يُهْلِكَهُمْ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُمْ عَامٌّ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة، قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ} {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [1] .
وَفِي قَوْلِهِ: {فَمِنْ نَفْسِكَ} - مِنَ الْفَوَائِدِ: أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَطْمَئِنُّ إِلَى نَفْسِه وَلَا يَسْكُنُ إِلَيْهَا، فَإِنَّ الشَّرَّ كَامِنٌ فِيهَا، لَا يَجِيءُ إِلَّا مِنْهَا، وَلَا يَشْتَغِلُ بِمَلَامِ النَّاسِ وَلَا ذَمِّهِمْ إِذَا أَسَاءُوا إِلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنَ السَّيِّئَاتِ الَّتِي أَصَابَتْه، وَهِيَ إِنَّمَا أَصَابَتْه بِذُنُوبِه، فَيَرْجِعُ إِلَى الذُّنُوبِ، وَيَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِه وَسَيِّئَاتِ عَمَلِه، وَيَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُعِينَه عَلَى طَاعَتِه. فَبِذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُ كُلُّ خَيْرٍ، وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ كُلُّ شَرٍّ.
وَلِهَذَا كَانَ أَنْفَعُ الدُّعَاءِ وَأَعْظَمُه وَأَحْكَمُه دُعَاءَ الْفَاتِحَة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [2] . فَإِنَّهُ إِذَا هَدَاه هَذَا الصِّرَاطَ أَعَانَه عَلَى طَاعَتِه وَتَرْكِ مَعْصِيَتِه، فَلَمْ يُصِبْه شَرٌّ، لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة.
لَكِنَّ الذُّنُوبَ هِيَ لَوَازِمُ نَفْسِ الْإِنْسَانِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْهُدَى كُلَّ لَحْظَة، وَهُوَ إِلَى الْهُدَى أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. لَيْسَ كَمَا يَقُولُه بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ قَدْ هَدَاه! فَلِمَاذَا يَسْأَلُ الْهُدَى؟! وَأنَّ الْمُرَادَ التَّثْبِيتُ، أَوْ مَزِيدُ الْهِدَايَة! بَلِ الْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَه اللَّهُ مَا يَفْعَلُه مِنْ تَفَاصِيلِ أَحْوَالِه، وَإِلَى مَا يَتْرُكُه مِنْ تَفَاصِيلِ الْأُمُورِ، فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَإِلَى أَنْ يُلْهِمَه أَنْ يَعْمَلَ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ عِلْمِه إِنْ لَمْ يَجْعَلْه مُرِيدًا لِلْعَمَلِ بِمَا يَعْلَمُه، وَإِلَّا كَانَ الْعِلْمُ حُجَّة عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُهْتَدِيًا. وَ [الْعَبْدُ] [3] مُحْتَاجٌ إِلَى أَنْ يَجْعَلَه [اللَّهُ] [4] قَادِرًا عَلَى الْعَمَلِ بِتِلْكَ الْإِرَادَة الصَّالِحَة، فَإِنَّ الْمَجْهُولَ لَنَا مِنَ الْحَقِّ أَضْعَافُ الْمَعْلُومِ، وَمَا
(1) سورة الْحَاقَّة الآيات 44 - 46
(2) سورة الفاتحة الآيتان 6 - 7
(3) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. وأثبتناه من: «الحسنة والسيئة» ص 84. ن
(4) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. وأثبتناه من: «الحسنة والسيئة» ص 84. ن