حديث إلى مغترب


الحلقة مفرغة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، إخوتي وأخواتي في الله قبل أن ننتقل إلى فضيلة الشيخ سلمان العودة، هناك بعض التعليمات والإعلانات الهامة أرجو من أحبتي في جميع المراكز كتابتها:

أولاً: هناك إشراف إلكتروني على هذا المؤتمر الهاتفي كل عشر دقائق من قبل موظف السنترال، ولكن إذا فقد الاتصال بأي مركز؛ فيمكنه الرجوع للشبكة عن طريق الاتصال بموظف السنترال على الرقم التالي [...].

ثانياً: سوف يكون لنا مؤتمر هاتفي مع أحد علماء أو مفكري هذه الأمة كل يوم سبت من شهر رمضان إن شاء الله.

ثالثاً: حفاظاً على أوقات إخوانكم في مركز الدعوة الإسلامية هنا؛ فإنه لم يتم الاتصال بالمراكز أو الأماكن لدعوتهم في المشاركة في اللقاءات القادمة؛ حيث إن الدعوة وصلتكم الآن للاشتراك إلى نهاية شهر رمضان فعلى الراغبين في المشاركة في المؤتمرات القادمة أن يبعثوا رقم الاشتراك المخفض وهو ثلاثون دولاراً أمريكياً لكل مؤتمر على العنوان التالي: إسلامك دعوة [islamicdawa].

رابعاً: بناءً على طلب فضيلة الشيخ حفظه الله وهو ألا تسجل هذه المحاضرة؛ ما لم يكن التسجيل واضحاً نرجو من جميع الإخوة والأخوات الامتناع عن التسجيل في جميع الأماكن علماً بأن هناك مختصين في مركز الدعوة ودار مكة سوف يقومون بالتسجيل الواضح، والإخراج المنظم، وعلى الراغبين في الحصول على هذه المحاضرة مراسلة مركز الدعوة أو دار مكة.

خامساً: يسر مركز الدعوة أن يعلن للإخوة والأخوات عن مفاجأة سارة عن ضيفنا يوم السبت القادم إن شاء الله وفي الموعد نفسه، وهو واحد من أكبر علماء هذه الأمة فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني أطال الله عمره، ونفعنا بعلمه، هذا الضيف يشاركنا هذه الليلة في الاستماع إلى هذا المؤتمر الهاتفي من الأردن بناءً على طلبه نرجو الله أن يرزقه الصحة والعافية ولجميع المسلمين إنه سميع مجيب.

سادساً: بناءً على طلب فضيلة الشيخ محمد الألباني حفظه الله ولأسباب صحية إن المؤتمر القادم سوف يقتصر على الأسئلة الفقهية فقط التي تهم المسلمين أرجو إرسال أسئلتكم ابتداء من هذه الليلة على العنوان السابق أو رقم الفاكس التالي [210000902] الآن يسعدنا أن ننتقل إلى فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة.

السلام عليكم يا شيخنا.

الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

شيخنا حفظكم الله إخوانكم المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا في أكثر من ثمانين مركزاً يقرئونكم السلام ويباركون لكم هذا الشهر، سائلين الله أن يتقبل منا ومنكم ومن سائر المسلمين صيامه وقيامه.

أحبتي في الله من منا لا يعيش الغربة في هذه البلاد، فبعضنا يعيش غربة الأهل، والبعض يعيش غربة الوطن، ولكنا جميعاً نعيش غربة الدين وإنها لغربة، لذا فإن مركز الدعوة الإسلامية في مدينة شامبين وبالتعاون مع المركز الإسلامي في مدينة إروان يقدمون سلسلة من اللقاءات الهاتفية مع بعض علماء ومفكري هذه الأمة.

في الأسبوع الماضي كان لنا لقاء مع فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين حفظه الله، وموعدنا الليلة مع فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة بعنوان: "حديث إلى مغترب" فتفضل يا شيخنا حفظك الله ونفعنا بعلمك.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وسلم تسليماً كثيراً، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعد..

أيها الإخوة والأخوات، يسعدني كثيراً أن أتحدث إليكم في هذه اللحظات المباركة- إن شاء الله تعالى- وفي صباح هذا اليوم الأحد الرابع عشر من رمضان، وإنه ليسعدني أن أتحدث إليكم أيما سعادة، ولا يفوتني أبداً أن أشكر أولئك الإخوة الذين سهروا في تنظيم هذا اللقاء وترتيبه، إنها فكرة رائدة جميلة أن يتم تنظيم مؤتمر هاتفي يستمع فيه إخوة وأخوات في ولايات شتى إلى حديثٍ ما، وإنه ليسعدني أكثر وأكثر أن أسمع الآن من أخي المقدم أن فضيلة الشيخ الوالد/ محمد ناصر الدين الألبانيهو أيضاً يستمع إلى هذا الحديث، فإنني بقدر ما أشعر بغبطةٍ؛ فإني أشعر بأن حديث مثلي في هذا الموقع نوع من الفضول، ولكن هي بلوى أسأل الله تعالى أن يعينني عليها.

أيها الإخوة.. إن الأحق بمثل هذا الحديث هو فضيلة الشيخ وأمثاله من العلماء الذين شابوا في العلم والتعليم والعمل والدعوة إلى الله تعالى- أسأل الله تعالى أن يبارك في أعمالهم وأعمارهم وأن ينفعنا جميعاً بعلومهم.

أيها الأحبة.. هذا اللقاء يتم في هذا الشهر الكريم، وفي مثل ذلك الجو الإيماني القوي عقب أداء فريضة من فرائض الله تعالى وعقب قيام ليلة من ليالي هذا الشهر، فهي فرصة لا تعوض، ومهما يطل الوقت فهو قصير، ولهذا فإنني أستأذنكم في الدخول إلى الموضوع وقد قسمت الموضوع إلى ثلاثة أجزاء أو ثلاث نقاط:

أنواع الغربة

ماذا نعني بالمغترب؟ إن الغربة قد تطلق أحياناً على نـزوح الإنسان عن وطنه واغترابه عن أهله؛ فيقال: رجل غريب، أي: بعيد عن وطنه كما قال الشاعر:

وإني والعبسي في أرض مذحـج     غريبان شتى الدار مختلفان

وما كان غض الطرف منا سجية     ولكننا في مذحج الغربــان

والغريب عن وطنه عادةً تكون أموره مبنية على التوقيت وعدم التعلق بالأشياء؛ لأنه يؤمل الرجوع يوماً بعد يوم، ولهذا لما أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يوصي ابن عمر رضي الله عنه بالتخفف من الدنيا والتقلل منها، قال له كما في صحيح البخاري: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} إذاً هذه الغربة الحسية غربة الإنسان عن وطنه وعن أهله وعن أسرته.

