خطب ومحاضرات
ماذا يعني انتمائي للإسلام [1]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحمد الله تعالى على نعمة اللقاء بهذه الوجوه الخيرة النيرة في هذا البلد المبارك، الذي طالما اشتقنا إلى اللقاء فيه والاجتماع بالأحبة فيه، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا أجمعين من المتحابين فيه الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ).
وأخرج مالك في الموطأ و مسلم في صحيحه في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله تعالى يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي )، وأخرج مسلم في صحيحه كذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في ).
وأخرج البخاري في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن لله ملائكة سيارين في الأرض، بغيتهم حلق الذكر، فإذا وجدوهم حفوهم بأجنحتهم إلى سماء الدنيا وتنادوا: أن هذه طلبتكم، فيرتفعون إلى ربهم فيسألهم - وهو أعلم- : ماذا يقول عبادي؟ فيقولون: يحمدونك ويكبرونك ويهللونك، فيقول: وهل رأوني؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوني؟ فيقولون: وعزتك وجلالك لو رأوك لكانوا لك أشد ذكراً، فيقول: وماذا يسألوني؟ فيقولون: يسألونك الجنة، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: وعزتك وجلالك لو رأوها كانوا لها أشد طلباً وعليها أشد حرصاً، فيقول: ومن ماذا يستعيذون بي؟ فيقولون: يستعيذونك من النار، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: وعزتك وجلالك لو رأوها لكانوا منها أشد خوفاً، فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول ملك: يا ربي فيهم عبدك فلان ليس منهم وإنما جاء لحاجته، فيقول: هم الرهط.. )، أو: ( هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ).
وأخرج مسلم في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه )، ونحن الآن ينبغي أن نستحضر نياتنا وأن نخلص لله سبحانه وتعالى، وأن نحرص على أن يكون مجلسنا هذا الذي قل ما سمح الزمان لنا بالاجتماع في مثله أن يكون حلقة من حلق الذكر التي تحفها الملائكة وتتنزل عليها السكينة ويغفر الله تعالى لأهلها جميعاً ولكل من حضرها ولو لم تكن نيته خالصة، ولا يكون ذلك إلا بالنية الخالصة بقصد التعبد لله سبحانه وتعالى والإخلاص له وطلب العلم الذي جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم من عنده، والعمل بما يسمعه الإنسان من ما بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأنتم تعلمون أن هذه الأمة لها رسول واحد هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، صلى الله عليه وسلم وأنه جاء بالبينات والهدى من عند الله، وأننا جميعاً رضينا به نبياً ورسولاً، فيكفينا هذا الرسول صلى الله عليه وسلم من القدوات والأسوات، والذي ينقص هو أن نتعلم ما جاء به ثم أن نبادر للعمل به، فليس لنا الخيار بعد مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس أحد معذوراً في الإعراض عن ما جاء به، فإنه صلى الله عليه وسلم قامت به حجة الله جل جلاله على الثقلين الإنس والجن؛ فقد بلغ رسالات الله إلى من يقومون بتبليغها إلى من وراءهم؛ فكل إنسان مثل الآن بلغه شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قامت عليه الحجة ويجب عليه التبليغ لمن وراءه، ويكون الوقت الذي يمضيه بالتبليغ امتداداً لعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيادة في أمد رسالته، وأنتم جميعاً رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم للتبليغ إلى من وراءكم؛ فقد جاء بهذا الدين فتركه في أصحابه وهم نقلوه إلى التابعين ونقله التابعون إلى أتباعهم، وهكذا حتى وصل إلينا الليلة ونحن في القرن الخامس عشر من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
المصلحة في ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهذا الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله هو مصلحة الإنسان في الحياة الدنيا وفي البرزخ وفي الدار الآخرة؛ فهو جماع المصالح، لا يحتاج الإنسان معه إلى أي شيء آخر، إذا طلب أية مصلحة فسيكفلها هذا الدين ويحققها؛ فقد جاء فيه من التشريع ما ينظم علاقات العباد بربهم جل جلاله، وجاء فيه من التشريع ما ينظم علاقات العباد فيما بينهم، وجاء فيه من الأخلاق أكرمها وأفضلها، وجاء فيه كذلك من الحوافز والترغيب والترهيب ما يقتضي من الإنسان المبادرة إلى الطاعة والنجاح في الامتحان، ونحن جميعاً في هذه الدار - أي الدار الدنيا - ممتحنون بامتحان من عند الله سبحانه وتعالى، والناجحون فيه قليل ولكنهم يحرزون من الفضل والسبق ما لا يخطر على بال كما روى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه قال: ( أعددت لعبادي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر )، وقد قال الله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ[السجدة:17-18].
