذان للتنبيه على بعض الأخطاء والأغلاط التي يقع فيها الناس في شأن الأذان، مما لا يتسع المجال لبسطه في الدرس نفسه، لضيق الوقت وكثرة الأحاديث التي تحتاج إلى شرح وبيان وبسط وإيضاح.

فسأجعل هذا الوقت القصير بين الأذان والإقامة للحديث عن بعض الأخطاء التي يقع فيها الناس في أي باب من الأبواب التي تشرح من بلوغ المرام، وفي ذلك توفيق بين كون الدرس بين الأذان والإقامة ليس في صلب بلوغ المرام بحيث يفوت على الإخوة الذين يخرجون، وكذلك ليس بعيداً عنه بحيث أن الإخوة الذين يستفيدون فائدة تتعلق بالموضوع نفسه.

فيما يتعلق بالأذان هناك في الواقع في الأمصار الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها بدع وانحرافات وأخطاء كثيرة تحتاج إلى بيان، وسأذكر شيئاً منها في هذه الجلسة، وأكمل ما تبقَّى في جلسات قادمة إن شاء الله تعالى.

وأول ما يتبادر إلى الذهن في موضوع الأذان وغيره موضوع النية في الأذان.

فإن الأذان عبادة بلا شك، بل هو من أجّل العبادات، قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] ذكر كثير من أهل التفسير أن هذه الآية نـزلت في المؤذنين، وهذا ليس على ظاهره، إنما المعنى أن المؤذنيين داخلون في هذه الآية، فهم ممن دعا إلى الله؛ لأنهم يدعون إلى شعيرة من أعظم الشعائر وهي الصلاة، ينادون إليها في اليوم والليلة خمس مرات، فهم داخلون متى ما أخلصوا وصدقوا مع ربهم في دلالة هذه الآية مبشرون بما بشّر إليه تعالى به أهلها: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إلى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].

وورد في فضله أحاديث كثيرة سبق ذكر شي منها، وإنما يكون الفضل لمن أخلص في عمله، فإنه -كما هو معلوم- لابد في العمل الصالح من شرطين:-

أولهما: الإخلاص في القلب في نيته وإرادته وجه الله تعالى والدار الآخرة.

والثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بألا يزيد الإنسان وينقص على الهدي الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم.

وبناءً عليه نستطيع أن نقول: إن أخطاء الناس في الأذان تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: يتعلق بالشرط الأول من شروط صلاح العمل وهو الإخلاص.

والقسم الثاني: يتعلق بالشرط الثاني من شروط قبول العمل وهو المتابعة، فيخلون بمتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أذانهم.

أخذ الأجرة على الأذان وأثره على الإخلاص

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص أن يتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً، كما سيأتي في حديثه: {واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً } والمقصود أن هذا أقرب إلى الإخلاص، وليس أخذ الأجر على الأذان مانعاً من الإخلاص فيه.

فإن الإنسان قد يكون مخلصاً في أذانه يريد ما عند الله تعالى، ولكن جاءه أجر فأخذه، ولو فاته أجر مادي أو راتب أو وظيفة أو ما أشبه ذلك، لما ترك الأذان لفواتها، بل لاستمر على ما هو عليه.

إذاً لا بد من الإخلاص وإرادة وجه الله تعالى في الأذان، فالأذان عبادة يشترط فيها الإخلاص، كما يشترط الإخلاص في الصلاة وفي غيرها من العبادات.

وفي هذا يقع كثير من الناس في أخطاء، فإن من الناس من يريد الدنيا بعمله، فيؤذن من أجل وظيفة -مثلاً- أو من أجل وجود بيت في المسجد يسكن فيه، ويكون هذا غرضه بحيث لو فاته هذا الأمر الدنيوي لما أذن، وهذا لا شك أنه آثم بنيته وفعله، لأنه أراد الدنيا بالدين -يأخذ الدنيا بالدين- وقد قال الله عز وجل في محكم تنـزيله: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:16].

وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن عمر رضى الله عنه: {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه}.

وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر النية في الهجرة، وهي عمل من أعظم العبادات، وفيها تجشّم المشاق والصعاب وترك البلد والأهل والولد والمال إلى بلد لا يعرفه الإنسان وإلى قوم غرباء عنه في سبيل الله، الظاهر إذا كان مثل هذا العمل تشترط فيه النية، فغيره كذلك، بل قد يكون غيره أولى من ذلك.

فكل عمل لابد فيه من النية الصالحة، فمن أراد الدنيا بعمله الذي عمل -شرعي أو تعبد- فهو آثم بهذه النية والإرادة، وتركه لهذا العمل خير له عند الله تعالى، فإن الدنيا لا يجوز أن تطلب بالدين.. هذا من كان قصده الدنيا محضاً، أي: لا يريد من الأذان إلا كما أسلفت، إما الراتب أو الوظيفة وإما البيت الذي يكون تابعاً للمسجد، في بعض المساجد لا في كلها، إن كان هذا مراده فحسب فهو آثم، ويجب عليه ترك هذا العمل إذا لم يصحح نيته.

