على بساط القرآن


الحلقة مفرغة

أحبتي في الله! الكون كونان:

كون منثور وكون مستور، أما الكون المنثور: فهذا الفلك السيار الذي يحيط بنا، ونحن عبارة عن نقطة في محيط واسع من هذا الملكوت التي لا يعلم اتساعه ولا دقائقه ولا أسراره إلا خالقه عز وجل، هذا هو الكون المنثور الذي أمرنا الله أن ننظر فيه، قال تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا [الأنعام:11]، وهناك آيات للموقنين وللذين يقفون متدبرين لما خلق الله سبحانه وتعالى.

وأما الكون الثاني من الكونين اللذين أوجدهما رب العباد عز وجل: فهو الكون المستور، وهو كتاب الله عز وجل، هذا الكون الذي يجمع رب العباد فيه كل ما صغر وما كبر، قال تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38].

وكلما اقترب المسلمون من هذا الكون المستور كان لهم كيان في هذا العالم الذي يحيون ويعيشون فيه، وكلما ابتعدوا عن هذا المنهج تلاوةً وتدبراً وتعبداً وسلوكاً وتطبيقاً عفا عليهم الدهر، وكانوا في هذا المجتمع العالمي غثاءً كغثاء السيل.

تطبيق الصحابة لكتاب الله عملياً

لقد كان الصحابة يقرءون كتاب الله بتدبر، ثم يعملون بما فيه، وقد جاء بهم الحبيب صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم في هذه الحضانة الإيمانية في بدايتها، وشحذ هممهم، وركب هذه العقلية والنفسية العربية، وأحاطها بإحاطة إيمانية روحانية فذة، فصار كل صحابي نسخة مصحفية تسير على قدمين.

فلقد كان المعصوم صلى الله عليه وسلم الأسوة قرآناً يمشي على الأرض، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن)، كذلك كان صحابته الغر الميامين، فكل واحد منهم يمثل نسخة عملية من المصحف يراها الناس رؤيا العين.

يحكى أن أعرابياً جاء وربط ناقته في جدار بستان من بساتين المدينة، ثم نام وغط في نوم عميق، فشعرت الناقة بجوع شديد فقطعت حبلها ودخلت إلى البستان وعاثت فيه فساداً، وحولت البستان إلى خراب من شدة جوعها.

فأتى صاحب البستان فأخذ عصاً غليظةً وضرب الناقة حتى أخرجها من بستانه، فوقعت ضربة على رأس الناقة فماتت منها، فاستيقظ الأعرابي على ناقته وقد ماتت، فثار غضبه، فمن الذي سيعيده إلى قبيلته وهو من أرض بعيدة؟ فصارع الأعرابي صاحب البستان، فلكم الأعرابي صاحب البستان لكمة قضى فيها الرجل نحبه.

واجتمع أهل صاحب البستان على الرجل ليأخذوه للقصاص، فقال الرجل: لي مطلب، قالوا: ما هو؟ قال: أعود إلى عشيرتي لأعطيهم وصية وأعود إليكم مرة أخرى، فتبسم القوم وقالوا: عجباً لك يا رجل! لا نعرفك ولا نعرف اسمك ولا اسم قبيلتك، ولا من أي بلد أنت، ولا من أي عشيرة، ثم نتركك بعد أن تقتل صاحبنا؟!

فسمع أبو هريرة هذا الشجار، فلما علم بالمسألة قال: أنا أضمن الرجل، فسار الرجل ومرت جمعة وجمعتان وشهر والرجل ولم يعد بعد، فذهب أهل القتيل إلى أبي هريرة وقالوا له: يا أبا هريرة ! أتضمن من لا تعرف؟ قال أبو هريرة : كي لا يقال: إن أصحاب المروءة قد ولوا، فإذا بالرجل يظهر على الأفق، قالوا: عجباً ما الذي أعادك؟

قال: حتى لا يقال: إن أصحاب الوفاء قد ولوا، فإني قد عاهدت أن أعود ولابد من الوفاء بالعهد، فقال أهل القتيل: ونحن قد عفونا كي لا يقال: إن أصحاب العفو قد ولوا.

فأين أصحاب المروءة في زماننا؟ وأين أصحاب الوفاء في زماننا؟ وأين أصحاب العفو في زمننا؟

فهذه هي أخلاق القرآن وأخلاق المتدبر لكتاب الله عز وجل، إن هناك أناساً قد يقرءون القرآن ليصير حجة عليهم لا حجة لهم، فأنت تحكمك عدة محاور: زمان ومكان وأحداث.