فرق شاسع بين من نجح في هذا الامتحان فكان من الذين آمنوا وبين من رسبوا فكانوا من الذين فسقوا، فرق شاسع بينهم في مقامهم عند الله ومنزلتهم عنده؛ لأن كل عمل يعمله الإنسان اليوم في هذه الحياة إنما هو وظيفة يوظفه الله فيها، والناس جميعا عباد له، وكل زين له ما يعمله؛ فمن زين الله له العمل الصالح ويسره للطاعة فهو ميسر لما خلق له، وأولئك هم الموظفون الذين اختار الله لهم أسمى الوظائف وأرقاها؛ فكانوا من نعمة إلى جنة، يعيشون في هذه الدار ما عاشوا وهم مشغولون بالطاعة وما يرضي الله جل جلاله، فإذا ماتوا أعد الله لهم من النعيم المقيم ما لا يمكن أن يخطر على قلب أحد، والآخرون قذرهم الله جل جلاله فوظفهم في أخس الوظائف، وشغلهم بشر الأعمال، وسلطهم على أنفسهم بمعصية الله، ولا يضرون الله شيئاً وإنما يضرون أنفسهم، وأعد لهم بعد ذلك الجزاء الوفاق، فالسيئة هي أسوأ ما يمكن أن يقع على وجه الدنيا، وجزاؤها هو أسوأ ما يمكن أن يقع في الآخرة.
إدراك الإنسان لقيمته والقيام بوظيفته
ولذلك فإن الإنسان لابد أن يدرك أنه ذو قيمة، وأن له مزية وأنه موظف وظيفة حقيقية، وعليه أن يبادر للقيام بوظيفته وأن يعمل بها قبل أن يأتي أجله، فله مدة محددة يمكثها في هذه الحياة، إذا عمل ما أمر به نجح وكان من الفائزين وكانت حياته الدنيا منزلة عالية له؛ لأنه اتخذها مطية إلى الدار الآخرة؛ فاستغل أيامه ولياليه وأوقاته الخالية فيما يقربه من الله سبحانه وتعالى، فإذا جاء يوم القيامة أوتي كتابه بيمينه ونودي ذلك النداء الشريف: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ[الحاقة:24]، وإذا ضيع الوقت فإنه سيندم غاية الندم، فكل يوم مضى أو شهر أو سنة أو عقد من الزمن لم يقرب الإنسان إلى الله ولم يزده من الطاعات والخيرات إنما هو وبال عليه وحسرة وخصومة يوم القيامة؛ لأن الله تعالى يقول لأهل النار: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ[فاطر:37].
وللإنسان خمسة أعمار:
وهذا الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله هو مصلحة الإنسان في الحياة الدنيا وفي البرزخ وفي الدار الآخرة؛ فهو جماع المصالح، لا يحتاج الإنسان معه إلى أي شيء آخر، إذا طلب أية مصلحة فسيكفلها هذا الدين ويحققها؛ فقد جاء فيه من التشريع ما ينظم علاقات العباد بربهم جل جلاله، وجاء فيه من التشريع ما ينظم علاقات العباد فيما بينهم، وجاء فيه من الأخلاق أكرمها وأفضلها، وجاء فيه كذلك من الحوافز والترغيب والترهيب ما يقتضي من الإنسان المبادرة إلى الطاعة والنجاح في الامتحان، ونحن جميعاً في هذه الدار - أي الدار الدنيا - ممتحنون بامتحان من عند الله سبحانه وتعالى، والناجحون فيه قليل ولكنهم يحرزون من الفضل والسبق ما لا يخطر على بال كما روى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه قال: ( أعددت لعبادي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر )، وقد قال الله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ[السجدة:17-18].
