الدفاع عن السنة [1، 2]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

(كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتحنث في غار حراء الليالي ذوات العدد -كما تقول عائشة رضي الله عنها- حتى جاءه الوحي، فرجع إلى خديجة رضي الله عنها يرجف فؤاده وقال: (لقد خشيت على نفسي). قالت: (كلا والله لا يخزيك الله أبداً) -وفي الرواية الأخرى: وهي في بعض نسخ البخاري- قالت: (كلا والله لا يحزنك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) ثم انطلقت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل ، وكان امرأً قد تنصر، وقرأ وكتب الكتاب العبراني، فلما قص عليه النبي عليه الصلاة والسلام ما جرى له في غار حراء قال: هذا هو الناموس الأكبر الذي نزل على موسى عليه السلام، ثم قال: ليتني فيها جذعاً إذ يخرجك قومك، فقال عليه الصلاة والسلام: أومخرجي هم؟ قال: نعم، ما جاء رجلٌ بمثل ما جئت به إلا عودي)..

يقول أبو عمرو بن العلاء : ما نحن فيمن مضى إلا كبقل في أصول نخل طوال. فالنبي عليه الصلاة والسلام لما جاء بدين الله عز وجل -وهو الإسلام- قال له ورقة هذه الكلمة التي تعد من أصدق ما قاله إنسان، جاء النبي عليه الصلاة والسلام فخالف كثيراً من أعراف العرب وأهواء الجاهلية، ولذلك رموه عن قوس واحدة، وجاء يقول لهم: (يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله؛ تفلحوا). فأبت العرب أن تقول هذه الكلمة، ورضيت أن تدخل في حروب دمرت اقتصادياتها، وقتلت أشراف الناس فيها، وسُبيت النساء، وكان العرب أصحاب غيرة، إذاً هم فهموا معنى: لا إله إلا الله، وما معنى أن يقول الواحد منهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، لو كانوا لا يفهمونها كسائر جماهير المسلمين اليوم لقالوها، ولوفّروا على أنفسهم هذه الحروب المتطاولة، فقدوا كل شيء في هذه الحروب، فقدوا أنفس أنواع الرجال، فقدوا العقول الذكية الجبارة، وفقدوا أموالاً طائلةً كثيرة، وفقدوا نساءً وأولاداً وأطفالاً أيضاً.. كل هذا وهم يصبرون على منِّ الغلاصم ونهش الأراقم، ومتون الصوارم، والبلاء المتلاطم المتراكم، ولا يقولوا: لا إله إلا الله، لماذا؟ لأن هذه الكلمة معناها نبذ الأنداد التي كان الناس يعبدونها، معناها توحيد الكلمة: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [يوسف:67].

كان العرب كما لا يخفى عليكم إن شاء الله تعالى يقرون بتوحيد الربوبية، ولا يجهلون أن الله هو الذي خلق الكون ودبر ورزق، وهو اللطيف الخبير، لكنهم أنكروا أن يكون إلهاً معبوداً: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5] وما هو العجاب فيه؟ تفرد بالزرق.. تفرد بالخلق.. تفرد بالتدبير.. تفرد بالإحياء.. تفرد بالإماتة؛ فمناسب جداً أن يتفرد بالألوهية، تفرد بكل شيء، وينكرون أن يكون إلهاً، وجاء النبي عليه الصلاة والسلام بتقرير هذه الحقيقة، وكان ما كان مما أشرت إليه آنفاً من الحروب المتطاولة، فليتنا نفهم كلمة التوحيد كما فهمها أبو جهل ! لو أن جماهير المسلمين اليوم فهموا كلمة التوحيد كما فهمها العرب الأوائل، حتى الذين ماتوا على الكفر منهم لتغير واقع المسلمين، أنت تقول وتردد خلف المؤذن يومياً: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

أشهد: أرى؛ لأن الشهادة ضد الغيب، قال تعالى: عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [الزمر:46] فإذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله؛ كأنك تقول: أنا أراه، فإذا تحققت لديك هذه الرؤية فلا يستطيع قلبك أن يقوى على مشهد العصيان أبداً، وفي الحديث: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله! أوصني، قال: أُوصيك أن تستحيي من الله كما تستحيي من الرجل الصالح من قومك) أنت لا تجرؤ على أن تأتي بالفاحشة أمام الناس؛ إنما العاصي يغلق الباب والنافذة، ويحسن الغلق، فإذا شعر أنه في مأمنٍ عصى ربه، أوصيك أن تستحيي من الله كما تستحيي من رجلٍ من صالح قومك، قد يجرؤ المرء على أن يعصي الله أمام فاجرٍ مثله؛ لكن أمام صالحٍ لا.

فأنت إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، كأنك تقول: أنا أراه، والدين على ثلاثة أنماط: الإسلام والإيمان والإحسان، فالإحسان أخص من جهة أهله، وأعم من جهة نفسه، يعني: تخيل الإسلام والإيمان والإحسان في دوائر ثلاثة متداخلة، أكبر دائرة هي الإسلام، والدائرة التي تليها في الصغر وهي بداخلها الإيمان، والدائرة التي تليها وهي بداخلها: الإحسان، فإذا خرج من دائرة الإحسان وقع في دائرة الإيمان، وإذا خرج من دائرة الإيمان وقع في دائرة الإسلام، وإذا خرج من دائرة الإسلام فلم يبق إلا الفضاء الواسع، وهو الكفر، فكل محسن مؤمن ومسلم، وكل مؤمنٍ مسلم وليس بمحسن، لا يشترط أن يكون محسناً، وكل مسلمٍ لا يُشترط أن يكون لا مؤمناً ولا محسناً، كلما كبرت الدائرة كانت أخص من جهة أهلها، وأعم من جهة نفسها، المحسنون من جهة أهلها أخص؛ لأنهم أقل الخلق، ولكن هو مؤمنٌ ومسلم، فهو أعم من جهة نفسه وأخص من جهة أهله، كذلك الإيمان.

في حديث جبريل عليه السلام الذي رواه مسلم في حديث ابن عمر ، ورواه الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنهم.. قال: (ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه) هو هذا معنى أشهد: أي أرى، أن تعبد الله كأنك تراه، ولكن ذلك متعسر، فإن لم تكن فإنه يراك. إن عجزت أن تكون محسناً في غاية الإحسان كأنك ترى ربك، وأنا معتقد يقيناً أن المرء إذا كان محسناً لا يجرؤ على العصيان أبداً، لا يقوى قلبه على العصيان، وتأمل في الصيام، يحقق أكثر الناس مرتبة الإحسان.