فضل الله علينا في مغفرة ذنوبنا بالصلوات

إن رب العباد عز وجل هو الذي يعلم من خلق، ويعلم ما الذي يصلح عبده وما الذي يفسده، فجعل الله للمسلمين بفضله سبحانه لقاء في عدة ساعات، ليلقى العبد ربه، ولكي ينفض عن نفسه ذنوباً صنعها في وقت قد مضى، فعندما تلقى الله ظهراً فإنه عز وجل يمحو عنك الذنوب التي عملتها صباحاً، فإذا وجدته عصراً نفس القضية، والمغرب كذلك، وصلاة العشاء كذلك، فيغفر لك ما قد سلف فتبيت وليس عليك خطيئة.

وهل كل صلواتنا مقبولة؟ فإنه ليس كل مصل بمصل، وقد جاء في الحديث القدسي: (إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، ولم يستطل على خلقي، ولم يبت مصراً على معصيتي، ورحم الأرملة والمسكينة وابن السبيل، هذا أكلؤه بعنايتي، وأستحفظه بملائكتي، وهو في عبادي كالفردوس في الجنة).

إذاً: المتكبر لا تقبل له صلاة، وانظر إلى المسلم وستعرف كبره من حركة واحدة، خذ بيده لينتظم في الصف فإنه يقاتلك، وهذا هو الكبر.

ازدياد خوف الصحابة بعد تبشيرهم بالجنة

الصحابة الذين بشروا بالجنة عندما تقرأ عن حياتهم في كتب السير تجد أن خوفهم من الله اشتد وازداد بعد أن بشروا بالجنة، وهذا أمر غريب قد لا يفهمه العقل البشري.

فهب جدلاً أن رجلاً صاحب مدرسة قال لك: أنا صاحب المدرسة وأنا الذي أعين المدرسين وأنا الذي أوقع على النتيجة النهائية، وابنك في رعايتي وهو ناجح آخر العام إن شاء الله، سواء كتب أم لم يكتب، هل يزداد اطمئنانك أم يزداد خوفك؟ يزداد اطمئنانك.

أما أن تزداد خوفاً فهذا هو الأمر الأعجب، وليس المبشر للصحابة هنا هو صاحب المدرسة، وإنما المبشر للصحابة هو الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، وعندما يبشر فتبشيره لهم صادق، لكن الصحابة يزدادون خوفاً؛ وذلك لأن العبد كلما ازداد حبه لله ازداد خوفه منه، وكلما ازداد قرباً من الله ازداد خوفاً منه، وكلما ازداد علماً ازداد جهلاً.

وما يزال الرجل يتعلم ويتعلم فإن ظن أنه قد علم فقد بدأ يجهل، فكلما ازداد الإنسان علماً ازداد جهلاً، وكلما كبرنا في السن كبرنا في العمر ولا نكبر في العلم، وذلك لأن العلم أرجاؤه متسعة وبالذات في الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يشاد الدين أحد إلا غلبه).

وتقرأ في كتاب الله عجباً، فهذا عمر يخطب ويقول: وَفَاكِهَةً وَأَبًّا [عبس:31] فيقول رجل أعرابي: ما الأب يا أمير المؤمنين؟!

فقال عمر: أفي المسجد من يجيب؟ فهذه فتيا ليست مهمته، إنما مهمته إمارة المؤمنين، فقال رجل: يا أمير المؤمنين! الأب: ما تأكله الأنعام، أو ما قرأت بعدها وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [عبس:31-32] فالفاكهة لنا والأب لأنعامنا، فتدمع عين عمر ويقول: كل الناس أفقه منك يا ابن الخطاب !

فهكذا الإنسان كلما اقترب من الله زاد خوفاً منه، وذكر أن ابن عباس ترجمان القرآن حبر الأمة يقول: كلمة فاطر في قوله تعالى: فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الشورى:11] تعلمتها من أعرابي قح، فقيل له: كيف؟ قال: مررت بأعرابيين يحفران بئراً، فكان يدعي كل واحد منهما أنه هو الذي فطره، أي: هو الذي أنشأها وبدعها وكونها، فعلمت معنى كلمة فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [فاطر:1] أي: مبدع السماوات والأرض، وخالق السماوات والأرض، ومنشئ السماوات والأرض.

وهكذا الإنسان يظل يتعلم من الصغير ومن الكبير، ويظل يتعلم لا إله إلا الله، والإنسان كلما قرأ في كتاب الله يجد هذا الكون المستور في كتاب الله عز وجل.

أعود وأقول: إن الصحابة بعد أن بشروا بالجنة ازداد خوفهم، فالعبد كلما اقترب من رب العباد عز وجل ازداد خوفه منه، وبالرجاء والخوف يعبر الإنسان إن شاء الله إلى بر النجاة.

اللهم نجنا من النار، وقربنا من الجنة آمين يا رب العالمين!

