لقاء مفتوح مع الشيخ سلمان العودة


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له هادياً.

أمـا بعـد:

تمخض قسم الاجتماع في فرع الجامعة بـالقصيم عن إنتاج فذ من الثقافة الإسلامية، وهي إطلالة عن تلك الثقافة الإسلامية، وحاول أن يفتح بينها وبين الشباب من أجل الإفادة من هذه الثقافة، فالمسئولون في قسم الاجتماع أقـاموا محاضرة بعنوان لقاء مفتوح مع فضيلة الشيخ: سلمان بن فهد العـودة.

فليتفضل فضيلة الشيخ : سلمان وجزاه الله خيراً.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه الأمسية هي -كما قرأتم وسمعتم- لقاء مفتوح للمناقشة والمباحثة حول ما يدور في أذهان الشباب، ولذلك فإنني أقول: إذا كان عند أحد من الإخوة سؤال سواء كان شفهياً أو مكتوباً، فليتحفنا به في هذا الوقت، فإذا كانت الإجابة حاضرة أجبته، وإلا ففي العذر متسع وكما يقال: لا أدري نصف العلم.

أيها الإخوة: وقد خمرت في ذهني كلمة عابرة وسريعة، حول موضوع مهم في جامعاتنا الإسلامية اليوم، وهو الحديث عمَّا يسمى أو ما يدخل تحت مسمى العلوم الإنسانية، كعلم الاجتماع وعلم النفس وغيرها من العلوم المتعلقة بدراسة الإنسان، فرداً كان أو جماعة، ومدى أهمية هذه العلوم.

فإنني أسمع من بعض المتحدثين والمفكرين من ينظرون إلى هذه العلوم نظرة فيها كثير من التشاؤم، ويصنفون هذه العلوم في عداد تلك العلوم التي نشأت ووظفت لهدم الإسلام، وأنها علوم طبيعتها منافية لهذا الدين، فينظرون إلى علم النفس مثلاً، أو علم الاجتماع، أو علم الاقتصاد، أو أي علم من هذه العلوم، ربما ينظرون إليه على أنه كالسحر، علم لا يمكن أن يستفاد منه بصفة إسلامية، أو ينظرون إليه كعلم الكلام الذي هدم جزءاً كبيراً من العقيدة الإسلامية في أذهان كثير من المفكرين المسلمين، ولذلك يسيئون الظن به وبحملته، ويحذرون من تعلمه وتعليمه، وقد سمعت هذا في بعض المحاضرات.

وفي نظري أن هذا المفهوم غير سليم؛ لأن هذه العلوم هي أشبه بالظروف القابلة لأن تعبأ بتصورات إسلامية أو بتصورات منحرفة، ويمكن أن يستفيد المسلم من دراسة هذه العلوم وبنائها على أسس إسلامية وأن يفيد المجتمعات الأخرى. نجد -مثلاً- أن الإسلام قدم نظرة متكاملة عن الإنسان، وما أكثر ما تجد في القرآن الكريم من إشارات تتحدث عن طبيعة الإنسان وحالته ونفسيته في كل الظروف، وعن طبيعة المجتمعات وسننها ونواميسها التي ركبها الله تعالى فيها، كما تتحدث عن النواميس الكونية، من طلوع الشمس وغروبها، وعن غير ذلك من الأحداث والسنن القائمة المستمرة.

ونجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في حياته وسيرته ودعوته، يراعي هذه الأشياء في تربية أصحابه وبنائهم، ومعاملة الناس كأفراد ومجتمعات، ثم حين دونت العلوم الإسلامية نال علم الاجتماع حظاً من التدوين، حيث كان هناك ومضات متفرقة عند كثير من المؤرخين والكُتَّاب، ثم تبلور هذا العلم على يدي ابن خلدون في مقدمة كتابه: العبر وديوان المبتدأ والخبر في أخبار العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، فقد وضع لهذا الكتاب مقدمة فذة، تعرف اليوم بـمقدمة ابن خلدون، وتكلم فيها عن أنظمة ونواميس العمران البشري، وتحدث عن قضايا متعددة في علم الاجتماع، بل صرح في تلك المقدمة بأن هذه الأمور تعتبر -في نظره- علماً مستقلاً، له أصوله وقواعده وأهدافه وغاياته وموضوعه، كسائر العلو م الأخرى.

وقال: إنني لم أجد من تكلم عليه من قبلي، ولا أدري هل هذا ذهول من الناس ولا أظنه، ولكن ربما قد تحدث غيري عن هذا الموضوع ولم يصل إليّ.

هذا مؤدى كلام ابن خلدون، فلم يكن وقوعه على علم الاجتماع صدفة، أو فلتة غير مقصودة، بل كان أمراً مقصوداً تحدث عنه بصراحة.