المراءاة وحب المدح

الحال الثاني: أن بعض الناس قد يؤذن رياءً أو سمعةً، وكيف يؤذن رياءً وسمعةً؟

يؤذن حتى يمدح بذلك أو يعرف، فإذا سمع الناس أنحاء البلد صوته، سُرَّ بذلك وأُعجِبَ ونظر في عطفيه، ورأى أنه قد عمل شيئاً عظيماً، وهذا أيضاً من الرياء، والرياء إذا خالط عملاً؛ فإنه حابط غير مقبول عند الله تعالى، والرياء شرك بل صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يسير الرياء شرك} وفيما يتعلق بالصلاة قال الله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصلينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7] فتوعد المصلي إذا كان مرائياً في صلاته، فغير المصلي أيضاً متوعد إذا كان قصده بالعمل الرياء والسمعة وهذا أيضاً صنف من الناس.

من تلبيسات إبليس على المؤذنين

الصنف الثالث: من الناس من يكون قصده بالأذان وجه الله تعالى، يؤذن ليدعو الناس إلى الصلاة، يؤذن بقصد الأجر والمثوبة، يؤذن طلباً لموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يسمع صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شجر ولا حجر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة} وموعوده صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر الذي قال فيه: {إن المؤذن يُغفر له مدى صوته} وفي بعض الأحاديث: {من حافظ على الأذان اثنتي عشرة سنة -وورد أقل من ذلك- فإنه يكتب له براءة من النار} والحديث صححه جماعة من أهل العلم، فيؤذن طلباً لهذا الموعود الذي وعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذنين.

ولكن تأتي الأشياء الأخرى تبعاً، فقضية الوظيفة والراتب والمسكن وغيرها أمور ليست مقصودة له ابتداءً، إنما هي تأتي تبعاً، وهذا ولاشك أنه مأجور عند الله تعالى على آذانه ومثاب، وله الوعد الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله، ولا يضيره كونه أخذ شيئاً من لعاعة الدنيا ما دام ليس مقصود له في الأصل لا يضيره ذلك، لأن الأعمال كما سبق بالنيات.

وهانحن نرى أن المجاهد يخرج إلى المعركة فيقاتل فيها، يبتغي ما عند الله، ويبتغي إعزاز الإسلام وإذلال الكفر، ثم تكون الغنائم فيأخذ منها، فلا يضيره ذلك، وإن كان قد ينقص من أجره، لكن لا يضره ذلك من حيث أنه يحبط عمله، كلا! بل أجره له، وبعضهم يقول: ينقص أجره بقدر ما أخذ، كما في الحديث الذي ذكر فيه {ألا تعجلوا ثلثي أجرهم} كما ورد.

لكن على كل حال مادام قصده ما عند الله، فلا يضره أن تجيء الدنيا تبعاً لذلك، وهاهم الفقهاء يذكرون -أيضا- الحج فيقولون: إن من حج بقصد أداء الحج، وفي نيته أيضاً أن يشتغل بالتجارة في الحج، فهذا لا يضره بل نقل بعضهم الإجماع على ذلك وأنه جائز، يعني الإنسان إذا ذهب إلى بيت الله الحرام للحج، وفي نيته التجارة -أيضاً- فحج وتاجر هناك، فقد نقل بعض العلماء الإجماع على أن هذا جائز لا بأس به، وصح عن ابن عباس أنه في مثل هذا نـزل قول الله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ [البقرة:198] فالآية نـزلت في الحج وفيها: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198] أي: بالتجارة، لكن هؤلاء لم يكن غرضهم التجارة فقط لا! كان غرضه الحج والتجارة مع الحج أيضاً، فهذا جائز كما ذكرت، وإن كان ينقص أجره.

إنما بعض الناس إذا حَدَثَ عنده هذا الأمر، ورأى أن في عمله الديني التعبدي الحصول على مكسب من مكاسب الدنيا، فإنه يترك هذا العمل ويُعرِضُ عنه.