قال الله عز وجل في الحديث الإلهي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به) ونحن نعلم علماً ضرورياً أن الصيام للعبد، بدليل أنه إذا لم يكن عُذِّب، فالصيام للعبد أيضاً، فلماذا خصص الله هذه الشعيرة وقال: (إنه لي) ألم يمر بك يومٌ شديد الحرارة كمثل هذا الشهر والذي سبقه، وكادت عنقك أن تنقطع من العطش، وأنت وحدك في البيت، والماء المثلج أمامك وتحمل الماء، ويقترب الماء من فمك، ومع ذلك لا تجرؤ على الشرب، لماذا؟

مع أن المرء قد يرائي في الصلاة، وقد يرائي في الزكاة، وقد يرائي في الحج!! لكن في الصيام لا يستطيع أن يشرب مع شدة العطش، ووجود المقتضى الدافع على العصيان، وهو الانفراد وأن لا أحد معه، ومع ذلك لا يجرؤ على الشرب، هذا هو تحقيق مرتبة الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهذا على سبيل التنزُّل.

وأشهد أن محمداً رسول الله.

معنى كلمة التوحيد.. أنني كما أفرد ربي بالعبادة ولا أشرك به أحداً، سأفرد النبي صلى الله عليه وسلم بالاتباع.. كما أن الله واحدٌ لا شريك له في العبادة، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا شريك له في الإتباع، وإذا اتبعنا عالماً بعده، إنما اتبعناه بقوله، فكل شيءٍ راجعٌ إليه في الحقيقة.

وأشهد أن محمداً رسول الله.. إذا وصلك نصٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم من عالمٍ ثقةٍ عالمٍ بالصحيح والضعيف، فتيقن أن الذي يأمرك الآن هو النبي عليه الصلاة والسلام، إذا أردت أن تحقق معنى (أشهد أن محمداً رسول الله) كأنك تراه، يعني في هذا الجمع الذي أسأل الله تبارك وتعالى أن يكون جمعاً مباركاً، قد يوجد في هذا الجمع من يلبس خاتماً من ذهب أو دبلة من ذهب، ابتُلِي بذلك إما لضعف إيمانه، وإما لجهله، وأرجو أن لا يكون لهواه، المهم أنه يلبس الذهب، فإذا قلت له الآن: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج على الصحابة يوماً ومعه الحرير في يدٍ والذهب في يدٍ وقال: (هذان حرامٌ على ذكور أمتي، حل لإناثها) فأقول له: إن كنت ذكراً فاخلع الذهب؛ لأنه قال: (هذا حرامٌ على ذكور أمتي) فتوهّم وأنت تسمع هذا الحديث الآن أن الذي أمرك به هو النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يسعُك أن تتخلف، تخلع الذهب أم لا ؟

يا من تلبس الذهب الآن، لو أنك واقف أمام النبي عليه الصلاة والسلام الآن، وقال: اخلع عنك هذا، قل لي بأمانة، أتخلع الذهب لو كان النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي أمرك الآن؟

الذي أعتقده أنه سيقول: نعم.

فأقول له: ما الذي جعلك تتباطأ حتى الآن ولا تخلع الذهب فور سماعك لهذا الحديث؟ لأنك لم تحقق معنى (أَشهد)، ما حققتها، لو اعتقدت أنه هو الذي أمرك ما أظنك تتخلف.

وخذ هذا المثل العالي الذي رواه مسلم في صحيحه: (أن رجلاً كان يلبس خاتم ذهب، وجاء مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى الخاتم نزعه نزعاً شديداً وطرحه على الأرض، وقال: يعمد أحدكم إلى جمرةٍ من نارٍ فيجعلها في يده، فلما همّ الرجل أن ينطلق؛ قال له بعض الجلوس: خذ خاتمك انتفع به ..... قال: (لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله) لا يأخذه بعدما طرحه أرضاً، رغم أنه يجوز له أن يبيعه وينتفع به، لكن كبُر عليه أن يمد يده ويأخذه وقد طرحه النبي صلى الله عليه وسلم!!.

فهلا خلعت خاتمك يا لابس الذهب بعد هذا الكلام بلا خجل؟ كنت عاصياً فرجعت، هذه منقبة ومحمدة، وهذه هي الهجرة الواجبة إلى أن تلقى ربك، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (المهاجر من هجر ما نهى الله عنه) فأنت مهاجرٌ إلى الله كل يوم... ما من معصيةٍ تدعها إلى طاعة إلا وقد تحقق لك رسم المهاجر وسمته، فأنت مهاجرٌ إلى الله عز وجل، فإذا خلعت هذا الذهب فاحمد الله أن نفسك حيَّة، وإذا لم تجرؤ على خلع الذهب فابك على نفسك.. أشهد أن محمداً رسول الله، يعني: ما من نصٍ يصلني عن هذا النبي الكريم إلا وأعظمه وأُبجِّله كما لو كان هو الآمر به.

وقد سُئِل تقي الدين السبكي رحمه الله كما في رسالته بيان قول الإمام المطلبي الذي هو الإمام الشافعي : (إذا صح الحديث فهو مذهبي).. سُئل عن إذا كان رجل مثلاً يتمذهب بمذهب من المذاهب المشهورة، شافعياً كان أو حنفياً أو حنبلياً أو مالكياً أو ظاهرياً، وكان المذهب على خلاف الحديث أيترك المذهب للحديث؟ قال: نعم، طيب.. أيكون مخالفاً للمذهب؟ يعني: هو شافعي وجاءه نص بخلاف المذهب الشافعي، فأخذ بالحديث وترك المذهب، أيكون قد خرج عن كونه شافعياً؟

قال: لا، لأن الشافعي يقول: (إذا صح الحديث فهو مذهبي).. فلو أن الشافعي وقف على ما وقفت لصار إليه، ثم قال: وليتوهم أحدكم نفسه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقال له: افعل كذا وكذا.. أيسعه أن يتخلف؟ ما أظن أنه يجرؤ.

ضرب الصحابة أروع الأمثلة في هذا الاتباع للنبي عليه الصلاة والسلام، وكان الواحد منهم شديد الحساسية، مرهف الحس.

ابن عمر رضي الله عنهما سئل مرةً عن أكل لحم الغراب: أحلال أم حرام؟ فاستدل على تحريمه بحجةٍ عجيبة، فقال: من يأكل الغراب وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسقاً؟

من الذي تطيب نفسه أن يأكل الغراب والنبي عليه الصلاة والسلام سماه فاسقاً؟ هذا الحس العالي كان يسير حياة هؤلاء حتى في اختيار اسم ابنه سالم بن عبد الله بن عمر.