فرق شاسع بين من نجح في هذا الامتحان فكان من الذين آمنوا وبين من رسبوا فكانوا من الذين فسقوا، فرق شاسع بينهم في مقامهم عند الله ومنزلتهم عنده؛ لأن كل عمل يعمله الإنسان اليوم في هذه الحياة إنما هو وظيفة يوظفه الله فيها، والناس جميعا عباد له، وكل زين له ما يعمله؛ فمن زين الله له العمل الصالح ويسره للطاعة فهو ميسر لما خلق له، وأولئك هم الموظفون الذين اختار الله لهم أسمى الوظائف وأرقاها؛ فكانوا من نعمة إلى جنة، يعيشون في هذه الدار ما عاشوا وهم مشغولون بالطاعة وما يرضي الله جل جلاله، فإذا ماتوا أعد الله لهم من النعيم المقيم ما لا يمكن أن يخطر على قلب أحد، والآخرون قذرهم الله جل جلاله فوظفهم في أخس الوظائف، وشغلهم بشر الأعمال، وسلطهم على أنفسهم بمعصية الله، ولا يضرون الله شيئاً وإنما يضرون أنفسهم، وأعد لهم بعد ذلك الجزاء الوفاق، فالسيئة هي أسوأ ما يمكن أن يقع على وجه الدنيا، وجزاؤها هو أسوأ ما يمكن أن يقع في الآخرة.
ولذلك فإن الإنسان لابد أن يدرك أنه ذو قيمة، وأن له مزية وأنه موظف وظيفة حقيقية، وعليه أن يبادر للقيام بوظيفته وأن يعمل بها قبل أن يأتي أجله، فله مدة محددة يمكثها في هذه الحياة، إذا عمل ما أمر به نجح وكان من الفائزين وكانت حياته الدنيا منزلة عالية له؛ لأنه اتخذها مطية إلى الدار الآخرة؛ فاستغل أيامه ولياليه وأوقاته الخالية فيما يقربه من الله سبحانه وتعالى، فإذا جاء يوم القيامة أوتي كتابه بيمينه ونودي ذلك النداء الشريف: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ[الحاقة:24]، وإذا ضيع الوقت فإنه سيندم غاية الندم، فكل يوم مضى أو شهر أو سنة أو عقد من الزمن لم يقرب الإنسان إلى الله ولم يزده من الطاعات والخيرات إنما هو وبال عليه وحسرة وخصومة يوم القيامة؛ لأن الله تعالى يقول لأهل النار: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ[فاطر:37].
وللإنسان خمسة أعمار:
العمر الأول منها عمره في عالم الذر عندما: ( مسح الله ظهر آدم بيمينه فأخرج منه ذرية فقال آدم : أي ربي! من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك، خلقتهم للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره أخرى فأخرج منه ذرية، فقال آدم: أي ربي! من هؤلاء؟ قال: خلق من ذريتك خلقتهم للنار وبعمل أهل النار يعملون )، ثم خلطهم حتى ما يتميزون فناداهم فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى، قالها مؤمنهم وكافرهم وبرهم وفاجرهم كلهم أقروا له بالربوبية؛ فأخذ عليهم العهد المؤكد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، قال الله تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ[يس:60-61]، وذلك الوقت أصبح الإنسان فيه كائناً موجوداً وجه إليه الخطاب وصدر منه الجواب وأخذ عليه العهد ووافق عليه، وهذه أمور لا تحصل إلا من الأحياء، لكن بعد نهاية أخذ العهد عليهم حبست الأرواح جميعاً وهي نسمات بني آدم في سماء الدنيا، ولما مات آدم رفع إليها فجعل أهل السعادة عن يمينه وأهل الشقاوة عن شماله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليلة المعراج لما فتح له باب السماء الدنيا قال: ( فإذا آدم وعن يمينه أسودة وعن شماله أسوده، إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى، فسألت جبريل: ما هذه الأسودة؟ قال: أما الذين عن يمينه فأهل السعادة، إذا نظر إليهم ضحك لكثرة أهل السعادة من بنيه، وأما الذين عن شماله فأهل الشقاوة إذا نظر إليهم بكى لكثرة أهل الشقاوة من بنيه).