فقد يترك الإمامة في المسجد، أو يترك الأذان، أو يترك الدراسة وطلب العلم، أو يترك غيرها من المقاصد الشرعية، بحجة أن هذا العمل يجلب لي شيئاً من الدنيا، وأخشى أن تكون نيتي قد دخلها شيء، وأقول: إن الإنسان ينبغي أن يدرك أن الترك والفعل كل واحد منهما يحتاج إلى تأمل وفيه مدخل للشيطان، وقد ذكر أهل العلم كـابن حزم وغيره أن الشيطان يأتي أحياناً من جهة تشكيكه في نيته ليترك العمل، ونقل عن عياض أنه كان يقول: [[العمل لأجل الناس رياء، وترك العمل لأجل الناس شرك]] فإن الإنسان لا ينبغي له أن يعمل من أجل الناس، ولا أن يترك من أجل الناس وينبغي أن يدرك أن الشيطان أحياناً يأتي من جهة تشكيكه في صلاح نيته ليترك العمل الصالح، وعلى الإنسان حينئذ أن يدفع هذا الوارد أو الخاطر الذي خطر له، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويعمل على تصحيح نيته ما استطاع، ويستمر على عمله.

الفرق بين المخلص والمرائي

والدليل على أن الإنسان الذي قصده الدنيا -وهذا ضابط جيد في نظري في كثير من الأمور- الإنسان الذي قصده الدنيا لا يبالي بالدين، فإذا كان الإنسان قصده الدنيا في عمل من الأعمال في دراسة أو في إمامة أو في تعليم أو في أذان أو في غيرها، الدليل أن قصده الدنيا أنه لا يعبأ بما تضرر به في دينه من وراء هذا العمل، فهو يقول بينه وبين نفسه: أنا قصدي الدنيا بهذا العمل، وقد حصلت الدنيا.. ولا يضيق صدره لذلك، ولا يكترث له، لأنه قصد الدنيا كما ذكرت.

أما الإنسان الذي يضيق صدره، ويخاف من سوء النية، ويخاف من حبوط العمل، وتكثر عنده هذه الواردات، وهذه الهواجس والوساوس والخواطر، فهو الإنسان الذي يوجد عنده في قلبه إخلاص ورغبة في العمل الصالح لوجه الله، فيخشى أن يتأثر هذا العمل بنيةٍ غير حسنة، أو بإرادة دنيوية، ومثل هذا لا ينبغي أن يتساهل معه في ترك الأعمال؛ لأنه لوكل من ورد عنده هذا الوارد ترك العمل الصالح الذي يقوم عليه لما قام الإنسان بعمل صالح، فالشيطان يوسوس في الصلاة، في الزكاة، في الصوم، في الحج، في العمرة، في الإقامة، في الأذان في التعليم، وفي الوعظ، وغيرها، حتى تترك الأعمال كلها، ومن جهة أخرى لاضطرب أمر الناس؛ لأنه لوكل إنسان استجاب لهذا الوسواس، فمن يؤم الناس؟!

ومن يؤذن لهم؟!

ومن يعلمهم؟!

ومن يعظهم؟!

ومن يرشدهم؟!

ومن يحسن إليهم؟!

ومن؟!

ومن؟!

ربما لم يكد يوجد من يعمل ذلك؛ ولهذا كان السلف يقولون عن النفاق كما نقل عن الحسن البصري وغيره يقولون: [[ما أمنه إلا منافق، ولا خافه إلا مؤمن]] والمعنى أن المؤمن الذي دائماً يحاسب نفسه على أعماله ماذا قصدت؟

ماذا أردت؟

هل أردت وجه الله أم أردت الدنيا؟

هذا عنده أصل الإيمان، وعنده الوازع الديني؛ ولهذا يحاسب نفسه ويلومها: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1-2] فهو مؤمن.

لكن المنافق هو يعلم في قرارة نفسه أنه منافق، وقد واطأ نفسه على هذا الأمر، ورضي به وأقره فلا يكترث؛ لأنه يعرف في حقيقة نفسه أنه منافق، وهو يريد النفاق واختاره والعياذ بالله طريقاً له ومنهجاً له في الحياة، فقد أمن الأمر فهذا ظاهر.

ولذلك ليس من الحسن ولا من الجيد أن بعض طلاب العلم -بل وبعض الدعاة والمصلحين أحياناً- يصل بهم الخوف من النفاق أو الخوف من الرياء في الأعمال إلى حد أن منهم من يقول عبارات مخيفة موحشة في هذا الباب، حتى إني سمعت أحدهم، وهو يتكلم في مناسبة عامة، ويتحدث عن النفاق والمنافقين فيقول: وإنه -يعني- نفسه -والله- وأقسم بالله على ما أراد أن يقول- من الراسخين في النفاق! وهو يعني أنه يتهم نفسه بالنفاق بل وبالرسوخ فيه، هذا لا يجوز أن يقال.

