تفسير سورة النحل (2)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد:

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.

وها نحن مع سورة النحل، ومع هذه الآيات المباركات الكريمات:

قال تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ * هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ [النحل:8-13].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:8]، هذا كلام من ؟

كلام الله، هو القائل ممتناً علينا متفضلاً علينا بنعمه وآلائه، يذكرنا بمظاهر قدرته وعلمه ورحمته وحكمته، هذا الذي ينبغي أن نحبه، هذا الذي ينبغي أن نرهبه، هذا الذي ينبغي أن نحيا ونموت من أجله، هذا خالقنا، هذا رازقنا، هذا مولانا ومالك أمرنا، كيف نعرض عن ذكره وشكره ونلتفت إلى الدنيا وأهوائها وشهواتها؟

يقول ممتناً علينا: وَالْخَيْلَ [النحل:8]، أي: وخلق الخيل، وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ [النحل:8]، هذه ثلاثة أشياء: الخيل معروفة، والبغال كذلك عند أكثر الناس، والبغل: مابين الحمار والفرس، وهو مولد من الفرس، وأبوه الذي تولد منه الحمار.

وقد تكرر قولنا: إن هذه الديار -ديار الحجاز- التي أعدها الله لخاتم أنبيائه ما عرف فيها البغال أبداً ولا وجد بين خيلها ولا حميرها، حتى أهدى (المقوقس) ملك مصر -لما وصله كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- رسول الله جارية هي مارية القبطية عليها السلام، وأهداه بغلة تسمى دلدل، بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والقرآن ليس خاصاً بأهل الحجاز ولا الجزيرة، كتاب الله للناس أجمعين، فهو يمتن علينا بنعمة إيجاد هذه المراكب، هل نحن أوجدناها؟ صنعناها من طين أو من حجارة، أو من خشب أو حطب؟ من خلق الخيل والبغال والحمير؟

هل الأموات أو الأشجار والأصنام التي تعبد من دونه؟ الجواب: لا، لا، والله لا خالق لها إلا الله.

وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ [النحل:8]، والحمير: جمع، واحده حمار، وعلة خلقه تعالى لها من أجل أن نركبها، قال: لِتَرْكَبُوهَا [النحل:8]، ومضت قرون عديدة على البشرية ومراكبها فقط في البحر السفن، وفي البر الخيل والبغال والحمير آلاف السنين، إذاً: قوله: لِتَرْكَبُوهَا [النحل:8]، هذه منته تعالى ونعمته علينا.

خلاف العلماء في حكم أكل لحم الخيل

وهنا مسألة فقهية:

ذهب الإمام مالك والإمام أبو حنيفة رحمهما الله: إلى أن الخيل لا تؤكل، واستدلا بهذه الآية: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا [النحل:8]، ما قال: لتأكلوها كما تقدم في الأنعام: الإبل والبقر والغنم، وهذه الآية لفظها عام، فتحتاج إلى مبين يبين لنا مراد الله منها.

وما لنا أبداً من يتلقى العلم عن الله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو الذي قال تعالى فيه: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، ومن هنا فإنه لما كانت غزوة خيبر وذبح رجاله صلى الله عليه وسلم الحمير فنهاهم عنها وما أكلوها أذن لهم في أكل لحوم الخيل فأكلوها؛ وقد أخرج أصحاب الصحاح وعلى رأسهم مسلم : أن فرساً في المدينة جزرت وأكلت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن ثم فالجمهور على أن لحم الخيل جائز أكله، والسر في عدم اشتهار ذلك وانتشاره أن الخيل هي مراكبهم وهي عددهم في الجهاد، فكيف يذبح فرسه ويأكلها؟ ما تطيب نفسه، الآن هل يستطيع صاحب سيارة أن يجعلها مزبلة يرمي فيها الأوساخ؟ ما هذا بمعقول أبداً، سيارته يركب عليها، فهل يجعلها عند الباب ويضع فيها النفايات والأوساخ؟ ما هو بعاقل أبداً، فمن ثم ما دامت هي عدتهم في الجهاد وركوبهم في الحروب، ثم هي زينتهم، فلو ترى رجلاً على فرسه تتصور الجمال كيف يلوح ويظهر لك، فمن هنا قل أكلها بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فأكلها جائز لمن تهيأت له ورأى أن يأكلها، أما هذه الآية الكريمة فلفظها عام، تحتاج إلى مخصص يخصصها بأنها لا تؤكل ولكن تركب، فلما خصصها رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: آمنا بالله وبرسوله، وقلنا: بجواز أكل لحوم الخيل إن هي نحرت كما نحرت الإبل أو ذبحت كما تذبح البقر.

