طبقات الفائزين


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على أفضل الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين:

أيها الإخوة! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إن ميدان هذه الحياة هو ميدان سباق بين الأفراد، وسباق بين الأمم والجماعات، وهو ميدان سباق في المجال الدنيوي، وميدان سباق في المجال الأخروي، يقول الله عز وجل: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2].

وإن من حكمة الله عز وجل أنه أوجد بين خلقه من التفاوت الشيء الكثير، يقول عز وجل: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف:32] فالناس متفاوتون في خَلقهم، وفي رزقهم، وفي خُلقهم، وعقولهم، وفي كل شيء.

التنافس فيما يقرب إلى الله

وهذا التفاوت هو لحكم كثيرة ظاهرة، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم في سنته إلى هذا المعنى المهم الذي يجب أن نفهم هذا التفاوت على ضوئه، وهو أننا يجب أن ننظر في أمور الدنيا إلى من هو دوننا حتى لا نـزدري نعمة الله عز وجل.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة: {إذا نظر أحدكم فلا ينظر إلى من فضل عليه في المال والخلق، بل لينظر إلى من هو دونه} وفي لفظ: {فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم}.

وفي مقابل ذلك فإننا يجب أن ننظر في أمر الدين والعلم والعبادة إلى من هو فوقنا، حتى يكون هذا حافزاً لنا على البلوغ إلى مرتبة أعلى.

ويقول الله عز وجل بعد أن ذكر ما فضل به بعض الناس وما أعطاهم من شأن الدنيا العاجلة: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً [الإسراء:21] انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض -أي في الدنيا- فضل بعض الناس على بعض، فضلوا بالمال أو بالخلق أو بالدين، وهذا لا يظهر في الدنيا ظهوراً تاماً، وإنما يظهر في الآخرة، ولذلك عقب بقوله: (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) فالإنسان يجب ألا يقنع بواقعه الذي يعيشه في أمر الدين، بل يتطلع إلى الأعلى دائماً.

التنافس على حظوظ الدنيا

ولو نظرنا إلى واقع المسلمين اليوم لوجدنا أن حالهم على نقيض ما يشير إليه الحديث النبوي، فهم في مجال الدنيا، ومجال المال، وفي مجال الخلق، ومجال الصحة، ينظرون إلى من هو فوقهم فيصيبهم الحسد، وقد يصيبهم التسخط وعدم الرضا بقضاء الله عز وجل.

أما في أمر الدين فتجد كثيراً منهم ينظرون إلى من هو دونهم، يقول الشاب المصلي إذا أمر بخير قصر فيه، أو نهي عن منكر وقع فيه، يقول: يا أخي! الحمد لله أنا محافظ على الصلوات الخمس في مواقيتها مع الجماعة، وزملائي من الشباب كثير منهم لا يصلون، لا في بيوتهم ولا مع الجماعة، فينظر إلى من هو دونه.

وتقول الفتاة المتحجبة إذا أمرت بمعروف أو نهيت عن منكر: أنا والحمد لله ملتزمة بالحجاب الشرعي، في الوقت الذي أجد بنات جنسي وقد أزلن هذا الحجاب كله أو بعضه، وظهرن سافرات في الأسواق أو في المناسبات أو في المدارس أو في غيرها.

وتنسى أن المرأة المسلمة والرجل المسلم يجب أن يكون له مثل أعلى، يجب أن يكون مثله الأعلى في الدين أن ينظر إلى حال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وحال التابعين والعلماء العاملين، وأن يجعل همه أن يصل إلى ما وصلوا إليه، ليحافظ على مستواه الإيماني أولاً، وليرتقي بإيمانه ثانياً، أما حين ينظر إلى من هو دونه، فإنه في الغالب لن يحافظ على مستواه، بل سيظل يهبط درجةً بعد درجة، وهو يسوغ لنفسه في كل مرة ينـزل فيها أنه لا يزال هناك من هو أقل منه وأنـزل منه، فلا يزال يتردى حتى يصل إلى الحضيض، والعياذ بالله..!

وهذا التفاوت هو لحكم كثيرة ظاهرة، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم في سنته إلى هذا المعنى المهم الذي يجب أن نفهم هذا التفاوت على ضوئه، وهو أننا يجب أن ننظر في أمور الدنيا إلى من هو دوننا حتى لا نـزدري نعمة الله عز وجل.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة: {إذا نظر أحدكم فلا ينظر إلى من فضل عليه في المال والخلق، بل لينظر إلى من هو دونه} وفي لفظ: {فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم}.