سعي الشيطان في تثبيط بني آدم عما يرضي الله سبحانه

أنت أيها المسلم يحكمك زمان ويحكمك مكان، وهناك عدة عقبات حولك، فأنت تأتي لتفتح المصحف وتقرأ، فبعد صفحة أو صفحتين يأتيك الشيطان ويقول: يا فلان! أنت مجهد اليوم فخفف عن نفسك، وأنت تسعى لطلب الرزق، وسيكفر الله لك كل سيئاتك إن شاء الله؛ لأن هناك ذنوباً لا يكفرها إلا السعي على المعيشة.

فالمسلمون لا يحفظون إلا أحاديث خاصة تهم المعيشة، مثل حديث: (الطبق يستغفر للاعقه)، وحديث: (إذا جاء العشاء والعشاء فأخروا العِشاء وقدموا العَشاء)، فالمهم أنه يطمئن بطنه، وهذه أحاديث متواترة عنده، فالمسلم عندما يقرأ القرآن يأتيه الشيطان من هذه الزاوية، يقول له: نم واسترح قليلاً، ثم قم قبل الفجر بساعة، واقرأ وأنت يقظ، فالمؤمن اليقظ يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هذه فرصة لا تعوض، ومن الذي يضمن لي إذا نمت أن أستيقظ مرة أخرى؟

قيل لأحد العلماء: أتحب أن تموت مسلماً عند باب الحجرة، أم شهيداً عند باب الدار؟ قال: أموت مسلماً عند باب الحجرة، فمن يضمن لي عندما أخرج من الحجرة ألا أجد فتنة فأموت على سوء خاتمة؟ أسأل الله أن يختم لنا ولكم بالصالحات.

إذاً: يا إخوتاه! الشيطان يشغلنا في صلاتنا وفي قراءتنا لكتاب ربنا وفي جميع عباداتنا، فإذا أردت أن تخرج نفقة يقول لك: يا أخي! عشرة دراهم لا تكفي أحداً، انتظر حتى تصير مائة، انتظر حتى تصير مائتين. أقول: يا أخي! أخرج العشرة؛ لأنك لا تضمن نفسك بعد ذلك، فرب درهم غلب درهمين.

ورضي الله عن أبي الدحداح ، ورضي الله عن الصحابة الذين قدموا ما عندهم لله عز وجل، وقد كان أبو بكر يقول: والله يا رسول الله! ما نعطيه لك أحب إلينا من الأموال التي تبقى في بيوتنا.

لكن يوجد في هذا الزمن أناس إذا حصل الواحد منهم على الدرهم أو الدينار أو الجنيه يأخذه ويضعه في كيسه ويقول له: لقد تعبت كثيراً يا حبيبي! في تنقلك بين أيدي الناس، فادخل فلن ترى النور مرة أخرى.

وهكذا سمي المال مالاً؛ لأنه مال بالناس عن الحق.

فنحن يحكمنا زمان ومكان، فالله عز وجل علم تقصير العباد فجعل الصلوات الخمس متقاربة، ثم جعل بفضله للمسلمين لقاء الجمعة، إذ نحضر إلى المسجد بعد أن نغتسل ونتطيب، ويأتي الخطيب ليخطب خطبة يذكرنا فيها بالله، ونجتمع فيصافح بعضنا بعضاً، وننفض الذنوب، ونخرج وقد شحنت القلوب شحنة طيبة.

ثم علم الله تقصير العباد فجعل لهم مناسبة سنوية لقراءة كتاب الله، والأعمال الصالحة، إذ يبدأ المسلم في نفض التراب عن دفتي المصحف، ويكتشف أنه يوجد في بيته مصحف ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهناك من يزور المسجد خمس مرات في اليوم، وهذا هو المطلوب وفي رمضان وغيره.

وهناك من يزور المسجد كل جمعة، وهناك من لا نراه في المسجد إلا من رمضان إلى رمضان، وهناك من يأتي إلى المسجد محمولاً على الأعناق لا ليصلي وإنما ليصلى عليه، نسأل الله السلامة.

فيا أخي المسلم! الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك، فهو لك إذا عمرته وغمرته بطاعة الله، وعليك إذا ضيعته في اللهو واللعب، ولذلك فإن المؤمن الصادق يقف في معالم الحياة ويصلح فيها نفسه، فالحياة لها معالم يتوقف معها المسلم.

وها قد بقي على رمضان أيام، فلابد لكل واحد منا أن يحاسب نفسه: هل صمت رمضان كله؟ ربما لم أصم، ربما أفطرت يوماً ولم أقضه، قد يكون علي زكوات ولم أخرجها، أو علي صلوات لم أصلها، أو ربما لم أختم المصحف في رمضان، يقول بعض أهل العلم: من لم يختم القرآن في شهر فقد بات مهاجراً لكتاب الله، فإذا كان الشهر العربي يمر عليه دون أن يختم المصحف فمتى يختمه؟ فعلى الأقل مرة في الشهر، أي: جزء في اليوم دائماً.