المعنى الثاني: أنها تطلق على الغربة المعنوية، وهي غربة الدين كما في قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن ابن عمر: {إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها} ومثله أيضاً ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء} هذه الغربة هي غربة الدين وغربة الطريق.

ماذا نعني بالمغترب؟ إن الغربة قد تطلق أحياناً على نـزوح الإنسان عن وطنه واغترابه عن أهله؛ فيقال: رجل غريب، أي: بعيد عن وطنه كما قال الشاعر:

وإني والعبسي في أرض مذحـج     غريبان شتى الدار مختلفان

وما كان غض الطرف منا سجية     ولكننا في مذحج الغربــان

والغريب عن وطنه عادةً تكون أموره مبنية على التوقيت وعدم التعلق بالأشياء؛ لأنه يؤمل الرجوع يوماً بعد يوم، ولهذا لما أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يوصي ابن عمر رضي الله عنه بالتخفف من الدنيا والتقلل منها، قال له كما في صحيح البخاري: {كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل} إذاً هذه الغربة الحسية غربة الإنسان عن وطنه وعن أهله وعن أسرته.

المعنى الثاني: أنها تطلق على الغربة المعنوية، وهي غربة الدين كما في قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن ابن عمر: {إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها} ومثله أيضاً ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء} هذه الغربة هي غربة الدين وغربة الطريق.

الغربة المعنوية لها أكثر من صورة:

غربة المسلم بين الكفار

غربة المسلمين بين الكافرين من أهل الملل الأخرى كاليهود والنصارى والوثنيين والمنافقين ونحوهم، فهذه غربة، والمسلمون مهما يكثروا فهم قليل كما قال الله تعالى وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13] وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض} فهم قليل من كثير.

إذاً: هذه حقيقة شرعية قدرية أن المؤمنين بالنسبة إلى الكفار قليل، وهذا ما نلاحظه في الإحصائيات، فإن الإحصائيات تقول: إن عدد المسلمين يشكلون خُمُس سكان الكرة الأرضية، مع أن هذه الإحصائية يدخل فيها المسلمون الجغرافيون- كما يقال- ومنهم من لا صلة لهم بالإسلام قط إلا بالاسم، أو بشهادة الميلاد، أو بالبلد الذي ينتمون إليه، بل ومنهم من هم حرب على الإسلام، سواءً من أهل المذاهب الضالة، والأحزاب الكافرة، والبدع الظاهرة أم غير هؤلاء، وهذه الحقيقة، حقيقة أن المسلمين في الجملة غرباء بين أهل الأرض يجب أن نفهمها بتوازن واعتدال، والذين يطمعون بتطهير الدنيا كلها من الكفر والشرك مخطئون، بل لا يزال الصراع قائم بين التوحيد والشرك حتى يلتقي المسيح ابن مريم عليه السلام مع المسيح الدجال ويقتله بباب لد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

بعض الناس يتصورون الآن أننا بالدبلوماسية الهادئة -كما يقال- وبالطرق السياسية المرنة؛ نستطيع أن نوصل الإسلام إلى العالم، وهذه في نظري أشبه بأحلام النائمين، إن بعض الإخوة خاصة من أولئك الذين عاشوا طويلاً في بلاد الغرب قد يواجهون أحياناً نوعيات، وأفراداً من الناس أو حتى جمعيات لا تحمل حقداً ظاهراً مكشوفاً على الإسلام، أو قد يقال عنها: إنها تقف في مناصرة بعض القضايا الإسلامية والعربية كما يعبرون في قضية فلسطين مثلاً أو قضية البوسنة والهرسك أو ما سواهما.

وهذا ليس بالأمر الغريب، ففي الجاهلية الأولى كان يوجد أمثال عبد الله بن أريقط، وكان يوم الهجرة مشركاً، ومع ذلك استأجره النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يصحبهم في طريق الهجرة، حيث كان مأموناً من جهة، ومن جهة أخرى كان هادياً دليلاً بصيراً بالطريق، وفي مثل هؤلاء يقول الله عز وجل: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]؛ لكن كم عدد هؤلاء الذين لا يحملون حقداً ظاهراً منصوباً صارخاً على الإسلام والمسلمين؟ إنهم لا يشكلون ظاهرة ملفتة للنظر في أوساط الأمم الكافرة، وواجب الدعوة لهؤلاء ولغيرهم دعوتهم إلى الله تعالى قائم؛ مع البراءة من شركهم وكفرهم وعدم إقرارهم على ذلك.

لكن يجب أن نعلم ونتعلم من الحديث السابق نفسه وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً وهو يأرزُ بين المسجدين }- أي مسجد مكة والمدينة، فيجب أن نفهم من ذلك أنه حين أسلم المسلمون من تلك البلاد الغربية، ومهما يوجد تعاطف مع الإسلام من بعض الأفراد أو بعض الجمعيات؛ فإن تلك البلاد تظل في جملتها، وجمهورها، وقياداتها السياسية والعلمية والإعلامية تظل خصماً لدوداً للإسلام والمسلمين، والإسلام يعرف ويعود وينتظم، ويحن إلى البلاد التي خرج منها أول مرة، فهي بلاد الإسلام التي سيعود إليها كما بدأ منها، وأهلها هم حملة الإسلام وحماته في الجملة.

إذاً يجب أن نعرف أن مثل هذه الظواهر، كوجود تعاطف مع الإسلام من بعض الأفراد، أو من بعض الجماعات تعاطفاً ظاهرياً لفظياً، أو حتى تعاطفاً حقيقياً إن هذا لا يعني أننا نستطيع أن نحول هذه البلاد إلى بلاد إسلامية أو نوصل الإسلام إلى جميع أفرادها، مع أن هذا لا يعني أبداً تقليل الجهود التي يجب أن نقوم بها في دعوتهم إلى الله عز وجل كما أن أولئك الذين يتخذون من هذه الحقيقة أعني: (حقيقة قلة المسلمين بالنسبة إلى الكفار) الذين يتخذون منها تكئةً للقعود عن دعوة غير المسلمين، وعدم بذل الجهد في دعوتهم هم أيضاً مخطئون، والنبي صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا بقلة المسلمين بالقياس إلى الكفار لم يمنعه ذلك ولا أصحابه من بذل الجهد في دعوتهم، واستفراغ الوسع في ذلك حتى هدى الله تعالى على أيديهم من شاء هدايته.