وفي مقابل ذلك فإننا يجب أن ننظر في أمر الدين والعلم والعبادة إلى من هو فوقنا، حتى يكون هذا حافزاً لنا على البلوغ إلى مرتبة أعلى.

ويقول الله عز وجل بعد أن ذكر ما فضل به بعض الناس وما أعطاهم من شأن الدنيا العاجلة: انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً [الإسراء:21] انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض -أي في الدنيا- فضل بعض الناس على بعض، فضلوا بالمال أو بالخلق أو بالدين، وهذا لا يظهر في الدنيا ظهوراً تاماً، وإنما يظهر في الآخرة، ولذلك عقب بقوله: (وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) فالإنسان يجب ألا يقنع بواقعه الذي يعيشه في أمر الدين، بل يتطلع إلى الأعلى دائماً.

ولو نظرنا إلى واقع المسلمين اليوم لوجدنا أن حالهم على نقيض ما يشير إليه الحديث النبوي، فهم في مجال الدنيا، ومجال المال، وفي مجال الخلق، ومجال الصحة، ينظرون إلى من هو فوقهم فيصيبهم الحسد، وقد يصيبهم التسخط وعدم الرضا بقضاء الله عز وجل.

أما في أمر الدين فتجد كثيراً منهم ينظرون إلى من هو دونهم، يقول الشاب المصلي إذا أمر بخير قصر فيه، أو نهي عن منكر وقع فيه، يقول: يا أخي! الحمد لله أنا محافظ على الصلوات الخمس في مواقيتها مع الجماعة، وزملائي من الشباب كثير منهم لا يصلون، لا في بيوتهم ولا مع الجماعة، فينظر إلى من هو دونه.

وتقول الفتاة المتحجبة إذا أمرت بمعروف أو نهيت عن منكر: أنا والحمد لله ملتزمة بالحجاب الشرعي، في الوقت الذي أجد بنات جنسي وقد أزلن هذا الحجاب كله أو بعضه، وظهرن سافرات في الأسواق أو في المناسبات أو في المدارس أو في غيرها.

وتنسى أن المرأة المسلمة والرجل المسلم يجب أن يكون له مثل أعلى، يجب أن يكون مثله الأعلى في الدين أن ينظر إلى حال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وحال التابعين والعلماء العاملين، وأن يجعل همه أن يصل إلى ما وصلوا إليه، ليحافظ على مستواه الإيماني أولاً، وليرتقي بإيمانه ثانياً، أما حين ينظر إلى من هو دونه، فإنه في الغالب لن يحافظ على مستواه، بل سيظل يهبط درجةً بعد درجة، وهو يسوغ لنفسه في كل مرة ينـزل فيها أنه لا يزال هناك من هو أقل منه وأنـزل منه، فلا يزال يتردى حتى يصل إلى الحضيض، والعياذ بالله..!

أيها الإخوة.. إن موضوع هذه المحاضرة يمت بسبب كبير إلى هذه المقدمة، فإن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم قد بينا لنا أتم بيان أن الفائزين هم على طبقات ودرجات، بعضها فوق بعض، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي هريرة: {إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى؛ فإنه أعلى الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن} فهذه إشارة إلى أن المؤمنين والمسلمين والفائزين هم طبقات.. الله أعلم بها! طبقات كثيرة، وأن سلم الإيمان والترقي في هذه الدرجات لا ينتهي إلا بموت الإنسان، فلا يزال أمام المسلم مقامات ينبغي أن ينظر إليها، ويعمل على بلوغها حتى تخرج روحه من جسده، كما قال عز وجل: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].

ولكن هذه الطبقات أو المقامات الكثيرة يمكن تصنيفها في ثلاث طبقات رئيسية:

الطبقة الأولى: هي طبقة المسلمين المتصفين بصفة الإسلام فحسب، وأعني بهذه الطبقة من اقتصروا على تحقيق شرط الإسلام بحيث قاموا بالأقوال والأعمال التي لا بد منها ليكون المرء مسلماً، والتي إذا أخل بها الإنسان، خرج من دائرة الإسلام، ودخل في دائرة الشرك والكفر، ونحن نعلم جميعاً أن هناك جوازاً لا يمكن لإنسان أن يدخل الجنة إلا به وهو الإسلام، فمن لم يكن معه هذا الجواز؛ فإن الله عز وجل قد حرم عليه الجنة، وأوجب له الخلود في النار.

استحقاق الكفار للنار

وهذه الحقيقة هي من البدهيات المعلومات بالضرورة من دين الإسلام، والتي لا يختلف فيها المسلمون في قديم الدهر وحديثه، والنصوص القرآنية والنبوية فيها أكثر من أن أتذكر، وأشهر من أن تحصر، ولكن لعل من المناسب أن نقف عندها قليلاً لذكر بعض النصوص؛ لأننا نجد في هذا العصر أن بعض الكتاب يشككون في هذه الحقيقة، ويقولون: إن نظرة المسلم في هذا العصر إلى نفسه على أنه أفضل من كل الناس غير المسلمين نظرة فيها كثير من المبالغة والتعالي الذي لا يوجد ما يشهد له.

ولعل من المناسب أن أذكر أن هناك مجلة كويتية هي مجلة العربي دأبت في كثير من أعدادها على التشكيك في هذه الحقيقة، حقيقة أنه لا يدخل الجنة إلا مسلم، وأن الكافر مخلد في النار، فهي تتحدث كثيراً عما يسمى بالحوار الإسلامي المسيحي، أي: اللقاء بين المسلمين والنصارى في مؤتمرات عقدت في لبنان أو قرطبة أو ليبيا أو في الفاتيكان أو في غيرها للتقارب بين أعظم ديانتين في الأرض -كما يقولون- الإسلام والمسيحية -أي النصرانية.

وقد كتب أحد كتاب هذه المجلة مقالاً في أحد أعدادها بعنوان (المسلمون والآخرون) ولعل من المناسب أيضاً أن أقرأ عليكم قليلاً مما قال، لتدركوا خطورة هذه الدعوى.

يقول: هذا الكاتب في مقاله هذا: ( ليس صحيحاً أن المسلمين في هذه الدنيا صنف متميز ومتفوق من البشر بمجرد كونهم مسلمين، وليس صحيحاً أن الإسلام يعطي أفضلية للمسلمين ويخص الآخرين بالدونية، وليس صحيحاً أن ما كتبه أكثر الفقهاء في هذا الصدد هو دين ملزم وحجج لا ترد، إنما هو اجتهاد يخطئ ويصيب).

إن هذا الكاتب يجعل من النصوص القرآنية المحكمة والأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة اجتهاداً لبعض الفقهاء يخطئ ويصيب، وهو يشكك في قضية ليست موضع خلاف، بل هي معلومة من الدين بالضرورة، ومن أنكرها فقد أنكر جزءاً لا يتجزأ من دين الإسلام، وقد يكون هذا الإنكار مؤدياً إلى الكفر بالله عز وجل.

ثم إن هذا الكاتب الآن يحدثنا عن سبب الشبهة الخطيرة التي وقعت في فكره، وهو أنه رأى المسلمين في هذا الزمان متخلفين في شئون الدنيا في الصناعة وفي العلوم الطبيعية، ورأى أن أعداءهم من اليهود والنصارى قد تفوقوا عليهم في هذا المجال فالتبس عليه هذا بذاك، ونسي أن العزة التي ينفخها الإسلام في أتباعه ليست بسبب تفوقهم الدنيوي، إنما هي بسبب تميزهم بالانتساب إلى الدين الوحيد المقبول عند الله عز وجل في يوم القيامة.

يقول: ( لقد سمعت واحداً من خطباء الجمعة اعتلى المنبر ليحدثنا في أن المسلمين خير أمة أخرجت للناس، وذهب به الحماس إلى حد دفعه أن يسفه غير المسلمين جميعاً، ويتهمهم بمختلف النواقص والمثالب، ثم يدعو الله في الختام -وحوله مئات من المصلين يؤمنون- أن يدك بيوتهم، ويزلزل عروشهم، ويفرق شملهم، ويهلك نسلهم وحرثهم، ونحن جميعاً نؤمن مع هذا الخطيب على هؤلاء الكفار، مهما يكن في أيديهم من المال أو السلطان ).

ويقول الكاتب: (كنت جالساً في الصف الأول في مسجد فرش بسجاد مصنوع في ألمانيا الغربية، وترطب حرارته مكيفات أمريكية، وتضيئه لنبات هنغارية، بينما كلمات الخطيب تجلجل في المكان عبر مكبر للصوت هولندي الصنع، وعندما هبط شيخنا ليؤمنا في الصلاة، تفرست في طلعته جيداً؛ لأجد أن عباءته من القماش الإنجليزي، وجلبابه من الحرير الياباني، وساعته سويسرية، وقد وضع إلى جوار المنبر حذاءً إيطالياً لامع السواد.

وذهب يكتب خمس صفحات كلها تدور حول هذا الموضوع، وختم مقاله بالحديث عن الآيات والأحاديث التي فيها تفضيل جنس الإنسان من حيث هو إنسان، ونسي هذا الكاتب الآيات والأحاديث التي حكم الله عز وجل بها على الكفار بأنهم كالأنعام بل هم أضل).

الرد على المشككين في هذه الحقيقة

يقول سبحانه: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] ويقول: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] فقد حكم الله الذي ميز الإنسان بأن الذي كفر انحط إلى رتبة أقل وأحط من رتبة الأنعام، ولا أدري ما موقف هذا الكاتب من مثل هذه الآيات..!

إننا نجد النصوص القرآنية والنبوية صريحة في أن الجنة حرام على الكافرين، يقول الله عز وجل: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] ويقول سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] ويقول سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة: {إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وإن الله ليعز هذا الدين بالرجل الفاجر}.

وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: {أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام يلقى أباه يوم القيامة، فيرى إبراهيم في وجه أبيه القترة، فيقول: ألم آمرك فعصيتني؟! فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيذهب إبراهيم وقد أمسك أبوه به، فيقول: يا رب، لقد وعدتني ألا تخزيني يوم القيامة، وأي خزي أخزى وأعظم من خزي أبي الأبعد؟! فيقول الله عز وجل: يا إبراهيم، إني حرمت الجنة على الكافرين، ويأمر الله عز وجل إبراهيم أن ينظر، فيجد أباه وقد مسخ ضبعاً أو ذيخاً، فيراه متلطخاً بنتنه فتستقذره نفسه، ويطيب خاطره، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار}.

فهذا أب لنبي من أنبياء الله يأمر الله عز وجل به إلى النار، ولا ينفعه أن يكون ابنه نبياً، وذلك لاختلال الشرط عنده وهو أنه مات كافراً، وكذلك كان والد النبي صلى الله عليه وسلم ووالدته، ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم {استأذنت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي}.

وقد جاء رجل كما في كتاب الضياء المقدسي، وكما في الطبراني وغيرهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم: {فقال: يا رسول الله! إن أبي كان يصل الرحم ويكرم الضيف ويفعل كذا وكذا، فأين هو؟ قال له صلى الله عليه وسلم: أبوك في النار، فكأن الرجل وجد في نفسه، فقال: وأبوك يا رسول الله؟ قال: وأبي! ثم قال صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل: حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار، فكان الرجل يقول: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً عسيراً، ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار}.

ويجب أن نعلم أن قضية تحريم الجنة على غير المسلمين وأن خلود الكافرين في النار هي من القضايا الثابتة المستقرة لدى المسلمين عموماً، لدى أهل السنة والجماعة، بل ولدى غيرهم من سائر طوائف المسلمين، فهذه القضية ليست موضع خلاف.

هذه هي الدائرة الواسعة، دائرة من حكم لهم بدخول الجنة ولو عذبوا في النار بقدر ذنوبهم وخطاياهم ونقوا، ثم أخرجوا منها ليدخلوا الجنة، والفائزون بهذا هم من حققوا شرط الإسلام، من حققوا الشرط الذي من أخل به فهو غير مسلم، فشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقاموا الصلاة، ولم يأتوا بأي ناقض من نواقض الإسلام الذي يكون من أتى به كافراً، كعبادة غير الله، كالطواف بالقبور، وكدعاء الأولياء والصالحين.. إلى غير ذلك من النواقض، وهذا الشرط نجد أن كثيراً ممن ينتسبون اليوم إلى الإسلام قد حققوه ظاهراً، وإن أخل بعضهم أو كثير منهم ببعض مقتضياته.