بل هو غلط كبير، واستجابة لوساوس الشيطان، وإلقاءاته على نفس الإنسان الضعيفة، والمؤمن ينبغي أن يتقي ذلك ويتجنبه، كما أنه لا ينبغي للإنسان ولا يصح له أن يستجيب لهذه الوساوس في ترك العمل الصالح، إلا من صح عنده العزم على إرادة الدنيا كما ذكرت في أول حديثي، فهذا يطلب منه أن يترك العمل، فقد ذكرت في أول الحديث أن من عرف من نفسه معرفة جازمة لا إشكال فيها ولا شك أنه لا يريد وجه الله، ولا يريد الخير، ولا الأجر، ولا المغفرة، ولا يريد أن يشهد له كل شيء، وإنما يريد الدنيا، فمثل هذا يقال له: يجب عليه أن يصحح نيته وقصده، فإن كان لا يفعل، فإنه يجب عليه أن يترك هذا العمل؛ لأنه آثم به، ويَدَعَه لغيره ممن يظن فيهم الإخلاص.

إذاً: هذا كلام عام عن مراتب الناس ومقاصدهم ونياتهم في موضوع الأذان وفي غيره.

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن أبي العاص أن يتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً، كما سيأتي في حديثه: {واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً } والمقصود أن هذا أقرب إلى الإخلاص، وليس أخذ الأجر على الأذان مانعاً من الإخلاص فيه.

فإن الإنسان قد يكون مخلصاً في أذانه يريد ما عند الله تعالى، ولكن جاءه أجر فأخذه، ولو فاته أجر مادي أو راتب أو وظيفة أو ما أشبه ذلك، لما ترك الأذان لفواتها، بل لاستمر على ما هو عليه.

إذاً لا بد من الإخلاص وإرادة وجه الله تعالى في الأذان، فالأذان عبادة يشترط فيها الإخلاص، كما يشترط الإخلاص في الصلاة وفي غيرها من العبادات.

وفي هذا يقع كثير من الناس في أخطاء، فإن من الناس من يريد الدنيا بعمله، فيؤذن من أجل وظيفة -مثلاً- أو من أجل وجود بيت في المسجد يسكن فيه، ويكون هذا غرضه بحيث لو فاته هذا الأمر الدنيوي لما أذن، وهذا لا شك أنه آثم بنيته وفعله، لأنه أراد الدنيا بالدين -يأخذ الدنيا بالدين- وقد قال الله عز وجل في محكم تنـزيله: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود:16].

وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن عمر رضى الله عنه: {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه}.

وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر النية في الهجرة، وهي عمل من أعظم العبادات، وفيها تجشّم المشاق والصعاب وترك البلد والأهل والولد والمال إلى بلد لا يعرفه الإنسان وإلى قوم غرباء عنه في سبيل الله، الظاهر إذا كان مثل هذا العمل تشترط فيه النية، فغيره كذلك، بل قد يكون غيره أولى من ذلك.

فكل عمل لابد فيه من النية الصالحة، فمن أراد الدنيا بعمله الذي عمل -شرعي أو تعبد- فهو آثم بهذه النية والإرادة، وتركه لهذا العمل خير له عند الله تعالى، فإن الدنيا لا يجوز أن تطلب بالدين.. هذا من كان قصده الدنيا محضاً، أي: لا يريد من الأذان إلا كما أسلفت، إما الراتب أو الوظيفة وإما البيت الذي يكون تابعاً للمسجد، في بعض المساجد لا في كلها، إن كان هذا مراده فحسب فهو آثم، ويجب عليه ترك هذا العمل إذا لم يصحح نيته.

الحال الثاني: أن بعض الناس قد يؤذن رياءً أو سمعةً، وكيف يؤذن رياءً وسمعةً؟

يؤذن حتى يمدح بذلك أو يعرف، فإذا سمع الناس أنحاء البلد صوته، سُرَّ بذلك وأُعجِبَ ونظر في عطفيه، ورأى أنه قد عمل شيئاً عظيماً، وهذا أيضاً من الرياء، والرياء إذا خالط عملاً؛ فإنه حابط غير مقبول عند الله تعالى، والرياء شرك بل صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يسير الرياء شرك} وفيما يتعلق بالصلاة قال الله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصلينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7] فتوعد المصلي إذا كان مرائياً في صلاته، فغير المصلي أيضاً متوعد إذا كان قصده بالعمل الرياء والسمعة وهذا أيضاً صنف من الناس.

الصنف الثالث: من الناس من يكون قصده بالأذان وجه الله تعالى، يؤذن ليدعو الناس إلى الصلاة، يؤذن بقصد الأجر والمثوبة، يؤذن طلباً لموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يسمع صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شجر ولا حجر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة} وموعوده صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر الذي قال فيه: {إن المؤذن يُغفر له مدى صوته} وفي بعض الأحاديث: {من حافظ على الأذان اثنتي عشرة سنة -وورد أقل من ذلك- فإنه يكتب له براءة من النار} والحديث صححه جماعة من أهل العلم، فيؤذن طلباً لهذا الموعود الذي وعد به رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذنين.