وللأسف الشديد فإن كثيراً من المسلمين لا يدركون أن آيات العبادات في كتاب الله تقريباً مائة آية وعشر آيات من ستة آلاف ومائتين وستة وثلاثين آية، إذاً: فهناك ستة آلاف ومائة وستة وعشرون آية تقريباً المسلمون غير مهتمين بها.

يحكى أن حاتماً الأصم صلى بالمسلمين صلاة العصر، وكان المسجد مليئاً إلى آخره، فسلم يمنة ويسرة فلم يجد في المسجد مصلياً خلفه، فتعجب أين ذهب الناس؟ فوجد ضوضاء خارج المسجد فخرج، فقال: خيراً، قالوا: أما تشعر بما نحن فيه؟! انكسرت سارية من سواري المسجد فخشينا أن يسقط السقف علينا فهربنا، فقال: لقد كنت في الصلاة.

وذكرني أحد الإخوة أنه حدث في مصر في عام اثنين وتسعين زلزال أثناء صلاة العصر، وكان هناك رجل ملتزم يصلي ركعتين، قال: ركعت فشعرت أن الأرض تهتز وشعرت بضوضاء، فوجدت نفسي راكعاً خارج المسجد لا أدري من الذي أخرجني؟

فهذا الرجل أثناء الزلزال خرج من المسجد في وضع الركوع ولم يتحرك، فكيف بزلزلة يوم القيامة؟! نسأل الله أن يثبتنا وإياكم، لذلك فإن المسألة تعود إلى ضعف اليقين داخل القلوب.

سئل حاتم عن خشوعه في صلاته، فقال: إن جاء وقت الصلاة أسبغت وضوئي، وجلست في المكان الذي سأصلي فيه؛ حتى تجتمع جوارحي.

وانظر إلى صلاة الظهر أثناء الدوام، وانظر إلى عدم الخشوع فيها، فقد انشغلنا بأعمال الدنيا، يقول حاتم الأصم: جلست في المكان الذي سوف أصلي فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم فأكبر، وأقرأ قراءة بترتيل، وأركع ركوعاً بخشوع، وأسجد سجوداً بتواضع، واضعاً الجنة عن يميني، والنار عن يساري، والصراط تحت قدمي، والكعبة بين حاجبي، وملك الموت ورائي؛ كي أظنها آخر صلاة لي، وأتبع ذلك بالإخلاص في النية، ثم لا أدري أقبلت أم لم تقبل!

وشتان بين حاتم وهذا الرجل الذي ذهب إلى أبي حنيفة قال: يا أبا حنيفة ! بعت داراً لي وحفظت ثمن الدار في مكان ونسيته فلا أدري أين هو؟ فضحك أبو حنيفة إذ إن مهمة الفقيه ليست البحث عن مال الناس، قال: اذهب فقم لله الليلة عسى رب العباد أن يذكرك، فجاء الرجل في صلاة الصبح مبتهجاً، فقال له أبو حنيفة: وجدت مالك؟ قال: نعم، قال: ما الذي حدث؟ قال: دخلت في أول ركعة فتذكرت مكان المال، فخرجت قبل أن أنسى فلما وجدته نمت.

قال أبو حنيفة : كنت أوقن أن الشيطان لن يدعك تتعبد لله الليلة.

فمن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها فهي أمامه، ومن كان يريد الآخرة فالله عنده ثواب الدنيا والآخرة.

ولا يمكن أن يصلي الرجل الصلوات الخمس بالنوافل ويقرأ القرآن، ولكنه لا يكلم زوجته شهراً وشهرين ولا أريد أن أتطاول وأقول: وربما سنة أو سنتين، فتراه يقطب جبينه في وجه زوجته وأولاده.

يروى عن عمر أنه جاءه رجل يريد أن يوليه، فقال عمر لخادمه: إذا جاء هذا فأدخله، فدخل الرجل فرأى عمر على يديه ورجليه، وأطفال عمر يركبون على ظهره ويدور بهم في البيت، فوقف الرجل في حالة من الذهول، فقال عمر : ما لك؟ قال: هكذا تصنع مع أبنائك يا أمير المؤمنين! قال: نعم، وماذا تصنع أنت؟ قال: إن دخلت فر الواقف، واستيقظ النائم، ووقف الجالس.

قال: إذا لم تكن رحيماً بأبنائك فكيف تكون شفيقاً ورحيماً بأبناء المسلمين؟! لا حاجة لنا في ولايتك.