روى الطبراني في المعجم الأوسط بسندٍ فيه لين أن الحجاج بن يوسف الثقفي كان في مجلسٍ فيه عبد الله بن عمر وسالم بن عبد الله ، فقال الحجاج لـسالم : خذ هذا السيف، وخذ هذا الرجل واضرب عنقه على باب القصر، فأخذ سالم السيف وأخذ الرجل ووصل به إلى الباب ثم قال له سالم : هل صليت الصبح؟ قال: نعم، قال: فخذ أي طريق شئت -اهرب بجلدك- ثم رجع سالم إلى الحجاج بسيفه، فسأله الحجاج.. أقتلت الرجل؟ قال له: لا، قال: لم؟ قال: إني سمعت أن أبي هذا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله) ما أستطيع أن أجور على رجلٍ في ذمة الملك، هذا في ضمان الملك، وفي حماه.. ما أستطيع، والحجاج مع أنه كان غاشماً وظلوماً، لكنه أحياناً كان يقف، عنده أشياء تنم عن دين، فمثلاً مرة طلب القبض على رجلٍ فلم يجدوه، فقبضوا على أخيه، أول ما قبضوا على أخيه هدموا داره، ومنعوا عطاءه من بيت المال، وحلَّقوا على اسمه (أي: وضعوه في القائمة السوداء، كلما يقبضوا على الناس يأخذوه) فالرجل قال: أريد أن أكلم الأمير. أوصلوه إلى الحجاج ، قال: أيها الأمير! طلبتم القبض على أخي فلم تجدوه، فقبضتم علي وأنا مظلوم، هدموا داري، ومنعوا عطائي، وحلّقوا على اسمي، فقال له الحجاج : هيهات.. أولم تسمع قول الشاعر:

جانيك من يجني عليك وربما تعدي الصحاح مبارك الجرب

ولرب مأخوذ بذنب عشيرةٍ ونجا المقارف صاحب الذنب

فقال: أصلح الله الأمير، فإني سمعت الله يقول غير ذلك! قال: وما يقول الله؟ قال: قال الله تبارك وتعالى: قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ [يوسف:78-79] فحينئذٍ أطرق الحجاج، ثم صفق بيديه وقال: علي بفلان، وهو قائد الشرطة فقال له: ابن لهذا داره، ومر له بعطاه، وامح اسمه، ومر منادياً ينادي أن صدق الله وكذب الشاعر.

فيقول سالم : إن أبي هذا حدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله) فعقّب عبد الله بن عمر ، وقال لابنه: (كيس) يعني ذكي.. تفهم، (إنما سميتك سالماً لتسلم)، هذا الشاهد: (سميتك سالماً لتسلم)، كل شيء في حياة هؤلاء الصحابة كان يحركه الاتباع.

فأنت إذا قلت: أشهد أن محمداً رسول الله، يعني: لا يصلك عنه كلامٌ صحيح على لسان رجلٍ أمينٍ ثقةٍ إلا وتعتقد أن هذا الرجل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأمرك، ما أظنُّك حينئذٍ تتخلف، تخلع الذهب فور ما تسمع هذا الكلام، وكذلك تخلع الدبلة، ذهباً كانت أو فضة، أما الدبلة على وجه الخصوص فلأنها من شعائر النصارى وليست من دين الإسلام، الدبلة لها قداسة معروفة عند النصارى؛ ولذلك عندما يكون خاطباً يلبس الدبلة باليد اليمنى، ولما يتزوج ويعقد يضع الدبلة في يده الشمال، لماذا؟

لأنهم يعتقدون أن هذه الإصبع فيها عرق لطيف جداً تحت الجلد، وهذا العرق هو الوحيد الذي يمتد من اليد إلى القلب مباشرةً، فدرجوا على كتابة اسم المرأة على دبلة الرجل، واسم الرجل على دبلة المرأة، طبعاً من داخل الدبلة، لماذا؟ لأنه حين يلبس دبلته واسمها في الداخل متاخم لهذا العرق، فالنتيجة ماذا؟

يأخذ حناناً على القلب مباشرةً فالرجل هذا لن يفكر في امرأة إلا هذه المرأة دون غيرها،فمعنى هذا الكلام أن هذا العرق يخرج من اسمها وينبض عليه، ويأخذ الجرعة والشحنة فليس في قلبه إلا هذه المرأة، وكذلك الرجل، فهذا تقليد نصراني لا يحل، لا تلبس دبلة فضة ولا حديد ولا أي شيء، الدبلة بالذات، لكن لا بأس أن تلبس الخاتم، لأن الخاتم زينة للرجال، يعني: لو تلبس الخاتم تزيّن أصابعك، وتلبسه بلا مناسبة.

فخلاصة الكلام أن معنى أشهد أن محمداً رسول الله.. إذا وصلك كلام فانفعلت له ونفذته فأنت فعلاً تشهد أن محمداً رسول الله، إذا لم تفعل ذلك فشهادتك ناقصة، تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، كأي كلمة تقال.

إذا فهمنا هذه المقدمة سنرجع إلى شيء هام وهو أصل، وكل ما يذكر عليه فرعٌ عنه، السؤال الذي ندخل به إلى تقرير هذا الأصل.. لماذا يخالف الناس النبي صلى الله عليه وسلم فيما يستطيعون فعله؟

يعني: كثير من الناس الذين يحلقون لحاهم مثلاً -وحلق اللحية حرام بإجماع الأئمة الأربعة وجماهير أصحابهم، لم يخالف في هذا الحكم إلا من لا ينعقد الإجماع بدخوله ولا ينخرم بخروجه، يعني: وجوده مثل عدمه- تقول له: يا فلان! لماذا لا تعفي لحيتك؟ يقول: سأتهم بالإرهاب، وسأفصَل من العمل. فأنت قد تكلف في عملك بما لا تطيق، عمل رهيب.. وإهانات وإرهاق في العمل، ومع ذلك تعمل، لماذا؟ أكل خبز.

طيب.. إعفاء اللحية لن يكون بمثل هذه المشقة، ألا إن سلعة الله غالية! ألا إن سلعة الله الجنة!. برهن لي أنك تريد الجنة، الحكم الشرعي كله اسمه تكليف، أي: لا يكون إلا بكلفة وبمشقة، وها أنت قد سمعت في أول الكلام: (ما جاء رجلٌ بمثل ما جئت به إلا عُوْدِي) فلا بد أن تتوقع المعاداة والمشاكل، مسألة ضرورية لدعوة الرسل، العداء ظاهرة صحية لدعوة الرسل ودعوة أتباعهم، فأنت لماذا هانت عليك هذه المخالفة؟

الجواب: الجواب وإن كان مُراً -نسأل الله تبارك وتعالى أن يرد المسلمين إلى دينه رداً جميلاً-: إنك أيها المخالف لا تحب النبي صلى الله عليه وسلم، جواب مُر صحيح، وتهمة مرة؛ لكنها حقيقة، محبته ناقصة، فإذا زالت بالكلية كفر المرء، لكن محبة ناقصة، قد تنقص إلى أدنى درجات النقص، لو كان هذا الرجل محباً ما تجرأ على المخالفة، المحب لا يخالف حبيبه أبداً إذا صدقت محبته، المحب لا يرى في الدنيا أمراً إلا أمر حبيبه، ولا يرى نهياً إلا نهي حبيبه، ولا يرى خصلةً جميلة في الدنيا إلا كتبها إلى حبيبه، ولا منقصة إلا برأ منها حبيب.