وها نحن أيها الإخوة والأخوات، نراكم اليوم في هذا العالم الكافر، فما هو المطلوب منكم؟ إنه ليس مطلوباً أن تنقلوا لهؤلاء -كما تعبر بعض الجهات- التراث الشعبي والعادات الاجتماعية الموروثة، كلا، ولا أن تصدروا الآراء الخاصة والاتجاهات المحددة، ولكن أن تقدموا لهم دين الله تعالى، وهذا الوقت الذي تطورت فيه وسائل الاتصال وأصبح الإنسان كما يقال: يعطس هنا فتشمتونه أنتم على بعد آلاف الأميال، ويتحدث فتسمعونه، إن الغرب ما يزال لا يعرف عن الإسلام اليوم إلا أنه دين السيف، والرق، وتعدد الزوجات، ثلاث قضايا يشهرونها في وجه كل مسلم وكل داعية إلى الإسلام، أنه دين السيف، ودين الرق، ودين تعدد الزوجات.

ونقول نحن المسلمين: نعم. نؤمن أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِثَ بالسيف، كما قال عليه الصلاة والسلام: بعثت بالسيف بين يدي الساعة} والحديث عند أحمد وأبي داود من حديث ابن عمر وسنده جيد، وهذا يعني الجهاد في سبيل الله، وأعتقد أننا لسنا بحاجة إلى كبير جهد الآن لإقناع الغربيين بذلك، في ظل هيمنة النظام الغربي على عدد من الدول العربية والإسلامية، وغيرها عن طريق التدخل العسكري المباشر لحماية مصالحه الاقتصادية، أو تحقيق مصالحه السياسية، أو ضمان مستقبله كما يخطط ويرتب، وفي ظل تجاهل الدول كلها لصرخات المسلمين المستضعفين في البوسنة والهرسك ما بين نساء مغتصبات يزيد عددهن على مائة وعشرين ألف امرأة مسلمة، وما بين أطفال أبرياء يزيد عدد النازحين منهم على خمسة وعشرين ألف طفل، وما بين شيوخ عاجزين، بل والعالم كله يشارك في الجريمة من خلال منع المسلمين من الحصول على السلاح للدفاع عن أنفسهم على حين يصل السلاح إلى عدوهم الصرب من إيطاليا ورومانيا وروسيا وغيرها، بل ويقاتل إلى جانب الصرب أكثر من عشرة آلاف شاب روسي كما ذكرت وكالات الأنباء.

إذاً: لماذا يستكثرون على المسلمين ما يفعلونه هم أنفسهم في الدفاع عن أنفسهم وعن مصالحهم؟ هذا مع الفارق الكبير! فالجهاد الإسلامي ليس جهاداً لصالح عرق من الأعراق، أو شعب من الشعوب، أو لفرض هيمنة جهة بعينها، بل هو جهاد لإحقاق الحق وإبطال الباطل، ونصر دين الله عز وجل كما قال الله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193] وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: {من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله}.

إذاً، لسنا في حاجة إلى كبير جهد لإقناعهم عن قضية الجهاد في الإسلام في مثل هذا الحال، ومثل ذلك موضوع الرق مثلاً، فهو إحدى ثمرات الإصرار على الكفر ومواجهته الإسلام بالقوة.

وأيضاً موضوع تعدد الزوجات هو شريعة إلهية ثابتة بنص قرآني، ولن نستحي من ذلك أبداً، ولن نلف أو ندور أو نجامل في تقريرها، والله تعالى يقول: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3] ثم هو من موجب الوضوح والنـزاهة والنظافة في دين الإسلام، ولا بديل عن ذلك بالفوضى الجنسية التي يعيشها الغرب.

أيها الأحبة: إننا لم نقدم لهم إسلاماً مطوراً يتلاءم مع أذواقهم ومع أمزجتهم، بل هذا الإسلام -إن صحت تسميته إسلاماً- لا يثيرهم ولا يحتوي على عنصر الجاذبية الكافية التي تغريهم وتشدهم إلى دراسته والقناعة به، لا،سوف نقدم لهم الإسلام الصحيح كما أنـزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وكما جاء في القرآن الكريم، وكما جاء على لسان الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام في صحيح الأحاديث، وكما فهمه ووثقه السلف الصالح رضي الله عنهم، وعلى رأسهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فهم الفيصل في تحديد المعنى الصحيح في النصوص الشرعية.

إن هذه إحدى مسئوليات المغترب أنه ينقل الإسلام بكلماته وبعباراته وبدعوته وبشعاراته، وقبل ذلك وبعده بسلوكه العملي والخلقي، وعبادته واعتزازه بالدين وثقته بما عنده من الحق، إذاً الصورة الأولى من صور الغربة التي يعيشها المسلمون هي: غربة المسلم بين الكفار.

غربة المسلم المستقيم بين المسلمين

أما الصورة الثانية فهي أخف منها، وهي: غربة المسلم المستقيم المتبع للسنة بين المسلمين أنفسهم، وهي غربة المسلم الملتزم بالطريق النبوي الصحيح في وسط عالم من المسلمين شرقاً أو غرباً، وهي غربة المسلم الملتزم السماوي وسط عالم من اللاهثين وراء أقوال الرجال وآرائهم، قال الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الأعراف:3] وهي غربة المسلم الملتزم بالفهم السلفي وسط عالم من المفاهيم المنحرفة التي تحاول التوفيق بين الإسلام وبين تراث البشر، سواء أكان تراثاً يونانياً أم رومانياً أم عربياً أم شيئاً آخر، قال الله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً [النساء:62] وإن غربة هؤلاء المسلمين العاملين الملتزمين بالسنة قولاً وعملاً، غربتهم قد تكون في كثير من الأحوال أشد من غربة المسلمين بين أهل الملل الأخرى، وكلما ما زاد تمسك المسلم الغريب بالسنة زادت غربته، وقل مشاكلوه وكثر مخالفوه، فهو مسافر في طريق طويل كلما قطع فيه مرحلة سقط بعض من حوله، والمسلم لا يعجب أن يحاربه الكفار، بل العجب إن لم يفعلوا! ولكنه يعجب أشد العجب أن يكون إخوانه في الدين أحياناً هم الذين يفعلون ذلك! وهذا هو الجرح الذي لا يندمل! وقديماً قيل:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة     على النفس من وقع الحسام المهنَّدِ

ولهذا قال أبو بكر بن عياش رحمه الله تعالى:[[السنة في الإسلام أعز من الإسلام في سائر الأديان]].

وهذا أيضاً يضاعف المسئولية عليكم أنتم أيها الشباب، على المسلم المهتدي الموفق الملتزم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة السلف رضي الله عنهم في مسئوليتهم في دعوة المسلمين إلى تحقيق الإسلام، والعمل على تصفية فهمهم للإسلام عقيدةً وأحكاماً، عباداتٍ وأخلاقاً ومعاملاتٍ، إضافة إلى مسئوليته الثابتة والأصلية في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام لئلا تجتالهم البدع والأهواء، ولذلك قال بعض الأئمة: [[إن من رحمة الله تعالى بالأعجمي إذا استقام أن يوفق لصاحب سنة]]. إن الإنسان إذاً دخل في الإسلام وصورة الإسلام في ذهنه مشوهة أو منحرفة أو مشوبة بضلال أو بدعة أو فساد فإن من الصعب جداً تعديله بعد ذلك، وكما قيل:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى     فصادف قلباً خالياً فتمكنا

غربة المسلمين بين الكافرين من أهل الملل الأخرى كاليهود والنصارى والوثنيين والمنافقين ونحوهم، فهذه غربة، والمسلمون مهما يكثروا فهم قليل كما قال الله تعالى وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13] وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض} فهم قليل من كثير.