فالإنسان الذي يريد أن يتولى أمر المسلمين يجب أن يكون رقيق القلب رحيماً.

وجوب فهم العبادة بمفهومها الواسع الصحيح

هناك فرائض غائبة عن المسلمين منها: تبسم المسلم في وجه أخيه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، فالتبسم فريضة غائبة، وكأن كثيراً من الناس يظنون أن الفقهاء يقولون -وما قال بها فقيه-: إن أسنان الإنسان عورة، وهذا غلط، فإننا نريد أن نراها وهي جميلة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بسام المحيا، وكان لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله، فكان في شتى الأوقات يلقى الصحابة بوجه طلق مبتسم.

فأنت في دعاء السفر تقول: وأعوذ بك من كآبة المنظر، فتخيل وأنت مسافر مع شخص مقطب جبينه أو زوجة مقطبة الجبين، والرحلة مسافتها عشرة كيلو متر، فبتقطيب الجبين تصبح ألف كيلو متر، ولذلك نستعيذ بالله من كآبة المنظر، فنحن لما فهمنا العبادة بمفهوم ضيق حصرنا الإسلام في جزئية عبادات قليلة، بدليل أن: زوجتك إذا جاءتها أيام لا يسمح لها بالصلاة أو بالصيام فيها يحدث لها حزن داخلي، لماذا؟ تقول: لقد تعطلت عن العبادة، وتظن أن العبادة مطلوبة منها في هذه الأيام، لكن انظر إلى رحمة الإسلام، فإن المرأة التي تواظب على الصلوات والنوافل وقراءة القرآن إذا جاءتها الأيام التي لا يصح أن تصلي فيها، تكتب الملائكة لها صلاتها ونوافلها وقراءتها للقرآن؛ لأنها ما حبسها إلا أمر الله عز وجل، فانظر إلى عظمة الإسلام ويسر الدين، إذ إن العبادة غير محصورة في هذا الأمر، فحسن تبعلها لزوجها من الأمر الذي يوضع لها في ميزان حسناتها، كذلك طلاقة وجهها في وجه زوجها.

يذكر أن تابعية زفت إلى رجل تابعي ودخل وأغلق عليها الباب، فقالت له: يا عبد الله! أنا لا أعرفك وأنت لا تعرفني، فخبرني بالله عليك ماذا تحب من الأمور حتى آتيها، وماذا تكره من الأمور حتى أتجنبها.

فيجب علينا أن نفهم العبادة بمفهومها الواسع، فالله عز وجل جعل شهر رمضان شهر رحمة، فعليك أن تعيد حساباتك في هذه الأيام وتقول: أنا علي ديون يجب أن أؤديها.

كيفية مواجهة الأحداث ومعالجة مستوى الهزيمة في نفوسنا

إن رمضان يأتي والأمة في حالة هزيمة داخلية وشعور بإحباط، وهذه حالة الجميع، وإذا كان الناس مقطبين عابسين فربما لهم العذر مما يحدث لهم من معوقات على مستوى العالم كله، ولكن ليست القضية أن تشغل نفسك بميكروبات وجراثيم الكفر والشرك، لا، القضية أن تشغل نفسك بتقوية جهاز المناعة الإيمانية التي تستطيع أن تقاوم به هذه الجراثيم وتلك الميكروبات، هذا ما صنعه الحبيب صلى الله عليه وسلم.

ففي مكة أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأ، ثم أمره الله أن يبلغ دعوته إلى الناس، وكان في مكة ميكروب يسمى أبا جهل، وفيروس يسمى أبا لهب، وجرثومة تسمى عقبة بن أبي معيط ، وميكروبات عبارة عن طبقية وسادة وعبيد وخمور وأصحاب رايات حمر، وكل هذه الموبقات كانت موجودة في مكة.

فلو أشغل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه بتلك الميكروبات والجراثيم لما استطاع أن يبلغ دعوته، فما الذي صنع؟ إنه إذا وجد طفل ناقص فإن الأطباء يأخذونه ويضعونه في حضانة، لماذا؟ لتقوى عنده أجهزة المناعة، حتى إذا انطلق في العالم الخارجي فإنه يستطيع أن يتحمل الجو الخارجي.

فالرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالصحابة ووضعهم في هذه الحضانة الإيمانية في دار الأرقم ، حتى بلغ عددهم أربعين بإسلام عمر ؛ وحينما أسلم عمر كان عمره ستة وعشرين عاماً، ويوم أن أسلم كان عدد المسلمين قبله تسعة وثلاثين مسلماً، فلما دخل في الإسلام صار المسلمون أربعين فيخرج عمر في صف وحمزة بن عبد المطلب في صف أمام مكة كلها.