علة خلق الخيل والبغال والحمير

قوله: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا [النحل:8]، هذه لام التعليل، فلو قلت: يا رب! لما خلقت الخيل والبغال والحمير؟ لكان الجواب: من أجل أن تركبوها، إذاً: فاحمدوني واشكروني ولا تكفروني، ما خلقتها إلا لأجلكم لا لأجل غيركم أبداً، بل لكم أنتم لعلة وهي الركوب؛ إذ المسافات البعيدة تعجزون عن الوصول إليها، والأثقال الثقيلة تعجزون عن حملها، فأوجدت لكم هذه من أجل أن تركبوا ثم تعبدوا الله وتحمدوه وتشكروه.

وَزِينَةً [النحل:8]، وزينة وجمالاً، ولاحظ الخيل، فهذه الحيوانات هي جمال وزينة.

معنى قوله تعالى: (ويخلق ما لا تعلمون)

ثم قال تعالى: وَيَخْلُقُ [النحل:8] بصيغة المضارع، وَيَخْلُقُ [النحل:8]، أي: في المستقبل، فبعدما خلق في الماضي والحال الخيل والبغال والحمير لنركبها أخبر أنه سيخلق ما لا نعلم، والله ما كانوا يعلمون عن شيء اسمه قطار ينقل البضائع والرجال في الطرقات، ولا كانوا يعرفون أبداً سيارة من هذه السيارات، ولا تخطر ببالهم طيارة تطير في السماء وتحمل الركاب، ولكن وعد الله فأنجز وعده، قال: وَيَخْلُقُ [النحل:8]، والله لقد خلقت يا رب -لك الحمد ولك المنة- ما لم نكن نعلم، هذه الآية وحدها من تأملها يضطر اضطراراً إلى أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، يفكر فقط بشرط أن يكون ذا عقل وذا فكر.

وهنا مسألة فقهية:

ذهب الإمام مالك والإمام أبو حنيفة رحمهما الله: إلى أن الخيل لا تؤكل، واستدلا بهذه الآية: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا [النحل:8]، ما قال: لتأكلوها كما تقدم في الأنعام: الإبل والبقر والغنم، وهذه الآية لفظها عام، فتحتاج إلى مبين يبين لنا مراد الله منها.

وما لنا أبداً من يتلقى العلم عن الله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ هو الذي قال تعالى فيه: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، ومن هنا فإنه لما كانت غزوة خيبر وذبح رجاله صلى الله عليه وسلم الحمير فنهاهم عنها وما أكلوها أذن لهم في أكل لحوم الخيل فأكلوها؛ وقد أخرج أصحاب الصحاح وعلى رأسهم مسلم : أن فرساً في المدينة جزرت وأكلت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن ثم فالجمهور على أن لحم الخيل جائز أكله، والسر في عدم اشتهار ذلك وانتشاره أن الخيل هي مراكبهم وهي عددهم في الجهاد، فكيف يذبح فرسه ويأكلها؟ ما تطيب نفسه، الآن هل يستطيع صاحب سيارة أن يجعلها مزبلة يرمي فيها الأوساخ؟ ما هذا بمعقول أبداً، سيارته يركب عليها، فهل يجعلها عند الباب ويضع فيها النفايات والأوساخ؟ ما هو بعاقل أبداً، فمن ثم ما دامت هي عدتهم في الجهاد وركوبهم في الحروب، ثم هي زينتهم، فلو ترى رجلاً على فرسه تتصور الجمال كيف يلوح ويظهر لك، فمن هنا قل أكلها بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فأكلها جائز لمن تهيأت له ورأى أن يأكلها، أما هذه الآية الكريمة فلفظها عام، تحتاج إلى مخصص يخصصها بأنها لا تؤكل ولكن تركب، فلما خصصها رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: آمنا بالله وبرسوله، وقلنا: بجواز أكل لحوم الخيل إن هي نحرت كما نحرت الإبل أو ذبحت كما تذبح البقر.