إذاً: هذه حقيقة شرعية قدرية أن المؤمنين بالنسبة إلى الكفار قليل، وهذا ما نلاحظه في الإحصائيات، فإن الإحصائيات تقول: إن عدد المسلمين يشكلون خُمُس سكان الكرة الأرضية، مع أن هذه الإحصائية يدخل فيها المسلمون الجغرافيون- كما يقال- ومنهم من لا صلة لهم بالإسلام قط إلا بالاسم، أو بشهادة الميلاد، أو بالبلد الذي ينتمون إليه، بل ومنهم من هم حرب على الإسلام، سواءً من أهل المذاهب الضالة، والأحزاب الكافرة، والبدع الظاهرة أم غير هؤلاء، وهذه الحقيقة، حقيقة أن المسلمين في الجملة غرباء بين أهل الأرض يجب أن نفهمها بتوازن واعتدال، والذين يطمعون بتطهير الدنيا كلها من الكفر والشرك مخطئون، بل لا يزال الصراع قائم بين التوحيد والشرك حتى يلتقي المسيح ابن مريم عليه السلام مع المسيح الدجال ويقتله بباب لد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

بعض الناس يتصورون الآن أننا بالدبلوماسية الهادئة -كما يقال- وبالطرق السياسية المرنة؛ نستطيع أن نوصل الإسلام إلى العالم، وهذه في نظري أشبه بأحلام النائمين، إن بعض الإخوة خاصة من أولئك الذين عاشوا طويلاً في بلاد الغرب قد يواجهون أحياناً نوعيات، وأفراداً من الناس أو حتى جمعيات لا تحمل حقداً ظاهراً مكشوفاً على الإسلام، أو قد يقال عنها: إنها تقف في مناصرة بعض القضايا الإسلامية والعربية كما يعبرون في قضية فلسطين مثلاً أو قضية البوسنة والهرسك أو ما سواهما.

وهذا ليس بالأمر الغريب، ففي الجاهلية الأولى كان يوجد أمثال عبد الله بن أريقط، وكان يوم الهجرة مشركاً، ومع ذلك استأجره النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يصحبهم في طريق الهجرة، حيث كان مأموناً من جهة، ومن جهة أخرى كان هادياً دليلاً بصيراً بالطريق، وفي مثل هؤلاء يقول الله عز وجل: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة:8]؛ لكن كم عدد هؤلاء الذين لا يحملون حقداً ظاهراً منصوباً صارخاً على الإسلام والمسلمين؟ إنهم لا يشكلون ظاهرة ملفتة للنظر في أوساط الأمم الكافرة، وواجب الدعوة لهؤلاء ولغيرهم دعوتهم إلى الله تعالى قائم؛ مع البراءة من شركهم وكفرهم وعدم إقرارهم على ذلك.

لكن يجب أن نعلم ونتعلم من الحديث السابق نفسه وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: { بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً وهو يأرزُ بين المسجدين }- أي مسجد مكة والمدينة، فيجب أن نفهم من ذلك أنه حين أسلم المسلمون من تلك البلاد الغربية، ومهما يوجد تعاطف مع الإسلام من بعض الأفراد أو بعض الجمعيات؛ فإن تلك البلاد تظل في جملتها، وجمهورها، وقياداتها السياسية والعلمية والإعلامية تظل خصماً لدوداً للإسلام والمسلمين، والإسلام يعرف ويعود وينتظم، ويحن إلى البلاد التي خرج منها أول مرة، فهي بلاد الإسلام التي سيعود إليها كما بدأ منها، وأهلها هم حملة الإسلام وحماته في الجملة.

إذاً يجب أن نعرف أن مثل هذه الظواهر، كوجود تعاطف مع الإسلام من بعض الأفراد، أو من بعض الجماعات تعاطفاً ظاهرياً لفظياً، أو حتى تعاطفاً حقيقياً إن هذا لا يعني أننا نستطيع أن نحول هذه البلاد إلى بلاد إسلامية أو نوصل الإسلام إلى جميع أفرادها، مع أن هذا لا يعني أبداً تقليل الجهود التي يجب أن نقوم بها في دعوتهم إلى الله عز وجل كما أن أولئك الذين يتخذون من هذه الحقيقة أعني: (حقيقة قلة المسلمين بالنسبة إلى الكفار) الذين يتخذون منها تكئةً للقعود عن دعوة غير المسلمين، وعدم بذل الجهد في دعوتهم هم أيضاً مخطئون، والنبي صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا بقلة المسلمين بالقياس إلى الكفار لم يمنعه ذلك ولا أصحابه من بذل الجهد في دعوتهم، واستفراغ الوسع في ذلك حتى هدى الله تعالى على أيديهم من شاء هدايته.

وها نحن أيها الإخوة والأخوات، نراكم اليوم في هذا العالم الكافر، فما هو المطلوب منكم؟ إنه ليس مطلوباً أن تنقلوا لهؤلاء -كما تعبر بعض الجهات- التراث الشعبي والعادات الاجتماعية الموروثة، كلا، ولا أن تصدروا الآراء الخاصة والاتجاهات المحددة، ولكن أن تقدموا لهم دين الله تعالى، وهذا الوقت الذي تطورت فيه وسائل الاتصال وأصبح الإنسان كما يقال: يعطس هنا فتشمتونه أنتم على بعد آلاف الأميال، ويتحدث فتسمعونه، إن الغرب ما يزال لا يعرف عن الإسلام اليوم إلا أنه دين السيف، والرق، وتعدد الزوجات، ثلاث قضايا يشهرونها في وجه كل مسلم وكل داعية إلى الإسلام، أنه دين السيف، ودين الرق، ودين تعدد الزوجات.

