مَا يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ وَيَكْتُبُهُ، وَقَدْ يَذْكُرُهُ وَيُخْبِرُ بِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [1] ، فَيَكُونُ شَيْئًا فِي الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ وَالْكِتَابِ، لَا فِي الْخَارِجِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [2] ، [وقَالَ] [3] تَعَالَى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [4] ، أَيْ: لَمْ تَكُنْ شَيْئًا فِي الْخَارِجِ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا فِي عِلْمِهِ تَعَالَى.
وَقَالَ تَعَالَى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [5] . وَقَوْلُهُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [6] ، رَدٌّ عَلَى الْمُشَبِّهَةِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [7] ، رَدٌّ عَلَى الْمُعَطِّلَةِ، فَهُوَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - مَوْصُوفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا شبه. فَالْمَخْلُوقُ وَإِنْ كَانَ يُوصَفُ بِأَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيرٌ - فَلَيْسَ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ كَسَمْعِ الرَّبِّ وَبَصَرِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِثْبَاتِ الصِّفَةِ تَشْبِيهٌ، إِذْ صِفَاتُ الْمَخْلُوقِ كَمَا يَلِيقُ بِهِ، وَصِفَاتُ الْخَالِقِ كَمَا يَلِيقُ بِهِ. وَلَا تَنْفي عَنِ اللَّهِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَمَا وَصَفَهُ بِهِ أَعَرَفُ الْخَلْقِ بِرَبِّهِ وَمَا يَجِبُ لَهُ وَمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ، وَأَنْصَحُهُمْ لِأُمَّتِهِ، وَأَفْصَحُهُمْ وَأَقْدَرُهُمْ عَلَى الْبَيَانِ. فَإِنَّكَ إِنْ نَفَيْتَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كُنْتَ كَافِرًا بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِذَا وَصَفْتَهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فَلَا تُشَبِّهْهُ بِخَلْقِهِ، فَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَإِذَا شَبَّهْتَهُ بِخَلْقِهِ كُنْتَ كَافِرًا بِهِ. قَالَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ الْخُزَاعِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ: مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ جَحَدَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ، وَلَيْسَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا مَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ تَشْبِيهًا. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّيْخِ الطَّحَاوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ:"وَمَنْ لَمْ يَتَوَقَّ النَّفْيَ وَالتَّشْبِيهَ زَلَّ وَلَمْ يُصِبِ التَّنْزِيهَ".
(1) سورة الْحَجِّ آية: 1.
(2) سورة يس آية: 82.
(3) في الأصل: (قال) والصواب ما أثبتناه، كما في أكثر النسخ. ن.
(4) سورة مَرْيَمَ آية: 9.
(5) سورة الإنسان، آية: 1.
(6) سورة الشورى آية: 11.
(7) سورة الشورى آية: 11.