إذاً: بعد تقوية جهاز المناعة بدءوا يواجهون الميكروبات والجراثيم، فما ضرهم الجرثومة أبو جهل، ولا الميكروب أبو لهب ولا غير ذلك؛ لأن جهاز المناعة قوي، والذي يجعلنا ننهزم نحن في حياتنا هو أن أجهزة المناعة ضعيفة.

والعز بن عبد السلام رجل عالم أيام المماليك وزحف التتار، هذا العالم استطاع أن يحمي الحضارة الإنسانية كلها من الزوال، فقد وقف وقفة جادة حتى باعوا المماليك وأخذوا ثمنهم، وجهزوا الجيوش وحفزوا القوة الشرعية والإيمانية في قلوب الناس، وكان النصر على التتار، فقد أوقِف زحف هؤلاء الجحافل، حتى إنه من كرم الله دخل التتار أنفسهم بعد ذلك في دين الله عز وجل لقوة الإسلام.

إن أي دين يقوى بقوة أتباعه ويضعف بضعفهم إلا الإسلام، فهو قوي في ذاته ولا علاقة له بأتباعه، فلو أن الإسلام مرتبط بأتباعه لاندثر منذ زمن؛ لأن كثيراً منا عبارة عن منخنقة وموقوذة ونطيحة وما أكل السبع.

الإسلام قوي في ذاته

دخل أعرابي الإسلام فسألوه: لماذا دخلت الإسلام؟ قال: ما قال لي محمد: افعل وقال قلبي: لا تفعل، وما قال لي محمد: لا تفعل وقال لي قلبي: افعل.

فقد قال الله عز وجل: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة:33] فليس شرطاً أن ستة مليار إنسان يصيرون مسلمين، فالخمر في الغرب مباح، فهل يسمح الغرب لقائد طائرة أو قائد سيارة أن يسير وهو مخمور؟ مع أنه مباح عنده، فهو عند الضرر بالآخرين لا يسمح؛ لأنه يحتاج إلى ما عند الإسلام من تشريع.

حتى إن الفرنسيين اليوم يدرسون قوانين المواريث الإسلامي لتطبيقه؛ لأنها أعظم القوانين في الميراث، حتى إن أبا القانون في فرنسا جلس بعدما درس المحاماة يبحث في القضايا التي حكمت فيها المحاكم الفرنسية على مدى ثلاثين عاماً، فوجد أن المحاكم الفرنسية أخطأت فيما يقرب من أربعين بالمائة في أحكامها، تبدأ من حبس لمدة ساعة، إلى سجن لمدة معينة، إلى إعدام.

فالرجل الذي حجز لمدة ساعة وظلم وصار بريئاً، والذي سجن عشر سنوات وكان بريئاً، والذي قتل ولم يكن يستحق القتل، من يعوضهم؟ فبدأ يفتح في الكتب المقدسة؛ لعله يجد كتاباً مقدساً يعوض الإنسان بعد موته عن ظلم حاق به في الحياة، فلم يجد هذا التعويض إلا في القرآن، فأسلم هذا الرجل.

فالإسلام قوي في ذاته، ففي الهيئة العالمية للإعجاز العلمي اكتشف علماء المخ والأعصاب منذ شهور أن المرأة التي تنزع بالملقاط أو بآلة شعر حواجبها يؤثر ذلك على الخلايا المخية عندها.

ولا ننتظر أن يقول العلم: إن كلام الرسول صدق، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله النامصة والمتنمصة)، لكن هذا كما قال تعالى: وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر:31].

تقول المرأة الألمانية العالمة التي حصلت على جائزة نوبل في الستينات: من الذي أدرى محمداً أن الكبد ناحية اليمين والقلب ناحية اليسار؟ فقد علم المسلمين أن يناموا على الجنب الأيمن؛ حتى يكون القلب من أعلى، فيتحرك طوال النوم بحرية، ولو نام الإنسان على الجنب الأيسر لالتصق الكبد على القلب فتحرك حركة بطيئة وعاق دخول وخروج الدم! من الذي علم محمداً هذا إلا ربه! فدخلت الإسلام لهذا السبب.

إذاً: نحن في أيدينا أكبر ثروة في العالم وهو كتاب الله عز وجل، ولذلك قال الله سبحانه: ذَلِكَ الْكِتَابُ [البقرة:2] أي: لا كتاب غيره، قال: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]، وهذه الآية في أول البقرة يجوز أن تنطق كل كلمة منها وتقف عندها فتجد جملة مفيدة، فتقول: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ [البقرة:1-2] جملة مفيدة، وتقول: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ [البقرة:2] جملة مفيدة، وتقول: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2]، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى [البقرة:2] أو فِيهِ هُدًى [البقرة:2]، هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2] فكلها جمل مفيدة.