وحين ابتلي المسلمون في هذا العصر بإنتاج الحضارة الغربية، وما تحمله من نظريات ومذاهب وتحليلات بشأن الفرد والمجتمع، بلي المسلمون بنظريات عديدة فيما يتعلق بالإنسان وتفسير الإنسان، منها: نظرية داروين ونظريات فرويد ودور كايم وماركس، وغيرها من النظريات التي تنظر إلى الإنسان نظرة منحرفة من جهة، وهكذا الحضارة الغربية كلها تنظر إلى الإنسان من جهة على أنه حيوان، وتلغي الروح والخلق والتسامي في الإنسان، فإذا حللت الإنسان حللته على أنه حيوان.

وقد يهتمون -مثلاً- بتشريح الإنسان جثةً، وتحليل منطلقات الإنسان تحليلاً حيوانياً، وإشباع رغبات الإنسان إشباعاً حيوانياً، لكن أغفلوا جانب الروح وجانب الفكر وجانب السمو في الإنسان، هذا لا وجود له عندهم، وقد ينظرون إلى الإنسان من جهة أخرى على أنه مسير كالآلة.

نظرة الإسلام إلى الإنسان

ولذلك تجدون الفارق الكبير بين نظرة الإسلام للإنسان وبين نظرة الحضارات المادية، فالإسلام ينظر للإنسان على أنه كائن له إرادته، وهذه الإرادة لا شك أنها ليست إرادة مستقلة، بل هي خاضعة لإرادة الله تعالى قال الله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] ولكن له إرادة، أما تلك الحضارات الغربية والنظريات، فإنها تنظر للإنسان على أنه مجبر، يقع تحت حتميات معينة، قد تكون حتميات اقتصادية كما في نظرية ماركس، وقد تكون حتميات اجتماعية كما هي عند دور كايم، وقد تكون حتميات نفسية، المهم أن الإنسان يقع تحت طائلة حتميات معينة، وكأنه نـزس في آلة مسير غير مخير عند هؤلاء القوم، وبذلك يفقد الإنسان قيمته وإنسانيته، وقدرته على الارتفاع والتسامي والإشراق، يفقد ذلك كله.

وينظر الإسلام إلى الإنسان على أنه خلق بصفة معينة، وله خصائص معينة لا يمكن أن يغادرها، وهي مقتضى إنسانيته، في مقابل أن أمامه مجالات رحبة للارتفاع، ولذلك -مثلاً- في الوقت الذي يذكر الله تبارك وتعالى فيه في القرآن الكريم صفات الإنسان وخصائصه، يبين الله عز وجل في القرآن، وكذلك يبين الرسول عليه الصلاة والسلام في السنة أن أمام الإنسان مجالات واسعة للارتفاع والإشراق، حتى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة مائة درجة، بين كل درجة وأخرى كما بين السماء والأرض} هذه الدرجات بحسب إشراق الإنسان، وارتفاعه وإيمانه وأعماله الصالحة.

هذه هي نظرة الإسلام للإنسان، في حين أن تلك النظريات تخضع الإنسان لعوامل التطور بلا حدود، كما تخضع جميع الكائنات الأخرى، وهذه النظرية نظرية التطور التي يطبقونها على كل شيء، أصبحوا يطبقونها على الإنسان دون تمييز، إضافة إلى أنهم ينظرون إلى الإنسان باعتباره حيواناً ولا يميزونه عن غيره، وقد يجرون دراسات على القردة مثلاً، ويعتبرون أن هذه الدراسات قد تكون منطبقة على الإنسان الذي كرمه الله تبارك وتعالى.

فنحن ننظر باعتبارنا مسلمين إلى الإسلام على أنه مميز على جميع المخلوقات الأخرى، من الحيوانات وما شاكلها، والله سبحانه وتعالى يقول: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70] ولست أقصد الآن الدخول في التمييز بين الإنسان والملائكة، فهذا مبحث آخر.

لكن أقول: إن الإنسان في الإسلام كائن له قيمته وتميزه وسيادته في هذا الكون، الذي خلقة الله تعالى وسخره للإنسان، فالنظرة إلى الإنسان على أنه حيوان أو على أنه آلة مسيرة، نظرة تنحط بالإنسان عن وضعه الطبيعي الذي وضعه الله تعالى فيه.

وكثير من الجامعات الإسلامية تدرس الآن علم الاجتماع كما عرضه دور كايم الفرنسي، أو غيره من علماء الاجتماع الغربيين، وتغفل النظرة الإسلامية للإنسان وللمجتمع، ومهمة الباحث المسلم ليس أن يتلقى ما كتبه الغربيون بروح المهزوم، الذي يعتبر أنهم وصلوا إلى النهاية، وأنه مجرد مترجم لأفكارهم، بل مهمته أن يصوغ علم اجتماع إسلامي وعلم نفس إسلامي وعلم اقتصاد إسلامي من واقع القرآن والسنة، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتابات العلماء السابقين المتفرقة، الموجودة كما أسلفت في بعض الكتب التاريخية، وفي بعض الكتب الحديثية، وفي بعض الدراسات الدعوية، وهناك كتب مستقلة مصنفة في هذا الباب منذ القدم، وفي بعض الكتب الأدبية التي تحدثت عن جوانب معينة من الإنسان.