والعمر الثاني هو: عمر الإنسان فوق الأرض في هذه الحياة الدنيا، وهو مجزأ إلى أيام وليالي وشهور وسنوات، والامتحان فيه يبدأ من وقت التكليف، عندما يكلف الإنسان يكلف به الملكان ملك عن يمينه يكتب حسناته وملك عن شماله يكتب سيئاته، وكلاهما مطلع على كل ما يصدر منه من العمل كما قال الله تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق:18]، وقال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ[الانفطار:10-12]، وهو ممتحن بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله؛ فأول ذلك حق الله جل جلاله وهو أولاً توحيده وأن لا نشرك به شيئاً، فلابد من تعلم حقوق الله سبحانه وتعالى أن يحرص الإنسان على أدائها؛ فالإسلام إنما يدخل بشهادة أن لا إله إلا لله وأن محمداً رسول الله، وهذه الشهادة العظيمة تقتضي من الإنسان الإقرار بأن لا نافع ولا ضار إلا الله جل جلاله وأن الأمور كلها بيده؛ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الأُمُورُ[الشورى:53]، وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[الزمر:67].
استحقاق الله للعبادة وحده
وكذلك تقتضي هذه الشهادة الإيمان بأنه وحده الذي يستحق العبادة فصرف أي شيء من العبادة لغيره إنما هو خسارة؛ فالإنسان الذي يرائي أو يسمع، إذا كان في حضرة الناس أحسن عبادته فإذا خلا بنفسه لم يؤدها على الوجه الصحيح، أو يترك المعصية في حضرة الناس فإذا خلا بنفسه عصا الله سبحانه وتعالى هذا شهادته مدخولة؛ فهو يشهد أن لا إله الله ومع ذلك لا يعمل بمقتضى هذه الشهادة، فهذه الشهادة تقتضي منه أن لا يخاف إلا الله وأن لا يطمع إلا في الله وأن لا يقدم أي شيء من العبادة إلا لله جل جلاله؛ فهو مستحق العبادة وحده، ولذلك قال الله تعالى في سورة فاطر: ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ[فاطر:13-14].
توحيد الله في التشريع
وكذلك من حقه ومن مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله: الإيمان بأنه لا يحل ولا يحرم إلا هو جل جلاله فهو وحده الذي يستحق التشريع لعباده، فكل الأوامر الشرعية هي من عند الله سبحانه وتعالى؛ فهو الذي يأمر بمأموراتها وهو الذي ينهى عن منهياتها، وذلك حق من حقوق الألوهية وليس لأحد سواه أن يشرع للناس؛ فكل من أحل ما حرم الله أو حرم ما لم يحرمه الله فقد نازع الله في حقه في الألوهية، ولذلك قال الله تعالى: أَمْ لَهمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ[الشورى:21].
محبة الله حباً شديداً
وكذلك من حقوق الله سبحانه وتعالى ومن مقتضى هذه الشهادة العظيمة: محبة الله حباً شديداً؛ فكل من آمن بالله لا بد أن يحبه حباً شديداً، وللمحبة أسباب فمنها: الكمال والجمال والجلال والله سبحانه وتعالى هو المتصف بكل الكمال، وهو المنزه عن كل نقص؛ فكل كمال واجب له وكل نقص محال عليه؛ فلذلك يستحق المحبة لذاته ولواجب صفاته، وكذلك من أسباب المحبة الإحسان، ولا أحد ينعم علينا بأية نعمة إلا الله جل جلاله: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللهِ[النحل:53]، فقد أنعم علينا بأنواع النعم التي لا تحصى؛ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا[إبراهيم:34]، فإذا راجعنا نعمته علينا اقتضى منا ذلك محبته.
ثم إن من أسباب المحبة أيضاً: الرجاء؛ فمن ترجو منه نفعاً تحبه ولو لم يكن جميلاً ولو لم يكن قد أسدى إليك معروفاً في الماضي ولكن لتعلقك بمعروف في المستقبل، ونحن جميعاً نرجو ثواب الله، نرجو أن يبيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسوه وجوه، وأن يعطينا كتبنا بأيماننا تلقاء وجوهنا، وأن يجوزنا على الصراط أجمعين كالبرق الخاطف، وأن يدخلنا جنته، وأن يرزقنا مجاورة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهذا الرجاء العظيم يقتضي منا تمام المحبة والتعلق به جل جلاله، والمحبة محبة الله سبحانه وتعالى قاضية على محبة من دونه؛ فمن أحب الله جل جلاله أحب كل من يحب الله؛ فنحن الآن نحب محمداً صلى الله عليه وسلم و إبراهيم وموسى وعيسى ونوحاً والنبيين أجمعين؛ لأنهم يحبون الله ويعبدونه ونحب جبريل وإسرافيل وميكائيل لأنهم يحبون الله ويعبدونه، وكل من أحب الله وعبده فإننا نحبه حباً شديداً لحبه لله جل جلاله وذلك من تمام محبتنا لله.