فالقرآن وحدة متكاملة، قال ابن عباس : كلما دخلت وقرأت في الحواميم شعرت أني في رياض أتأنق فيهن.

ودخل أعرابي خلف أبي حنيفة ليصلي، فقال: من هذا الذي يصلي؟ قالوا: هذا أبو حنيفة ، قال: من أبو حنيفة ؟ قالوا: هذا عالم من علماء المسلمين، فوقف الرجل وزاحم في الصفوف إلى أن جاء إلى الصف الأول، فقرأ أبو حنيفة وهو يصلي بالناس. وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ [المائدة:38] وأخطأ أبو حنيفة وقال: (والله غفور رحيم)، فرد الأعرابي فقال: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38] فاستدرك أبو حنيفة وأعاد الآية سليمة، وبعد أن أنهى الصلاة قال: جزى الله خيراً الذي ردني، ففرح الأعرابي وقال: أنا، قال: أتحفظ القرآن؟ قال: لا، قال: أتحفظ السورة؟ قال: لا، قال: أتحفظ الآية؟ قال: أول مرة أسمعها، قال: وما الذي أدراك أن نهاية الآية: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38] وليس: (والله غفور رحيم)؟ قال: لو كان نهاية الآية: (والله غفور رحيم) لما حكم على السارق بقطع يده، لكنه لما عز في عليائه حكم على السارق بقطع يده، فكان النص يقتضي: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [المائدة:38] وليس: (والله غفور رحيم).

إذاً: فالقرآن خاطب هذه القلوب، وهذه القلوب تفاعلت مع كتاب الله عز وجل، فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه يجعل القارئ يقرأ أمام الجيش سورة الأنفال وسورة التوبة، ثم يقول: شعار المعركة: الله أكبر هبي رياح النصر، فتهب رياح النصر؛ لأنهم متفاعلون مع كتاب الله عز وجل.

وهذا أنس بن النضر يقول: أشم رائحة الجنة خلف أحد، فهم لم يقرءوا القرآن فحسب، وإنما قرءوا القرآن وطبقوه.

وحفظ عمر البقرة في ثمان سنوات، ليس لأن عمر لم يكن نبيهاً ولا ذكياً، وإنما كان يحفظ الآية ثم يطبقها، ثم يحفظ الآية التي تليها ثم يطبقها، فكان يحقق العلم والعمل.

دعوة إلى اعتناق حلق العلم في المساجد

إن الله أعطانا أعظم ثروة وهي القرآن، ثم أعطانا الفرصة وهي شهر القرآن الذي نزل فيه، ففيه إعادة حسابات مع النفس الإنسانية المسلمة في بيته، فإني أحملك أمانة أن تجلس كل يوم مع زوجتك وأولادك ولو ربع ساعة بشرطين أساسيين: أن تغلق الهواتف المحمولة والمتحركة والساكنة وغير الساكنة، وتغلق شاشة التلفاز.

أريد أن تنصت إليك زوجتك وأبناؤك، وأنت تنصت أيضاً وترى ماذا عملوا؟ من سمع حديث اليوم؟ من سمع قصة طيبة؟ من سمع حكمة في المدرسة؟ من رأى منظراً أعجبه؟ من له تعليق على موضوع معين؟ فقد ثبت أن الأسرة المسلمة هي أعظم أسرة في العالم.

ففي الصيف الماضي كنت في أوروبا، فهناك خمسة عشر ألفاً قضوا نحبهم من الفرنسيين في موجة الحر، وأغلبهم من كبار السن الذين لا يعرف عنهم أحد أنهم ماتوا إلا إذا شم رائحتهم، ولا أحد يسأل عنهم، لكن نحن والحمد لله كل صلاة نتواجد فيسأل فلان عن فلان، ويقول: ما رأيناك في صلاة الصبح، أو ما رأيناك في صلاة العشاء، وهكذا دائماً المسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المسلمين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد ..).

وقد وصل الأمر بالصحابة أن الصحابي كان يضع التمر في فم أخيه ليجد حلاوته في فمه هو، هذا شعور جيل القرآن، هؤلاء هم ملوك البشر الذين رباهم خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم في مسجده.

فقد كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبارة عن حصى ورمل وليس بهذه الأبهة التي في مساجدنا، ورغم ذلك فأولادنا عازفون عن المساجد، ونساؤنا عازفات عن المساجد، لماذا لا تحضر زوجتك معك في درس العلم وفي صلاة الجماعة لتسمع؟ فما وجدنا في كتب السير ولا التراجم صلاة خلت من امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إن المسجد للرجال والنساء أيضاً، لتسمع أنت الدرس وتعود أنت وهي إلى البيت فتتدارسان ما سمعتماه من الشيخ، فالبنات والأولاد كلهم مكانهم المسجد، فالمؤمن في المسجد كالسمك في الماء إن خرج منه مات، والمنافق في المسجد كالعصفور في القفص يريد أن يهرب فور أن يفتح له.