قوله: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا [النحل:8]، هذه لام التعليل، فلو قلت: يا رب! لما خلقت الخيل والبغال والحمير؟ لكان الجواب: من أجل أن تركبوها، إذاً: فاحمدوني واشكروني ولا تكفروني، ما خلقتها إلا لأجلكم لا لأجل غيركم أبداً، بل لكم أنتم لعلة وهي الركوب؛ إذ المسافات البعيدة تعجزون عن الوصول إليها، والأثقال الثقيلة تعجزون عن حملها، فأوجدت لكم هذه من أجل أن تركبوا ثم تعبدوا الله وتحمدوه وتشكروه.

وَزِينَةً [النحل:8]، وزينة وجمالاً، ولاحظ الخيل، فهذه الحيوانات هي جمال وزينة.

ثم قال تعالى: وَيَخْلُقُ [النحل:8] بصيغة المضارع، وَيَخْلُقُ [النحل:8]، أي: في المستقبل، فبعدما خلق في الماضي والحال الخيل والبغال والحمير لنركبها أخبر أنه سيخلق ما لا نعلم، والله ما كانوا يعلمون عن شيء اسمه قطار ينقل البضائع والرجال في الطرقات، ولا كانوا يعرفون أبداً سيارة من هذه السيارات، ولا تخطر ببالهم طيارة تطير في السماء وتحمل الركاب، ولكن وعد الله فأنجز وعده، قال: وَيَخْلُقُ [النحل:8]، والله لقد خلقت يا رب -لك الحمد ولك المنة- ما لم نكن نعلم، هذه الآية وحدها من تأملها يضطر اضطراراً إلى أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، يفكر فقط بشرط أن يكون ذا عقل وذا فكر.

قال تعالى: وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ [النحل:9]، السبيل: الطريق، وقصدها أن تكون بينة ظاهرة تصل بسالكها إلى نهاية ما يريد وإلى غايته، والجائر: المائل.

والمراد من السبيل هنا: هو قصدها واستقامتها واعتدالها، فالإسلام دين الله، وهو ذو عقائد وأحكام وآداب وعبادات وأخلاق، وهو يسير بسالكه إلى باب الجنة.

وهو الصراط المستقيم الذي نسأله الله تعالى في كل صلاة نصليها، بل في كل ركعة نركعها: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، إنه الدين الإسلامي الذي يصل بأهله إلى باب الجنة دار السلام، واستقامته كما علمتم، فليس هناك انحراف ولا اعوجاج، لأن معنى: لا إله إلا الله أي: لا نعبد إلا الله، محمد رسول الله أي: لا نمشي إلا وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نصل إلى غايتنا بالفوز بالنعيم المقيم في دار السلام.

الله هو الذي يهدي إلى ذلك الصراط المستقيم أم لا؟ هو الذي يهدي، فلهذا ندعوه ونسأله ونتضرع إليه أن يهدينا الصراط المستقيم صراط الذي أنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، وعلى الله تفضلاً وامتناناً منه أن يهديكم الصراط المستقيم.

ومن الطريق ما هو جائر: اليهودية، النصرانية، المجوسية، هذه الديانات كلها معوجة منحرفة، والله ما نجا سالكها، ووالله ما وصل إلى سعادته أبداً؛ لأنها من وحي الشيطان وتقريره ودعوته، أما الإسلام فمن وحي الله وشرعه، وهو الذي أنزله وأنزل كتابه وبعث رسوله، هذه نعمة أخرى، نعمة الهداية إلى الإسلام والسير في طريق النجاة، أكبر هداية وأكبر نعمة من نعم الله، ولهذا كانت السورة تسمى سورة: النعم.