وهذه المحبة كما ذكرت قاضية على كل حب سواها؛ فمن أبغض الله وخالفه وحاده في ملكه فلابد أن يكون بغيضاً علينا، ولابد أن نكرهه كراهة شديدة ولو كان أقرب الناس إلينا كما قال الله تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ[المجادلة:22]، وهذه المحبة هي أعظم محبة كما قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ[البقرة:165]، فــ(أشد) أفعل تفضيل، وهي تقتضي أنه لا يمكن أن يوجد شيء من المحبة أشد من ذلك، وهذا المقام هو من الإيمان ومن لم يجده في نفسه عامل الله بمعاملة الإنسان في البيع والشراء، وذلك خطأ في التعبد؛ فلا بد أن يكون الإنسان يعامل الله مع رغبته في ما عنده من الخير ورهبته لما عنده من العذاب يعامله أيضاً بمحبة شديدة جل جلاله؛ ليكون في تعبده مؤدياً للحق الواجب لله سبحانه وتعالى لا يطلب حظاً نفسياً فقط، وهذا يقتضي من الإنسان أن يراجع نفسه دائماً في ما يتعلق بتعبده هل هو محب لله؟ فكثير من الناس يؤدون العبادات ويتركون المحرمات طمعاً في الجنة وخوفاً من النار، ولكن لا يخطر على بالهم ما يتعلق بحبهم لله جل جلاله، وحب الله سبحانه وتعالى مقام كبير يزداد به الإنسان قرباً ولو كان قليل التعبد؛ فمحبته لله سبحانه وتعالى ترفع منزلته وتعلي قدره.
إحسان العبادة لله
ومن حقه إحسان عبادته فهذه العبادة التي يؤديها المسلمون لله سبحانه وتعالى متفاوتة هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللهِ[آل عمران:163]، وهم متفاوتون فيها تفاوتاً عظيماً، ومن كان منهم أحسن للعبادة وأوفى بحقها كان مقامه أعلى عند الله سبحانه وتعالى، والعبادة تبنى كما تبنى البيوت، لها تأسيس وهو صحة الاعتقاد والتوجه إلى الله جل جلاله وحده، ثم بعد ذلك أداء الفرائض، ثم بعد ذلك السنن، ثم بعد ذلك المندوبات؛ كما ثبت في الحديث القدسي الصحيح: ( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بهان ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه ).
وكذلك تقتضي هذه الشهادة الإيمان بأنه وحده الذي يستحق العبادة فصرف أي شيء من العبادة لغيره إنما هو خسارة؛ فالإنسان الذي يرائي أو يسمع، إذا كان في حضرة الناس أحسن عبادته فإذا خلا بنفسه لم يؤدها على الوجه الصحيح، أو يترك المعصية في حضرة الناس فإذا خلا بنفسه عصا الله سبحانه وتعالى هذا شهادته مدخولة؛ فهو يشهد أن لا إله الله ومع ذلك لا يعمل بمقتضى هذه الشهادة، فهذه الشهادة تقتضي منه أن لا يخاف إلا الله وأن لا يطمع إلا في الله وأن لا يقدم أي شيء من العبادة إلا لله جل جلاله؛ فهو مستحق العبادة وحده، ولذلك قال الله تعالى في سورة فاطر: ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ[فاطر:13-14].
وكذلك من حقه ومن مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله: الإيمان بأنه لا يحل ولا يحرم إلا هو جل جلاله فهو وحده الذي يستحق التشريع لعباده، فكل الأوامر الشرعية هي من عند الله سبحانه وتعالى؛ فهو الذي يأمر بمأموراتها وهو الذي ينهى عن منهياتها، وذلك حق من حقوق الألوهية وليس لأحد سواه أن يشرع للناس؛ فكل من أحل ما حرم الله أو حرم ما لم يحرمه الله فقد نازع الله في حقه في الألوهية، ولذلك قال الله تعالى: أَمْ لَهمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ[الشورى:21].
