فهرس الكتاب
الصفحة 340 من 543

وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ قَدَّمُوهَا عَلَى نُصُوصِ الْوَحْي، وَعَزَلُوا لِأَجْلِهَا النُّصُوصَ، فَأَقْفَرَتْ قُلُوبُهُمْ مِنْ الِاهْتِدَاءِ بِالنُّصُوصِ، وَلَمْ يَظْفَرُوا بِالْعُقُولِ الصَّحِيحَة الْمُؤَيَّدَة بِالْفِطْرَة السَّلِيمَة وَالنُّصُوصِ النَّبَوِيَّة. وَلَوْ حَكَّمُوا نُصُوصَ الْوَحْي لَفَازُوا بِالْمَعْقُولِ الصَّحِيحِ، الْمُوَافِقِ لِلْفِطْرَة السَّلِيمَة.

بَلْ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْ أَرْبَابِ الْبِدَعِ يَعْرِضُ النُّصُوصَ عَلَى بِدْعَتِه، وَمَا ظَنَّه مَعْقُولًا: فَمَا وَافَقَه قَالَ: إِنَّهُ مُحْكَمٌ، وَقَبِلَهُ وَاحْتَجَّ بِهِ!! وَمَا خَالَفَه قَالَ: إِنَّهُ مُتَشَابِه، ثُمَّ رَدَّه، وَسَمَّى رَدَّه تَفْوِيضًا [1] !! أَوْ حَرَّفَه، وَسَمَّى تَحْرِيفَه تَأْوِيلًا!! فَلِذَلِكَ اشْتَدَّ إِنْكَارُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَيْهِمْ.

وَطَرِيقُ أَهْلِ السُّنَّةِ: أَنْ لَا يَعْدِلُوا عَنِ النَّصِّ الصَّحِيحِ، وَلَا يُعَارِضُوه بِمَعْقُولٍ، وَلَا قَوْلِ فُلَانٍ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَكَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: سَمِعْتُ الْحُمَيْدِي يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ الشَّافِعِي رَحِمَهُ اللَّهُ، فَأَتَاه رَجُلٌ فَسَأَلَه عَنْ مَسْأَلَةٍ، فَقَالَ: قَضَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رجُلُ لِلشَّافِعِي: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟! فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! تَرَانِي فِي كَنِيسَة! تَرَانِي فِي بِيعَة! تَرَى على وَسَطِي زُنَّار؟! أَقُولُ لَكَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتَ تَقُولُ: مَا تَقُولُ أَنْتَ؟!

وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ السَّلَفِ كَثِيرٌ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [2] .

وَخَبَرُ الْوَاحِدِ إِذَا تَلَقَّتْه الْأُمَّة بِالْقَبُولِ، عَمَلًا بِهِ وَتَصْدِيقًا لَهُ - يُفِيدُ الْعِلْمَ الْيَقِينِي عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأُمَّة، وَهُوَ أَحَدُ قِسْمَي الْمُتَوَاتِرِ. وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ سَلَفِ الْأُمَّة في

(1) في المطبوعة «تعويضا» ! وهو تحريف

(2) سورة الْأَحْزَابِ آية 36

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام