تفسير سورة النحل (24)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.

وها نحن مع سورة النحل، ومع هذه الآيات المباركات الكريمات:

قال تعالى: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ [النحل:110-113].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل:110].

لقد سبق أن علمتم بأن الله عز وجل رخص للمؤمنين في حال الإكراه بالتعذيب والقتل أن يقولوا كلمة الكفر بألسنتهم ولا تنشرح لذلك صدورهم وتطيب خواطرهم، وهو قول ربنا عز وجل: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:106].

هنا أذكركم بما تعلمون: أن المؤمنين في مكة اضطهدوا وعذبوا ونكل بهم، وقتل من قتل، وعلى رأس من قتل: سمية وياسر وممن عذب: عمار وخباب ، فلما اشتد البلاء أذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة إلى الحبشة، إذ كان بها ملك صالح هو أصحمة الحبشي فهاجروا إليه، فآواهم ونصرهم، فجزاه الله خير الجزاء؛ لأنه أسلم، ولكنه لم يتمكن من الهجرة إلى المدينة ليشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولكن لما مات وصل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحي، فوالله لقد خرج من هذا المسجد مع رجاله إلى ساحة هنا وصلى عليه صلاة الغائب، وصلى عليه صلاة الجنازة صلاة الغائب وحوله المؤمنون.

وبعض المؤمنين لما فرضت الهجرة عليهم بأن يتركوا مكة؛ لأن الكفر والضلال فيها ويلتحقوا بالمدينة الطاهرة ليعبدوا الله عز وجل وينصروا رسوله ودينه هاجر من هاجر منهم، وجماعة عجزت عن الهجرة وما استطاعت، فعذبوها، فكفروا.. قالوا كلمة الكفر، ثم بعد ذلك، هاجروا وانضموا إلى جيش الله في المدينة، وجاهدوا وصابروا وصبروا، فنزل فيهم هذا اللفظ الذي تسمعون: ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ [النحل:110] بعفوه ومغفرته ورحمته ونصرته لمن؟ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا [النحل:110].

مشروعية الهجرة فراراً بالدين

هنا أكرر القول وبلغوا: أن المؤمن إذا وجد نفسه في بلد -في السهل أو الجبل- لا يستطيع أن يعبد الله فيه فإنه قد وجبت عليه الهجرة وجوب الصلاة والصيام، حتى يتمكن من أن يعبد الله العبادة التي ما خلق إلا لأجلها.

إذاً: أيما مؤمن يجد نفسه في مكان ما لا يستطيع أن يعبد الله فيه وجبت عليه الهجرة إلى بلد آخر.. إلى أرض أخرى؛ ليعبد الله عز وجل، إذ من أجل هذه العبادة خلق، والله يقول: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

أما من وجد نفسه قادراً على أن يعبد الله في أي مكان في أوروبا أو اليابان أو الصين أو الأمريكان، فإنه يعبد الله عز وجل ولا يطالب بالهجرة، لأن الهجرة: هي الانتقال من مكان لا يعبد فيه الله إلى مكان يعبد فيه الله، هذه الهجرة واجبة وباقية ببقاء هذه الحياة إلى أن تطلع الشمس من مغربها.

سر مشروعية الهجرة

ما السر في الهجرة؟

أن يعبد الله، فمادمت في قرية أو في حوش أو في سوق أو في مكان لا تتمكن من أن تعبد الله فحرام عليك أن تبقى في هذا المكان ولو تركت أهلك ومالك، كما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ تركوا أموالهم وأهليهم بمكة وهاجروا إلى المدينة؛ لأن أهل مكة منعوهم من أن يعبدوا الله.

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا [النحل:110]، فتنوهم ليصرفوهم عن لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل:110]، هنيئاً لهم غفر لهم ورحمهم!

لطيفة في قوله: (إن ربك)

لطيفة في قوله: إِنَّ رَبَّكَ [النحل:110] ما قال: إن الله غفور رحيم؛ لأن الهجرة تكون لله ولرسوله، بل قال: إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل:110]، والكاف في ربك عائد على المصطفى صلى الله عليه وسلم.

يا عباد الله! يا نساء المؤمنين! يا رجال الإسلام! ما خلقنا إلا لنعبد الله، فهيا نعبد ربنا بما شرع لنا، فمن حيل بينه وبين العبادة فليهاجر، ولينزل بأي مكان يعبد فيه الرحمن عز وجل.

هنا أكرر القول وبلغوا: أن المؤمن إذا وجد نفسه في بلد -في السهل أو الجبل- لا يستطيع أن يعبد الله فيه فإنه قد وجبت عليه الهجرة وجوب الصلاة والصيام، حتى يتمكن من أن يعبد الله العبادة التي ما خلق إلا لأجلها.

إذاً: أيما مؤمن يجد نفسه في مكان ما لا يستطيع أن يعبد الله فيه وجبت عليه الهجرة إلى بلد آخر.. إلى أرض أخرى؛ ليعبد الله عز وجل، إذ من أجل هذه العبادة خلق، والله يقول: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

أما من وجد نفسه قادراً على أن يعبد الله في أي مكان في أوروبا أو اليابان أو الصين أو الأمريكان، فإنه يعبد الله عز وجل ولا يطالب بالهجرة، لأن الهجرة: هي الانتقال من مكان لا يعبد فيه الله إلى مكان يعبد فيه الله، هذه الهجرة واجبة وباقية ببقاء هذه الحياة إلى أن تطلع الشمس من مغربها.

ما السر في الهجرة؟

أن يعبد الله، فمادمت في قرية أو في حوش أو في سوق أو في مكان لا تتمكن من أن تعبد الله فحرام عليك أن تبقى في هذا المكان ولو تركت أهلك ومالك، كما فعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ تركوا أموالهم وأهليهم بمكة وهاجروا إلى المدينة؛ لأن أهل مكة منعوهم من أن يعبدوا الله.

ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا [النحل:110]، فتنوهم ليصرفوهم عن لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل:110]، هنيئاً لهم غفر لهم ورحمهم!

لطيفة في قوله: إِنَّ رَبَّكَ [النحل:110] ما قال: إن الله غفور رحيم؛ لأن الهجرة تكون لله ولرسوله، بل قال: إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل:110]، والكاف في ربك عائد على المصطفى صلى الله عليه وسلم.

يا عباد الله! يا نساء المؤمنين! يا رجال الإسلام! ما خلقنا إلا لنعبد الله، فهيا نعبد ربنا بما شرع لنا، فمن حيل بينه وبين العبادة فليهاجر، ولينزل بأي مكان يعبد فيه الرحمن عز وجل.