وهذه الحقيقة هي من البدهيات المعلومات بالضرورة من دين الإسلام، والتي لا يختلف فيها المسلمون في قديم الدهر وحديثه، والنصوص القرآنية والنبوية فيها أكثر من أن أتذكر، وأشهر من أن تحصر، ولكن لعل من المناسب أن نقف عندها قليلاً لذكر بعض النصوص؛ لأننا نجد في هذا العصر أن بعض الكتاب يشككون في هذه الحقيقة، ويقولون: إن نظرة المسلم في هذا العصر إلى نفسه على أنه أفضل من كل الناس غير المسلمين نظرة فيها كثير من المبالغة والتعالي الذي لا يوجد ما يشهد له.

ولعل من المناسب أن أذكر أن هناك مجلة كويتية هي مجلة العربي دأبت في كثير من أعدادها على التشكيك في هذه الحقيقة، حقيقة أنه لا يدخل الجنة إلا مسلم، وأن الكافر مخلد في النار، فهي تتحدث كثيراً عما يسمى بالحوار الإسلامي المسيحي، أي: اللقاء بين المسلمين والنصارى في مؤتمرات عقدت في لبنان أو قرطبة أو ليبيا أو في الفاتيكان أو في غيرها للتقارب بين أعظم ديانتين في الأرض -كما يقولون- الإسلام والمسيحية -أي النصرانية.

وقد كتب أحد كتاب هذه المجلة مقالاً في أحد أعدادها بعنوان (المسلمون والآخرون) ولعل من المناسب أيضاً أن أقرأ عليكم قليلاً مما قال، لتدركوا خطورة هذه الدعوى.

يقول: هذا الكاتب في مقاله هذا: ( ليس صحيحاً أن المسلمين في هذه الدنيا صنف متميز ومتفوق من البشر بمجرد كونهم مسلمين، وليس صحيحاً أن الإسلام يعطي أفضلية للمسلمين ويخص الآخرين بالدونية، وليس صحيحاً أن ما كتبه أكثر الفقهاء في هذا الصدد هو دين ملزم وحجج لا ترد، إنما هو اجتهاد يخطئ ويصيب).

إن هذا الكاتب يجعل من النصوص القرآنية المحكمة والأحاديث النبوية الصحيحة الصريحة اجتهاداً لبعض الفقهاء يخطئ ويصيب، وهو يشكك في قضية ليست موضع خلاف، بل هي معلومة من الدين بالضرورة، ومن أنكرها فقد أنكر جزءاً لا يتجزأ من دين الإسلام، وقد يكون هذا الإنكار مؤدياً إلى الكفر بالله عز وجل.

ثم إن هذا الكاتب الآن يحدثنا عن سبب الشبهة الخطيرة التي وقعت في فكره، وهو أنه رأى المسلمين في هذا الزمان متخلفين في شئون الدنيا في الصناعة وفي العلوم الطبيعية، ورأى أن أعداءهم من اليهود والنصارى قد تفوقوا عليهم في هذا المجال فالتبس عليه هذا بذاك، ونسي أن العزة التي ينفخها الإسلام في أتباعه ليست بسبب تفوقهم الدنيوي، إنما هي بسبب تميزهم بالانتساب إلى الدين الوحيد المقبول عند الله عز وجل في يوم القيامة.

يقول: ( لقد سمعت واحداً من خطباء الجمعة اعتلى المنبر ليحدثنا في أن المسلمين خير أمة أخرجت للناس، وذهب به الحماس إلى حد دفعه أن يسفه غير المسلمين جميعاً، ويتهمهم بمختلف النواقص والمثالب، ثم يدعو الله في الختام -وحوله مئات من المصلين يؤمنون- أن يدك بيوتهم، ويزلزل عروشهم، ويفرق شملهم، ويهلك نسلهم وحرثهم، ونحن جميعاً نؤمن مع هذا الخطيب على هؤلاء الكفار، مهما يكن في أيديهم من المال أو السلطان ).

ويقول الكاتب: (كنت جالساً في الصف الأول في مسجد فرش بسجاد مصنوع في ألمانيا الغربية، وترطب حرارته مكيفات أمريكية، وتضيئه لنبات هنغارية، بينما كلمات الخطيب تجلجل في المكان عبر مكبر للصوت هولندي الصنع، وعندما هبط شيخنا ليؤمنا في الصلاة، تفرست في طلعته جيداً؛ لأجد أن عباءته من القماش الإنجليزي، وجلبابه من الحرير الياباني، وساعته سويسرية، وقد وضع إلى جوار المنبر حذاءً إيطالياً لامع السواد.