ولكن تأتي الأشياء الأخرى تبعاً، فقضية الوظيفة والراتب والمسكن وغيرها أمور ليست مقصودة له ابتداءً، إنما هي تأتي تبعاً، وهذا ولاشك أنه مأجور عند الله تعالى على آذانه ومثاب، وله الوعد الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله، ولا يضيره كونه أخذ شيئاً من لعاعة الدنيا ما دام ليس مقصود له في الأصل لا يضيره ذلك، لأن الأعمال كما سبق بالنيات.

وهانحن نرى أن المجاهد يخرج إلى المعركة فيقاتل فيها، يبتغي ما عند الله، ويبتغي إعزاز الإسلام وإذلال الكفر، ثم تكون الغنائم فيأخذ منها، فلا يضيره ذلك، وإن كان قد ينقص من أجره، لكن لا يضره ذلك من حيث أنه يحبط عمله، كلا! بل أجره له، وبعضهم يقول: ينقص أجره بقدر ما أخذ، كما في الحديث الذي ذكر فيه {ألا تعجلوا ثلثي أجرهم} كما ورد.

لكن على كل حال مادام قصده ما عند الله، فلا يضره أن تجيء الدنيا تبعاً لذلك، وهاهم الفقهاء يذكرون -أيضا- الحج فيقولون: إن من حج بقصد أداء الحج، وفي نيته أيضاً أن يشتغل بالتجارة في الحج، فهذا لا يضره بل نقل بعضهم الإجماع على ذلك وأنه جائز، يعني الإنسان إذا ذهب إلى بيت الله الحرام للحج، وفي نيته التجارة -أيضاً- فحج وتاجر هناك، فقد نقل بعض العلماء الإجماع على أن هذا جائز لا بأس به، وصح عن ابن عباس أنه في مثل هذا نـزل قول الله تعالى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ [البقرة:198] فالآية نـزلت في الحج وفيها: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:198] أي: بالتجارة، لكن هؤلاء لم يكن غرضهم التجارة فقط لا! كان غرضه الحج والتجارة مع الحج أيضاً، فهذا جائز كما ذكرت، وإن كان ينقص أجره.

إنما بعض الناس إذا حَدَثَ عنده هذا الأمر، ورأى أن في عمله الديني التعبدي الحصول على مكسب من مكاسب الدنيا، فإنه يترك هذا العمل ويُعرِضُ عنه.

فقد يترك الإمامة في المسجد، أو يترك الأذان، أو يترك الدراسة وطلب العلم، أو يترك غيرها من المقاصد الشرعية، بحجة أن هذا العمل يجلب لي شيئاً من الدنيا، وأخشى أن تكون نيتي قد دخلها شيء، وأقول: إن الإنسان ينبغي أن يدرك أن الترك والفعل كل واحد منهما يحتاج إلى تأمل وفيه مدخل للشيطان، وقد ذكر أهل العلم كـابن حزم وغيره أن الشيطان يأتي أحياناً من جهة تشكيكه في نيته ليترك العمل، ونقل عن عياض أنه كان يقول: [[العمل لأجل الناس رياء، وترك العمل لأجل الناس شرك]] فإن الإنسان لا ينبغي له أن يعمل من أجل الناس، ولا أن يترك من أجل الناس وينبغي أن يدرك أن الشيطان أحياناً يأتي من جهة تشكيكه في صلاح نيته ليترك العمل الصالح، وعلى الإنسان حينئذ أن يدفع هذا الوارد أو الخاطر الذي خطر له، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويعمل على تصحيح نيته ما استطاع، ويستمر على عمله.

والدليل على أن الإنسان الذي قصده الدنيا -وهذا ضابط جيد في نظري في كثير من الأمور- الإنسان الذي قصده الدنيا لا يبالي بالدين، فإذا كان الإنسان قصده الدنيا في عمل من الأعمال في دراسة أو في إمامة أو في تعليم أو في أذان أو في غيرها، الدليل أن قصده الدنيا أنه لا يعبأ بما تضرر به في دينه من وراء هذا العمل، فهو يقول بينه وبين نفسه: أنا قصدي الدنيا بهذا العمل، وقد حصلت الدنيا.. ولا يضيق صدره لذلك، ولا يكترث له، لأنه قصد الدنيا كما ذكرت.

أما الإنسان الذي يضيق صدره، ويخاف من سوء النية، ويخاف من حبوط العمل، وتكثر عنده هذه الواردات، وهذه الهواجس والوساوس والخواطر، فهو الإنسان الذي يوجد عنده في قلبه إخلاص ورغبة في العمل الصالح لوجه الله، فيخشى أن يتأثر هذا العمل بنيةٍ غير حسنة، أو بإرادة دنيوية، ومثل هذا لا ينبغي أن يتساهل معه في ترك الأعمال؛ لأنه لوكل من ورد عنده هذا الوارد ترك العمل الصالح الذي يقوم عليه لما قام الإنسان بعمل صالح، فالشيطان يوسوس في الصلاة، في الزكاة، في الصوم، في الحج، في العمرة، في الإقامة، في الأذان في التعليم، وفي الوعظ، وغيرها، حتى تترك الأعمال كلها، ومن جهة أخرى لاضطرب أمر الناس؛ لأنه لوكل إنسان استجاب لهذا الوسواس، فمن يؤم الناس؟!