ونقول نحن المسلمين: نعم. نؤمن أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِثَ بالسيف، كما قال عليه الصلاة والسلام: بعثت بالسيف بين يدي الساعة} والحديث عند أحمد وأبي داود من حديث ابن عمر وسنده جيد، وهذا يعني الجهاد في سبيل الله، وأعتقد أننا لسنا بحاجة إلى كبير جهد الآن لإقناع الغربيين بذلك، في ظل هيمنة النظام الغربي على عدد من الدول العربية والإسلامية، وغيرها عن طريق التدخل العسكري المباشر لحماية مصالحه الاقتصادية، أو تحقيق مصالحه السياسية، أو ضمان مستقبله كما يخطط ويرتب، وفي ظل تجاهل الدول كلها لصرخات المسلمين المستضعفين في البوسنة والهرسك ما بين نساء مغتصبات يزيد عددهن على مائة وعشرين ألف امرأة مسلمة، وما بين أطفال أبرياء يزيد عدد النازحين منهم على خمسة وعشرين ألف طفل، وما بين شيوخ عاجزين، بل والعالم كله يشارك في الجريمة من خلال منع المسلمين من الحصول على السلاح للدفاع عن أنفسهم على حين يصل السلاح إلى عدوهم الصرب من إيطاليا ورومانيا وروسيا وغيرها، بل ويقاتل إلى جانب الصرب أكثر من عشرة آلاف شاب روسي كما ذكرت وكالات الأنباء.

إذاً: لماذا يستكثرون على المسلمين ما يفعلونه هم أنفسهم في الدفاع عن أنفسهم وعن مصالحهم؟ هذا مع الفارق الكبير! فالجهاد الإسلامي ليس جهاداً لصالح عرق من الأعراق، أو شعب من الشعوب، أو لفرض هيمنة جهة بعينها، بل هو جهاد لإحقاق الحق وإبطال الباطل، ونصر دين الله عز وجل كما قال الله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193] وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: {من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله}.

إذاً، لسنا في حاجة إلى كبير جهد لإقناعهم عن قضية الجهاد في الإسلام في مثل هذا الحال، ومثل ذلك موضوع الرق مثلاً، فهو إحدى ثمرات الإصرار على الكفر ومواجهته الإسلام بالقوة.

وأيضاً موضوع تعدد الزوجات هو شريعة إلهية ثابتة بنص قرآني، ولن نستحي من ذلك أبداً، ولن نلف أو ندور أو نجامل في تقريرها، والله تعالى يقول: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3] ثم هو من موجب الوضوح والنـزاهة والنظافة في دين الإسلام، ولا بديل عن ذلك بالفوضى الجنسية التي يعيشها الغرب.

أيها الأحبة: إننا لم نقدم لهم إسلاماً مطوراً يتلاءم مع أذواقهم ومع أمزجتهم، بل هذا الإسلام -إن صحت تسميته إسلاماً- لا يثيرهم ولا يحتوي على عنصر الجاذبية الكافية التي تغريهم وتشدهم إلى دراسته والقناعة به، لا،سوف نقدم لهم الإسلام الصحيح كما أنـزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وكما جاء في القرآن الكريم، وكما جاء على لسان الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام في صحيح الأحاديث، وكما فهمه ووثقه السلف الصالح رضي الله عنهم، وعلى رأسهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فهم الفيصل في تحديد المعنى الصحيح في النصوص الشرعية.

إن هذه إحدى مسئوليات المغترب أنه ينقل الإسلام بكلماته وبعباراته وبدعوته وبشعاراته، وقبل ذلك وبعده بسلوكه العملي والخلقي، وعبادته واعتزازه بالدين وثقته بما عنده من الحق، إذاً الصورة الأولى من صور الغربة التي يعيشها المسلمون هي: غربة المسلم بين الكفار.

أما الصورة الثانية فهي أخف منها، وهي: غربة المسلم المستقيم المتبع للسنة بين المسلمين أنفسهم، وهي غربة المسلم الملتزم بالطريق النبوي الصحيح في وسط عالم من المسلمين شرقاً أو غرباً، وهي غربة المسلم الملتزم السماوي وسط عالم من اللاهثين وراء أقوال الرجال وآرائهم، قال الله تعالى: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [الأعراف:3] وهي غربة المسلم الملتزم بالفهم السلفي وسط عالم من المفاهيم المنحرفة التي تحاول التوفيق بين الإسلام وبين تراث البشر، سواء أكان تراثاً يونانياً أم رومانياً أم عربياً أم شيئاً آخر، قال الله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً [النساء:62] وإن غربة هؤلاء المسلمين العاملين الملتزمين بالسنة قولاً وعملاً، غربتهم قد تكون في كثير من الأحوال أشد من غربة المسلمين بين أهل الملل الأخرى، وكلما ما زاد تمسك المسلم الغريب بالسنة زادت غربته، وقل مشاكلوه وكثر مخالفوه، فهو مسافر في طريق طويل كلما قطع فيه مرحلة سقط بعض من حوله، والمسلم لا يعجب أن يحاربه الكفار، بل العجب إن لم يفعلوا! ولكنه يعجب أشد العجب أن يكون إخوانه في الدين أحياناً هم الذين يفعلون ذلك! وهذا هو الجرح الذي لا يندمل! وقديماً قيل:

وظلم ذوي القربى أشد مضاضة     على النفس من وقع الحسام المهنَّدِ

ولهذا قال أبو بكر بن عياش رحمه الله تعالى:[[السنة في الإسلام أعز من الإسلام في سائر الأديان]].

وهذا أيضاً يضاعف المسئولية عليكم أنتم أيها الشباب، على المسلم المهتدي الموفق الملتزم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة السلف رضي الله عنهم في مسئوليتهم في دعوة المسلمين إلى تحقيق الإسلام، والعمل على تصفية فهمهم للإسلام عقيدةً وأحكاماً، عباداتٍ وأخلاقاً ومعاملاتٍ، إضافة إلى مسئوليته الثابتة والأصلية في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام لئلا تجتالهم البدع والأهواء، ولذلك قال بعض الأئمة: [[إن من رحمة الله تعالى بالأعجمي إذا استقام أن يوفق لصاحب سنة]]. إن الإنسان إذاً دخل في الإسلام وصورة الإسلام في ذهنه مشوهة أو منحرفة أو مشوبة بضلال أو بدعة أو فساد فإن من الصعب جداً تعديله بعد ذلك، وكما قيل:

أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى     فصادف قلباً خالياً فتمكنا

ترك المقام في دار الكفر إلا لضرورة

أولاً: أخي المغترب، أختي المغتربة:كم تحملت في إقامتك في هذا البلد الذي يقوم نفوذه على غير أساس الإسلام، وتقوم قوانينه على غير هذا الأساس، وتقوم علاقاته على مثل ذلك! فأنت تواجه مشكلةً في كل لحظة، مشكلة في أداء الصلاة، ومشكلة في أداء الجمعة، ومشكلة في قضية التعليم، وفي العلاج، والسفر، والزوجة، والأطفال، والدراسة، وفي الأكل والشرب والصيام، وفي معظم تفاصيل الحياة.