وما من مسلم يتطهر في بيته ثم يتوجه إلى بيت مولاه إلا ورب العباد سبحانه على باب المسجد يتلقاه، ويتبشبش في وجهه كما يتبشبش أهل الغريب عندما يعود إليهم غريبهم.

فأنت في المسجد عند العظيم، وإن كنت عند العظيم فاسأل عظيماً حتى وإن كان عملنا لا يساوي شيئاً، لكن إن سألت العظيم فاسأله الفردوس الأعلى، فإنك عندما تدخل على إنسان غني وتريد أن تأخذ منه تقول له: أعطني عشرة آلاف أو عشرين ألفاً أو خمسين ألفاً.

يذكر أن أعرابياً دخل على كسرى ، فقال كسرى للأعرابي: تمنَّ علي يا أعرابي! قال: أتمنى ألف درهم؟ فغضبت الحاشية من الرجل، قال: وهل هناك أكثر من الألف؟

إذاً: فهناك عقبات تحيط بك لكن إن قويت جانب الطاعة علمك الله، قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [البقرة:282].

فالإنسان حين يقوي جانب العقيدة بداخله، ويتفاعل مع كتاب الله عز وجل، ويعمر شهر القرآن بالعمل بالقرآن بعد تلاوته، ينتج من هذا نتيجة مذهلة تعود على الأمة بالخير.

إخوة الإسلام! إننا نحيا في وقت يحصل للمسلمين فيه مصائب جمة، لكن إن كانت الأمة في حالة من النوم المؤقت أو الغفلة المؤقتة، فإن الغد للإسلام إن شاء الله، لأن عند لحظة الاختيارات الكبرى لن يختار إلا الإسلام، قلت في مؤتمرين: بين الشرق والغرب، والمسلمين والغرب في أوروبا في الصيف الماضي: إنكم قد تقدمتم -ولا ننكر- في التقنية وفي الحضارة، ولكنكم تأخرتم في أمر آخر، قدموا أنتم لنا ما عندكم من حضارة ونحن نقبلها، ونقدم لكم حضارتنا وقيمنا الإسلامية، نتبادل المعرفة، أنتم تعطونا حضارة دنيوية ونحن نعطيكم سعادة الدارين: الدنيا والآخرة.

إن نسبة الانتحار ونسبة الأمراض النفسية ونسبة الطلاق في دول الغرب مذهلة، ومن أسباب كثرة الطلاق في بلد كأسبانيا هو أن يذهب الزوج فيشكو، فيقال له: كيف تصبر عليها؟! هذه خطر على صحتك، طلقها، وتذهب الزوجة إلى الطبيب فتشكو زوجها، فيقول الطبيب: كيف تصبرين؟! طلقيه فوراً.

لكن في ديننا فقد ضرب عمر بن الخطاب الحكمين، قالا: يا أمير المؤمنين! رفضا الصلح، فقام عمر بالدرة يضرب الحكمين، وقال: إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35] فلو أخلصتما النية لأصلح الله بين الزوج وزوجته.

إذاً: عمر اعتبر الحكم هو السبب في المشكلة، إذاً: فالحل ليس إلا في دين الله، فالعالم كله في حالة من الضياع، ونحن عندنا هذا الميراث الضخم وهذه الثروة الضخمة من كتاب الله، ومن أزمنة ونحن نتفاعل مع كتاب عسى رب العباد أن يجعلنا وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

جزاكم الله عني خيراً بحسن صبركم وحسن إنصاتكم، وبورك فيمن صنع هذا الخير، ولعلها بداية خير في عمارة المسجد، وندعو الله أن تستمر من حسن إلى أحسن، ومن جميل إلى أجمل.

بوركت يد من وقع مثل هذا القرار، وبوركت قدمان تسعى لمثل هذه الأمور، وبورك لجهد يصنع الخير للمسلمين، وبوركتم جميعاً، يتقبل الله منا ومنكم، وجزاكم الله عنا خير الجزاء.

وصلى الله وسلم على محمد، وآله وصحبه أجمعين.


استمع المزيد من د. عمر عبد الكافي - عنوان الحلقة اسٌتمع
قيم المتقين 3332 استماع
ثمرات المعاصى 3262 استماع
سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار 3248 استماع
الشكر لله 3163 استماع
المحاسبة 3072 استماع
المال أمانة 3021 استماع
الرضا 3009 استماع
العطاء من المخلوق حرمان والمنع من الله إحسان 2988 استماع
الشوق لله 2915 استماع
قصة حياة 2908 استماع