ومن يؤذن لهم؟!

ومن يعلمهم؟!

ومن يعظهم؟!

ومن يرشدهم؟!

ومن يحسن إليهم؟!

ومن؟!

ومن؟!

ربما لم يكد يوجد من يعمل ذلك؛ ولهذا كان السلف يقولون عن النفاق كما نقل عن الحسن البصري وغيره يقولون: [[ما أمنه إلا منافق، ولا خافه إلا مؤمن]] والمعنى أن المؤمن الذي دائماً يحاسب نفسه على أعماله ماذا قصدت؟

ماذا أردت؟

هل أردت وجه الله أم أردت الدنيا؟

هذا عنده أصل الإيمان، وعنده الوازع الديني؛ ولهذا يحاسب نفسه ويلومها: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة:1-2] فهو مؤمن.

لكن المنافق هو يعلم في قرارة نفسه أنه منافق، وقد واطأ نفسه على هذا الأمر، ورضي به وأقره فلا يكترث؛ لأنه يعرف في حقيقة نفسه أنه منافق، وهو يريد النفاق واختاره والعياذ بالله طريقاً له ومنهجاً له في الحياة، فقد أمن الأمر فهذا ظاهر.

ولذلك ليس من الحسن ولا من الجيد أن بعض طلاب العلم -بل وبعض الدعاة والمصلحين أحياناً- يصل بهم الخوف من النفاق أو الخوف من الرياء في الأعمال إلى حد أن منهم من يقول عبارات مخيفة موحشة في هذا الباب، حتى إني سمعت أحدهم، وهو يتكلم في مناسبة عامة، ويتحدث عن النفاق والمنافقين فيقول: وإنه -يعني- نفسه -والله- وأقسم بالله على ما أراد أن يقول- من الراسخين في النفاق! وهو يعني أنه يتهم نفسه بالنفاق بل وبالرسوخ فيه، هذا لا يجوز أن يقال.

بل هو غلط كبير، واستجابة لوساوس الشيطان، وإلقاءاته على نفس الإنسان الضعيفة، والمؤمن ينبغي أن يتقي ذلك ويتجنبه، كما أنه لا ينبغي للإنسان ولا يصح له أن يستجيب لهذه الوساوس في ترك العمل الصالح، إلا من صح عنده العزم على إرادة الدنيا كما ذكرت في أول حديثي، فهذا يطلب منه أن يترك العمل، فقد ذكرت في أول الحديث أن من عرف من نفسه معرفة جازمة لا إشكال فيها ولا شك أنه لا يريد وجه الله، ولا يريد الخير، ولا الأجر، ولا المغفرة، ولا يريد أن يشهد له كل شيء، وإنما يريد الدنيا، فمثل هذا يقال له: يجب عليه أن يصحح نيته وقصده، فإن كان لا يفعل، فإنه يجب عليه أن يترك هذا العمل؛ لأنه آثم به، ويَدَعَه لغيره ممن يظن فيهم الإخلاص.

إذاً: هذا كلام عام عن مراتب الناس ومقاصدهم ونياتهم في موضوع الأذان وفي غيره.

والخطأ الثاني: الذي يقع فيه الناس كثيراً هو أن كثيراً من الناس يتساهلون في شأن الأذان، ويقللون من أهميته، بل إن في بعض البيئات وفي بعض البلاد يعتبرون الأذان والعياذ بالله نوعاً من المسبة ويُعيَّرون به، وهذا من الانحراف عن دين الله، بل يوشك أن يكون هذا ردة عن الإسلام؛ لأن الله تعالى يقول: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:65-66].

إذاً الأذان شريعة الله، شريعة رب العالمين، وهو الفارق بين الأمم المسلمة والأمم الكافرة، وورد في فضله كيت وكيت من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، فلا يُتصور من مؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر، وٌيصِّدق بما جاء عن الله تعالى، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، أن يهوِّنَ من شأن الأذان، أو يقلل من قيمته، أو يعتبر أنه لا يتولى هذا العمل إلا إنسان فيه وفيه، أو يعير أحداً بذلك أو يسبه والعياذ بالله! هذا لا يتصور من مؤمن مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحدث منه، وكيف يحدث من مسلم هذا؟!