متمم بن نويرة له أخ اسمه مالك بن نويرة ، قتله خالد بن الوليد وتزوج امرأته أيام حروب الردة، وكان متمم شديد الحب لأخيه مالك، فلما قتله خالد ؛ رثاه متمم بأبياتٍ ما قرأت لأحدٍ أبياتاً أو كلاماً تفجّع به على أحد مثلما قرأت لـمتمم ، أبيات تهز القلب وهو يرثي أخاه يقول:

لَقَدْ لاَمَنِي عِنْدَ الْقُبُورِ عَلى البُكا ... رَفِيقي لِتَذْرَافِ الدُّمُوعِ السَّوَافِكِ

فَقالَ أتَبْكِي كُلَّ قَبْرٍ رَأيْتَهُ ... لِقَبْرٍ ثَوَى بَيْنَ اللِّوَى فَالدَّكَادِكِ

فُقُلْتُ لَهُ إنَّ الشَّجَا يَبعَثُ الشَّجا ... فَدَعْني فَهَذَا كُلُّهُ قَبْرُ مالِكِ

كأن لم يمت في الدنيا إلا أخوه، كل القبور التي على وجه الأرض هي قبر أخيه، لا يرى في الدنيا ميتاً إلا أخاه، حتى قيل: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سمع هذا الرثاء قال: (يا متمم ! لو أن أخي زيد بن الخطاب رُثي بمثل هذا ما وجدت على فقده..) لعلو هذه الأبيات، الذي يخالف النبي صلى الله عليه وسلم ويخشى لوم اللائمين، وتعيير المعيِّرين ليس بمحب، لماذا؟ لأن المحب كلما لاموه مضى، يقول الشاعر:

يخط الشوق شخصك في ضميري على بعد التزاور خط زور

ويوهمنيك طول الفكر حتى كأنك عند تفكيري سميري

فلا تبعد فإنك نور عيني إذا ما غبت لم تظفر بنور

ثم الشاهد:

إذا ما كنت مسروراً لهجري فإني من سرورك في سرور

أي: أنا مسرور لسرورك حتى لو كان سرورك على أشلائي، هذا هو الحب.

فإذا قال لك رجل: يا سنِّي! فيما مضى كانوا يعيروننا بالمسألة هذه، أي شخص يريدون أن يلمزوه.. قبل عشرين سنة مثلاً.. يقول له: يا سني! فنحن نقول: تلك شكاة ظاهر عنك عارها.

الحجاج بن يوسف الثقفي لما عير أسماء أيام فتنة عبد الله بن الزبير دخل عليها وقد بلغت مائة عام وقد عميت، فقال لها: يا ذات النطاقين ! أَيعيِّر شخصٌ شخصاً بالكلمة هذه؟ يا ذات النطاقين .. كأن شخصاً يعيِّرك يقول لك: اسكت يا بن الأصول! تلك شكاة ظاهر عنك عارها، فمثل هذا لا يعيَّر المرء به. فأنت إذا قيل لك : (يا سني !) هذا شرفٌ لك، بعض الناس يتركون متابعة النبي عليه الصلاة والسلام خشية المعرة، وما هي بمعرة، هذا الحب هو الأصل، وكل شيء يأتي بعده فرعٌ عليه. إذا أحببت كما يقول المنظرون في المناظرات، عندما يستدل شخص بدليل ضعيف، ويأخذ منه حكماً شرعياً يقولون له: (لا يستقيم الظل والعود أعوج..) الدليل ضعيف؛ لا تأخذ منه حكماً.

فنحن نقول: إن المحبة هي العود، وكل عملٍ يأتي بعد ذلك هو كالظل للعود وفرعٌ عنه.

النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم يصور على صورة خنزير!!

كان من جراء نقص حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن رُسِم على صورة الخنزير!! ومع ذلك ولا دولة تدين بدين الإسلام استنكرت استنكاراً رسمياً لهذا الذي جرى، كأن هذا النبي صلى الله عليه وسلم لا يدين بدينه على الأرض أحد، مع أن عدد المسلمين ممن يتسمون بأسماء المسلمين على عُجَرِهم وبُجَرِهِم مليار إنسان.. ألف مليون من بني آدم، يُسَب أعلى رجل فيهم ويُرسَم على صورة خنزير، ومع ذلك لم يعقد مؤتمر صحفي واحد ذراً للرماد في العيون لإرضاء عواطف الجماهير، مع أننا نعرف أن المؤتمرات الصحفية لا قيمة لها في الحقيقة، لكن إرضاءً لعواطف الجماهير، اعمل مؤتمراً صحفياً، قل: أنا أستنكر.. قل أنا أشجب.. إن عرض النبي صلى الله عليه وسلم أثمن من الأرض.. أرض ماذا التي تبحث عنها؟ عرض النبي عليه الصلاة والسلام أثمن وأغلى من الأرض.

اليهود جبناء، والجبان لا يمكن يستخدم يده أبداً.. ولو كان الاحتمال راجحاً لا يضرب إلا إذا أيقن الدليل الضروري أنك أضعف من أن تمد يدك، قال الله عز وجل: لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14] اليهود ما وصلوا إلى هذا التشويه بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا لأنهم جبناء، عندما رأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم يسب في بلاد المسلمين وعلى صفحات الجرائد والمجلات، ورأوا رد الفعل الرسمي لا شيء، لا يوجد استنكار من هيئة كبار العلماء أو من علماء البلد.

النبي صلى الله عليه وسلم مات بالزائدة الدودية!!

هذه صحيفة تكتب بالخط العريض: هل النبي صلى الله عليه وسلم مات بالزائدة الدودية؟ أهذا عنوان يكتب في جريدة؟

تريد ماذا من مسألة الزائدة الدودية؟ مات بها أو بغيرها ما هي المحصلة؟ هل الطب سيستفيد؟ أتقدم بحثاً جديداً؟ ما هو المطلوب من هذا العنوان؟.

عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع رجلاً يقول: والله ما أبي بزانٍ ولا أمي بزانية، فجلده الحد، قال: لأن معنى أنك تنفي عنهم الزنا فيه إشعار بالاتهام، لو أنهم برآء مائة بالمائة أبداً لن تقول هذا الكلام، لكن تقول: ما أبي بزانٍ ولا أمي بزانية، كأن فيه إشعار أنهم زناة، فرأى أن مثل هذا يدخل في حد القذف؛ فجلده حد المفتري.. فيأتي شخص يكتب هذا العنوان: هل النبي صلى الله عليه وسلم مات بالزائدة الدودية؟ في ديار المسلمين، ورد الفعل الرسمي صفر!.

النعجة (دوللي) أعظم من ميلاد المسيح

ولما جاءت مسألة استنساخ النعجة (دوللي) والكلام الفارغ الذي تكلموا به.. عنوان بالخط العريض: النعجة دوللي أعظم من ميلاد المسيح!! ماذا يعني هذا الكلام؟ أيضاً هو رب العالمين؟ إنهم يعنون أن العباد استطاعوا أن يفعلوا ما لم يفعله رب العالمين!! استنساخ النعجة دوللي أعظم من ميلاد المسيح؟!!