وكذلك من حقوق الله سبحانه وتعالى ومن مقتضى هذه الشهادة العظيمة: محبة الله حباً شديداً؛ فكل من آمن بالله لا بد أن يحبه حباً شديداً، وللمحبة أسباب فمنها: الكمال والجمال والجلال والله سبحانه وتعالى هو المتصف بكل الكمال، وهو المنزه عن كل نقص؛ فكل كمال واجب له وكل نقص محال عليه؛ فلذلك يستحق المحبة لذاته ولواجب صفاته، وكذلك من أسباب المحبة الإحسان، ولا أحد ينعم علينا بأية نعمة إلا الله جل جلاله: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللهِ[النحل:53]، فقد أنعم علينا بأنواع النعم التي لا تحصى؛ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا[إبراهيم:34]، فإذا راجعنا نعمته علينا اقتضى منا ذلك محبته.
ثم إن من أسباب المحبة أيضاً: الرجاء؛ فمن ترجو منه نفعاً تحبه ولو لم يكن جميلاً ولو لم يكن قد أسدى إليك معروفاً في الماضي ولكن لتعلقك بمعروف في المستقبل، ونحن جميعاً نرجو ثواب الله، نرجو أن يبيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسوه وجوه، وأن يعطينا كتبنا بأيماننا تلقاء وجوهنا، وأن يجوزنا على الصراط أجمعين كالبرق الخاطف، وأن يدخلنا جنته، وأن يرزقنا مجاورة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهذا الرجاء العظيم يقتضي منا تمام المحبة والتعلق به جل جلاله، والمحبة محبة الله سبحانه وتعالى قاضية على محبة من دونه؛ فمن أحب الله جل جلاله أحب كل من يحب الله؛ فنحن الآن نحب محمداً صلى الله عليه وسلم و إبراهيم وموسى وعيسى ونوحاً والنبيين أجمعين؛ لأنهم يحبون الله ويعبدونه ونحب جبريل وإسرافيل وميكائيل لأنهم يحبون الله ويعبدونه، وكل من أحب الله وعبده فإننا نحبه حباً شديداً لحبه لله جل جلاله وذلك من تمام محبتنا لله.
وهذه المحبة كما ذكرت قاضية على كل حب سواها؛ فمن أبغض الله وخالفه وحاده في ملكه فلابد أن يكون بغيضاً علينا، ولابد أن نكرهه كراهة شديدة ولو كان أقرب الناس إلينا كما قال الله تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ[المجادلة:22]، وهذه المحبة هي أعظم محبة كما قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ[البقرة:165]، فــ(أشد) أفعل تفضيل، وهي تقتضي أنه لا يمكن أن يوجد شيء من المحبة أشد من ذلك، وهذا المقام هو من الإيمان ومن لم يجده في نفسه عامل الله بمعاملة الإنسان في البيع والشراء، وذلك خطأ في التعبد؛ فلا بد أن يكون الإنسان يعامل الله مع رغبته في ما عنده من الخير ورهبته لما عنده من العذاب يعامله أيضاً بمحبة شديدة جل جلاله؛ ليكون في تعبده مؤدياً للحق الواجب لله سبحانه وتعالى لا يطلب حظاً نفسياً فقط، وهذا يقتضي من الإنسان أن يراجع نفسه دائماً في ما يتعلق بتعبده هل هو محب لله؟ فكثير من الناس يؤدون العبادات ويتركون المحرمات طمعاً في الجنة وخوفاً من النار، ولكن لا يخطر على بالهم ما يتعلق بحبهم لله جل جلاله، وحب الله سبحانه وتعالى مقام كبير يزداد به الإنسان قرباً ولو كان قليل التعبد؛ فمحبته لله سبحانه وتعالى ترفع منزلته وتعلي قدره.
استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
خطورة المتاجرة بكلمة الحق | 4830 استماع |
بشائر النصر | 4289 استماع |
أسئلة عامة [2] | 4133 استماع |
المسؤولية في الإسلام | 4061 استماع |
كيف نستقبل رمضان [1] | 4000 استماع |
نواقض الإيمان [2] | 3947 استماع |
عداوة الشيطان | 3934 استماع |
اللغة العربية | 3931 استماع |
المسابقة إلى الخيرات | 3908 استماع |
القضاء في الإسلام | 3897 استماع |