إن الذي يعيش في مثل هذه المجتمعات التي تقوم على أساس الكفر، ويشيد بنيانها عليه، يشعر فعلاً بالمعنى الشرعي لتلك النصوص التي تطالب المسلم بالهجرة إلى بلد الإسلام متى وجد، ويفهم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: {أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين} رواه النسائي وسنده صحيح وقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود وأحمد وغيرهما من حديث سمرة {من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله} أي: اجتمع معه وساكنه وآكله وشاربه وخالطه دون حاجة فإنه مثله.

إن ذلك يؤكد على أهمية المجتمع في التأثير على أفراده وتسهيل مهماتهم أو تعقيدها، هذه التقاليد الجسيمة التي تواجهها أخي المغترب، وأنتِ أختي المغتربة لماذا احتملتم هذا كله؟ قد يكون الإنسان أحياناً ملزماً بذلك لا خيار له فيه، فالشخص الذي فر بدينه من بلد يضطهد فيه المسلمون، وما أكثر البلاد التي يضطهد فيها المسلمون اليوم! حتى من تلك البلاد التي تسكنها غالبية مسلمة، ومثل هذا الإنسان الذي فر بدينه لا خيار له في كثيرٍ من الأحيان.

ويؤسفني أن أقول: إن كثيراً من المسلمين يجدون التسهيلات في البلاد الغربية الكافرة في الإقامة وتوفير الخدمات، بل ومنح الرواتب، وما يسمى ببدل البطالة، وتسهيل المهمة للأطفال، بل وإعطائهم الجنسيات بكل سهولة، وهذا ما نجده حصل للمسلمين الذين خرجوا من المجاعة في الصومال، أو خرجوا من التعذيب والاضطهاد في كثير من البلاد، أما بلاد الإسلام فقلما تستقبل مثل هؤلاء، فمثل هؤلاء الملزمون بذلك الفارون بدينهم لا خيار لهم، لكن قد يوجد أيضاً فئة أخرى تكون محتاجة للمجيء، لا على سبيل الضرورة والإلزام، وإنما للحاجة والمصلحة الظاهرة والدراسة في بعض التخصصات التي يحتاجها المسلمون في بلادهم ولا تتوفر هناك، أو العلاج الذي لا يتوفر في بعض البلاد الإسلامية، أو ما شابه ذلك من الحاجات التي تدعو إلى هذا.

هناك فئة ثالثة قد تكون جاءت بإرادتها المحضة واستقرت هناك، أي هنا عندكم دون أي ضغط أو إكراه أو ضرورة أو حتى حاجة، ومثل هؤلاء لا شك أنه يخشى عليهم من الضرر العظيم، ومن الوعيد النبوي السابق الذكر: {أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين} {من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله}.

إن المسلم ينبغي أن يكون في مجتمع على أقل تقدير تظهر فيه شعائر الإسلام أو بعضها، فالأذان مثلاً يرتفع، ويسمع نداءه ودويه في تلك البلاد، أو ظهور شهر رمضان، وكون المجتمع في جملته صائماً، هذا مع أنني لا أقلل أبداً من الآثار العظيمة للتغريب والعلمنة التي أثرت في بلاد المسلمين كثيراً حتى كاد الإسلام أن يندرس في بعضهم، ولا تعرف من آثار الإسلام إلا الأذان، وإلا منائر المساجد الشاهقة في عدد من البلاد والعواصم وبعض آثار مشابهة.

إذاً القضية أو النصيحة الأولى: إن وجود الإنسان في هذه البلدة إذا كان لضرورة لا خيار له فيه أو كان لحاجة كدراسة أو علاج أو ما شابه ذلك فلا اعتراض.

أما إن أتى الإنسان برغبته المحضة واختياره الذاتي، دون ضغط أو ضرورة فعليه أن يراجع حاله ويرتب أموره بشكل صحيح.

إيجاد البيئة المناسبة للمسلم

النصيحة الثانية: لقد عشت بين أظهركم أكثر من مرة وزرتكم في أمريكا، وفي كندا، وفي عدد من المراكز، وعدد من الولايات، وسمعت أسئلة كثيرة من الإخوة واستفتاءات وتساؤلات يقف الإنسان أمامها حيران، والقاعدة العامة في مثل تلك الأسئلة والاستفسارات هناك هي: البحث عن رخص تلائم الظروف التي يعيشونها والأوضاع التي يواجهونها.

وقد يجدون -أحياناً- شيئاً من هذه الرخص من بعض من يسألونهم، لكنني أنصح الإخوة بدلاً من ذلك أن يسلكوا الطريق العملي، طريق العزيمة، وطريق القوة، وهو السعي الدؤوب الجاد في تحقيق الشروط الشرعية في حياتهم العملية حيث يسكنون، أي: أن يحاول المسلم أن يوجد في المنطقة المحيطة به أو البلد الذي يعيش فيه، أن يوجد كل المرافق والوسائل والمتطلبات التي يحتاجها وجوده.

نعم، إن المساجد كثيرة وربما تُعد بالمئات في هذا البلد والمراكز الإسلامية كذلك، وهي بداية لتكوين مجتمعات إسلامية يجتمع فيها المسلمون رجالاً ونساءً لأداء الصلوات، أداء صلاة الجماعة وصلاة القيام في رمضان، ولدعوة النشاطات الإسلامية الخيرية، وينبغي أن ينبثق من هذه المساجد والمراكز مؤسسات لأعمال مختلفة تحقق للمسلمين أن يعملوا على تطبيق دينهم إسلامياً، وأضرب لذلك مثلاً واحداً من أسهل وأقرب الأمثلة: يكثر السؤال مثلاً عن حكم اللحوم الموجودة في تلك البلاد، وما يحل منها وما لا يحل، والأكل وماذا يأكل الإنسان، وهل يأكل في مطاعمهم؟ لماذا لا يكون لدينا إمكانية أن نوفر الذبح الحلال وعلى الطريقة الإسلامية؟ وأن نوفر المطاعم الإسلامية، وأن نوفر سائر المرافق التي يحتاجها المسلم في هذه البلاد؟ لماذا يقتصر دورنا على مجرد الاستفتاء والسؤال للبحث عن رخص أو فتاوى تتعلق بحال ضرورةٍ أو حاجة؟!

استفادة الدارسين وتفوقهم في دراستهم

الوصية الثالثة: إن معظم الإخوة المغتربين هم من الطلاب، وهم دارسون يقيم الواحد منهم في هذا البلد سنوات لمرحلة الماجستير وأخرى للدكتوراه، ثم يعود إلى بلده، وهذه في الغالب لا توجد في بلادهم.

لقد كنا قبل زمن -أيها الأحبة- نتوجس خيفة من هؤلاء القادمين من بلاد الغرب، لقد تعودنا أن يكونوا ممن تغيرت أفكارهم وأتوا وقد تخلى الكثير منهم عن مبادئ دينهم الحقيقية، وأصبحوا رسلاً للغرب في بلادهم، نعم أسماؤهم عربية وإسلامية وملابسهم هي كذلك، أما عقولهم وقلوبهم أمرها مختلف.