الكاريكاتير والاستهزاء بالدين

أحدهم يرسم (كاريكاتير) مدرساً وتلميذاً.. المدرس: قل لي يا ولد: لماذا أخرج الله آدم من الجنة؟.. يا أستاذ! لأنه ما دفع الإيجار. هل هذا الكلام يجوز يا إخواننا؟!!

(كاريكاتير) شخص آخر رسم جهنم الحمراء وأناس فيها يرفعون أيديهم يصرخون في جهنم،وشخص في زاوية منها معه مروحة وابتسامة مرسومة على فمه ومكتوب تحت الرسم: بوش . ما هذا الكلام يا جماعة؟!

يُسب الله ورسوله على صفحات الجرائد!! لماذا لا يغضب لله؟!

سنوات طويلة يُعتدى باسم حرية الرأي على عرض النبي، نحن نعاني من محنة جسيمة وعظيمة هي السبب في كل ما نراه الآن.

قرأت في ديوان الحماسة لـأبي تمام مقطوعتين، افتتح أبو تمام الديوان بهما، لو أننا كنا على مستوى هذه الأبيات على الأقل، فأنا ما أظن أن رجلاً على الكرة الأرضية يفكر أن يهين أحداً من المسلمين، المقطوعة الأولى لأحد شعراء بلعنبر، هذا الشاعر كان له إبل وسرقها شخص، فحاول أن يحضر إبله ولم يستطع، فاستنفر قبيلته.. كلهم ضعفاء، فأنشد يقول متوجعاً:

لَوْ كُنْتُ مِنْ مَازِنٍ (يعني من قبيلة مازن) لَمْ تَسْتَبحْ إِبِلِي ... بَنُو اللَّقِيطَةِ مِنْ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانا

إذًا لَقامَ بِنَصْرِي مَعْشَرٌ خُشُنٌ ... عِنْدَ الْحَفِيظَةِ إِنْ ذُو لُوثَةٍ لاَنا

قَوْمٌ إذا الشَّرُّ أبْدَى نَاجِذَيْهِ لَهُمْ ... طَارُوا إلَيْهِ زَرَافاتٍ وَوُحْدَانا

لاَ يَسْأَلُونَ أخَاهُمْ حِينَ يَنْدُبُهُمْ فِي النَّائِبَاتِ عَلى ما قالَ بُرْهانَا

لَكِنَّ قَوْمِي وَإنْ كانُوا ذَوِي عَدَدٍ لَيْسُوا مِنَ الشَّرِ فِي شَيءٍ وَإنْ هانَا

يَجْزُونَ مِنْ ظُلَمِ أهْلِ الظُّلْمِ مَغْفِرَةً وَمنْ إسَاءَة أهْلِ السُّوءِ إِحْسَانَا

كأَنَّ رَبَكَ لَمْ يَخْلُقْ لِخَشْيَتِهِ سِوَاهُمُ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ إِنْسَانا

فَلَيْتَ لِي بِهِم قَوْمًا إذَا رَكِبُوا شَدُّوا الإِغَارَةَ فُرْسَانًا وَرُكْبانَا

ورع بارد في غير محله، يُضرب!! فيكون رده: الله يسامحك! ويضرب.. الله يسامحك، ويضرب.. الله يسامحك!! لا، إن النبي صلى الله عليه وسلم لما هجاه عمر بن أبي عزة للمرة الثالثة، وعفا عنه قبل ذلك، أخذه فقتله، وقال: (لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين).

وتأتي المقطوعة الثانية لتوضح مثل هذا وهي لأحد الشعراء، كان بينه وبين قوم نوع من الخصومة، وعقدوا صلحاً، وانتهت الحرب، وسيفتحون صفحة جديدة، ويتعاملون مع بعض من جديد، فلما فتحوا صفحة جديدة إذا بالقوم لئام، بدءوا يغدرون مرةً أخرى، فأنشد هذا الشاعر هذه الأبيات قال:

صَفحْنا عَنْ بَنِي ذُهْلٍ وَقُلْنا الْقَوْمُ إخْوَانُ

عَسَى الأَيَّامُ أنْ يُرْجعْنَ قَوْمًا كَالَّذِي كَانُوا

فلَمَّا صَرَّحَ الشَّر فَأَمْسَى وَهْوَ عُرْيانُ

ظهر أنهم لئام، وصرح الشر أي: صار واضحاً صريحاً، فلما صرح الشر من قبل هؤلاء، وأمسى وهو عريان.

وَلَمْ يَبَقَ سِوَى العُدْوَانِ ... دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا

(رددنا لهم الصاع صاعين)

مَشَيْنا مِشْيَةَ اللَّيْثِ غَدَا واللَّيْثُ غَضْبَانُ

بِضَرْبٍ فِيهِ تَوْهِينٌ وَتَخْضِيعُ وإقْرَانُ

وَطَعْنٍ كَفَمِ الزِّقِّ غَدَا وَالزِّقُّ مَلآنُ

تعرف القربة عندما تكون ملآنة على آخرها، ثم تضغط عليها من جانبها، يفيض الماء.. سنفعل ماذا؟ وصلنا إلى هذا الحد!! الذي يعمل لنا هكذا سننفجر مباشرة، فهذا معنى كلامه.

وَطَعْنٍ كَفَمِ الزِّقِّ غَدَا وَالزِّقُّ مَلآنُ

ثم قال بيتين يكتبان بماء الذهب:

وَبَعْضُ الْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ لِلذِّلَّةِ إذْعَانُ

يُضرب.. الله يسامحك، يُضرب.. الله يسامحك، لا، هذا ليس حلماً، هذا إذعان.. هذا ضعف.. فهذا عندما يكون قليل الأدب، ولا يجد مثل هذه القوة، سيظل يضرب باستمرار، فلا تقل: أنا حليم، قل: أنا ضعيف.

وَفِي الشَّرِّ نَجَاةٌ حِينَ لاَ يُنْجِيكَ إِحْسَانُ

قدمت الإحسان مرة ومرتين وعشرة وعشرين وثلاثين ومائة وثلاثمائة.. ومع ذلك ما زال لئيماً، إذاً ما بقي إلا الشر هو الذي ينجيني؛ لأنني لما قدمت الإحسان ما أنجاني، فالذي فعله اليهود لا يجبره إلا الدم.. وهذا وإن كان مراً على صدور المسلمين، لكننا نتباشر به، ونرى أن الفتح قريب، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذكر في كتاب "الصارم المسلول على شاتم الرسول" قال: حدثني بعض الفقهاء ممن حاربوا في الروم، قالوا: كنا نحاصر الحصن شهراً وشهرين وثلاثة.. إلى أن كدنا نيأس من فتح الحصن، فوقع أهل الحصن في سب النبي صلى الله عليه وسلم ففتحناه بعد ثلاثة أيام، قال: فكنا نتباشر بسبه مع امتلاء قلوبنا غيظاً مما نسمع، مجرد ما يسبونه نعرف أننا سنفتح الحصن مباشرة؛ لأن الله عز وجل ينتقم لنبيه، ويرد عن نبيه مع أننا سننفجر من الغيظ من الشتم الذي نسمعه، إلا أننا نرى أن هذه بشارة أن سيُفْتح له.