وهذا أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه الخليفة الراشد الثاني الذي شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالعلم والدين والجنة، يقول كما روى سعيد بن منصور والبيهقي وغيرهما بسند صحيح [[لو كنت أطيق الأذان مع الخلافة لأذنت]] فكان يتمنى أن يكون عنده وقت واستطاعة أن يتولى الأذان مع الخلافة، ولكنه ابتلى بهذه الخلافة فلا يطيق معها أن يؤذن.

فكل مسلم يتمنى أن يكون من أهل هذه الشعيرة العظيمة والقائمين بها، مع إخلاص النية والقصد ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها.

الخطأ الثالث: الذي يقع فيه بعض الناس هو ما يتعلق بوقت الأذان، فإن الأذان في غالبه إعلام بدخول وقت الصلاة ودعاء ونداء إلى فريضة الله، لا يخرج عن ذلك إلا الأذان الأول في الفجر الذي يكون قبل الوقت كما سبق مراراً، فإنه أذان لإيقاظ النائم، وتنبيه القائم الذي يصلي، حتى يخفف من صلاته لُيدرك السحور قبل طلوع الفجر في رمضان وما أشبه ذلك من المقاصد، وكذلك الأذان الأول يوم الجمعة الذي فعله عثمان رضي الله عنه على مشهد ومرأى ومسمع من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فأقروه كافتهم وعامتهم على ذلك، وصار شريعةً باقيهً في هذه الأمة، فإنه يكون قبل وقت الجمعة على المشهور في تحديد وقتها، أما فيما عدا ذلك فإن الأذان هو إعلام بدخول الوقت، والناس يعرفون أنه كذلك، فيلتزمون به في إقامة الصلاة وأدائها، وفي الإمساك في رمضان في أذان الفجر، وكذلك في الإفطار في رمضان في أذان المغرب، وما أشبه ذلك من الأمور المبنية على معرفة دخول الوقت وهي أمور كثيرة جداً لعلة عرف بعضها أو كثير منها في باب المواقيت الذي سبق وأن شرحته.

فإن المواقيت يترتب على دخولها أشياء كثيرة جداً لا تكاد تحصر بيسر، سواء في موضوع الطهارات، أو في موضوع أصحاب الأعذار، أو في غيرها من الأحكام، فالأذان هو في عمومه إعلام بدخول الوقت، وقد أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، فقال: {أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن} فالمؤذن مؤتمن على الوقت ويجب عليه أن يراقب الله تعالى في تحديد الوقت، فلا يؤذن قبل الوقت ولا يتأخر عن الوقت في المساجد العامة.

فمن الناس من يؤذن قبل الوقت وخاصة في رمضان، يؤذن بعضهم أذان الفجر الثاني قبل الوقت، فإذا قلت له: لماذا؟ قال لك: أذان على سبيل الاحتياط، حتى يُمسِك الناس عن الأكل والسحور، وهذا الاحتياط غلط، بل لا مجال للاحتياط في هذا الباب.

مفاسد الإخلال بوقت أذان الفجر بدعوى الاحتياط

هذا من الأنواع والأبواب التي ليس هناك مجال فيها للاحتياط، بل يترتب على أذانه قبل الوقت مفاسد عديدة وعظيمة منها:

أولاً: أن هناك نساء في دورهن وأناساً في أماكن بعيدة إذا سمعوا أذان الفجر أقاموا الصلاة وصلوا، ظنوا أن الوقت قد دخل، فيكون هذا الذي احتاط بزعمه للصيام، قد فرّط في أمر أعظم، وهو أمر الصلاة، وباء بإثم أولئك القوم من الرجال والنساء الذين صلوا قبل الوقت اغتراراً بأذانه، فهذا ضرر.

الضرر الثاني: أن كثيراً من الناس إذا سمعوا الأذان أمسكوا عن السحور، ومن المعلوم أن من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام تأخير السحور، كما ورد في الصحيحين من حديث جماعة من الصحابة: {ما تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور} فتأخير السحور مشروع ومستحب وسنة، فيترتب على تعجيل بعضهم بالأذان - أذان الفجر الثاني- أن يمتنع الناس من السحور ويتوقفوا قبل خروج الوقت، فيفرط بسنة.

الضرر الثالث: من الناس من لا يستيقظ إلا متأخراً، فإذا سمع الأذان لم يتسحر، وربما صام طاوياً في ذلك اليوم، ولا شك أن الذي تسبب له في ذلك يتحمل الوزر، فالتبكير بالأذان هذه بعض مضاره.