عرفتم الجائر من الطريق ما هو؟ اليهودية، النصرانية، البوذية، المجوسية، كل الديانات غير الإسلام جائرة مائلة عن طريق الحق، اللهم إلا ديننا (الإسلام) فقط هو على الصراط المستقيم، واسمه الصراط المستقيم.

معنى قوله تعالى: (ولو شاء لهداكم أجمعين)

ثم قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [النحل:9]، أبيضكم وأصفركم، أولكم وآخركم، لو شاء لهدى الخليقة كلها، يخلقهم مؤمنين لا يعرفون غير الله، وإن طلبت دليلاً فالملائكة لا يحصي عددها إلا الله، وكلهم لا يؤمنون إلا بالله، ولا يعرفون إلا الله، ولا يعبدون إلا الله، و لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، من هداهم؟ إنه الله، فلو شاء لهدى الإنس والجن وما بقي من يكفر بالله أو يشرك به، ولكن للعلة التي عرفتم: أن الله أراد أن يوجد من يذكره ويشكره، فأوجد له هذه الدار بما فيها من النعيم، وأمره ونهاه، فإن أجابه وأطاعه فامتثل الأمر واجتنب النهي نقله إلى الدار المهيئة له فوق السماوات السبع، إلى الجنة دار النعيم، وإن هو كفره وجحده ولم يذكره ولم يشكره أكمل له أيام حياته، ثم أنزله في الدركات السفلى في الكون قال تعالى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [التين:1-6].

حاجة العبد إلى طلب الهداية من مولاه سبحانه

هكذا يقول تعالى مذكراً ومعلماً للبشرية: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:8]، ثانياً: وَعَلَى اللَّهِ [النحل:9]، أي: على رب العزة والجمال: قَصْدُ السَّبِيلِ [النحل:9]، نحن الذين نبين الطريق الموصل إلى سعادة السالكين ألا وهو الإسلام، وكذا الطريق الجائر كطريق: اليهود والنصارى والمجوس ومن تبعهم، ولو نشاء لهديناهم أجمعين.

ومن هنا يجب على الآدمي والجني أن يفزع إلى الله في طلب الهداية، وأن يصر على الدعاء ويواصله ولا يقطعه: اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا برحمتك شر ما قضيت، هذه أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن عرف أنه لا هادي إلا الله لاذ بجناب الله وعزم على أن لا يفارق بابه يدعوه الليل والنهار: اهدني.. اهدني، فوالله ليهدينه الله، ومن أعرض أعرض الله عنه، ومن تكبر تكبر الله عليه.

أقول: لما أخبر تعالى أنه لو شاء لهدى الناس جمعياً، وأنه قادر على هداية الكافرين والضالين والمشركين، لكن بما أنهم خلقوا للبلاء والامتحان والاختبار فيجب أن يطلبوا الهداية من الله، فمن طلبها ظفر بها وفاز بها واهتدى، ومن تركها وأعرض عنها تركه الله وأعرض عنه.

ثم قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [النحل:9]، أبيضكم وأصفركم، أولكم وآخركم، لو شاء لهدى الخليقة كلها، يخلقهم مؤمنين لا يعرفون غير الله، وإن طلبت دليلاً فالملائكة لا يحصي عددها إلا الله، وكلهم لا يؤمنون إلا بالله، ولا يعرفون إلا الله، ولا يعبدون إلا الله، و لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، من هداهم؟ إنه الله، فلو شاء لهدى الإنس والجن وما بقي من يكفر بالله أو يشرك به، ولكن للعلة التي عرفتم: أن الله أراد أن يوجد من يذكره ويشكره، فأوجد له هذه الدار بما فيها من النعيم، وأمره ونهاه، فإن أجابه وأطاعه فامتثل الأمر واجتنب النهي نقله إلى الدار المهيئة له فوق السماوات السبع، إلى الجنة دار النعيم، وإن هو كفره وجحده ولم يذكره ولم يشكره أكمل له أيام حياته، ثم أنزله في الدركات السفلى في الكون قال تعالى: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ [التين:1-6].