كان من جراء نقص حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن رُسِم على صورة الخنزير!! ومع ذلك ولا دولة تدين بدين الإسلام استنكرت استنكاراً رسمياً لهذا الذي جرى، كأن هذا النبي صلى الله عليه وسلم لا يدين بدينه على الأرض أحد، مع أن عدد المسلمين ممن يتسمون بأسماء المسلمين على عُجَرِهم وبُجَرِهِم مليار إنسان.. ألف مليون من بني آدم، يُسَب أعلى رجل فيهم ويُرسَم على صورة خنزير، ومع ذلك لم يعقد مؤتمر صحفي واحد ذراً للرماد في العيون لإرضاء عواطف الجماهير، مع أننا نعرف أن المؤتمرات الصحفية لا قيمة لها في الحقيقة، لكن إرضاءً لعواطف الجماهير، اعمل مؤتمراً صحفياً، قل: أنا أستنكر.. قل أنا أشجب.. إن عرض النبي صلى الله عليه وسلم أثمن من الأرض.. أرض ماذا التي تبحث عنها؟ عرض النبي عليه الصلاة والسلام أثمن وأغلى من الأرض.

اليهود جبناء، والجبان لا يمكن يستخدم يده أبداً.. ولو كان الاحتمال راجحاً لا يضرب إلا إذا أيقن الدليل الضروري أنك أضعف من أن تمد يدك، قال الله عز وجل: لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14] اليهود ما وصلوا إلى هذا التشويه بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا لأنهم جبناء، عندما رأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم يسب في بلاد المسلمين وعلى صفحات الجرائد والمجلات، ورأوا رد الفعل الرسمي لا شيء، لا يوجد استنكار من هيئة كبار العلماء أو من علماء البلد.

هذه صحيفة تكتب بالخط العريض: هل النبي صلى الله عليه وسلم مات بالزائدة الدودية؟ أهذا عنوان يكتب في جريدة؟

تريد ماذا من مسألة الزائدة الدودية؟ مات بها أو بغيرها ما هي المحصلة؟ هل الطب سيستفيد؟ أتقدم بحثاً جديداً؟ ما هو المطلوب من هذا العنوان؟.

عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع رجلاً يقول: والله ما أبي بزانٍ ولا أمي بزانية، فجلده الحد، قال: لأن معنى أنك تنفي عنهم الزنا فيه إشعار بالاتهام، لو أنهم برآء مائة بالمائة أبداً لن تقول هذا الكلام، لكن تقول: ما أبي بزانٍ ولا أمي بزانية، كأن فيه إشعار أنهم زناة، فرأى أن مثل هذا يدخل في حد القذف؛ فجلده حد المفتري.. فيأتي شخص يكتب هذا العنوان: هل النبي صلى الله عليه وسلم مات بالزائدة الدودية؟ في ديار المسلمين، ورد الفعل الرسمي صفر!.

ولما جاءت مسألة استنساخ النعجة (دوللي) والكلام الفارغ الذي تكلموا به.. عنوان بالخط العريض: النعجة دوللي أعظم من ميلاد المسيح!! ماذا يعني هذا الكلام؟ أيضاً هو رب العالمين؟ إنهم يعنون أن العباد استطاعوا أن يفعلوا ما لم يفعله رب العالمين!! استنساخ النعجة دوللي أعظم من ميلاد المسيح؟!!

أحدهم يرسم (كاريكاتير) مدرساً وتلميذاً.. المدرس: قل لي يا ولد: لماذا أخرج الله آدم من الجنة؟.. يا أستاذ! لأنه ما دفع الإيجار. هل هذا الكلام يجوز يا إخواننا؟!!

(كاريكاتير) شخص آخر رسم جهنم الحمراء وأناس فيها يرفعون أيديهم يصرخون في جهنم،وشخص في زاوية منها معه مروحة وابتسامة مرسومة على فمه ومكتوب تحت الرسم: بوش . ما هذا الكلام يا جماعة؟!

يُسب الله ورسوله على صفحات الجرائد!! لماذا لا يغضب لله؟!

سنوات طويلة يُعتدى باسم حرية الرأي على عرض النبي، نحن نعاني من محنة جسيمة وعظيمة هي السبب في كل ما نراه الآن.

قرأت في ديوان الحماسة لـأبي تمام مقطوعتين، افتتح أبو تمام الديوان بهما، لو أننا كنا على مستوى هذه الأبيات على الأقل، فأنا ما أظن أن رجلاً على الكرة الأرضية يفكر أن يهين أحداً من المسلمين، المقطوعة الأولى لأحد شعراء بلعنبر، هذا الشاعر كان له إبل وسرقها شخص، فحاول أن يحضر إبله ولم يستطع، فاستنفر قبيلته.. كلهم ضعفاء، فأنشد يقول متوجعاً:

لَوْ كُنْتُ مِنْ مَازِنٍ (يعني من قبيلة مازن) لَمْ تَسْتَبحْ إِبِلِي ... بَنُو اللَّقِيطَةِ مِنْ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانا

إذًا لَقامَ بِنَصْرِي مَعْشَرٌ خُشُنٌ ... عِنْدَ الْحَفِيظَةِ إِنْ ذُو لُوثَةٍ لاَنا

قَوْمٌ إذا الشَّرُّ أبْدَى نَاجِذَيْهِ لَهُمْ ... طَارُوا إلَيْهِ زَرَافاتٍ وَوُحْدَانا

لاَ يَسْأَلُونَ أخَاهُمْ حِينَ يَنْدُبُهُمْ فِي النَّائِبَاتِ عَلى ما قالَ بُرْهانَا

لَكِنَّ قَوْمِي وَإنْ كانُوا ذَوِي عَدَدٍ لَيْسُوا مِنَ الشَّرِ فِي شَيءٍ وَإنْ هانَا

يَجْزُونَ مِنْ ظُلَمِ أهْلِ الظُّلْمِ مَغْفِرَةً وَمنْ إسَاءَة أهْلِ السُّوءِ إِحْسَانَا

كأَنَّ رَبَكَ لَمْ يَخْلُقْ لِخَشْيَتِهِ سِوَاهُمُ مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ إِنْسَانا

فَلَيْتَ لِي بِهِم قَوْمًا إذَا رَكِبُوا شَدُّوا الإِغَارَةَ فُرْسَانًا وَرُكْبانَا

ورع بارد في غير محله، يُضرب!! فيكون رده: الله يسامحك! ويضرب.. الله يسامحك، ويضرب.. الله يسامحك!! لا، إن النبي صلى الله عليه وسلم لما هجاه عمر بن أبي عزة للمرة الثالثة، وعفا عنه قبل ذلك، أخذه فقتله، وقال: (لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين).