وذهب يكتب خمس صفحات كلها تدور حول هذا الموضوع، وختم مقاله بالحديث عن الآيات والأحاديث التي فيها تفضيل جنس الإنسان من حيث هو إنسان، ونسي هذا الكاتب الآيات والأحاديث التي حكم الله عز وجل بها على الكفار بأنهم كالأنعام بل هم أضل).

يقول سبحانه: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] ويقول: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179] فقد حكم الله الذي ميز الإنسان بأن الذي كفر انحط إلى رتبة أقل وأحط من رتبة الأنعام، ولا أدري ما موقف هذا الكاتب من مثل هذه الآيات..!

إننا نجد النصوص القرآنية والنبوية صريحة في أن الجنة حرام على الكافرين، يقول الله عز وجل: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] ويقول سبحانه: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65] ويقول سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة: {إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وإن الله ليعز هذا الدين بالرجل الفاجر}.

وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: {أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام يلقى أباه يوم القيامة، فيرى إبراهيم في وجه أبيه القترة، فيقول: ألم آمرك فعصيتني؟! فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيذهب إبراهيم وقد أمسك أبوه به، فيقول: يا رب، لقد وعدتني ألا تخزيني يوم القيامة، وأي خزي أخزى وأعظم من خزي أبي الأبعد؟! فيقول الله عز وجل: يا إبراهيم، إني حرمت الجنة على الكافرين، ويأمر الله عز وجل إبراهيم أن ينظر، فيجد أباه وقد مسخ ضبعاً أو ذيخاً، فيراه متلطخاً بنتنه فتستقذره نفسه، ويطيب خاطره، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار}.

فهذا أب لنبي من أنبياء الله يأمر الله عز وجل به إلى النار، ولا ينفعه أن يكون ابنه نبياً، وذلك لاختلال الشرط عنده وهو أنه مات كافراً، وكذلك كان والد النبي صلى الله عليه وسلم ووالدته، ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم {استأذنت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي}.

وقد جاء رجل كما في كتاب الضياء المقدسي، وكما في الطبراني وغيرهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم: {فقال: يا رسول الله! إن أبي كان يصل الرحم ويكرم الضيف ويفعل كذا وكذا، فأين هو؟ قال له صلى الله عليه وسلم: أبوك في النار، فكأن الرجل وجد في نفسه، فقال: وأبوك يا رسول الله؟ قال: وأبي! ثم قال صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل: حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار، فكان الرجل يقول: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً عسيراً، ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار}.

ويجب أن نعلم أن قضية تحريم الجنة على غير المسلمين وأن خلود الكافرين في النار هي من القضايا الثابتة المستقرة لدى المسلمين عموماً، لدى أهل السنة والجماعة، بل ولدى غيرهم من سائر طوائف المسلمين، فهذه القضية ليست موضع خلاف.

هذه هي الدائرة الواسعة، دائرة من حكم لهم بدخول الجنة ولو عذبوا في النار بقدر ذنوبهم وخطاياهم ونقوا، ثم أخرجوا منها ليدخلوا الجنة، والفائزون بهذا هم من حققوا شرط الإسلام، من حققوا الشرط الذي من أخل به فهو غير مسلم، فشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقاموا الصلاة، ولم يأتوا بأي ناقض من نواقض الإسلام الذي يكون من أتى به كافراً، كعبادة غير الله، كالطواف بالقبور، وكدعاء الأولياء والصالحين.. إلى غير ذلك من النواقض، وهذا الشرط نجد أن كثيراً ممن ينتسبون اليوم إلى الإسلام قد حققوه ظاهراً، وإن أخل بعضهم أو كثير منهم ببعض مقتضياته.


استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة اسٌتمع
أحاديث موضوعة متداولة 5155 استماع
حديث الهجرة 5026 استماع
تلك الرسل 4157 استماع
الصومال الجريح 4148 استماع
مصير المترفين 4126 استماع
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة 4054 استماع
وقفات مع سورة ق 3979 استماع
مقياس الربح والخسارة 3932 استماع
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية 3874 استماع
العالم الشرعي بين الواقع والمثال 3836 استماع