هكذا يقول تعالى مذكراً ومعلماً للبشرية: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:8]، ثانياً: وَعَلَى اللَّهِ [النحل:9]، أي: على رب العزة والجمال: قَصْدُ السَّبِيلِ [النحل:9]، نحن الذين نبين الطريق الموصل إلى سعادة السالكين ألا وهو الإسلام، وكذا الطريق الجائر كطريق: اليهود والنصارى والمجوس ومن تبعهم، ولو نشاء لهديناهم أجمعين.

ومن هنا يجب على الآدمي والجني أن يفزع إلى الله في طلب الهداية، وأن يصر على الدعاء ويواصله ولا يقطعه: اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا برحمتك شر ما قضيت، هذه أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم، فمن عرف أنه لا هادي إلا الله لاذ بجناب الله وعزم على أن لا يفارق بابه يدعوه الليل والنهار: اهدني.. اهدني، فوالله ليهدينه الله، ومن أعرض أعرض الله عنه، ومن تكبر تكبر الله عليه.

أقول: لما أخبر تعالى أنه لو شاء لهدى الناس جمعياً، وأنه قادر على هداية الكافرين والضالين والمشركين، لكن بما أنهم خلقوا للبلاء والامتحان والاختبار فيجب أن يطلبوا الهداية من الله، فمن طلبها ظفر بها وفاز بها واهتدى، ومن تركها وأعرض عنها تركه الله وأعرض عنه.

ثم قال تعالى في سياق ذكر النعم أيضاً: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [النحل:10]، أي عاقل في الكون يشاهد السماء تمطر الماء ولا يسأل: هذا الماء مم؟ ومن أوجده؟ ومن كونه؟ ومن أنزله؟ لا بد أن يسأل، ما هو بحيوان رأسه في الأرض فقط ينظر إلى الطعام والشراب، هذا الماء العذب الفرات الحلو الصافي المنقى من أتى به؟

هل هناك من يقول: غير الله؟ يقول: أمي أو أبي أو جدي؟ أو دولتي أو سلطاني؟

ما هناك إلا كلمة (الله) فقط، هو الذي أنزله، لو شاء الله منعنا المطر فماذا نصنع؟ فكم من بلاد أجدبت وقحطت ورحل أهلها لانقطاع المطر، فقط هذه وحدها أعظم نعمة.

هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ [النحل:10]، لكم من ذلك الماء شراب؟ أما نشرب الماء وإن شربنا اللبن وشربنا العسل؟ لا بد من شرب الماء.

لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ [النحل:10]، إبلكم وخيولكم وأنعامكم وأبقاركم ترعونها، أليس كذلك؟ من يفعل هذا؟ سيدي فلان أو فلان؟ اللات أو العزى؟ عيسى أم مريم؟ أم فلان أم فلان؟ ما تستطيع أن تقول هذا أبداً وأنت عاقل مفكر، ما هناك إلا كلمة (الله) فقط، وإن كنت لا تعرفه فاسأل العارفين به

سافر إليهم، اقرأ كتباً تبين صفات الله وتعرف بها الله على الحقيقة.

وَمِنْهُ شَجَرٌ [النحل:10]، أي: من ذلك الماء ينبت الشجر ويتكون، هذا الشجر لمن؟ لنا نحن، إذ نرعى إبلنا وغنمنا وأبقارنا وحيواناتنا فيه، وإلا فكيف نرعاها؟ بم نرعاها؟ لو أجدبت الأرض وما هناك نبات ولا شجر فكيف سنصنع بالبقر والغنم؟

فِيهِ تُسِيمُونَ [النحل:10] إبلكم وأبقاركم وأغنامكم، أي: ترعونها.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة النحل (25) 4592 استماع
تفسير سورة النحل (4) 4009 استماع
تفسير سورة إبراهيم (9) 3688 استماع
تفسير سورة الحجر (12) 3610 استماع
تفسير سورة النحل (13) 3544 استماع
تفسير سورة النحل (3) 3504 استماع
تفسير سورة إبراهيم (12) 3463 استماع
تفسير سورة النحل (16) 3361 استماع
تفسير سورة النحل (1) 3228 استماع
تفسير سورة الحجر (6) 3159 استماع