وتأتي المقطوعة الثانية لتوضح مثل هذا وهي لأحد الشعراء، كان بينه وبين قوم نوع من الخصومة، وعقدوا صلحاً، وانتهت الحرب، وسيفتحون صفحة جديدة، ويتعاملون مع بعض من جديد، فلما فتحوا صفحة جديدة إذا بالقوم لئام، بدءوا يغدرون مرةً أخرى، فأنشد هذا الشاعر هذه الأبيات قال:

صَفحْنا عَنْ بَنِي ذُهْلٍ وَقُلْنا الْقَوْمُ إخْوَانُ

عَسَى الأَيَّامُ أنْ يُرْجعْنَ قَوْمًا كَالَّذِي كَانُوا

فلَمَّا صَرَّحَ الشَّر فَأَمْسَى وَهْوَ عُرْيانُ

ظهر أنهم لئام، وصرح الشر أي: صار واضحاً صريحاً، فلما صرح الشر من قبل هؤلاء، وأمسى وهو عريان.

وَلَمْ يَبَقَ سِوَى العُدْوَانِ ... دِنَّاهُمْ كَمَا دَانُوا

(رددنا لهم الصاع صاعين)

مَشَيْنا مِشْيَةَ اللَّيْثِ غَدَا واللَّيْثُ غَضْبَانُ

بِضَرْبٍ فِيهِ تَوْهِينٌ وَتَخْضِيعُ وإقْرَانُ

وَطَعْنٍ كَفَمِ الزِّقِّ غَدَا وَالزِّقُّ مَلآنُ

تعرف القربة عندما تكون ملآنة على آخرها، ثم تضغط عليها من جانبها، يفيض الماء.. سنفعل ماذا؟ وصلنا إلى هذا الحد!! الذي يعمل لنا هكذا سننفجر مباشرة، فهذا معنى كلامه.

وَطَعْنٍ كَفَمِ الزِّقِّ غَدَا وَالزِّقُّ مَلآنُ

ثم قال بيتين يكتبان بماء الذهب:

وَبَعْضُ الْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ لِلذِّلَّةِ إذْعَانُ

يُضرب.. الله يسامحك، يُضرب.. الله يسامحك، لا، هذا ليس حلماً، هذا إذعان.. هذا ضعف.. فهذا عندما يكون قليل الأدب، ولا يجد مثل هذه القوة، سيظل يضرب باستمرار، فلا تقل: أنا حليم، قل: أنا ضعيف.

وَفِي الشَّرِّ نَجَاةٌ حِينَ لاَ يُنْجِيكَ إِحْسَانُ

قدمت الإحسان مرة ومرتين وعشرة وعشرين وثلاثين ومائة وثلاثمائة.. ومع ذلك ما زال لئيماً، إذاً ما بقي إلا الشر هو الذي ينجيني؛ لأنني لما قدمت الإحسان ما أنجاني، فالذي فعله اليهود لا يجبره إلا الدم.. وهذا وإن كان مراً على صدور المسلمين، لكننا نتباشر به، ونرى أن الفتح قريب، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ذكر في كتاب "الصارم المسلول على شاتم الرسول" قال: حدثني بعض الفقهاء ممن حاربوا في الروم، قالوا: كنا نحاصر الحصن شهراً وشهرين وثلاثة.. إلى أن كدنا نيأس من فتح الحصن، فوقع أهل الحصن في سب النبي صلى الله عليه وسلم ففتحناه بعد ثلاثة أيام، قال: فكنا نتباشر بسبه مع امتلاء قلوبنا غيظاً مما نسمع، مجرد ما يسبونه نعرف أننا سنفتح الحصن مباشرة؛ لأن الله عز وجل ينتقم لنبيه، ويرد عن نبيه مع أننا سننفجر من الغيظ من الشتم الذي نسمعه، إلا أننا نرى أن هذه بشارة أن سيُفْتح له.

هنالك قصة حكاها آخر أعيان المحدثين في مصر، الإمام العلَم أبو الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، حكى حكاية حدثت أيام الملك فؤاد ، الحكاية تتلخص في إن الملك فؤاد كان يحب أن يصلي خلف أحد الخطباء أصحاب اللسان العالي، كلما يحب أن يصلي في مكان يأتوا بهذا الخطيب كي يخطب، فصادف أن طه حسين رجع من باريس بالدكتوراه، وأرادوا أن يكرموا طه حسين ، فالملك فؤاد وحاشيته استدعوا هذا الخطيب على اعتبار أنهم سيكرمون الدكتور طه حسين ، صعد الخطيب يخطب، فأراد أن يمدح الملك فؤاد فقال: ما عبس ولا تولى لما جاءه الأعمى.

فيكون الملك فؤاد رجل كريم ورسول الله يكون ماذا؟ لأنه عبس وتولى، لكن الملك فؤاد لا عبس ولا تولى.

الشيخ محمد شاكر رحمه الله وكيل الجامع الأزهر، كان يصلي: فلما سمع الكلمة، وأنهى الرجل الخطبة.. صلوا الجمعة، قام الشيخ محمد شاكر ، وقال: أيها الناس! أعيدوا الصلاة ظهراً، فإن الخطيب كفر، مع قطع النظر في البحث هل هو كافر أم غير كافر، لكن الشيخ محمد شاكر رحمه الله قال هذه الكلمة وانطلق إلى قصر عابدين، وذهب إلى الملك فؤاد ورفع له مذكرة يقول له: صل الظهر بدلاً عن جمعتك بسبب أن الخطيب كفر.

الرجل خطيب والملك يأتي به حتى يخطب أمامه، يكون رجلاً معروفاً لكل المحامين في البلد، ومستشاري المحاكم، فجماعة المحامين المستشارين أغروه، قالوا له: كيف يحرجك أمام الجماهير بهذا الكلام؟ ارفع عليه قضية ونحن وراءك. الشيخ محمد شاكر قبل هذا التحدي ورفع قضية هو الآخر وقال: ليس بيني وبين هذا الخطيب شيء؛ لكنني أريد الإجابة عن سؤال واحد، أهذا الذي قاله الخطيب تعريض بالنبي صلى الله عليه وسلم أم لا؟ وأنا لن أحتكم إلى علماء الأزهر، برغم أن البلاغة والبيان والنحو والإعراب والصرف والكلام، هذا كله اختصاصهم، لكن أنا لن أستعين بواحد من هؤلاء حتى لا تقولوا حابوه وجاملوه، أنا أريد مستشرقين يكفرون بالله العظيم، ودرسوا اللغة العربية لأسألهم هذا السؤال: هذا الذي قاله الخطيب تعريض بالجلال النبوي أم لا؟

الشيخ محمد شاكر رحمه الله واصل رفع القضية، فلما علم هذا الخطيب ومعاونوه أن القضية خاسرة تنازلوا عنها، الشيخ أحمد شاكر رحمه الله يقول: فدخلت بعض المساجد لأصلي فرأيت ذلك الخطيب فراشاً يتلقى نعال المصلين في هذا المسجد. إن الله عز وجل يغار لنبيه، ولا يقع في النبي صلى الله عليه وسلم أحدٌ إلا خُذِل، لكن ما هو رد فعل الجماهير على هذه الإهانات المتلاحقة؟!