مفاسد تأخير الأذان واختلاف المؤذنين

وآخرون يؤخرون الأذان عن الوقت، وقد يؤخرونه تأخيراً ظاهراً يترتب عليه تفريط الناس في الصلاة، وتأخرهم عن المجيء إلى المساجد، وكثيراً ما نكون نحن قد أحرمنا بالصلاة -مثلاً- دخلنا في الصلاة أي صلاة- فبعدما ينتصف الأمام في الصلاة وأحياناً بعد السلام تسمع مؤذناً يؤذن للصلاة، وهذا أيضاً فيه ضرر عظيم؛ لأن كون الناس في البلد الواحد يصلون في وقت واحد، أو في وقت متقارب فيه مصالح كثيرة من أهمها:

مصلحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن تفاوت المساجد يجعلك لا تستطيع أن تأمر أحداً أو تنهاه، فإذا قلت له قال: صليت في المسجد الفلاني!

بل إن هذا يحدث فقد أتيت يوماً من الأيام على جماعة، قد فتحوا دكاكينهم يبيعون فسألتهم، فقالوا: إننا قد صلينا في المسجد وأشاروا إلى مسجد، فذهبت فوجدت الناس قد صلوا فعلاً، وذهبت إلى مسجد آخر، فإذا به لم يقم الصلاة بعد، فَكَون وقت الأذان ووقت الصلاة في البلد الواحد يكون متقارباً في الجملة فيه مصالح عظيمة، ومن أهمها: مصلحة انضباط موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه مصالح أخرى كثيرة، هذا وللحديث بقية والله تبارك أعلى وأعلم وصلى الله على عبده ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحانك اللهم وبحمدك ونشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

هذا من الأنواع والأبواب التي ليس هناك مجال فيها للاحتياط، بل يترتب على أذانه قبل الوقت مفاسد عديدة وعظيمة منها:

أولاً: أن هناك نساء في دورهن وأناساً في أماكن بعيدة إذا سمعوا أذان الفجر أقاموا الصلاة وصلوا، ظنوا أن الوقت قد دخل، فيكون هذا الذي احتاط بزعمه للصيام، قد فرّط في أمر أعظم، وهو أمر الصلاة، وباء بإثم أولئك القوم من الرجال والنساء الذين صلوا قبل الوقت اغتراراً بأذانه، فهذا ضرر.

الضرر الثاني: أن كثيراً من الناس إذا سمعوا الأذان أمسكوا عن السحور، ومن المعلوم أن من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام تأخير السحور، كما ورد في الصحيحين من حديث جماعة من الصحابة: {ما تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور} فتأخير السحور مشروع ومستحب وسنة، فيترتب على تعجيل بعضهم بالأذان - أذان الفجر الثاني- أن يمتنع الناس من السحور ويتوقفوا قبل خروج الوقت، فيفرط بسنة.

الضرر الثالث: من الناس من لا يستيقظ إلا متأخراً، فإذا سمع الأذان لم يتسحر، وربما صام طاوياً في ذلك اليوم، ولا شك أن الذي تسبب له في ذلك يتحمل الوزر، فالتبكير بالأذان هذه بعض مضاره.

وآخرون يؤخرون الأذان عن الوقت، وقد يؤخرونه تأخيراً ظاهراً يترتب عليه تفريط الناس في الصلاة، وتأخرهم عن المجيء إلى المساجد، وكثيراً ما نكون نحن قد أحرمنا بالصلاة -مثلاً- دخلنا في الصلاة أي صلاة- فبعدما ينتصف الأمام في الصلاة وأحياناً بعد السلام تسمع مؤذناً يؤذن للصلاة، وهذا أيضاً فيه ضرر عظيم؛ لأن كون الناس في البلد الواحد يصلون في وقت واحد، أو في وقت متقارب فيه مصالح كثيرة من أهمها:

مصلحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن تفاوت المساجد يجعلك لا تستطيع أن تأمر أحداً أو تنهاه، فإذا قلت له قال: صليت في المسجد الفلاني!

بل إن هذا يحدث فقد أتيت يوماً من الأيام على جماعة، قد فتحوا دكاكينهم يبيعون فسألتهم، فقالوا: إننا قد صلينا في المسجد وأشاروا إلى مسجد، فذهبت فوجدت الناس قد صلوا فعلاً، وذهبت إلى مسجد آخر، فإذا به لم يقم الصلاة بعد، فَكَون وقت الأذان ووقت الصلاة في البلد الواحد يكون متقارباً في الجملة فيه مصالح عظيمة، ومن أهمها: مصلحة انضباط موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه مصالح أخرى كثيرة، هذا وللحديث بقية والله تبارك أعلى وأعلم وصلى الله على عبده ورسوله، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، سبحانك اللهم وبحمدك ونشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.




استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5141 استماع
حديث الهجرة 5027 استماع
تلك الرسل 4180 استماع
الصومال الجريح 4149 استماع
مصير المترفين 4127 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4054 استماع
وقفات مع سورة ق 3981 استماع
مقياس الربح والخسارة 3931 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3875 استماع
التخريج بواسطة المعجم المفهرس 3840 استماع