أما اليوم فنحمد الله تعالى على أننا أصبحنا نلاحظ أن الشباب في تلك البلاد ممن يدرسون تلك التخصصات العلمية، وربما لا أكون مبالغاً أن أقول: إنهم أكثر التزاماً من كثير من الجامعات الموجودة في البلاد الإسلامية نفسها، وهذا يبشر بخير كثير إن شاء الله، ونرجو أن يكون إرهاصاً لقرب تحقيق الوعد الرباني للمسلمين في التمكين في الأرض، وقرب عودة الأمة إلى دينها ورجوعها إلى كتاب ربها وسنة نبيها عليه الصلاة والسلام، ومراجعتها للطريق الصحيح، وذلك هو بداية عزها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر الصحيح: {إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لاينـزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم} فأرجو أن يكون هذا بداية لرجوع حقيقي للأمة كلها إلى دينها.

إنني أوصي أولئك الإخوة الذين مَنَّ الله تعالى عليهم بالهداية والصلاح والاستقامة؛ أن يحرصوا على أن ينتجوا وينجزوا في مجال تخصصهم أيضاً، بحيث يكونون مبرزين، ويرجعون وقد حصلوا على العلم الذي تعبوا في البحث عنه وتغربوا من أجل الحصول عليه، حتى يتحقق بذلك استغناء المسلمين عن عدوهم واكتفاؤهم الذاتي، ولا نريد أن يظل المسلمون عالةً على أعدائهم حتى في هذه العلوم التي لا تعرف بلداً بعينه وليست لها جنسية، بل هي فيمن يسعى في تحصيلها.

وقد كانت هذه العلوم في يوم من الأيام في جامعات المسلمين، ثم انتقلت إلى بلاد الغرب وطوروها وأضافوا إليها أحياناً أشياء كثيرة من آثار فكرهم المنحرف، وكفرهم بالله عز وجل وضلالهم، فنودّ من الإخوة الشباب أن يحملوا على عاتقهم تلك المهمة الجليلة، مهمة نقل تقنية العلم المجدي المباح الذي يحتاجه المسلمون، ونقل ذلك إلى بلاد المسلمين وإلى الجامعات الإسلامية، وإلى مراكز البحث؛ ليتحقق بذلك استغناء المسلمين عن عدوهم واكتفاؤهم الذاتي في هذا المجال الخطير.

تحقيق الأخوة الإسلامية بين كل الجنسيات

الوصية الرابعة: هذه البلاد التي تقيمون فيها تستقبل مسلمين من كل الجنسيات ومن كل الدول، إنها فرصة لتحقيق معنى الأخوة الإسلامية، قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] وقال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة:71].

أحبتي الكرام: إن من السهل علينا أن نتحدث نظرياً عن الأخوة، وأن يحول هذا الحديث إلى أناشيد نترنم بها أحياناً أو كلمات نجريها على ألسنتنا، لكن المحك الحقيقي والعملي يبرز خلالاً عظيمة جداً في حقوق الأخوة فيما بيننا.

نعم، إن مناصرة قضايا المسلمين في كل مكان وتأييد المسلمين في حال القوة أو في حال الضعف دليل من دلائل الأخوة، فأما تأييد المسلمين في حال القوة والنجاح فهو منطلق من منطق حديث المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي يقول: {المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه } فهذا حال القوة، حال البناء الذي يشد بعضه بعضاً، ويقف بعضه إلى جانب بعض، فهكذا المسلمون في حال القوة، فكل الأعمال، وألوان البذل، والعلم، والدعوة، والإصلاح والجهاد التي تقع في أي رقعة من بلاد الإسلام، بل من بلاد العالم يجب أن نكون أنصاراً لها قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ [الصف:14].

ومثل ذلك أيضاً الوقوف بجانب المسلمين المضطهدين في كل مكان في حال الضعف، من منطلق الحديث الآخر {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى} إن حالة الضعف تحتاج إلى ود ورحمة وعطف ومساعدة، وتحتاج إلى اليد الحانية التي تعين هذا الضعيف.

إن المسلمين اليوم يعانون في معظم ديارهم ألواناً من التسلط والإذلال في فلسطين مثلاً وفي العراق والمغرب وتونس والجزائر وفي البوسنة والهرسك وفي كشمير والفلبين وفي جمهوريات آسيا الوسطى وطاجكستان والصومال، وفي بلاد كثيرة.

والغرب مع الأسف الشديد يقف أحياناً إعلامياً ومظهرياً مع هؤلاء المضطهدين، وأحياناً يتدخل في بلاد عدة لمصالحه السياسية والاقتصادية باسم الإنسانية، وباسم الإغاثة، وباسم الدعم، بل يتدخل بغرض التنصير وتحويل المسلمين عن دينهم.

ولهذا وجدنا من المسلمين من بدأ يفقد الثقة في إخوانه، ويعيد النظر في العدواة مع الغرب وعداوة النصارى، ولا بأس أن أذكر لكم مثلاً: بلد من البلاد الإسلامية كان أهله يتمتعون بقوة في البراءة من المشركين؛ حتى إن بعضهم يقولون في البوادي والمناطق النائية: (نسأل الله أن يميتنا قبل أن نرى بأعيننا وجه كافر) ويقولون: (إذا شرب الكافر من إناء؛ فلا بد أن نغسله سبع مرات كما يغسل من شرب الكلب) هكذا بلغت بهم الحساسية واليقظة ضد الكفار، مع أن هذا الأمر ليس له أصل في الشرع، مسألة غسل الإناء من شربهم، ولكن المقصود أن أضرب مثلاً فحسب، وهؤلاء المسلمون قام خطيب في بلادهم بعدما تدخل العدو الكافر باسم الإنسانية وباسم الحماية، وباسم الإغاثة، فتغيرت الصورة عند كثير من المسلمين، قام الخطيب في بلد منكوب وفي منبر الجمعة ليقول للناس:(إن النصرانية دين رحيم ودين متسامح، وهو دين قديم ودين سماوي يجب أن نعترف به، وأن نحب أهله وألا نبغضهم، وألا نحمل لهم العداوة، بل وأن نعطي الفرصة لكل من أراد أن يدخل في دينهم فمن حقه أن يختار هذا الدين الرحيم).

انظر كيف فعل التدخل الغربي فعله في عقول بعض المنتسبين إلى الإسلام وغيَّر مفاهيمهم، بل أخرجهم من دينهم بهذه النظرات التي ألغت شعورهم بأن الإسلام هو الدين الوحيد الحق، قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85] إنها ردة تطل برأسها في عدد من بلاد المسلمين، يقف وراءها أولئك الذئاب الذين جاءوا يلبسون مسوح الضأن باسم الإنسانية والإغاثة، ويقف وراءهم أيضاً أولئك المسلمون الذين أسلموا إخوانهم لأعدائهم وتخلوا عن مناصرة قضاياهم.