هذه إشارة عابرة حول موضوع علم الاجتماع، والواجب الذي يتحمله الدارس في هذا العلم، وأترك المجال للأسئلة، سواء كانت مكتوبة أم شفهية.

ولذلك تجدون الفارق الكبير بين نظرة الإسلام للإنسان وبين نظرة الحضارات المادية، فالإسلام ينظر للإنسان على أنه كائن له إرادته، وهذه الإرادة لا شك أنها ليست إرادة مستقلة، بل هي خاضعة لإرادة الله تعالى قال الله: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29] ولكن له إرادة، أما تلك الحضارات الغربية والنظريات، فإنها تنظر للإنسان على أنه مجبر، يقع تحت حتميات معينة، قد تكون حتميات اقتصادية كما في نظرية ماركس، وقد تكون حتميات اجتماعية كما هي عند دور كايم، وقد تكون حتميات نفسية، المهم أن الإنسان يقع تحت طائلة حتميات معينة، وكأنه نـزس في آلة مسير غير مخير عند هؤلاء القوم، وبذلك يفقد الإنسان قيمته وإنسانيته، وقدرته على الارتفاع والتسامي والإشراق، يفقد ذلك كله.

وينظر الإسلام إلى الإنسان على أنه خلق بصفة معينة، وله خصائص معينة لا يمكن أن يغادرها، وهي مقتضى إنسانيته، في مقابل أن أمامه مجالات رحبة للارتفاع، ولذلك -مثلاً- في الوقت الذي يذكر الله تبارك وتعالى فيه في القرآن الكريم صفات الإنسان وخصائصه، يبين الله عز وجل في القرآن، وكذلك يبين الرسول عليه الصلاة والسلام في السنة أن أمام الإنسان مجالات واسعة للارتفاع والإشراق، حتى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة مائة درجة، بين كل درجة وأخرى كما بين السماء والأرض} هذه الدرجات بحسب إشراق الإنسان، وارتفاعه وإيمانه وأعماله الصالحة.

هذه هي نظرة الإسلام للإنسان، في حين أن تلك النظريات تخضع الإنسان لعوامل التطور بلا حدود، كما تخضع جميع الكائنات الأخرى، وهذه النظرية نظرية التطور التي يطبقونها على كل شيء، أصبحوا يطبقونها على الإنسان دون تمييز، إضافة إلى أنهم ينظرون إلى الإنسان باعتباره حيواناً ولا يميزونه عن غيره، وقد يجرون دراسات على القردة مثلاً، ويعتبرون أن هذه الدراسات قد تكون منطبقة على الإنسان الذي كرمه الله تبارك وتعالى.

فنحن ننظر باعتبارنا مسلمين إلى الإسلام على أنه مميز على جميع المخلوقات الأخرى، من الحيوانات وما شاكلها، والله سبحانه وتعالى يقول: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [الإسراء:70] ولست أقصد الآن الدخول في التمييز بين الإنسان والملائكة، فهذا مبحث آخر.

لكن أقول: إن الإنسان في الإسلام كائن له قيمته وتميزه وسيادته في هذا الكون، الذي خلقة الله تعالى وسخره للإنسان، فالنظرة إلى الإنسان على أنه حيوان أو على أنه آلة مسيرة، نظرة تنحط بالإنسان عن وضعه الطبيعي الذي وضعه الله تعالى فيه.

وكثير من الجامعات الإسلامية تدرس الآن علم الاجتماع كما عرضه دور كايم الفرنسي، أو غيره من علماء الاجتماع الغربيين، وتغفل النظرة الإسلامية للإنسان وللمجتمع، ومهمة الباحث المسلم ليس أن يتلقى ما كتبه الغربيون بروح المهزوم، الذي يعتبر أنهم وصلوا إلى النهاية، وأنه مجرد مترجم لأفكارهم، بل مهمته أن يصوغ علم اجتماع إسلامي وعلم نفس إسلامي وعلم اقتصاد إسلامي من واقع القرآن والسنة، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكتابات العلماء السابقين المتفرقة، الموجودة كما أسلفت في بعض الكتب التاريخية، وفي بعض الكتب الحديثية، وفي بعض الدراسات الدعوية، وهناك كتب مستقلة مصنفة في هذا الباب منذ القدم، وفي بعض الكتب الأدبية التي تحدثت عن جوانب معينة من الإنسان.

هذه إشارة عابرة حول موضوع علم الاجتماع، والواجب الذي يتحمله الدارس في هذا العلم، وأترك المجال للأسئلة، سواء كانت مكتوبة أم شفهية.