سأذكر لكم مثلاً.. نحن نعامل النبي عليه الصلاة والسلام، ونعامل دين الله عز وجل بالجملة كمعاملة الناس بالشارع والبيوت تصعد العمارة تدخل الشقق.. تجدها آية في الزخرفة والنظافة والرائحة الجيدة، وأنت خارج ترى الرجل يفتح النافذة.. يرمي القمامة ثم يغلق النافذة، لماذا؟ الشارع ليس لي؟ أنا لا أعامل الشارع معاملة منزلي.!! فيرمي القمامة ويغلق النافذة خشية الذباب، كل واحد يظن أن هذا الدين إنما هو دين الدعاة إلى الله عز وجل، الدفاع عن الإسلام هو دفاع الدعاة فقط، ويظن أنه رجل عامي لا يناط به شيء، وهذا أحد أسباب الوهن التي دبت إلى جسد الأمة.

صدق محبة النبي عليه الصلاة والسلام هو العلاج الوحيد لكل الأمراض التي نعانيها الآن، إذا صدقت محبتك لا بد أن تنتقم لحبيبك، أولادنا.. حين تدخل بيت كثير من المسلمين زائراً.. صاحب البيت ينادي: تعال يا بني.. (ابنه الصغير) قل لعمك (الزائر) عندما تكبر ماذا تريد أن تكون؟ أريد أن أكون دكتوراً يا عم.. أريد أن أكون مهندساً.. أريد أن أكون صيدلياً.. من الذي علم الولد؟ من الذي لقنه؟ أبوه.. لا يوجد ولد يقول: أنا أريد أن أكون شيخاً أو عالماً.. لماذا؟ ديننا كدولة شاسعة الأطراف عظيمة الساحل، تخيل دولة مثل مصر مثلاً: سواحلها المائية واسعة.. تخيل أنه لا يوجد حرس حدود على هذه السواحل فما المتصوَّر؟ يدخل كل اللصوص.

ديننا هكذا.. أين حرس الحدود عندنا؟ لو أنني قلت -والقاهرة مثلاً ستة عشر مليوناً- لو أني قلت لكل واحد في هذا المسجد: عُدّ لي من تعتقد أنه عالم في القاهرة، ولن أناقشك في صفات العالم ولا ما هو مذهبه، إذا وصلت إلى عشرة فأنت بطل، ولا أقول لك عشرة فقط، لكن أقول لك أنت: عُدَّ لي من تعتقد في هذا البلد أنه عالم تقول فيه: هو حجةٌ بيني وبين ربي إذا لقيته، أأتمنه على الفتيا وعلى الاستشارة، لن تصل إلى عشرة. ما معنى هذا الكلام؟ كوادرنا ضعيفة جداً وقليلة، لماذا؟

العلماء هم الجهاز المناعي للأمة المسلمة، مرض الإيدز يعتبرون أنه أفتك الأمراض إلى قبل عدة شهور أو سنة ونصف في مصر مثلاً: دخل مرض جديد آخر الإيدز أصبح أقل خطراً بجانب المرض الجديد، المرض عبارة فيروس إذا أصاب الكبد يتحول إلى ماء اسمه فيروس آكل اللحوم، ظهر في جنوب أفريقيا، حيث أن هناك قوم يستحلون أكل الأطفال، سواء أكانوا يطبخونهم أو يشوونهم، هؤلاء أصيبوا بهذا الفيروس، إذا أصاب اللحم تجد يتوسع في اللحم حتى ينخر في العظم، وإذا أصاب الكبد مثلاً يتحول إلى سائل! وإذا أصاب الطحال يتحول إلى سائل.. وإذا أصاب الكلية يتحول إلى سائل، لكن مرض الإيدز أفتك الأمراض وأخطرها على المستوى العام حتى الآن وقالوا: إنه يصيب الجهاز المناعي.

إذاً أي مرض يصيب الجهاز المناعي يعتبر من أخطر الأمراض، العلماء والدعاة إلى الله عز وجل هم الجهاز المناعي لهذه الأمة.. هم كرات الدم البيضاء التي تدافع عن جسد الأمة، لماذا قلّت كوادرنا (علماؤنا)؟

لأننا لا نعامل الإسلام كقضية، سببه أن كل واحد يعتقد أن المسئولية على أكتاف غيره، والسبب في ذلك قلة المحبة، أتعرف لو أنك أحببت النبي صلى الله عليه وسلم بصدق لن تجد الذي تخاف منه الآن مع عدم المحبة، وسأذكر لك حكاية أوضح بها هذا المعنى: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، عندما دخل القلعة في آخر مرة ومات فيها رحمه الله، لما أدخلوه وأغلقوا الباب التفت إلى الباب فقال: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13].

ما معنى هذا؟ شيخ الإسلام كان مما من يميِّزه أنه سريع انتزاع الأدلة الدالة على ما يريد، لأن القرآن بين عينيه، أي شخص دخل السجن فإن الناس يتصورون أنه سيلقى الأمرَّين وسيذوق العذاب أليم!! ويقولون: يا ترى كيف يعيش؟ رغم أنه قد يكون أصفى نفساً في الباطن منك في الظاهر، أنت الذي تتعب! أنت الذي تذهب إليه للزيارة وتشوي له الدجاج، وتأخذها على أكتافك وتتجرع الشمس المحرقة! وتسافر اليومين والثلاثة الأيام، وهو يأتيه الأكل جاهزاً، ويحفظ القرآن، ويقوم الليل، وليس بينه وبين الناس خصومات بسبب المال والأكل والشرب والمعيشة.

إذا كنت صادق المحبة ستجد أن قلبك صار برداً وسلاماً، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ [الأنفال:45] فئة: يعني في الحرب.. فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ [الأنفال:45] فبمجرد أن تذكر الله عز وجل يستحيل خوفك إلى أمْن، وهذا المعنى موجود أيضاً عند الناس.. يقول عنترة :

ولقد ذكرتك والرماح كأنها أشطان بئرٍ في لبان الأدهم

فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم

ما هذا؟ حر وكر وفر! ورقاب تطير! والسيف يلمع في الشمس وإذا به يذكره ببسمتها، ولا زال المحبون يستمدون القوة بذكر من يحبون في مواطن الحرب.

إذاً العلاج هو صدق المحبة!.




استمع المزيد من الشيخ أبو إسحاق الحويني - عنوان الحلقة اسٌتمع
أسئلة وأجوبة[1] 2908 استماع
التقرب بالنوافل 2841 استماع
حديث المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده 2783 استماع
لماذا نتزوج 2718 استماع
انتبه أيها السالك 2708 استماع
سلي صيامك 2681 استماع
منزلة المحاسبه الدرس الاول 2662 استماع
إياكم والغلو 2637 استماع
تأملات فى سورة الدخان 2625 استماع
أمريكا التي رأيت 2608 استماع