أحبتي: إن هذا يوجب علينا أن نتولى مناصرة قضايا المسلمين، ولو من الناحية الإعلامية، وأنتم تملكونها هنا أكثر من غيركم، لقد أعطوا لكم فرص الاتصال، والإعلام، والأعمال الإعلامية، وفرص الحرية المتاحة لكم بما لا يوجد في بلادٍ كثيرة، فأين الأصوات المدافعة عن حوزات الإسلام؟ بل المطلوب منكم أكثر من ذلك، المطلوب منكم: المؤسسات الإغاثية، والإنسانية، والتعليمية، والدعوية، ودور الأيتام، وإيواء اللاجئين، وغير ذلك مما تطيقونه أنتم وتستطيعون أن تعملوه لحماية المسلمين من الردة والخروج من الدين، ومثل ذلك أيضاً جهود جمع التبرعات لصالح المسلمين. إنها واجبات علينا جميعاً، وهي أسلم طريق لحماية المسلمين من الكفر والردة، كما أنها أسلم طريق لحمايتهم من الأفكار المنحرفة والعقائد الضالة التي تستغل هي الأخرى ظروف المسلمين الصعبة فتأتيهم في مثل هذا الموضع.

أيها الإخوة الكرام: أنتم تعلمون تعاليم نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لقد أخبرنا في الحديث الصحيح المتفق عليه: {أن امرأة دخلت الجنة في كلب سقته، فشكر الله لها، فغفر الله لها، فقالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم لأجراً؟ قال عليه الصلاة والسلام: في كل كبد رطبة أجرٌ} فما بالك بآلاف بل ملايين من المسلمين.

فما داموا داخل دائرة الإسلام، فلهم علينا واجب المساعدة والإعانة والنصرة، ويجب أن نعلم أن أول معنى من معاني النصرة هو: تصحيح دينهم، وتصحيح مفاهيمهم، وتصوراتهم، وعقائدهم، وعباداتهم، وأخلاقياتهم، لتكون هي الإسلام الحق، وليس إسلاماً موروثاً فيه كثير من التغيير والانحراف والتبديل، فهذا أول ما هو مطلوب لنصرتهم، وهو جزء كبير من هذه النصرة ويبدأ ذلك بإيوائهم وتعليمهم ومساعدتهم وعلاجهم وإطعامهم إلى غير ذلك، هذا نموذج فيما تحدثت عنه في قضية تحقيق الأخوة الإسلامية عملياً وعدم الاقتصار على إدارة الحديث عنها من الناحية النظرية فحسب.

النموذج الثاني: إننا نجد أن من ثمار التدخل الغربي في بلاد المسلمين سواء في الصومال، أم فيالخليج وفي بلادٍ كثيرة؛ أن من ثمار التدخل الغربي أن العداوة تحولت فيما بين المسلمين، وأصبح كثير منهم ينظر إلى الآخر بريبة وشك، بينما ينظر إلى عدوه الكافر المعلن الصريح بقدرٍ كبير من الاحترام، إنه يؤسفني جداً أن أقول إن عدداً من الناس، لا أقول من العامة، بل من الدعاة، بل من خواص الدعاة -أحياناً - أنه يقول: إن العداوة للغرب هي أمور ورثناها من أدبيات العقود السابقة -سبحان الله!- أين نصوص القرآن الكريم الصريحة في عداوة الكفار وحربهم وبغضهم للمسلمين؟! قال تعالى: إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً [الكهف:20] وقال:لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ [التوبة:10] وقال:كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ [التوبة:8].

وبالمقابل أصبحنا نشهر السهام ضد بعضنا، وتحولت العداوة -خاصةً بعد حرب الخليج الثانية كما تسمى- تحولت إلى عداوة بين المسلمين المنتمين إلى بلاد مختلفة.

إن هذا القرار أو تلك القرارات لم تكن قرارات الشعوب، ولم يكن للشعب فيها رأي أصلاً ولا مشورة، إلا أن الآثار العميقة محفورة في ذاكرة الناس، ولا تزال ترسبات ما جرى في السابق تعمل عملها في المسلمين خاصة حسبما اطلعت ورأيت من خلال زياراتٍ عدة في بلاد الغرب، ففي ظل التوجيه الإعلامي الذي يستثمر تلك الحادثة نجد أن كثيراً من المسلمين أصبحوا ينظرون إلى الفئة الأخرى نظرة ريبة، فأهل الخليج -مثلاً- والعراق وفلسطين والشام والمغرب أصبح هناك في النفوس أشياء وأشياء وحزازات، مع الأسف الشديد.

أيها الأحبة: كيف تفعل مثل هذه الأشياء فعلها في نفوسنا؟! أين معاني الأخوة الدينية؟! أين معاني الأخوة الإيمانية؟! أين نصوص القرآن الكريم التي تؤكد على أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض وهم إخوة فيما بينهم من دون الناس؟! وأن العقيدة يجب أن توحدنا وتجمع شملنا، لماذا ضعف هذا التأثير وقوي تأثير حادثة معينة في ظروف معينة بغض النظر عن تفاصيل الأمور وعن تحديد نسبة الخطأ ونسبة الصواب؟! لكن، لماذا لا نجعل روابط الأخوة الدينية الإيمانية أقوى من مثل هذه العوامل المؤقتة؟! ولماذا لا ندرك أننا في أمس الحاجة إلى أن نقترب من بعضنا، ونتناصح فيما بيننا، ونتعلم من بعضنا خاصة مع أولئك الناس الذين تجمعنا معهم رابطة العقيدة الحقة النظيفة؛ من توحيد الله عز وجل والإيمان بألوهيته، والإيمان بربوبيته، والإيمان بأسمائه وصفاته، والإيمان بالدار الآخرة، والإيمان بالجنة والنار، والإيمان بتلك القضايا العظمى، والإيمان بقواعد الإسلام وأركانه العظام، إنها أساسٌ عظيم في التقارب بين المؤمنين، وتوحيد كلمتهم، وجعل عداوتهم في عدوهم الكافر، أو جعل عداوتهم لمن يخالفهم في العقيدة ويخالفهم في المبدأ، أو في المنهج.

أما أن يتعادوا فيما بينهم بسبب الانتساب والانتماء إلى هذا البلد أو ذاك، أو اتخاذ موقف معين، فإن هذا من وسواس الشيطان الذي يجب علينا أن نتخلص منه، وفي صحيح مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم } فهو لا يفتأ يسير العداوة بين المسلمين ويحرش بعضهم على بعض، ويوغر صدور بعضهم على بعض، ويجعل بعضهم يسيء الظن في الآخر لشق صفوفهم، ويشغل بعضهم ببعض عن عدوهم.